مخرجات حلقة نقاشية حول ( ماجرى في افغانستان واثره على العراق)

تاريخ النشر:
2021 تشرين الأول 11

مخرجات ندوة
اقام مركز رواق بغداد حلقة نقاشية حول (ما جرى في أفغانستان مؤخراً وانعكاساته على العراقي أمنياً وسياسياً) شارك فيها ابراهيم العبادي ،عصام عباس ،الفريق نجيب الصالحي ،صالح المالكي ،الاعلامي محمد الساعدي
  اذ يشترك البلدان بعامل الوجود الامريكي والذي ادى الى تغيير النظام السياسي في افغانستان والعراق
ولهذا سيناقش موضوع الحلقة مجموعة من التساؤلات التي يسعى المشاركون فيها لبناء تصورات مشتركة لتفسير وتحليل ما جرى في افغانستان وامكانية حدوثه في العراق .
يكاد يكون السياق الأفغاني والعراقي متشابهان في جوانب كثيرة ومختلفان في جوانب أخرى، هذا التشابه هو السبب الذي يدفع نحو التفكير في إمكانية تكرار سيناريو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في العراق وهنا ندرس أثر هذا الانسحاب "المتوقع" ومآلاته. فكلا النموذجين "الديمقراطيين" قد قاما بفعل التدخل الخارجي –الاحتلال الأمريكي- على اختلاف دواعي هذا التدخل، والى الآن هناك تواجد عسكري أمريكي في أفغانستان والعراق، رغم اختلاف عددها بين البلدين.  وتعاني التجربتان من فساد يضرب أطنابه في مفاصل الدولة المختلفة والأهم منها المؤسسة العسكرية. إضافةً إلى أنه من المهم أن نأخذ بنظر الاعتبار وجود أكثر من فاعل ولاعب داخل الساحة الأفغانية والعراقية أيضاً. 
ابراهيم العبادي: الصعود الأخير لطالبان في أفغانستان أثر الانسحاب الأمريكي أثار تساؤلات عديدة، منها هل إن ما حصل في أفغانستان ممكن أن يتحقق في العراق؟ ومن المهم قبل أن نطرح هذا السؤال أن نجد إجابةً للسؤال الأهم وهو لماذا نربط بين ما حصل في أفغانستان بالعراق؟ هذا يجعلنا ندرك إننا نفكر الآن بطريقة المسبقات الذهنية، في اذهاننا إن ما حصل في أفغانستان هو هزيمة للمشروع الأمريكي هناك. وبما إنه لأمريكا مشروع سياسي في العراق أذن فإن هذا المشروع السياسي لديه أعداء كثر في العراق خاصة وإن هناك محور يتبنى هزيمة هذا المشروع. التساؤل المطروح هو هل هناك غالبية عراقية تود أن ترى المشروع الأمريكي يفشل في العراق على غرار الفشل الذي حصل في أفغانستان، ولو حصل مثل هذا السيناريو هل هناك إجماع عراقي على إن الانسحاب الامريكي بذات الطريقة التي حصل في أفغانستان قد يحصل هنا، وهل سيرافق ذلك الانسحاب انقسام مجتمعي يقود الى فوضى سياسية وأمنية. علينا أن نسأل ما موقف المكونات العراقية من هذا الانسحاب، هناك مكون او جزء منه يسعى الى هزيمة المشروع الأمريكي، وهناك آخرون في المجتمع العراقي وفي السلطة السياسية في العراق يرون إن الانسحاب الامريكي من العراق سيترتب عليه آثار سلبية، فمثلاً هناك مصلحة استراتيجية لدى الكورد في بقاء الأمريكان في العراق، يشاركهم في هذا كثير من أهل السنة سياسيين وعسكريين ومثقفين ورجال دين يعتقدون إن انسحاباً امريكياً من العراق من شأنه يجعل من الشيعة تهيمن على العراق أو على الأقل المحور الشيعي الذي يتبنى مشروع هزيمة الامريكان هنا. كل هذه الأسئلة الخطيرة تحتاج الى أجوبة وقراءة مقارنة إن صح التعبير، هل إن العراق متماثل مع أفغانستان، متشابه من حيث البنية السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية، هل ما جرى في افغانستان سببه خطأ امريكي ام ان ظروفاً موضوعية ادت الى كل هذا. أنا أعتقد ان المشروع الأمريكي الذي يهتم بمعالجة التطرف الاسلامي في المنطقة قد فشل بدليل إن الدول التي تبنت هذا المشروع الى اليوم تعاني من غياب الاستقرار. 
عبد الكريم خلف: في قراءة جيو- سياسية فأفغانستان تحيطها ست دول كذلك العراق، لأفغانستان أطول حدود مع باكستان تقدر بـ 2600 كم وللعراق 1400 كم مع ايران. في العراق أغلبية شيعية وايران أغلبية شيعية، باكستان لديها أغلبية بشتونية وعملت على تأسيس تنظيمات إسلامية في أفغانستان، وإيران أيضاً أسست تنظيمات إسلامية في العراق. الطرف المهيمن في تغيير اللعبة السياسية في العراق وأفغانستان هم الأمريكان، تنيظم طالبان تنظيم متماسك ومدعوم من دولة لا يمكن السيطرة على حدودها –باكستان- وهنا علينا ان ننتبه الى إنه لا يمكن هزيمة 300 الف جندي أفغاني ولديهم من الأسلحة ما يقدر بـ 84 مليار دولار بدون قتال الا اذا كان هناك عرض استخباراتي قد جرى لطالبان قبل أن تدخل أفغانستان. فمثلاً وادي بانشير بقي معقلاً منذ عشرات السنين وكان الرهان أن لا يسقط، والواقع إنه سقط في 72 ساعة، هذا اعطى مؤشراً على إن الباكستانيين قد بذلوا جهداً في عملية دخول طالبان وسيطرتهم على أفغانستان. أنا أعتقد إن المشروع الأمريكي نجح نجاحاً باهراً، المشروع الامريكي أراد الصراعات والفوضى في كل من العراق وافغانستان، والآن نحن نعيش الفوضى. صناعة الفوضى في مكان ما هي صناعة الاستخبارات.
ابراهيم العبادي: إن الدخول الامريكي الى افغانستان والعراق كان وفق رؤية استراتيجية امريكية كانت تعتقد إن بعد انتهاء الحرب الباردة سيكون الاسلام المتطرف هو العدو الاول لأمريكا، وهذا الاسلام المتطرف يمثله اتجاهين: الأول اسلام متطرف شيعي والآخر متطرف سني. الاسلام الشيعي تمثله ايران الدولة واحزاب شيعية نجحت ايران في بثها في المنطقة. الاستشراق الأمريكي ومراكز الدراسات لديهم لا تعتبر هذا المشروع مشروع عدواني لما فيه من اجتهاد ومرجعيات لا يمكن حصرها في يد شخص متطرف. بينما من داخل الاسلام المعتدل الذي كان يوماً ما متوافق معهم (الاسلام الوهابي) فقد فرخ منظومات اسلامية متطرفة ضربت الأمريكان في عقر دارهم، بريجينسكي وبعد الثورة الاسلامية في ايران كان يحذر من عدو، هذا العدو الذي تمثله منظمات وليست دولاً. منظمات لا يمكن مواجهتها وستكون التحدي الأكبر للامريكان. بينما الاسلام السني المتطرف لا يمكن مواجهته الا بنشر الديمقراطية وهذا يتم من خلال قوى ناعمة مرةً وعن طريق الاحتلالات مرةً أخرى. فشل مشروعهم في المنطقة بسبب انهم اصطدموا بسياق تاريخي واجتماعي وسياسي غريب جعلهم يرتكبون الكثير من الاخطاء والحماقات أدت الى الفشل السياسي والاقتصادي. هم نشروا الفوضى من حيث لا يريدون. 
عصام عباس: لم يكن للأمريكان مشروع لنشر الفوضى، هم كان لديهم مشروع كامل لبناء امة. وما نخشاه الآن في العراق هو إن الامريكان قد غادروا فكرة بناء الامة وهذا جاء باعتراف بايدن. مشروعهم كان يركز على نشر الديمقراطية وبناء الامة، هم يؤمنون بأن هذه الدول متى ما أصبحت ديمقراطية فانها ستكون غير خطرة. الخطر الذي تمثله طالبان هو ابتعادهم وعدم تفكيرهم ببناء الدولة. الامريكان الآن يراهنون على جيل تأثر بالاحتلال الامريكي وما رافقه من ادخال للحداثة في المجتمع الافغاني. نحن في العراق اليوم لا نستطيع ان نعيش بالعقلية القديمة. 
محمد الساعدي: اعداء أمريكا في العراق أكثر من اعدائهم داخل أفغانستان، وبالتالي فقضية التغيير في العراق وإن كانت سهلة من باب التنظير الا أنها صعبة التطبيق على أرض الواقع. الآن من الصعب جداً تغيير النظام السياسي في العراق. من يهدد المشروع الامريكي في العراق هو المتطرف والمتشدد السني و المتشدد الشيعي الذي يتبع ولاية الفقيه، يضاف لهم من لا يزال مؤمن بعودة البعث للسلطة.  بينما نلاحظ في افغانستان من كان يعادي المشروع الامريكي هم طالبان فقط. 
الفريق نجيب الصالحي: السياسة الامريكية لا يمكن حزرها بالكامل، العامل الأكثر تأثيراً بما يتعلق بالعراق هو إسرائيل، والاخيرة هي المستشار المهم والأول فيما يتعلق بسياسة أمريكا في العراق. المسؤولية التي تقع على عاتقنا اليوم هي ان نجيب على السؤال التالي: ماذا لو حدث في العراق ما حدث في افغانستان، ماذا لو انهار النظام في العراق؟ تجربة 2014 في العراق وهزيمة الجيش والقوات الأمنية وانهيار الناس أثر دخول داعش ما تزال حاضرة في الاذهان، الانهيار الذي حصل في الموصل وصل صداه الى البصرة. نعم ان الانهيار يكون في جانب من جوانبه مخابراتي ولكن الأهم هو الجو المجتمعي الذي نعيشه، الجو العام في البلاد فيه من العوامل ما يساعد على ان أي انهيار جزئي يتحول الى انهيار عام. الخدمة الحقيقية التي نستطيع تقديمها الآن هو أن نخمّن ماذا لو تكرر سيناريو 2014 وما المطلوب عمله الآن علينا بحساب أسوء الاحتمالات. الجو العام في العراق غير ثابت فعلياً، الأكراد مع الامريكان كذلك الاتجاه السني، والاتجاه الشيعي عموماً ايضاً مع الامريكان. من يقولون بعودة حزب البعث الى السلطة في حال انسحاب الامريكان يشجعهم التردي الذي لم يتوقف الى الآن. اذا تكررت تجربة أفغانستان في العراق سيكون هناك انهيارات في المنطقة الشمالية والمنطقة الغربية، وبالتالي من سيدافع عن هذا النظام هم الشيعة فقط. الشيعة الآن جيش وحشد، ومن المهم في الوقت الحالي تقوية الجيش وهذا لا يتحقق ما لم يتم الغاء المحاصصة الطائفية في قيادة الجيش. وتكثيف التدريب الذي يغيب الآن من الجيش. واقعاً لو تكرر سيناريو افغانستان فجيشنا بحاله اليوم جيش لا يقاتل. على الرغم من وجود خصائص أفضل من الجيش السابق، فالجنود اليوم كلهم مطوعين ورواتبهم جيدة وعلاقاتهم الاجتماعية كذلك. 
ابراهيم العبادي: هناك رأي يقول بان الانسحاب الأمريكي من العراق سيقود بجزء من الحشد للانقلاب على السلطة والسيطرة عليها من داخلها، يقابله رأي يقول بان من شان هذا الانسحاب أن يشجع امثال داعش وربما تستعيد نشاطها في العراق لأخطاء سياسية ومشاكل متراكمة فتنتعش من جديد وتبدأ بالهجوم. وهنا فافتراض تغيير النظام بعد الانسحاب يسير باتجاهين متعاكسين. 
 
صالح المالكي: العقل العربي دائما ياتي على النتائج وردود الافعال. ايران ركزت على العلاقات مع القبائل الافغانية، ايران مخطئ من يعتقد انها تركز في علاقاتها على الشيعة فقط. لا توجد في العراق حالياً قوة منظمة ذات قدرة عسكرية هائلة مثل طالبان. 

ماهي تداعيات الانسحاب الامريكي من العراق من الناحية السياسية؟ 
عصام عباس: الشئ الذي يجعل النظام السياسي العراقي متماسك وغير معرض للانهيار هو ان الجميع مستفاد من هذا النظام حيث هناك تقاسم وهناك حصص. غياب الامريكان من افغانستان اعطى رسالة للمقاومة وكل الحركات الجهادية في العالم ان هزيمة الامريكان امر ممكن. ومن الممكن ايضاً ان تستأثر هذه الفصائل المقاومة في العراق بالسلطة. نحن دخلنا مرحلة الخطر الحقيقي. 
 
ابراهيم العبادي:  الخيارات المطروحة امام الحكومة العراقية هي: ليس هناك خيارات كبيرة، خياراتنا محدودة في حال انسحبت القوات الامريكية وهو الخيار المتمثل بالدفاع الذاتي عن الوجود، قواتنا لابأس بها ولكن علينا أن نستخلص الدروس مما حصل في الموصل، وخفض نسبة الفساد عند القادة، وتوفر الارادة السياسية. وهذه توصيات لكل الجهات. ما حصل في افغانستان ان الشعب الافغاني لم يكن لديه رد فعل على طالبان. لابد في العراق من اعادة اللحمة بين الامة العراقية والسلطة وهذه الاخيرة تعتمد على آليات سياسية. نحن الى الآن نعاني من هشاشة بين المكونات العراقية وللاسف لايزال الخطاب الطائفي موجود. 

 الخلاصة والاستنتاجات: 
1.    رغم ما يبدو للعيان من تشابه للوهلة بين التجربة الأمريكية في أفغانستان والتجربة ذاتها في العراق، الا إن السياق العراقي يختلف بجزئيات مهمة عن السياق الأفغاني، هناك عوامل قوة تتوفر في العراق من المهم التركيز عليها وانضاجها، وأخرى عوامل فشل نعتقد من الضروري مراجعتها والوقوف على أسباب حدوثها لتجنبها مستقبلاً. 
2.    طرحت نقاط مهمة تتناول أعداء المشروع الأمريكي في العراق، سواء كان أعداء هذا المشروع من الداخل أو الخارج، لكن غفلت عن أصدقاء هذا المشروع عل الصعيدين أيضاً –داخلياً وخارجياً- أو بشئٍ من التفصيل من هي الدول التي تعمل على عدم فشل هذا المشروع في العراق غير إسرائيل، تركيا ودول الخليج تخشى كثيراً من إن فشل المشروع الامريكي في العراق سيدفع باتجاه أن يكون العراق مسرحاً لتحركات إيرانية ضدهم، الأردن ايضاً لديها تخوف في حال فشل هذا المشروع من أن يدعم "عراق ما بعد المشروع الامريكي" حراكاً اسلامياً متطرفاً في الأردن بحجة العلاقات الجيدة للأردن مع إسرائيل. 
3.    داخلياً اذا اخذنا بما أفترضه المتحدثين من وجود اتفاق كوردي وسني مع المشروع الأمريكي، يقابله موقف شيعي منقسم، فمحور المقاومة ضد الامريكان أما الاطراف الاخرى فأنها قد ترى امكانية التفاوض والتعاون مع الامريكان .
4.    في الجانب السني الذي من الخطأ اعتباره موحداً ايضاً، هناك عشائر وأحزاب تدعي تمثيل هذا المكون ولها جمهورها داخلة فعلاً في المشروع الأمريكي والعملية السياسية، وهي بالتالي يرتبط وجودها بوجود هذا المشروع. وهناك جماعات مرتبطة بحزب البعث تنشط بشكل او بآخر داخل هذا المكوّن تعمل بالضد من هذا المشروع وتتحين الفرص للانقضاض عليه (لنتذكر الأيام الاولى من انسحاب الجيش من الرمادي) حيث نشط الخطاب البعثي وتحرك أعضائه ومناصروه. ....لقراءة المزيد