نبذه عن التدريب

شكوك قائمة لماذا تستمرّ المحاذير السعودية حيال الانفتاح على تركيا؟

كرم سعيد / نائب مدير تحرير مجلة الديمقراط ية الأهرام

 

شهدت العلاقات التركية السعودية تطورًا لافتًا منذ نهاية عامِّ 2020 ، وتسارعت مؤشّرات الإنفراج بين البلدين مع زيارة الرئيس التركيّ للرياض في نيسان الماضي، وهو الأمر الذى ساهم في كسر جبل الجليد بين البلدين، ثمّ جاءت زيارة ولى العهد السعودي مح مد بن سلمان لأنقرة في 22 حزيران الماضي، لتكشف عن رغبة ترك ية بالأساس في تطبيع العلاقات، والقفز على الأزمة السِّياس ية الحادة التي اندلعت بينهما إثر مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، واتهام حكومة العدالة والتنميةولي العهد السعودي بتدبير الحادث . ويشار إلى أ ن في إطار مساعي أنقرة ل لعودة تدريجيًا إلى سياسة "تصفير المشاكل"، سعت إلى تقليص حدّة التوتر الذي تصاعد في العلاقات مع الرياض، وهو ما عكسه أيضًا تصريحات المسؤولين الأتراك، حيث أعلن الرئيس التركيّ في شباط الماضي عن أ ن بلاده تطمح إلى تجاوز خلافاتها مع الرياض، وأ كد على أن ثمة العديد من مجالات التعاون الاقتصادي والسِّياسيّ التي يمكن أنْ تتشارك فيها بلاده مع الرياض. كما استقبل وزير الخارجية السعودي نظيره التركيّ في أيار 2021 فضلًا عن لقائهما مجددًا في 16 تموز 2021 ، على هامش المؤتمر الدولي لآسيا الوسطى وجنوب آسيا الذي انعقد في ال عاصمة الأوزبكية طشقند . وبالتوازي مع الخطوات السابقة، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية في 4 كانون الثاني الماضي على أن عام 2022 سيكون عام انفتاحات إقليمية جديدة، وسيشهد تسارعًا في خطوات التطبيع.

تبريد التوتر

سعت أنقرة والرياض إلى تخفيف سخونة التوتر بينهما قبل عامّ ونصف ، على نحو يبدو جليًا في اتصال الرئيس التركيّ بالعاهل السعودي في تشرين الثاني

2020 ، وتأكيده على أهمِّ ية تحسين العلاقات مع الرياض وحلِّ الملفات الشائكة من خلال الحوار، وهو ما دفع وزير الخارجية السعودي للردِّ على هذا الاتصال بالتأكيد على "أ ن المملكة لديها علاقات "رائعة مع تركيا ولا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسم ية للمنتجات التركية" ) 1 (. كما ق دمت السعودية في تشرين الثاني 2020 مساعدات إغاثية لضحايا الزلزال الذي ضرب منطقة أزمير الترك ية . بالتوازي مع ذلك سعت الرياض إلى تعزيز علاقتها العسكرية مع أنقرة، حيث كشف الرئيس التركيّ في آذار 2021 عن طلب سعودي للحصول على دفعة من الطائرات الترك ية ا لمسيّرة. تحركات تركيا لتجسير الفجوة مع الرياض، لم تقتصر على ما سبق، فقد أعلن المتحدث باسم الرئاسة الترك ية في نيسان 2021 عن ترحيب بلاده بالمحاكمة التي أجرتها السعودية للمتهمين بقتل خاشقجي في إسطنبول، وهو موقف يخالف كا فة المواقف الترك ية السابقة التي شكّ كت في نزاهة وقانون ية المحاكمة السعودية، وهو ما يعدُّ تحولًا جوهريًا في الموقف التركيّ. وجاءت الخطوة الأكثر إثارة في نيسان 2022 ، حيث أحال القضاء التركيّ قض ية خاشقجي إلى السعودية، وقال وزير العدل التركيّ بكير بوزداغ إنه سيوافق على طلب المدعي العام بإ حالة القض ية إلى السعودية؛ نظرًا لأ نه قد "طال

أمدها" ولا يمكن تطبيق أوامر المحكمة على المتهمين الأجانب. في السيِّاق ذاته، أعلنت تركيا في آذار 2022 عن دعمها عرض المملكة العرب ية السعودية لاستضافة معرض إكسبو 2030 ( 2 (. كما كان لافتًا أ ن الجهود الترك ية لتحسين العلاقات مع الرياض تتوازى مع مساعي الرئيس أردوغان لزيادة دور بلاده في منطقة الخليج، وتأمين مصالحها في الإقليم، حيث تتحسب أنقرة من التقارب الحادث في العلاقات الإيران ية الخليجية، والتطوّرات التي يشهدها الإقليم منذ قمّة العلا الخليجية في كانون الثاني 2021 . دوافع مختلفة : يمكن تناول دوافع التقارب التركيّ السعودي في هذا التوقيت، وذلك على النحو التالي :

1 - إنعاش الاقتصاد التركيّ: تهدف تركيا من دعم تقاربها مع السعودية في هذا التوقيت إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا س يما مع تراجع الاقتصاد التركيّ، حيث ارتفعت أرصدة الديون، والتي ارتفعت إلى نحو 42 في المئة من الناتج المحليّ الإجمالي في نهاية 2021 ناهيك عن خسارة الليرة أكثر من 40 في المئة من قيمتها مقابل الدولار بعد أنْ أمر الرئيس التركيّ البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة أربع مرات متتالية خلال الأشهر الأخيرة. في هذا السيِّاق، فإ ن السعودية تمثِّل واحدة من أطواق النجاة الممكنة للاقتصاد التركيّ، سواء من زاوية اعتبارها أكبر أسواق الخليج للصادرات التركية، أو من زاوية كونها قوّة مالية يمكنها ضخّ الاستثمارات بالداخل التركي . ~ وفي هذا السيِّاق أيضًا تسعى تركيا للاستفادة من الوفرة المال ية السعودية، ونظرًا لما تمتلكه المملكة من فرص استثمارية ضخمة في تركيا، تسعى أنقرة إلى الاستفادة من هذه الاستثمارات، وتعزيز حضورها في المرحلة الحال ية، في ظلِّ معاناة العملة الوطن ية الليرة ، وصعود شكوك المستثمرين - - الأجانب في الاقتصاد التركيّ. وتشير الأرقام إلى أ ن حجم الاستثمارات السعودية في تركيا تزيد عن ملياري دولار ناهيك عن أ ن السعوديين يعدّون من أكثر الجنسيات التي تزور تركيا للسياحة والاستثمار . كما يعدُّ القطّاع العقاري من أهمِّ القطّاعات الترك ية التي تشهد إقبالًا من طرف المستثمرين السعوديين، حيث تشير البيانات الرسم ية الترك ية إلى وصول كمية الاستثمار السعودي في المجال العقاري إلى 30 في المئة. كما بلغ عدد الشركات السعودية التي تستثمر في قطّاع العقارات التركيّ أكثر من 400 شركة، وبرأس مال سعودي . ويشار إلى أ ن الاقتصاد التركيّ تعرض لانتكاسة لافتة منذ 2018 بسبب سياسة الحظر غير الرسميّ الذى فرضته المملكة على الصادرات الترك ية بعد دخول العلاقة بين البلدين مناخ الشحن على خلفية تصاعد التوتر إزاء الملفات الخلافية غرار ملف النزاع في سوريا وليبيا وشرق المتوسط. وكان مجتمع الأعمال التركيّ قد طالب الرئيس التركيّ في 3 كانون الثاني 2022 بضرورة التحرك نحو المساعدة في حلِّ مشكلة التصدير إلى المملكة العربية السعودية، بالنظر إلى تداعياتها السلبية على واقع الاقتصاد التركيّ حيث كشفت بيانات هيئة الإحصاء الترك ية أ ن الصادرات الترك ية إلى السعودية انخفضت من 3,2 مليار دولار في نهاية 2019 ، لتصل إلى نحو 2,5 مليار دولار في نهاية 2020 . كما تراجعت الصادرات الترك ية للسوق السعودية إلى مستويات قياسية، وغير مسبوقة لتصل إلى نحو 235 مليون دولار في نهاية تشرين الثاني من 2021 ، بينما ح ققت الصادرات السعودية لتركيا رقمًا تأريخيًّا بوصولها إلى أكثر من 3 مليارات دولار ) 3 .)

2 - مواجهة الحضو ر الإيرانيّ :

تأتي التحركات الترك ية تجاه ترطيب العلاقة مع الرياض متزامنة مع مساعى إيران ية لإصلاح علاقاتها الخليجية، وظهر ذلك في انخراط إيران منذ مطلع العام

2021 في محادثات مباشرة مع المملكة العربية السعودية برعاية عراقية، وذلك عقب نحو ست سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما. بالإضافة لما سبق، حققت طهران والرياض في حزيران 2022 نقلة نوعية باتجاه حلِّ القضايا العالقة، وخ فضت مستوى التصعيد. هنا، يمكن فهم القلق التركيّ من انعكاس التقارب الإيرانيّ السعودي على الدور والمصالح الترك ية في منطقة الخليج، كما تخشى تركيا من انعكاس التطور الحادث في العلاقة بين طهران والرياض لحلحة القضايا الخلافية بينهما على نفوذ تركيا في الإقليم، لا س يما وأ ن إدارة بايدن التي تراهن على إنجاح المفاوضات النووية مع طهران، تتجّه بقوّة نحو دعم وتشجي ع إيران والسعودية للوصول إلى تفاهم في اليمن كإجراء لبناء الثقة. وفي هذا السيِّاق، تبدو أنقرة أكثر حرصًا في التوقيت الحاليّ على تصفير الخلافات العالقة مع السعودية، لقطع الطريق على إيران خصمها المذهبي، ومنافسها الإقليمي الأبرز.

3 - استيعاب الضغوط الغربية: لا ينفصل التقارب السعودي التركيّ في جانب معتبر منه عن رغبة البلدين في استيعاب الضغوط الغربية التي تتعرض لها أنقرة والرياض، ففيما يخصُّ الرياض، وصل التوتر إلى الذروة مع إدارة بايدن التي و جهت انتقادات لاذعة للسعودية في الملف الحقوقي للرياض، حتى أ ن الرئيس بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بتحويل السعودية إلى "دولة منبوذة" مع تطورات الأزمة فى اليمن . وتصاعد منحني التوتر في نيسان 2021 ، على خلفية قرار الرئيس الأمريكيّ جو بايدن سحب جزء من قوات بلاده في المنطقة وتوجيهها إلى مناطق أخرى، ما فتح أبواب التكهنات بشأن التداعيات التي قد تنجم عن هذه الخطوة . ويبلغ عدد موظفيوزارة الدفاع الأمريك ية الدائمين الموجودين في دول الخليج أكثر من 10 آلاف موظف، منهم نحو 9500 عسكري . وفي أيار 2020 ، سحبت الولايات المتحدة بطاريتي صواريخ "باتريوت" من السعودية كانت قد أرسلتهما في أعقاب الهجوم على منشآت النفط السعودية في أيلول 2019 ، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة وعسكريين أمريكيي ن) 4( . كما دخلت العلاقة مناخ الشحن بين الرياض وواشنطن مع تفاقم تداعيات حرب أوكرانيا على أسعار الطاقة، وتجاهل الرياض للمطالب الأمريكية برفع إنتاجها النفطي لتعويض تراجع حصّة موسكو في الأسواق العالمية ناهيك عن رفض الرياض الانحياز بشكل واضح للولايات المتّ حدة ضدّ موسكو بعد دخول الأخيرةعسكريًا في أوكرانيا ) 5 .) على الضفة الأخرى ، يرتبط السعي التركي للتقارب مع السعودية بملف العلاقات الترك ية مع القوى الغربية، والصراع السِّياسيّ المتصاعد مع الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، والذي وصل ذروته مع إعلان واشنطن في 27 كانون الاول الماضي بمراقبة الصادرات الترك ية من الطائرات المسيّرة، وتتبّع تداعياتها على الأمن القوميّ الأمريكيّ ناهيك عن استمرار استبعاد تركيا من برنامج إنتاج المقاتلات الجوية F35 بسبب حيازتها منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400 فضلًا عن مواصلة إدارة بايدن انتقاد المآذارات السلطوية للرئيس أردوغان، واتهامه بتأميم المجال العامّ . كما دخلت العلاقات الترك ية الأوروبية مناخ الشحن، في ظلِّ استمرار معارضة الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا للتكتل الأوروبي ناهيك عن مناهضة أوروبا للتحركات التركية للتنقيب عن مكامن الطاقة شرق المتوسط، وتأكيد انحيازها لليونان وقبرص في صراعهما مع أنقرة . وعليه، تسعى تركيا إلى توطيد علاقاتها مع السعودية بهدف تشكيل تحال ف معها يمكن من خلاله إدارة العلاقات مع الغرب أو على الأقلّ تحييد السعودية تجاه القضايا الخلافية بين تركيا وخصومها في الغرب، لا س يما مع توجّه الرياض نحو تعميق العلاقات العسكرية والسياسية مع قبرص واليونان .

4 - توظيف التقارب داخليًا : يرتبط التقارب السعودي الترك ي خلال المرحلة الراهنة بأولويات القيادة السِّياس ية في البلدين، فبينما يبدو الرئيس التركيّ بحاجّة ماسة إلى إصلاح العلاقة مع الرياض، قبيل الاستحقاق الانتخابيّ المقرر لها منتصف العام المقبل، خاصة أ ن توتّر العلاقة مع السعودية انعكس على حركة صادرات الشركات الترك ية للرياض التي تمثِّل سوقًا استراتيج ية للمنتجات الترك ية ناهيك عن توجيه أحزاب المعارضة الترك ية انتقادات غير مسبوقة للرئيس التركيّ بسبب معادته للرياض، والإنزلاق وراء قضايا تخصُّ الداخل السعودي . في المقابل، يبدو وليّ العهد السعودي بدوره بح اجّة إلى تعزيز خطته للمملكة 2030 ، وتعزيز صورة بلاده عالميًا، وهو ما يؤهّل له تسويق نفسه داخليًا باعتباره المؤسّس الجديد للمملكة العصرية، ومن ثمّ تبدو العلاقة مع قوى الإقليم، ومنها تركيا أولوية خلال المرحلة المقبلة .

حذر سعودي

وجه الرئيس التركيّ أردوغان العديد من الرسائل الإيجاب ية للرياض التي تعاملت معها بحذر، ورغم إلحاح الأوّل على أهمِّ ية تطوير العلاقات وتطبيعها بصورة كاملة إلا أن الرياض تبدو أكثر تمهلًا، وتفضِّل سياسة الخطوة خطوة، وهو ما يعني أن ماقدمته تركيا طوال الشهور التي خلت لم يفلح في تبديد شكوكها السِّياس ية بالكامل . ويشير التأني السعودي للتجاوب مع هرولة الرئيس التركيّ نحو تطبيع العلاقات إلى استمرار الشكوك السعودية في سياساته، فقد تكون السعودية ارتاحت لتراجعه النسبي عن مناوشاته السافرة في قضية خاشقجي، وعلى الساحة اليمنية والليبية، ودعم جماعة الإخوان، والكيانات المسلّحة في الإقليم، لكنّها ربما لا تزال على قناعة بأن ما يبدو تراجعًا يدخل في باب المناورات، ويعبِّر عن انحناءات مؤقّتة لبعض العواصف التي هبّت على تركيا الفترة الماضية . والأرجح أ ن ثمّة اعت بارات متنوعة تدفع الرياض إلى تبني سياسة حذرة تجاه انفتاح كامل مع أنقرة

أوّلها: أن مسار الاتصالات طوال الأشهر الماضية أظهر حجم التعقيد في الملفات الخلافية بين البلدين، وخاصّة ما يخصُّ استمرار التأييد السعودي لرؤية التحركات اليونانية والقبرصية شرق المتوسط.

ثانيها : يبدو أ ن ثمّة مرارة سعودية من السلوك التركيّ، فبحسب مراقبين كانت السعودية تنظر لتركيا باعتبارها حليفًا إقل يميًا مهمًّا، ولكن خيبة أمل كبيرة

شعرت بها المملكة بعد مقتل خاشقجي، عندما حاولت تركيا وأردوغان بشكل شخصي مآذارة ابتزاز سياسيّ واقتصادي مع المملكة . وهنا، يمكن تفسير عدّم نيل الزيارة التي أجراها الرئيس التركيّ للسعودية في نيسان 2022 بزخم إعلامي ودبلوماسي داخل الأوساط السِّياس ية السعودية.

ثالثها: أن السعودية لا تزال تتريث في إعادة دفع العلاقات الاقتصادية مع تركيا، حيث لم تصل الصادرات الترك ية للمملكة إلى مستواها المأمول، وبالرغم أ ن صادرات تركيا إلى السعودية قفزت بنسبة 25 % في الربع الأوّل من عامّ 2022 لتصل إلى نحو 70 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الأوّلى من 2022 وفقًا لبيانات جمعية المصدرين الأتراك، وذلك بفضل التقارب النوعي الأخير بين البلدين، إلا إن حجم الصادرات الترك ية يظلّ ضئيلًا عند مقارنته بما كان عليه في 2020 ، حيث صدّرت تركيا بضائع إلى السعودية في كانون الثاني 2020 فقط بقيمة 221 مليون دولار .)

ويرتبط السبب الرابع، باستمرار الشكوك السعودية إزاء القواعد العسكرية الترك ية في قطر فضلًا عن قلق سعودية من حديث متواتر منذ 2020 بشأن توجّه تركيّ لتوقيع اتفاق ية أمن ية مع سلطنة عمان، تسمح لأنقرة بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضي السلطنة .

ويعود السبب الخامس وراء حذر الرياض، إلى إصرار تركيا على دعم ورعاية جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السعودية جماعة إرهابية، حيث تحتضن تركيا عددًا معتبرًا من قادة الجماعة ناهيك عن المنصات الإعلامية التابعة لحركة الإخوان والتي تبث من إسطنبول.

خلف ما سبق، فإن الرياض قد تريد في المرحلة الحالية إبقاء باب العلاقة مواربًا مع أنقرة من دون إغلاقه كاملًا، خاصّة أن أردوغان، ربما يغادر السلطة العامّ المقبل، بالنظر إلى تراجع شعبيته في الشارع التركيّ، وخسارته كجانب معتبر من رصيده التقليدي أوساط صفوف المحافظين الأتراك؛ بسبب التدهور الحادث في العملة التركية، وتردي الأوضاع المعيشية. كما تعي السعودية حجم الضغوط الدولية التي تتعرض لها تركيا، والتي ساهمت في تراجع مناعتها الإقليمية والدولية، وأدخلتها في دوامة من التوترات مع القوى الدول ية، خاصّة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي المقابل تدرك الرياض أن علاقات أنقرة مع موسكو لم ترتقي إلى مستوى التحالف الاستراتيجي مقابل صعود لافت للدور السعودي إقليميًا ودوليًّا، خاصّة بعد أزمة أوكرانيا، وحاجّة القوى الدولية لتعزيز التفاهمات والتنسيق مع السعودية لتعويض النقص الحادث في إمدادات الطاقة التي كانت توفّرها موسكو.

وفي النهاية، يمكن القول أنه برغم سياسة الانفتاح بين أنقرة والرياض، والتي عززتها زيارة وليُّ العهد السعودي لتركيا فضلًا عن إغلاق القضاء التركيّ قضية خاشقجي في حزيران الماضي إلا أن الرياض لا تزال تبدي شكوكًا مستترة بشأن التقارب الكامل مع تركيا، وهو الأمر الذي قد يحوّل دون تطبيع كامل للعلاقة في الوقت الحاليّ .

 


شكوك قائمة لماذا تستمرّ المحاذير السعودية حيال الانفتاح على تركيا؟
شكوك قائمة لماذا تستمرّ المحاذير السعودية حيال الانفتاح على تركيا؟