مركز رواق بغداد للسياسات العامة
العرصات / فرع مصرف الوركاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز رواق بغداد
مقدِّمة:
التقى وفد من مركز رواق بغداد للسِّياسات العامَّة برئاسة الاستاذ عباس العنبوري مع سعادة السفير الروسيّ ايلبروس كوتراشيف ، وجرى حوار حول تساؤلات حساسة ومثيرة للجدل حول طبيعة وحقيقة التوترات التي يتكلم بها العالم الآن دون معرفة حقيقة ملابسات الأحداث, وما يحصل بالضبط بين روسيا وتصعيداتها تجاه أوكرانيا, وتهديد الأوّلى بشن حرب ضد الثانية. جرى في اللقاء طرح العديد من التساؤلات التي تمسُّ جوهر القضية دون الخوض في تفرعاتها محاولين استغلال فرصة تواجد الضيف.
ثمَّة تساؤل يأتي للوقوف حول مدى صحَّة ما تناقلته وسائل الإعلام في وجود نيِّة حقيقية لروسيا لغزو أوكرانيا؟
إنَّنا نستغرب حقًّا من وقوع هذه الأزمة, والعالم كلُّه متفاجئ ممَّا حصل, وبطبيعة الحال هناك أخبار عن غزو وشيك روسيّ لأوكرانيا, وفي واقع الأمر خال عن الصحَّة تمامًا والسبب يكمن في عدّم وجوده لحد الآن, ولم تكن هناك نيِّة أصلًا للغزو لأوكرانيا أو غيرها من دِّول العالم, ولذا نحن ننظر في هذه الحملة الإعلاميَّة لمعرفة هدفها من ناحيَّة عقلانيَّة بنحو يمكنني القول لكم أنَّ هناك هجومًا وحملة ضد روسيا ولكن لا أستطيع أنْ أفسِّر لكم ما سببها؟
وفي هذا الصدد يطرح تساؤل جوهري عن سبب وجود حملات إعلاميَّة ضد روسيا إذا لم يكن في نيِّتها شن جهوم ضد أوكرانيا؟ ولم تمَّ الحوار بين بوتين وماكرون؟
يمكن القول لكم بعد انهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 لم يحدث إلَّا بقرار القيادة الروسيَّة في ذلك الوقت, وأنَّ كلَّ الدَّول التي حصلت على الاستقلال آنذاك باستثناء بعض الدَّول لم تعمل أيَّ شيء للحصول على الاستقرار من روسيا وإحدى عشرة دَّولة فهي كلُّها كانت أجزاء من الإتحاد السوفيتي إلَّا البلطيق سارعت عن طريق التظاهرات والاحتجاجات السلميَّة, وبهذا يمكن القول بعد ثلاثين سنة من تَّأريِّخ انهيار الإتحاد إلى يومنا هذا فهل يمكن العودة إلى منهج غزو الدَّول؟ أبدًا ليس بمعقول فما يحدث هو سِّياسيّ لا غير.
إنَّ ما تناقلته وسائل الإعلام من صور للجو يكشف عن وجود قوات روسيَّة عسكريَّة على حدود أوكرانيا بنحو تجعل المتابع يطرح تساؤل مفاده:
هل هذه الصور حقيقيَّة أو مزيفة؟ ويتبع هذا التساؤل تساؤلًا آخر عن مدى صحَّة التحشيد العسكريّ الروسيّ على الحدود الأوكرانيَّة؟
يمكن القول بأنَّ وجود هكذا قوات أمر طبيعي كوجود قوات عراقيَّة على الحدود السوريَّة لا تعني بطبيعة الحال وجود نيِّة للجانب العراقيّ لشن هجوم على سوريا, والأمر نفسه للقوات الروسيَّة فهي موجودة على حدود بلدها, وهذا أمر طبيعي, فلا يعني هذا أنَّ روسيا تستعد لحرب ضد أوكرانيا, فيحتمل وجود هذه القوات على حدود بلدها من أجلِّ تدريبات أو اعتبارات لوجستية أو..., من هنا نحن نستغرب حقًّا ما نتهم به من وجود عمليَّة استعداد لدى الجانب الروسيّ لشن حرب, نعم على روسيا أنْ تفسِّر للجميع عن سبب وجود القوات؟ وبطبيعة الحال توجد أسباب ولكن ليست للغزو.
ما ينبثق عما تقدَّم الحديث حول وجود دعوات من كثير من دُّول العالم بما فيها العراق لإجلاء رعاياها المتواجدة في أوكرانيا, وليس الأمر مقتصرًا على دِّول واحدة بعيِّنها بل دُّول عديدة دعت رعاياها مغادرة البلد حفاظًا على سلامتهم فلم حصلت هكذا دعوات؟
يمكنني القول لكم بأنَّنا تليقنا الخبر باستغراب في البداية فقط إلى حين تكلّمنا مع وزارة الخارجيَّة العراقيَّة فكانت إجابتهم مقنعة ومعقولة من قبلهم بأنَّنا لا نعلم كيف ستتطور الأحداث هناك؟ بلا شك أنَّ كل دَّولة تهتم برعاياها خارج بلادها للحفاظ على سلامتهم من أي خطر محدِّق, فكان الاهتمام بالمواطنين العراقيين في أوكرانيا مقعولًا كمبدأ على عكس بعض الدِّول فهم يفكِّرون عن شيء سيء, أو يستعدون لفعل فعلٍ ما, وفي واقع الأمر لا توجد مشكلة بين روسيا وأوكرانيا واقعًا بل المشكلة في الحقيقة بين الغرب كحلف الناتو والإتحاد الأوربي من حيث ضمان أمن روسيا؛ لأنَّ توسيع حلف الناتو الواصل إلى حدود روسيا وتوسيع البنية التحتية للناتو والتي تصل حدودها مع روسيا, وهذا الأمر يقلِّقنا من زمان, فإنَّ حلف الناتو حلفٌ دفاعيٌ عن أنفسهم. والسؤال الأهمُّ يطرح لمعرفة سبب انتشار القوات من روسيا في الغرب والأسلحة هجوميَّة على الحدود الروسيَّة, ونحن نطلب من الغرب ضمانات أمنيَّة من حيث أنَّنا نتعرض للخطر وليسوا هم.
هناك قضيَّة مهمة في النزاع داخل أوكرانيا وهذا النزاع له صفتان:
الأوّلى: أوكرانيا منذ إنشائها في عام 1991 كدَّولة مستقلّة صارت تَّأريخيًّا تعاني من انقسام داخلي من الشرق والغرب, وعند مجيء الديمقراطيَّة تبين أنَّ شرق أوكرانيا وغربها مختلفتانِ بشكلٍّ كبيرٍ حتى من الناحية الدِّينيَّة والتطرف يأتي من اليمين الأوكراني, وفي سنة 2014 صار انقلاب بمؤامرة أمريكيَّة وبتورطها صار إسقاط للحكومة ومجيء حكومة وقيادة جديدة تستغل ورقة عداوة ضد روسيا؛ لأنَّهم كانوا يتكونون من أحزاب اليمين المتطرف المتمثل بالنازيَّة فكانوا يعلنون الولاء لهذه الجهة, وأنَّ أحفادهم الذين قتلناهم في الحرب العالميَّة الثانية بسبب ولائهم للنازيَّة, ولذا جاء الأحفاد للانتقام بأفكار انتقاميَّة ونجحوا, وأنَّ النظام الجديد في دَّولة منقسمة, وفيها مشاكل اقتصاديَّة أي أزمة اقتصادية اجتماعيَّة كبيرة تعاني منها أوكرانيا لحد الآن منها حظر استخدام اللُّغة الروسيَّة فيها مع أنَّها لُّغة أمِّ للملاييين وهي أهمُّ من اللُّغة الكرديَّة في العراق, فهي لغة العلم والتعليم والثَّقافة والتواصل الاجتماعيّ للأوكرانيين من أصلٍّ روسيّ وموجودين في شرق أوكرانيا وعليه صارت حالة من الغضب والاستياء لدى شريحة كبيرة من أبناء البلد, تبعها احتجاجات ومواجهات؛ بسبب منع الدَّولة للُّغة الروسيَّة, والأهمُّ من هذا قامت الدَّولة برد عنيف تجاه الغضب الحاصل حيث بعثت قوات مسلحة واستخدموا السلاح وأطلقوا الرصاص بلد الحوار معهم, وهذا السلوك من الدَّولة الأوكرانيَّة الجديدة بشنها حرب داخلية تجاه مواطنيها لم تتدخل روسيا فيها وفي نهاية المعركة خسرت الحكومة الأوكرانيَّة المعركة وهربوا!
ممَّا لا شكَّ فيه وجود مشكلة بيننا وبين حلف الناتو لتوسع الأخير وخطورته. وبالنسبة لنا دم أوكرانيا خط أحمر وفي الغرب يعرفون هذا جيدًّا, وهناك خلاف وانقسام يعرفه الغربيون في قضيَّة ضمِّ أوكرانيا فهناك من يرى استحالة وقوع هذا؛ لأنَّها دَّولة شرقيَّة لها خصوصّيتها. وهناك من يرى إمكانيَّة هذا وفي نهاية المطاف تبقى العمليَّة جدليَّة وليست محل توافق.
في خضم حديث سعادتكم عن مخاوف حقيقيَّة تجاه توسع حلف الناتو على فرض واقعيِّته رغم أنَّ روسيا لها مخاوف وتحسبات من تمدِّد حلف الناتو بنحو يراه بعض المتابعين بأنَّ وجود قوات عسكريَّة على حدود روسيا لإرسال من الغرب رسالة مفادها عدّم قبولنا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو؟
هذا الأمر يمكنني تكذيبه وفيه تشويه للحقائق؛ لأنَّ موضوع ضمِّ أو عدّم ضمِّ أوكرانيا للناتو موضوع سِّياسيّ يتمُّ الحوار وتبادل وجهات النظر وتبادل للتصريحات وليس أكثر من هذا كلِّه, ولا يحدُّث ضمُّ أوكرانيا بساعة أو أقلِّ منه بل يمكنني القول أنَّ نفس عمليَّة الانضمام جدليَّة, وليس فيها توافق حوله من داخل الناتو نفسه, وكلِّ التصريحات حول ضمِّها غير جديَّة, وإذا حدث فعلًا فسيوقع مشاكل للناتو نفسه, وأوكرانيا مهمة جدًّا للأمن الوطنيّ الروسيّ.
من الجدير الإشارة إلى قضية جوهرية أنَّ الشعب الأوكراني نفسه الشعب الروسيّ وليس الأوّل بغريب عن الثاني, والفرق بينهما لُّغويّ فقط فأنا شخصيًّا لا أتكلم اللُّغة الأوكرانيَّة لكنني أفهمها والدِّين والتَّأريِّخ والجذور واحدة, فالروس وبيلاروسيا وأوكرانيا من أصلٍّ واحد, وتقسيمهم تَّأريخيًّا لأسباب سِّياسيَّة تمت, وهذه الشعوب أخوية فيما بينها. عندنا جالية أوكرانيَّة في روسيا كبيرة جدًّا فهم يعملون في روسيا ويرسلون الأموال إلى أهاليهم, ونحن بحاجة إلى حرية حركة فيما بيننا, والكثير من القيادات في الخارجيَّة من أصول أوكرانيَّة وهذا أمر طبيعي.
إنَّ الحملة الإعلاميَّة كبيرة حول التوترات بين الطرفين مع أنَّنا لا نجد حملات روسيَّة إعلاميَّة لنفي احتماليَّة وقوع هكذا حرب بنحو يبعثنا لطرح تساؤل جوهري مفاده: كيف تقيمون الدور الإعلاميّ الروسيّ؟
المشكلة لا أحدَ يريد أنْ يستمع إلى الإعلام الروسيّ فهو موجود ويتابع يوميًا التطورات في أوكرانيا وحولها, وصارت عنوانًا رئيسيًا, وفي واقع الأمر أنَّ تأثيرنا أقلُّ من تأثير الإعلام المضاد لنا كالجزيزة و CNN و..., وما عندنا سوى قناة روسيا اليوم وهي بطبيعة حالها لا تستطيع أنْ تكون مؤثرة كبقية القنوات الإعلاميَّة المضادة.