النفط الفنزويلي خيار (أمريكي – أوروبي) بديلاً عن مصادر الطاقة الروسية
حقائق ملموسة
عبد الكريم جابر شنجار آل عيسى
أستاذ العلاقات الدولية والنقدية المالية//جامعة القادسية/كلية الادارة والاقتصاد
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جادة الى أيجاد بديل عن مصادر الطاقة الروسية من (النفط الخام والغاز الطبيعي) التي تحتاجها أوروبا لسد استهلاك القطاعات الانتاجية والعائلية بعد الغزو الروسي الى أوكرانيا في 24 شباط من العام الجاري وتمثل فنزويلا واحدة من الخيارات المطروحة، إذ ربما يؤدي الغزو الروسي الى ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً مع فنزويلا بحكم الاحتياطيات الضخمة من النفط الخام لدى فنزويلا، وجاءت أولى الخطوات في هذا الاتجاه اللقاء الذي جمع كبار مسؤولي البيت الأبيض في 15 آذار من نفس العام المذكور بحكومة الرئيس الفنزويلي (نيكولاس مادورا) بعد قطيعة دامت عشرين عاماً وتركزت أهداف اللقاء في ثلاثة نقاط:
اولاً: الوقوف على طبيعة التعاون العسكري (الروسي – الفنزويلي)
ثانياً: مناقشة إمكانية أن يصبح النفط الفنزويلي بديلاً للنفط الروسي الذي تستورده أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في حالة فرض الحظر الشامل على النفط الروسي.
ثالثاً: وهي نقطة ليس لها علاقة باستئناف فنزويلا تصدير النفط الى الولايات المتحدة الامريكية تناولت مسألة أطلاق السجناء الأمريكيين في فنزويلا.
ومع تصاعد زخم الحرب في أوكرانيا أخذ منحى حظر واردات الطاقة من روسيا الاتحادية مسألة جدية في نهاية العام الجاري، والسؤال هنا؟ هل يستطيع التكتل المؤلف من (27) عضوا فعل ذلك؟ وما هو البديل المناسب؟ ومن هنا ينظر الى عودة العلاقات الامريكية - الفنزويلية واحدة من إفرازات الحرب على أوكرانيا، وما يترتب عليه من تغير اتجاهات التجارة في الطاقة الأحفورية، وبداية تلك التغيرات في إزالة العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على فنزويلا التي فرضت عليها في آب 2017 من قبل الولايات المتحدة الامريكية عندما عطل الرئيس الفنزويلي إعادة كتابة الدستور وتفكيك السلطة التشريعية، حينها اصدر الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) إجراءات اقتصادية ومالية سريعة ضد نظام فنزويلا وعلى قطاع الطاقة بشكل خاص، وبحسب تقرير اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ترتب على ذلك انخفاض انتاج النفط الخام بمعدل خمس مرات وتراجعت صادرات فنزويلا بنسبة (50%) بعد العقوبات الامريكية، وتلا ذلك انخفاض استيراداتها بنسبة (-10 %) بمعدل شهري عام 2017 ثم الى -50%)) عام 2020 والأكثر الأثر المعاشي على المواطن الفنزويلي أذ انخفض معدل الأجور الشهرية الى 3 دولار أمريكي.
ونلقي الضوء أكثر على هذا الموضوع في نقطتين:
اولاً: حقائق عن الخيار النفطي الفنزويلي
1- تم اكتشاف النفط في فنزويلا عام 1922 وأصبحت فنزويلا أكبر مصدر للنفط الخام عام 1928، وبعد تأميم النفط عام 1976 حدث تحول في الاقتصاد الفنزويلي كحال الدول النفطية الرئيسية الاخرى في العالم، إذ أهملت التنويع الاقتصادي وأصبح القطاع الاستخراجي يمثل نسبة تصل الى (60%) من ناتجها المحلي الاجمالي، وتمثل العوائد النفطية نسبة تصل الى نحو (96%) من اجمالي الايرادات المالية وتستورد الغذاء والدواء.. ويذكر أن فنزويلا من المؤسسين الى منظمة (OPEC) في اجتماعها التأسيسي في بغداد أيلول 1960.
2- تمتلك فنزويلا احتياطيات ضخمة من النفط الخام بحجم يبلغ 304 مليار برميل يمثل ما نسبته (18%) من الاحتياطيات العالمية من النفط الخام في العالم البالغة 1733 مليار برميل، وهي بذلك تحتل المرتبة الاولى عالميا ثم المملكة العربية السعودية الثانية بنسبة (17%) ثم كندا ثالثا (11%) رابعا أيران (9%) وخامسا العراق (8%).
3- يغلب على طبيعة النفط الفنزويلي كونه من النفط الثقيل والسميك (حامض) وهذه الميزة تقلل من أهمية هذا النوع من النفوط في العالم لأنه يتطلب عمليات خاصة عند الاستخراج والتكرير والنقل، وعند مقارنة سعر البرميل الواحد لنفط فنزويلا فقد بلغ نحو 62.72 دولار لشهر أكتوبر لعام 2021 في حين سعر النفط العراقي والسعودي الخفيف (Light) نحو81.48 و 82.77 للبرميل على التوالي .
4- قبل العقوبات الامريكية تنتج فنزويلا نحو 2.24 مليون برميل يوميا وذلك عام 2016 تصدر منه 1.9 مليون برميل يوميا وتستهلك الباقي، وعوائد بلغت 22 مليار دولار، وبعد العقوبات انخفض الإنتاج الى 540 برميل يوميا وبنسبة (-40%) عام 2020.
ثانيا: الدبلوماسية أو البراغماتية في التقارب الأمريكي – الفنزويلي:
1- هيمنة تجارة النفط الخام بين الولايات المتحدة الامريكية وفنزويلا، وتبلغ حجم الواردات الأمريكية من النفط الخام الثقيل قبل فرض العقوبات عام 2016 نحو 741 ألف ب/ي و55 ألف ب/ي من المنتجات البترولية الثقيلة، في حين تستورد فنزويلا نحو 75 ألف ب/ي من المنتجات البتروكيماوية من أمريكا.
2- لا تزال الولايات المتحدة الامريكية تعتمد على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة الأولية وبنسبة تصل الى (80%) مقابل (18%) من بدائل الطاقة النظيفة و(2%) من الطاقة النووية، والوضع أصعب فيما يتعلق بالجانب الأوروبي (الاتحاد الأوروبي)
3- من الناحية الجيوسياسية وأمن الطاقة فدول الاتحاد الأوربي تستورد (30%) من النفط الخام و(15%) من المنتجات النفطية بقيمة تبلغ 80 مليار دولار لعام 2021، أما حاجة أوروبا الى الغاز الروسي تشير الأرقام عن الواردات الأوروبية لعام 2021 من الغاز الطبيعي بواسطة الانابيب (pipeline) نحو 211.3 مليار / م3 منها 167.7 مليار /م3 من روسيا وبنسبة تبلغ نحو (79%) أما الواردات الأوربية من الغاز الطبيعي عبر الناقلات (LNG) فتمثل وارداتها بهذا الوسيلة نحو 17.2مليار/ م3 وبنسبة (15%)، وهذا يعني ان الاتحاد الاوروبي يعتمد بنسبة (57%) من احتياجاته من الغاز الطبيعي على روسيا الاتحادية وهذا يعني أكثر من النصف بكثير. وبالتالي هي مسألة لا يمكن تجاوزها من خلال فرض العقوبات وحظر الطاقة الروسية، فقد برزت خلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول تبني العقوبات من عدمها مثلا (موقف المجر وسلوفاكيا)، حول الإقلاع السريع عن الغاز الروسي.
4- وعن البدائل القريبة للمصدر الروسي الذي يستحوذ على نسبة (27%) من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي البالغ نحو 140.3 تريليون/م3، تطرح خيارات أخرى لزيادة حصة الواردات الأوربية منها سواء من داخل الاتحاد الأوربي مثل النرويج وهولندا أو من خارج الاتحاد مثل قطر وأستراليا والجزائر وكندا ونيجيريا وكازخستان، وبالتأكيد أن تكاليف تسيل الغاز الطبيعي ليصبح أكثر كثافة من الغاز الطبيعي وأقل من كثافة الفولاذ عند الضغط الجوي حتى يتم نقله بواسطة الناقلات وتفريغ حمولتها في موانئ خاصة غير متوفرة في بعض الدول الأوربية مثل المانيا، هي أكثر تكلفة وستنعكس على حياة المواطن الأوروبي الذي بدأ يشعر فعلا بارتفاع أسعار مصادر الطاقة .
5- لا يمكن أن توفر البدائل المطروحة زيادات إضافية في الأجلين القصير والمتوسط لأسباب منها ان المنتجين الرئيسين من الغاز الطبيعي لديهم عقود طويلة الاجل مع الدول المستهلكة للغاز الطبيعي وهذا ينطبق على دولة قطر التي تحتل المرتبة الثالثة بحجم الاحتياطيات من الغاز الطبيعي بحجم 24.7 تريليون/م3 وبنسبة (21%)عالميا ، في حين هناك إشكاليات سياسية مع إيران لا نريد طرحها هنا التي تمتلك ثاني احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بحجم 32.1 تريليون/ م3 وبنسبة (23%) عالميا.
الملخص
نستنتج من كل ما طرح، من الصعوبة تغير اتجاهات التجارة العالمية في مصادر الطاقة القائمة، حتى لو استخدمت التكنولوجيا المتطورة لا يمكن تغير قواعد التوزيع الجغرافي لتلك المصادر، لربما أيجاد بدائل نظيفة لهذا النوع من الطاقة هي السبيل الوحيد لكسر المعادلة، كذلك حتى لو نجحت الدبلوماسية في إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وفنزويلا من جهة اخرى في العلاقات النفطية في ضوء تصاعد وتيره الحرب الروسية – الأوكرانية (سيما ان العقوبات على فنزويلا هي عقوبات ليست أممية ولم يوافق مجلس الأمن الدولي حينها على قرار بشأنها بل هي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء المقربون) ربما يحل جزء مؤقت أذا ما علمنا أن فنزويلا تصدر ما نسبته (15%) من نفطها الى أوروبا قبل العقوبات الأمريكية عام 2017 في حين الشريك الآسيوي يستحوذ نسبة (72%) من الصادرات الفنزويلية من النفط الخام في العام الأخير، فالأمر أذن يحتاج الى المزيد من الدبلوماسية الأمريكية للتعامل مرة أخرى لإعادة الشراكة التجارية الثنائية في السلع بين البلدين والتي كانت قبل العقوبات تمثل بالنسبة لفنزويلا المرتبة الاولى مع شركائها التجاريين الاخرين.