تأمين المصالح دوافع زيارة رئيسة وزراء إيطاليا للعراق
كرم سعيد
تدخل العلاقات بين روما وبغداد مرحلة جديدة بعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لبغداد في 24 ديسمبر الجاري، وهي أول زيارة لها خارج أوروبا. وتأتي الزيارة وسط متغيرات إقليمية ودولية، في الصدارة منها استمرار الأزمة الأوكرانية، كما أنها تأتي في ظل مساعي إيطالية لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي من خلال محاولة التوصل إلى اتفاقات جديدة مع عدد من الدول المصدرة للطاقة، في الصدارة منها العراق، والتي تحظى بأهمية خاصة، كونها تمتلك موارد نفطية كبيرة، وهو ما يجعلها وجهة للكثير من الدول الصناعية في القارة الأوروبية، والتي تستهدف تعميق شراكاتها في مجال الطاقة مع دول الشرق الأوسط لإنهاء الاعتماد كليا على الغاز الروسي.
تحركات إيطالية تجاه العراق
تأتي زيارة جورجينا ميلوني إلى العراق في إطار جهود إيطالية لتعزيز التعاون مع العراق في مجالات متنوعة، وبخاصة في قطاع الطاقة، وتجلى ذلك في الاتفاق بين البلدين مؤخراً على تعزيز الاستثمارات الإيطالية لتطوير البنية التحتية في قطاع الطاقة العراقي. وثمة اهتمام للشركات الايطالية بتعزيز حضورها في هذا القطاع، وظهر ذلك في مشاركة عدد معتبر منها في معرض بغداد الدولي خلال نوفمبر الماضي، وذلك بهدف التعاقد مع الحكومة العراقية لتأهيل البنى التحتية، لاسيما المنشآت الصناعية التحويلية في قطاع النفط والغاز.
بالتوازي مع ذلك، حرصت إيطاليا طوال الشهور التي خلت على تطوير علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع العراق، ففي يونيو 2021 ، أعلنت روما عن أنها تعتزم الاحتفاظ بوحدة عسكرية كبيرة في العراق؛ لتمكينه من محاربة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ويشار إلى أن لدى إيطاليا 900 جندي ومستشار في إقليم كردستان والعراق، وتشارك في مهمات التحالف بـ 84 آلية عسكرية و11 طائرة عسكرية. كما تعد إيطاليا إحدى الدول التي تشارك في تدريب وتأهيل قوات البشمركة والشرطة العراقية، حيث قامت بتدريب وتأهيل 58 ألف من قوات البشمركة والشرطة العراقية.
في مسار مواز أبدت إيطاليا حرصاً لافتا على تعميق علاقاتها العسكرية مع العراق، وكشف عن ذلك زيارة رئيس أركان الجيش الإيطالي الأدميرال "جوزيبيه كافو درايونه" بغداد في يوليو 2022.
على صعيد ذي شأن حرصت روما على تطوير مساعداتها للعراق، حيث قدمت إيطاليا ما يقرب من 430 مليون دولار، على شكل مساعدات مالية وقروض للعراق بالإضافة إلى مساعدات بقيمة 400 مليون دولار لسوريا.كما تخصص إيطاليا 13 مليون يورو سنوياً للمشاريع التنموية في العراق، وبشكل خاص تلك التي تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار في المناطق التي تحررت من تنظيم "داعش".
دوافع متنوعة
في إطار المعطيات السابقة، هناك جملة من الدلالات والاعتبارات المهمة التي تعكسها زيارة جورجيا ميلوني للعراق، والتي يمكن بيانها على النحو التالي:
إيجاد بديل للغاز الروسي:يمثل ملف الطاقة أحد أهم أولويات زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى العراق، في ظل مساع إيطالية لتنويع الشراكات في هذا القطاع. وضاعف من أهمية هذا الملف الظروف الخاصة بمحاولة تقليص أوروبا الاعتماد على الإمدادات الروسية حربها في أوكرانيا، وتسعى روما لتعزيز علاقاتها مع العراق الذي يعد أحد كبار المنتجين للنفط في المنطقة العربية.
وفي سياق تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية وارتداداتها السلبية على أسواق النفط، تتجه روما إلى محاولة التوصل إلى اتفاقات جديدة مع عدد من الدول المصدرة للطاقة، وفي الصدارة منها العراق الذي تبلغ طاقته الإنتاجية من النفط الخام، حوالي خمسة ملايين برميل يوميا.لذلك تتعلق التحركات الإيطالية الراهنة تجاه بغداد في جانب معتبر منها بتأمين احتياجاتها من النفط، خاصة أن روما تسعى نحو تقليص الاعتماد على الغاز الروسي. وهنا، يمكن فهم زيارة رئيسة وزراء إيطاليا لإقليم كردستان، باعتباره يمثل هو الآخر محط جذب القوى الأوروبية فيما يتعلق بمشاريع الطاقة.
دعم المبادلات الاقتصادية: تهدف روما من دعم تقاربها مع العراق في هذا التوقيت إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا سيما مع مساعي حكومة جورجيا ميلوني لمعالجة الخلل الحالي في الاقتصاد الايطالي نتيجة التضرر من ارتفاع تكاليف الطاقة بالإضافة إلى صعود معدلات التضخم. ويُتوقع أن يساهم التقارب الإيطالي مع العراق من خلال توقيع اتفاقيات تلبي احتياجات روما من الغاز والنفط ، في إنعاش دورة الاقتصاد الإيطالي الذي يعتمد على قطاع الصناعة خلال الفترة المقبلة. ويشار إلى أن الاتحاد العام للصناعة الإيطالية "كونفيندستريا"، قد طالب الحكومة في أكتوبر الماضي بتخصيص حزمة مساعدات بقيمة تراوح من 40 إلى 50 مليار يورو لمنع آلاف المصانع والشركات من الإفلاس بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
وفي المقابل، تستهدف العراق ضمان مشاركة إيطاليا في مجال تطوير بنيتها التحتية، سواء المتعلقة بحقول النفط من خلال شركات الطاقة الإيطالية التي تمتلك خبرة في هذا المجال، أو ما يخص شبكات النقل والموانئ، حيث أعلن العراق في 25 أكتوبر 2022 عن أنه بعد نجاح إيطاليا في إنشاء ميناء الفاو الكبير، فإنه يحفز التعاقد مع إحدى الشركات العالمية الايطالية لإعداد الدراسات والتصاميم لتطوير شبكة خطوط السكك الحديدية العراقية. جدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين إيطاليا والعراق، وصل بنهاية العام 2021 إلى نحو 656 مليون دولار.
توسيع نطاق التعاون الأمني: لا تنفصل زيارة ميلوني للعراق عن الرغبة في تعزيز التعاون الأمني، خاصة في ظل سعى بغداد لاستمرار التحشيد ضد الجماعات المسلحة في الإقليم. وثمة مخاوف متزايدة من تكرار الهجمات الإرهابية في العراق الذي قطع شوط معتبر على صعيد استقراره. وتصاعد القلق في ظل تحذيرات أمريكية من عودة مخاطر تنظيم "داعش"، خاصة بعد إعلان التنظيم عن مسئوليته في 18 ديسمبر 2022 عن مقتل عدد من رجال الشرطة والمدنيين في محافظتي كركوك شمالي العراق.
في هذا السياق، فإن ثمة جهود عراقية لافتة، كشف عنها سعى حكومة بغداد إلى تغيير التكتيكات العسكرية المتبعة في المناطق التي تشهد نشاطات لفلول الإرهاب بالإضافة إلى إتباع أساليب غير تقليدية للمواجهة، يمكن فهم أهمية التعاون العراقي الإيطالي في مجال مكافحة الإرهاب. وبرغم تصاعد التنسيق العراقي مع الولايات المتحدة بالأساس في مكافحة "داعش" إلا أن ذلك لا ينفي أهمية التعاون الأمني مع إيطاليا، وتجلى ذلك في تصريحات رئيس الوزراء العراقي عشية استقباله نظيرته الإيطالية، حيث قال "إن إيطاليا لها دور إيجابي مع العراق خصوصا في الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي".
دفع الاستثمارات الإيطالية في العراق:تسعى روما للاستفادة من الثروات الطبيعية والمعدنية التي تزخر به العراق. ونظراً لما تمتلكه العراق من ثروات، بالذات في قطاع النفط، تسعى روما إلى الاستفادة من هذه الموارد النفطية التي تعاني إيطاليا نقص شديد فيها. ومن المتوقع أن تسفر زيارة ميلوني للعراق عن توسيع نشاط الشركات الإيطالية في السوق العراقية، وبخاصة في قطاع النفط، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن هناك حاجة إيطالية ملحة لتعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة العراقي، وذلك لتوفير بيئة خصبة لضمان زيادة حجم إمداداتها من الغاز والنفط العراقي، وذلك نظراً للزيادة المطردة في حجم الاستهلاك المحلي.
في المقابل، يبدى العراق حرصا لافتا تجاه الاستثمارات الإيطالية خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل سعى الحكومة العراقية الجديدة بقيادة محمد شياع السوداني ضمن مشاريعها إلى تعظيم الاستفادة من ثروته النفطية، من خلال التوسع في بناء المنشآت اللازمة لمعالجة النفط والغاز الخام، وتحويله إلى وقود للاستهلاك المحلي أو للتصدير، وبحسب تقديرات عراقية، فإن الشركات الإيطالية يمكن أن تلعب دورا في هذا المجال.
استعادة النفوذ الإيطالي في الإقليم: تتجه روما لاستغلال تصاعد حدة الاحتقان الشعبي والرسمي ضد السياسات الأمريكية في الإقليم لتعزيز حضورها في إقليم الشرق الأوسط. وتعد الظروف الراهنة من خلال بحث دول الإقليم عن شركاء جدد، فرصة سانحة أمام روما لتوسيع نفوذها في الإقليم. كما تستهدف روما من وراء التقارب مع دول الإقليم، وبخاصة العراق التحايل على أزمة المهاجرين التي تحولت إلى صداع مزمن في رأس الحكومات الأوروبية.
ختاماً، يمكن القول أن زيارة جورجيا ميلوني إلى العراق تأتي في إطار تصاعد وتيرة التنافس الدولي والإقليمي في العراق ناهيك عن أنها تتزامن مع اتجاه موسكو إلى تقليص صادراتها الغازية إلى أوروبا بسبب العقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية ، لذلك يمكن فهم توجه روما نحو احتياطات الغاز والنفط العراقي.