(University Independence (A Study in Iraqi Legislations

Date of publication:
2021 December 27

د. نبيل الذبحاوي ( كلية القانون – الجامعة الوطنية الماليزية ukm)
مقدمة 
تعد مشكلة تسييس العمل المهني من أهم المشاكل التي تواجه المجتمعات المعاصرة لما في السياسة والمهنية من نقاط تعارض تؤثر في حال سيطرة السياسة على المهنة أو تحول السياسة إلى مهنة أو حرفة. ولعل المشكلة الأولى هي الأكثر تحققا في  الواقع العملي وهو ما يحتم إيجاد حلول تنأى بالمهنية عن التدخل السياسي الذي له ما يحكمه من قيم تختلف عن قيم المهنية والحرفية.
وفي إطار العمل الجامعي فإن تسييس الجامعة واحد من أهم نقاط الدمار التي تلحق بالجامعة فتجعلها بوقا من أبواق السياسة لا تستطيع أداء مهمتها في ترشيد المجتمع، فتتحول إلى مصدر للمعرفة إلى معبر عن وجهة نظر سياسية قد لا تكون صحيحة أو رشيدة كما نعلم.
وفي العراق فإن هذه المشكلة أخذت مدى أوسع بعد أن حولت الدولة ،في فترة من الفترات ، الجامعة إلى منبر إعلامي لها حتى باتت المناهج معبرا عن وجهة نظر الدولة ورؤيتها السياسية. ومن أجل التخلص من هذا المرض الخطير الذي يدب في أوصال الجامعة فقد تصاعدت الدعوات إلى استقلال الجامعة منذ 2003 ولغاية يومنا هذا مطالبة باستقلال الجامعة.
لكن هذه الدعوات ،وبغض النظر عن هدف مرددها ، لم تفلح  في تشخيص المشكلة تشخيصا دقيقا مما جعلها لا تقدم حلا حقيقيا لها بل قدمت حلا لداء آخر هو المركزية الشديدة مما يجعل تطبيق ما تدعو إليه هذه الأطراف من وجود جامعة دون مرجعية أمرا محفوفا بالمخاطر التي قد يكون من بينها انتكاس تجربة الجامعة المستقلة والعودة بتطرف إلى تسييس الجامعة. وقد حدث هذا فعلا في تجربة الجامعة التكنولوجية التي لم تحدث تغييرا نوعيا في طريقة إدارة المؤسسة التعليمية في العراق. 
من هنا ، يتناول هذا البحث المشكلة من زاوية التشريعات العراقية منذ انبثاق الدولة العراقية الحديثة وحتى يومنا هذا للتوصل إلى حل حقيقي للمشكلة يحول الجامعة مركزا للإبداع العلمي.
ومن أجل الإحاطة بالموضوع فقد قسمنا البحث إلى ثلاثة مباحث قدمنا لها بتمهيد حول مفهوم استقلال الجامعة لأن كثيرا من الحلول المقدمة في باب استقلال الجامعة قد فشلت لأنها لم تحدد مفهوما واضحا للاستقلال.وفي المبحث الأول تطرقنا إلى تنظيم التشريع العراقي لاستقلال الجامعة وقد قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين تناولنا في الأول التنظيم التشريعي قبل 1968 وفي الثاني بعد 1968.أما المبحث الثاني فقد خصصناه لأشكال استقلال الجامعة وتكلمنا فيه عن الآلية التي تنفذ بها أطروحة الجامعة المستقلة ووزعنا الكلام فيه على مطلبين الأول كان بعنوان الجامعة المنفردة فيما كان الثاني بعنوان مجلس الجامعات.
وفي المبحث الثالث والأخير تطرقنا إلى المتطلبات التي تحتاجها الجامعة لكي تكون مستقلة وكانت ثلاثة خصصنا مطلبا لكل منها وهي تعيين القيادات الجامعية وعزلها والتمويل المالي والرقابة على الجامعة.
تمهيد : مفهوم استقلال الجامعة  
يمكن القول أن مفهوم الاستقلالية في إطار العمل الجامعي يعد واحدا من المفاهيم التي اعتراها الكثير من اللبس في الوسط الجامعي والسياسي العراقي خاصة بعد 9/4/2003 وهو الوقت الذي انطلقت معه الدعوات إلى استقلال الجامعة.
وإذا كانت هذه الدعوات قد انطلقت من جهات متعددة منها جهات أكاديمية ومنها جهات سياسية أجمعت على ضرورة منح الجامعة الاستقلالية في الإدارة فإنها قد اختلفت في معنى هذه الاستقلالية وفي آلية الوصول إليها فظهر  اتجاهان كل منهما يحدد مفهوما مختلفا لاستقلال الجامعة.
يركز الاتجاه الأول على أن استقلال الجامعة يعني عدم الترويج لأفكار سياسية أو لاتجاهات حزبية سياسية داخل الحرم الجامعي لأن الجامعة حرم آمن وهي فوق الميول والاتجاهات وقد ظهر هذا الاتجاه واضحا في إعلان أربيل  
غير أن البعض يتهم هذا الاتجاه بمجافاة الواقع فمن غير المتصور أن يمتنع الأستاذ والطالب عن ممارسة حقهما في التعبير عن الرأي وفي ممارسة العمل السياسي بل أن التعبير عن الرأي ، وإن كان سياسيا، يشكل قوام العمل الجامعي وأساسا للوصول إلى التفكير الحر الذي يوصل إلى الحقيقة . 
ونحن نرى أن هذا الانتقاد صحيح لو حمل الاستقلال معنى عدم الترويج لفكرة سياسية أو لأفكار حزب معين فهذا المفهوم يتعارض مع ثوابت عدة لن يكون حظه معها الصمود أولها إن تبني هذا الرأي يتطلب منع الأستاذ أو الطالب من حمل وجهة نظر سياسية فيما يدور من حوله أو أن لا يعبر عن الرأي الذي يحمله داخل الجامعة وكأن الجامعة ليست جزءا من البلد الذي يتمتع كل مواطن بحرية التعبير عن وجهة نظره وكأن الدخول إلى الجامعة سوف يكون قيدا على هذا الحرية التي كفلها الدستور. إن الجامعة ، والحال هذه ، لن تكون المنبر الحر الذي تتلاقح فيه الأفكار المختلفة والآراء المتعددة ويزدهر فيها البحث العلمي في ظل تعددية يسندها فضاء الحرية بل بالعكس من ذلك ستكون الجامعة سجنا فكريا لا يسمح فيه للفكرة أن تنمو وللرأي أن يبرز ويناقش.
ومن ناحية أخرى فإن الدرس الجامعي والبحث العلمي، وهما وسيلتا الجامعة لتحقيق هدفها ، تفرض على الأستاذ وعلى الطالب تبني وجهة نظر سياسية في كثير من الأحيان، فإذا تبنى أستاذ الاقتصاد وجهة النظر التي تتبناها الماركسية فهل سنمنعه بحجة وجود فصيل سياسي يتبناها ؟ وإذا وقف أستاذ القانون عند دستور 2005 فهل سيبقى ساكتا بحجة أن الحديث عنه تسييس للدرس الجامعي ؟ وماذا لو تكلم أستاذ الفقه عن علاقة المرجعية بالدولة ووجهة النظر الإسلامية في حقوق المرأة ؟ 
أما الاتجاه الثاني فهو يركز على استقلال الجامعة عن الوزارة وعن الحكومة فهيمنة الحكومة المركزية على الجامعة، على وفق هذا الرأي ،هو الذي ينفي استقلالها ويضعف بالتالي قدرتها على أداء مهامها في المجتمع وأداء أهدافها  ولا يعني هذا الاتجاه أن مفهوم استقلالية الجامعة يعني خصخصة الجامعات وادارتها من قبل القطاع الخاص بمعزل عن الدولة وتمويلها ورقابتها بل يقصد إعطاء الجامعات الحق في الإدارة الذاتية مع بقائها مؤسسات قطاع عام  ، فهناك شروط لاستقلالها بحيث تبقى مسؤولة أمام الدولة وتبقى الدولة مسؤولة عن صرف مخصصات التعليم العالي والبحث العلمي وعلى أساس المفاضلة والاحتياجات بالإضافة إلى مهماتها في وضع وتطبيق سياسات الدولة في مجال التعليم العالي.
وأيا كان الأمر فإن لكلا الاتجاهين حجج ومبررات يستندان عليها لا نستطيع التوسع فيها لكونها تخرج عن موضوع دراستنا التي هي دراسة في التشريعات العراقية .لكننا نقف وقفة قصيرة بين الاتجاهين السالفين لكي يتضح مفهوم الاستقلالية.
إن الاستقلال ،بحق ، ليس هو الهدف المنشود بذاته من الجامعة بل هو صفة تتوافر في الجامعة تمكنها من الوصول إلى هدفها في خدمة المجتمع   فلكي تخدم الجامعة مجتمعها بأفضل صورة يجب أن تكون حركتها حركة حرة نحو البحث عن الحقيقة وتقديمها للمجتمع.
وما دام الأمر كذلك فإن ما تبناه الاتجاه الأول في وضع مفهوم لاستقلال الجامعة تحجير لدور الجامعة في المجتمع فهو لم يفرق بين طرح الرأي وبين إجبار الآخر على تبنيه والترويج له وعدم تبني أو الترويج لأي رأي آخر فالاستقلال ليس عدم الترويج لفكر أو اتجاه سياسي معين بل هو منع الأفكار وحظر الترويج لمذاهب معينة أو إجبار الغير على تبنيها وهو سلوك لا يستطيع الأستاذ ولا الطالب فرضه من الناحية الواقعية بل إن الذي يخشى أن يفرضه هو الإدارة الجامعية وهي تلجأ إلى ذلك عندما لا تكون مستقلة عن الجهات السياسية استقلالا إداريا. 
أما الاتجاه الثاني فقد خلط بين استقلال الجامعة وبين وسيلة تحقيقه فانفصال الجامعة عن الحكومة ليس هو الاستقلال بل هو الوسيلة الناجعة في الوصول إلى ذلك الاستقلال والذي يعني حسب رأينا عدم التزام الجامعة بتوجه سياسي معين خلال أداء مهمتها في البحث عن المعرفة التخصصية.

المبحث الأول : تنظيم التشريع العراقي لاستقلالية الجامعة

يمكن القول أن التشريع هو الطريقة الأسرع في تطبيق الأفكار والمبادئ التي يؤمن بها الحاكم على أرض الواقع فهي الوسيلة التي تجبر فيها الدولة الأفراد على تطبيق رؤيتها في إدارة المجتمع. وما دامت إدارة الجامعة جزءا من إدارة المجتمع فإن الدولة لا بد أن تتبنى توجها معينا في إدارتها.
وعلى أية حال فإن إدارة الجامعة في التشريع العراقي من حيث نظرة المشرع إلى الجامعة ككيان مستقل عن الحكومة مرت بمرحلتين متميزتين هما المرحلة  السابقة لانقلاب 1968 والمرحلة اللاحقة لانقلاب 1968  ولهذا فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول منهما للتنظيم التشريعي قبل 1968 فيما نخصص المطلب الثاني للتنظيم التشريعي بعد 1968.
المطلب الأول : تنظيم التشريع العراقي لاستقلالية الجامعة قبل انقلاب 1968 
يمكن القول أن تنظيم التشريعات العراقية للعمل الجامعي قبل انقلاب 1968 مر بثلاث مراحل رئيسية أولها مرحلة الكلية المنفردة وهو يبدأ بصدور نظام كلية الحقوق وينتهي بصدور قانون مجلس التعليم العالي الذي دشن المرحلة الثانية التي يمكن أن نسميها مرحلة الجامعة المنفردة التي انتهت بصدور قانون المجلس الأعلى للجامعات وسنقوم بدارسة كل مرحلة في فقرة مستقلة
أولا: المرحلة الأولى مرحلة الكلية المنفردة  
بصدور نظام كلية القانون رقم 10 لسنة 1928  بدأت مرحلة التشريع المنظم للعمل الجامعي في العراق وقد تبع هذا النظام صدور عدد من التشريعات يمكن إجمال أهمها وكالآتي :
1.    نظام كلية الطب رقم 15 لسنة 1932   
2.    نظام كلية الصيدلة رقم 25 لسنة 1932 
3.    نظام كلية الحقوق 8 لسنة 1936 
4.    نظام كلية الصيدلة رقم 3 لسنة 1938 
5.    نظام المدارس التي تتألف منها الكلية الطبية رقم (63) لسنة 1939
6.    نظام الكلية الطبية رقم (85) لسنة 1940
7.    نظام كلية الحقوق رقم (45) لسنة 1941
8.    نظام كلية الهندسة رقم (39) لسنة 1942
9.    نظام كلية الحقوق رقم (21) لسنة 1943
10.    نظام كلية الهندسة رقم (49) لسنة 1944
11.    نظام الكلية الطبية الملكية رقم (70) لسنة 1946
12.    نظام كلية التجارة والاقتصاد رقم (2) لسنة 1947
13.    نظام عمادة الكلية الطبية الملكية العراقية رقم (55) لسنة 1947
14.    نظام كلية التجارة والاقتصاد رقم 10 لسنة 1951
ولقد تميزت هذه المرحلة بوجود كليات مستقلة لا تربطها جامعة وهي تابعة للسلطة السياسية في بداية الأمر لأن عميد الكلية يعين بقرار من جهة مرتبطة بالحكومة حيث قضى نظام كلية الحقوق رقم 10 لسنة 1928 بأن للكلية رئيس يعين بإرادة ملكية بناء على اقتراح من وزير المعارف   في حين قضى نظام كلية الطب بأن العميد تعينه مديرية الصحة العامة   وهي نفس طريقة تعيين عميد كلية الصيدلة حسب نظامها المرقم 25 لسنة 1932.  
لكن نظام كلية الصيدلة رقم 3 لسنة 1938   قلل من تحكم  الحكومة في تعيين عميد الكلية حيث قضت المادة 3 من النظام بأن العميد يرشحه وزير الداخلية لمجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الكلية 
ويمكن أن نقول أن هذا النص شكل انطلاقة لتحول في طريقة تعيين عمادات  الكليات حيث أخذ التعيين يتم بعد أخذ رأي مجلس الكلية وهو ما عين ما نصت عليه المادة 23 من نظام كلية الحقوق رقم 8 لسنة 1936 بأن العميد يجب أن يكون من أساتذة الكلية ذوي الكراسي في الكلية يرشحه وزير المعارف بعد أخذ رأي مجلس الكلية. 
وفي تطور لافت للنظر جاء نظام الكلية الطبية 85 لسنة 1940 ليمنع تدخل مجلس الوزراء في تعيين العميد فقضى في المادة 4 منه على أن العميد ينتخبه مجلس الكلية في نهاية كل سنتين دراسية كما قضت نفس المادة بأن مساعدي العميد يحددها الانتخاب أيضا.
ويلاحظ أن هذا الحكم بقي  في الكلية الطبية دون غيرها حيث بقي الحال على ما هو عليه في بقية الكليات التي ظل فيها مجلس الوزراء مسيطرا على تعيين العميد من خلال ترشيحه من وزير المعارف 

ثانيا : المرحلة الثانية مرحلة الجامعة المنفردة 
بدأت هذه المرحلة مع صدور نظام مجلس التعليم العالي رقم 16 لسنة 1951 الذي دشن مرحلة جديدة في التنظيم التشريعي للعمل الجامعي في العراق حيث تم تأسيس مجلس يشرف على الكليات الموجودة  في حينها ويكون مؤلفا من وزير المعارف وعمداء الكليات وعضو تنتخبه كل كلية من بين أساتذتها ويجوز أن ينتخب أعضاء المجلس ثلاثة أعضاء إضافيين من ذوي المكانة العلمية والاجتماعية  .
وقد قضت المادة 4 من النظام بأن رئيس مجلس التعليم ينتخب من بين أعضائه وهو ما يدشن مرحلة انفصال الجامعة عن الحكومة وقد نصت المادة 6 من النظام المذكور على الخطوات التي يتبعها المجلس لتأسيس جامعة 
وقد سمحت المادة 10 من النظام لوزير المعارف ،وهو ممثل الحكومة في المجلس ، أن يعترض على القرار الذي يتخذه المجلس خلا فترة لا تزيد على أسبوعين وعندها يعيد النظر في قراره ويعد قراره بأغلبية الثلثين نهائيا.
وقد ظل هذا المجلس هو المشرف على الكليات التي تأسست قبله وبعده حتى صدور قانون جامعة بغداد رقم 28 لسنة 1958   وقد تأسست بموجب هذا القانون أول جامعة عراقية هي جامعة بغداد وقد تضمنت المادة 18 طريقة اختيار رئيس الجامعة حيث يعين رئيس الجامعة باقتراح من وزير التربية والتعليم من بين ثلاثة يرشحهم مجلس الجامعة  
وقد قضت الفقرة ج من المادة 21 على منح رئيس جامعة بغداد صلاحية الوزير فيما يتعلق بشؤون الجامعة كما جوزت نفس الفقرة أن يدعى رئيس الجامعة لحضور جلسات مجلس الوزراء أو مجلس الأمة في أثناء مناقشة شؤون الجامعة.
وبعد هذا القانون صدر قانون جامعة بغداد رقم 51 لسن 1963 بديلا عن القانون السابق وقد نص القانون وقد نص في المادة 8 منه على أن مرجع الجامعة هو مجلس الوزراء . ولئن كان رئيس الجامعة يتم تعيينه بالانتخاب من قبل هيأة تتألف من مجلس الجامعة والمجلس العلمي  وممثل عن كل كلية من كليات الجامعة حسب ما تقضي به المادة 15 من القانون المذكور فإن النص المذكور قد تم تعديله بالقانون رقم 9 لسنة 1966 والذي كرس التدخل الحكومي في العمل الجامعي فقرر في مادته الأولى أن رئيس الجامعة يعين بقرار من مجلس الوزراء 
غير أن هذا التعديل ألغي بالقانون رقم 76 لسنة 1966 وقد جاء في الأسباب الموجبة للإلغاء أن قانون جامعة بغداد قد أكد على (مبدأ استقلال الجامعة وقد وفر إليها هذا الاستقلال القيام بواجباتها التربوية والدراسية والإدارية على الوجه الأمثل غير أن هذه الأحكام التي جاء بها قانون ذيل قانون الجامعة رقم 9 لسنة 1966 قد حدت من هذا الاستقلال وعرقلت شؤون الإدارة والدراسة من حيث تعيين العمداء ودراسة قانون الجامعة والقيام بالتخطيط الجامعي وما إلى ذلك الأمر الذي يدعو إلى إلغاء قانون ذيل قانون الجامعة رقم 9 لسنة 1966 .والعودة إلى أحكام قانون جامعة بغداد رقم 51 لسنة 1963).

ثالثا: المرحلة الثالثة مرحلة مجلس الجامعات 
يبدو أن الأسباب الموجبة للقانون المرقم 76 لسنة 1966 الذي تضمن إلغاء النصوص التي جاء بها القانون رقم 9 لسنة 1966  المتعلقة بمنح رئيس الوزراء صلاحية تعيين رئيس الجامعة قد مهدت لمرحلة جديدة في التنظيم التشريعي للجامعات العراقية حيث يتضح منها أن المشرع قد أراد أن تكون هناك استقلالية في الجامعة تؤمن قيامها بواجباتها.
واستكمالا لهذا المشوار فقد صدر القانون رقم 2 لسنة 1967 الذي سمي بقانون المجلس الأعلى للجامعات وذلك بتاريخ 4/1/1967 وهو يعد بداية مرحلة جديدة في التنظيم الجامعي حيث تم تشكيل مجلس للتعليم الجامعي في العراق 
ويتكون هذا المجلس حسب المادة الثانية من القانون من رؤساء الجامعات الرسمية وممثل عن كل منها يقوم رئيس الجامعة بترشيحه على أن يوافق عليه مجلس الجامعة وهو ما يعني أن عدد أعضاء المجلس سيكون ضعف عدد الجامعات الرسمية كما أن هذا المجلس لا يضم في عضويته ممثلين عن المؤسسات التعليمية الأهلية.
وطبقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون المذكور فإن رئيس المجلس يكون حكما أقدم رؤساء الجامعات ولم يوضح النص هل أن القدم هو القدم في تولي منصب رئيس الجامعة أم في الحصول على اللقب العلمي.
وأيا كان معنى القدم فإن هذا النص يعد نقلة نوعية في تاريخ التعليم العالي في العراق تتمثل في اختيار المشرف على التعليم العالي في العراق على أساس القدم المهني لا على أساس التعيين أو الانتخاب كما نصت جميع التشريعات العراقية التي عالجت التنظيم الإداري للتعليم الجامعي في العراق.
أما الفقرة الثانية من نفس المادة فقد تكلمت عن صلاحيات رئيس المجلس وهي الأخرى تمثل انعطافة مهمة في تاريخ التعليم العالي في العراق حيث لم تكتف بمنح رئيس المجلس صلاحيات الوزير المنصوص عليها في كل ما يتعلق بشؤون الموظفين بل منحته صلاحية لم يمنحها أي تشريع آخر سابق أو لاحق وهي صلاحية وزير المالية فيما يتعلق بتطبيق قانون الخدمة والملاك وبالعودة إلى صلاحيات وزير المالية في قانون الملاك نجد المادة 3  من القانون المذكور تقضي بأن وزير المالية هو من يحدد الدرجات في الوزارات كافة  كما له أن يغير في ملاك أي وزارة بعد تقديمها بيانا له تكون له بعدها صلاحية التغيير من عدمه.لكن هذا القانون خلا من النص على آلية إعداد ميزانية المجلس  وهو ما يشكل نقصا في معالجة الوضع المالي للمجلس مما قد يؤثر على استقلاليته.
لكن هذا القانون لم يعمر كثيرا فقد صدر القانون رقم 73 لسنة 1968 في 9/6/1968 ليلغي القانون المذكور ويلغي الانعطافة الكبيرة التي حصلت في تاريخ التشريع الجامعي فقد ألغي الحكم المتعلق باختيار رئيس المجلس  على أساس القدم واستعيض عنه بنص المادة 3 من قانون 1968 التي تقضي بان رئيس المجلس ينتخب من بين رؤساء الجامعات لمدة سنتين قابلتين للتجديد. أما صلاحيات رئيس المجلس فلم يعالجها القانون المذكور لكنه جاء في الفقرة 3 من المادة السادسة ليقرر بان ميزانية المجلس تعرض على مجلس الوزراء للمصادقة عليها.....لقراءة المزيد