المقال

أوروبا بعد الغاز الروسي .. إلى أين ؟

إعداد نجاة عبد القوى عون

باحثة الماجستير بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية

المقدمة

تمتد خطوط الغاز الروسية مثل خيوط العنكبوت إلى أوروبا عبر شبكة من الأنابيب تخرج من روسيا وتذهب لغالبية الدول الأوروبية. وتعتمد القارة الأوروبية على إمدادات الغاز الروسية في التدفئة بشكل رئيسي، حيث يخرج الغاز الروسي من الحقول ليدخل البيوت الأوروبية مباشرة عبر الأنابيب.

تستورد أوروبا أكثر من 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وذلك لأن الغاز الروسي يصل لأوروبا عبر أنابيب فيعتبر رخيصاً نظراً لانخفاض تكلفته.

عقب الغزو الروسي لأوكرانيا اتجهت الدول الأوروبية لاستيراد الغاز المسال الذى يعد أعلى في التكلفة، من أجل سد العجز في المخزونات.

وتسعى دول الاتحاد الأوربي لتنويع إمداداتها من الغاز الأوربي، ويتضح ذلك من تشجيع الاتحاد الأوربي على إقامة منتدى غاز شرق المتوسط الذى يقع مقره في مصر، في محاولة لتقليل الاعتماد على موسكو.

توضح الخريطة التالية توزيع خطوط الغاز الروسية عبر القارة الأوروبية والدول التي تصلها، أو تمر بها، وفقاً لبيانات شركة جازبروم الروسية.

 

هل الدول الأوروبية قادرة على الاستقلال عن الغاز الروسي؟

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف الدول الأوروبية على أمن الطاقة في أوروبا، لكن مسؤول سياسة المناخ بالمفوضية الأوروبية أعلن أن المفوضية ستقترح خطط لتنويع إمدادات الوقود الأحفوري في أوروبا بعيداً عن روسيا، كما سيتم وضع خطط للتحول بشكل سريع للاعتماد على الطاقة المتجددة. وذلك في محاولة لتأمين احتياجات الدول الأوروبية من الطاقة.

وتهدف الخطط التي اقترحتها المفوضية الأوروبية إلى الآتى:

1- خفض الاعتماد على الغاز الروسي عن طريق زيادة الواردات من الغاز والغاز الطبيعي المسال من الدول الأخرى.

 2- البدء في التشغيل التدريجي للغازات البديلة مثل الميثان الحيوي والهيدروجين.

3- بناء مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أسرع.

4- ضمان قيام الدول الأوروبية بملء مخزون الغاز قبل الشتاء لتخفيف صدمات الإمداد.

صرحت وكالة الطاقة الدولية أن أوروبا بإمكانها خفض وارداتها من الغاز الروسي لأكثر من النصف خلال عام، ولكن القيام بذلك يتطلب مجموعة من الإجراءات السريعة، كتبديل غلايات الغاز بمضخات حرارية وزيادة الواردات من الغاز الطبيعي المسال.

التحركات الأوروبية لتفادى صدمات الإمداد الروسي

ألمانيا: أعلنت ألمانيا التي تعد أكبر مشتر للنفط الخام الروسي رفضها لفرض عقوبات على إمدادات الطاقة الروسية. وبدأت ألمانيا في الاتجاه نحو التوسع في الطاقة المتجددة، ووصف وزير الاقتصاد، روبرت هابيك هذه الخطوة بأنها عنصر أساسي في جعل بلاده أقل اعتماداً على إمدادات الوقود الأحفوري الروسي.

وتهدف ألمانيا من تسريع وتيرة التوسع في الطاقة المتجددة للحصول على كافة احتياجاتها من الكهرباء من مصادر نظيفة ومتجددة بحلول 2035.

ليتوانيا: أعلنت ليتوانيا إيقاف استيراد الغاز من روسيا، حيث أعلن وزير الطاقة الليتواني داينيوس كريفيس أن ليتوانيا هي أول دولة في الاتحاد الأوربي تحقق الاستقلال الكامل عن إمدادات الغاز الروسي، وأن جميع احتياجات ليتوانيا من الغاز ستأتي عبر مرفأ للغاز الطبيعي المسال في مدينة كلايبيدا الساحلية. حيث بدأ تشغيل محطة الغاز الطبيعي هناك والتي ترى ليتوانيا أن بإمكانها تأمين حاجات السويد وبولندا وفنلندا من الغاز.

وتسعى ليتوانيا منذ أوائل عام 2015 لتقليل اعتمادها على واردات الغاز الروسي، من خلال قيامها ببناء المنشأة العائمة، وفى الوقت الحالي من المقرر أن يصل للمنشأة العائمة 3 شحنات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال كل شهر.

فرنسا: أكد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أن أوروبا لديها العديد من الحلول لتصبح مستقلة عن الغاز الروسي وصرح أنه يريد تسريع العمل بموجبها لتكون قادرة على مواجهة تحدى شتاء 2022 و2023، وقال أن أسعار الغاز سيتم تجميدها للمستهلكين في فرنسا حتى نهاية عام 2022.

وذكر لومير عدة حلول تتمثل في الآتي:

1- ضرورة تسريع تخزين الغاز بدءاً من الصيف الحالي لتخزين 90% من الحاجات اللازمة لمواجهة الشتاء الحالي والقادم.

2- قيام الدول الأوروبية بعمليات شراء جماعية للحصول على أسعار مخفضة.

3- قيام الدول الأوروبية بتنويع الإمدادات من منتجين آخرين.

4- تحسين أداء محطات الغاز الطبيعي المسال، ووضح أنه يتوافر منها 7 في أسبانيا و 4 في فرنسا لكن لا يوجد أي منها في ألمانيا، وأشار إلى أنه بحث مع قادة مجموعة إنجي طرق تحسين تشغيل المحطات.

5- استخدام إجراءات طارئة مثل إغلاق الصناعات الكثيفة الاستخدام للغاز.

6- ذكر لومير أن الحل الأخير هو الغاز الحيوي والكتلة الحيوية وهما حلان بديلان يتم إنتاجهما في فرنسا ومن شأنهما أن يساعدا على الاستقلال عن الغاز الروسي.

أوضح لومير أن نقص إمدادات الغاز الروسي ليس لديها التأثير نفسه في كل الدول الأوروبية، ففرنسا تعتمد بنسبة 20% من إمداداتها على الغاز الروسي، بينما يبلغ المتوسط الأوربي 40%، وبعض الدول تعتمد اعتماداً كلياً على الغاز الروسي مثل فنلندا التي تحصل على إمداداتها من الغاز بنسبة 100% من روسيا.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن توسع بلاده الهائل في بناء المفاعلات النووية، وقال أنه من المنتظر بناء 6 محطات طاقة نووية جديدة في منطقة بيلفور شرقي، بالإضافة لإنشاء 8 محطات أخرى لتوليد الطاقة بحلول عام 2050. وأعلن أيضاً أنه سيتم توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة في فرنسا.

أسبانيا: تسعى أوروبا لتحرير نفسها من الاعتماد على الفحم والغاز الروسي، وتقود أسبانيا القارة العجوز لتحقيق هذا الهدف. وتدرك الدول الأوروبية أن أسبانيا بإمكانها لعب دوراً مهماً في إمداد أوروبا بالطاقة، لذلك أعلنت أورسولا فون دير لاين رئيس المفوضية الأوروبية أن أوروبا تسعى لتحقيق الترابط الفعلى بين شبه الجزيرة الأيبيرية وبقية دول الاتحاد.

وعلى الرغم مما سبق، ينبئنا الواقع بحقائق أخرى، فقد أعلنت شركة غازيروم الروسية عن قيام المشترين الأوروبيين بزيادة طلباتهم لشراء الغاز الطبيعي منها على الرغم من ارتفاع الأسعار على خلفية العقوبات المفروضة على روسيا، وصرح سيرجى كوبريانوف المتحدث باسم الشركة للصحافيين أن غازيروم تواصل توريد الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية بشكل طبيعي وفقا لطلبات المستهلكين الأوروبيين، وتنفى الحقائق السابقة مزاعم الدول الأوروبية المتعلقة بقدرتها على الاستقلال عن الغاز الروسي في الوقت الحالي. فهناك مجموعة من العقبات التي تحول دون قدرة الاتحاد الأوربي على تعويض السوق الروسية من الطاقة حالياً.

ما هي بدائل الغاز الروسي بالنسبة للدول الأوروبية؟

مع بحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، والحديث عن العودة لاستخدام الفحم والقيام ببناء محطات الطاقة النووية، أصدرت صحيفة لاتريبين تقرير أشارت فيه إلى أن هذه البدائل ستؤثر سلباً على المناخ، وتعمق أزمة الاحتباس الحرارى. كما أشارت أيضاً منظمات أممية معنية بالبيئة لخطورة الاعتماد على الفحم ومحطات الطاقة النووية.

وهناك مجموعة من البدائل المقترحة لتحل محل الغاز الروسي وهى:

1- الغاز المسال

يعد الغاز الطبيعي المسال من المقترحات التي قد تعتمد عليها الدول الأوروبية في حال قطعت روسيا الإمدادات، وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي المسال أنظف أنواع الوقود الاحفوري، إلا أنه يعد وقوداً أحفورياً، ويسهم في إحداث أضرار مناخية لا رجعة فيها. وفى حالة اعتماد الدول الأوروبية عليه رغم عيوبه، فإنه لا يتوافر منه الكميات الكافية لتلبية جميع احتياجات الطاقة في أوروبا.

2- الفحم

يعد الفحم أكثر أنواع الوقود الاحفوري تلويثاً، فهو مسئول عن أكثر من0.3 درجة مئوية من زيادة درجة مئوية واحدة في متوسط درجات الحرارة العالمية، وهذا يجعله أكبر مصدر منفرد لارتفاع درجة الحرارة العالمية، وبالتالي فإن العودة لاستهلاك الفحم ستكون كارثية على مستقبل كوكب الأرض. ومن المتوقع عودة أوروبا لاستخدام محطات الفحم القديمة التي تم إيقافها، في حال وقف روسيا إمدادات الغاز.

3- الطاقة المتجددة في أوروبا

ينظر القادة الأوروبيين للغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره فرصة لتسريع التحول لمصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك المحطات النووية. وتمثل الطاقة النووية بديلاً نظيفاً، فقد ارتفع توليد الكهرباء بالطاقة النووية بنسبة 6% في عام 2021 مقارنة بعام 2020.

المشكلة الحالية التي تواجه الدول الأوروبية، هي أن العديد من المحطات النووية وصلت لنهاية دورة حياتها ومن المكلف جدا إعادة بنائها، إذ يبلغ عمرها التشغيلى نحو 40 عاماً.

4- الهيدروجين النظيف

يتوقع المحللون أن واردات الوقود المعتمد على الهيدروجين النظيف قد تؤدى دوراً في حل أزمة الطاقة في أوروبا، بينما يرى البعض الآخر أن أوروبا قد تتعرض للخطر بسبب اعتماد روسيا لعقود أخرى على الطاقة إذا اتبعت مساراً معيناً لإنتاج الهيدروجين.

تعد أستراليا مورداً محتملاً للهيدروجين، حيث تشير الدراسات إلى أن موارد الطاقة المتجددة ذات المستوى العالمي في جنوب أستراليا ستمنحها ميزة تنافسية في السباق لتزويد أوروبا بالهيدروجين النظيف عبر ميناء روتردام.

وهناك مجموعة من الدول المرشحة لتكون بديلاً لروسيا في إمداد القارة الأوروبية بالغاز والطاقة وهى :

1- أذربيجان

يمكن للدول الأوروبية أن تتوجه نحو أذربيجان، فقد سبق وصرح نائب وزير الطاقة الأذربيجاني النور سلطانوف أن بلاده لديها احتياطات كافية من الغاز الطبيعي وبمقدورها تصدير المزيد منه إلى أوروبا.

تصدر أذربيجان حالياً 10 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، ويمكنها أن تصدر المزيد عبر خط أدرياتيك (تاب)، إذ سيكون لهذا الخط إمكانات كافية لنقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، كما سيتيح إنشاء بنية تحتية لخطوط أنابيب الغاز المعقدة في أوروبا.

أشارت عدة تقاير إلى قدرة أذربيجان على إرسال المزيد من الغاز الطبيعي إلى أوروبا من خلال تطوير المرحلة الثالثة من مكامن حقل شاه دنيز، كما أن منطقة أبشيرون يتواجد بها احتياطات كافية، وكذلك الوضع أيضاً بالنسبة لحقل غاز شفق أسيمان وأحواض أوميد وبابك، لكن في المقابل يجب على الأوروبيين تشجيع شركاتهم للاستثمار في حقول الغاز الأذربيجانية، وأن تسعى الشركات الأوروبية لإبرام عقود طويلة الأجل لشراء الغاز الطبيعي من أذربيجان.

2- قطر

تعد قطر أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، وبإمكانها أن تحل محل روسيا في تصدير الغاز، وسبق أن أبلغ وزير الطاقة القطري سعد الكعبي مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون أن بلاده مستعدة لمساعدة أوروبا عند الحاجة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أثارت إمكانية قيام قطر، بتزويد الدول الأوروبية بالغاز.

على الرغم من أن قطر تمتلك أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، إلا أنها لا يمكنها تلبية احتياجات أوروبا في الوقت الحالي، ذلك لأن الدول الأوروبية مجهزة لاستقبال الغاز عبر أنابيب بينما تقوم قطر بتصدير الغاز عبر شاحنات ضخمة من الغاز المسال، وهذا يعنى أن الأوروبيين في حاجة لمنشآت خاصة لإعادة تحويل الغاز من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية قبل استخدامه.

كما أن قطر ترسل معظم شحناتها إلى آسيا بموجب عقود طويلة الأجل لا يمكن كسرها في الوقت الحالي، بالإضافة لكونها لا ترغب في التنازل عن شراكتها مع الدول الآسيوية حتى لو كان ذلك سيعود عليها بمكاسب سياسية ومالية في الولايات المتحدة وأوروبا.

من الجدير بالذكر أن قطر تصدر كميات صغيرة من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، فمنذ ديسمبر الماضي شحنت قطر 6 شحنات إلى شمال غرب أوروبا، بينما سلمت الولايات المتحدة الأمريكية 42 شحنة خلال نفس الفترة وهي كميات لا يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً في العجز الأوربي.

3- الولايات المتحدة الأمريكية

خلال الشهور الماضية ارتفع عدد شحنات الغاز المتجهة من الولايات المتحدة إلى أوروبا، حيث أشارت تقارير إلى أن نحو ثلاثة أرباع الغاز المسال الأمريكي ذهبت إلى أوروبا في يناير الماضي، حيث أدت الزيادة الحادة في الطلب إلى ارتفاع الأسعار والصادرات.

ونتيجة لتنامى الطلب الأوربي على الغاز الأمريكي، أصبحت أمريكا في يناير الماضي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم للمرة الأولى.

هل تستطيع الدول الأوروبية استبدال الغاز الروسي بإمدادات من أفريقيا؟ِ

بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وانعكاسات ذلك على إمدادات الغاز من روسيا، تبحث الدول الأوروبية عن موردي غاز بدائل، وتلعب القارة الأفريقية دوراً مهماً في الحد من الاعتماد على الصادرات الروسية، حيث تملك بعض الدول الأفريقية احتياطات كبيرة من الغاز، ولكن في الكثير من الأحيان تكون قدرات الإنتاج والنقل محدودة. ومن هذه الدول الجزائر ونيجيريا ومصر وليبيا.

1- الجزائر

منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أعربت الجزائر عن استعدادها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، وتبدو الجزائر هي الوجهة المثلى للقارة الأوروبية كبديل عن روسيا بحكم موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، وتعتبر الجزائر عاشر أكبر منتج للغاز في العالم، كما أنها تحتل المرتبة الثالثة في تصدير الغاز الطبيعي المسال لأوروبا.

وتصدر الجزائر الغاز الطبيعي عبر ثلاثة خطوط أنابيب، وقد تم إغلاق واحد منها بعد توتر العلاقات مع المغرب، وهو ما يمثل عائق إذا أرادت الجزائر مد أوروبا بكميات كبيرة من الغاز، فباقي الأنابيب لا يمكنها أن توفر حاجات الأوروبيين من الغاز.

بالإضافة لما سبق، توجد عوائق أخرى، فقانوناً لا يمكن للجزائر أن تقوم ببيع كامل غازها للدول الأوروبية وذلك بسبب اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها مع الاتحاد الأوربي والتي تمنعها من بيع غازها مباشرة، لذلك يتعين على الاتحاد الأوربي تغيير هذا القانون لكى يسمح للجزائر بالمساهمة في تعويض الغاز الروسي.

وإذا استطاعت الجزائر تجاوز كل هذه العوائق فإنها لن تتمكن بمفردها تعويض الغاز الروسي، فإنتاجها أقل بكثير من روسيا، فأقصى نسبة يمكن أن تصل إليها الجزائر بخصوص سد الطلب الأوربي هي 20%.

2- نيجيريا

يرى الأوروبيون أن نيجيريا بإمكانها أن تحل محل روسيا في توفير إمدادات الغاز، حيث بلغ الاحتياطي النيجيري من الغاز الطبيعي 5.5 تريليون متر مكعب بنهاية عام 2020، وهذا أكبر احتياطي للغاز في أفريقيا. وتعتبر فرنسا والبرتغال وأسبانيا أكبر المستوردين في أوروبا للغاز الطبيعي المسال من نيجيريا.

وبدأت نيجيريا بالفعل في مد الأنابيب نحو أوروبا لزيادة صادراتها، لكن هناك العديد من العراقيل، أهمها غياب البنية التحتية اللازمة لإيصال الغاز لأوروبا، وانعدام التمويلات المالية اللازمة لإنجاز هذه البنى التحتية.

وإضافة لما سبق، هناك عائق أمنى، فمسار خط الغاز المبرمج بين نيجيريا وأوروبا يمر بعدة نقاط أمنية ساخنة، بداية من دلتا نهر النيجر جنوب نيجيريا، الذي تنشط به عدة مجموعات مسلحة من بينها " منتقمو دلتا النيجر" التي تستهدف أنابيب نقل الغاز والنفط بالمنطقة، وأيضاً تنظيم داعش وجماعة بوكو حرام في غرب أفريقيا.

3- مصر

تعد مصر وجهة أخرى يمكن للدول الأوروبية أن تلجأ إليها، خاصة بعد الاستثمارات الكبيرة التي خصصتها مصر في مجال الغاز الطبيعي خلال السنوات الأخيرة، إذ توسعت مصر بشكل ملحوظ وضخت استثمارات ضخمة في استخراج وتجديد وزيادة كفاءة حقول الغاز الطبيعي، كما وصل الاحتياطي لديها ل 200 تريليون متر مكعب.

وتحتل مصر المركز 11 عالمياً بين أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي، وإذا تمكنت من العمل بكامل طاقاتها سيصل إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 8 مليارات قدم مكعبة يومياً.

أشار تقرير صادر عن منظمة الدول العربية المصدرة للنفط، إلى تسجيل مصر أكبر نمو على مدار السنة في صادرات الغاز الطبيعي المسال في شرق أفريقيا ب 1.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في الربع الثاني من العام 2021 مقارنة بعدم وجود صادرات للغاز الطبيعي المسال في نفس الفترة من عام 2020. كما أن الغاز الطبيعي المسال هو الغاز الوحيد الذى تقوم مصر بتصديره حالياً، حيث أن البلاد ليست مرتبطة بعد بشبكة خطوط أنابيب مع أوروبا.

ترى مصر في الصين مورداً موثوقاً به، لذا فهي تسعى للحفاظ عليه، حيث ترتبط الصين بعقود طويلة الأجل مع مصر، وعلى أوروبا أن تحذو حذو الصين مع مصر إذا أرادت الحصول على الغاز المصري.

ومؤخرا شهد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري مراسم التوقيع على اتفاق إطاري للتعاون في مجال الغاز الطبيعي وتصديره بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" وشركة "إيني" الإيطالية. ويهدف هذا الاتفاق لتحقيق الاستغلال الأمثل لاحتياطات الغاز المصري من خلال تعظيم الإنتاج المشترك بين الجانبين مما يسهم في زيادة الصادرات من شحنات الغاز المسال من مصنع إسالة الغاز بدمياط إلى إيطاليا وأوروبا.

 

 

ليبيا

اتجهت أوروبا في الآونة الأخيرة إلى ليبيا طالبةً منها زيادة إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره إليها، ورداً على ذلك أعلن وزير النفط والغاز الليبي أن ليبيا لا تملك الاحتياطي الكافي الذي يتناسب مع أي زيادة للإنتاج تكون قادرة على إحداث أي فرق.

فعلى الرغم من امتلاك ليبيا لاحتياطي قدر ب 1.4 مليار متر مكعب عام 2020، إلا أنها منقسمة سياسياً بصورة تجعلها غير متواجدة على قائمة الدول المصدرة لألمانيا.

وهناك عائق آخر يتمثل في عدم توافر البنية التحتية الملائمة لزيادة الصادرات

 

ومما سبق نستنتج أن الدول الأفريقية تمتلك احتياطات من الغاز الطبيعي تفوق احتياجاتها في الأسواق المحلية، لذلك لدى هذه الدول رغبة قوية في زيادة الصادرات لأوروبا، لكن تواجه هذه الدول العديد من المشكلات القانونية والأمنية، والمشكلات المتعلقة بالبنية التحتية، حيث أدى ضعف البنية التحتية في مجال النفط والطاقة لانخفاض إنتاج النفط في القارة الأفريقية بنسبة 19% عام 2019 عن العام الأسبق، كما تجد تلك الدول مشقة فى جذب الاستثمارات الجديدة في قطاع إنتاج النفط، لذلك قد لا تتمكن الدول الأفريقية من سد فجوة الغاز والنفط في القارة الأوروبية على المدى المتوسط.

ولكى تتخطى الدول الأفريقية هذه العقبات يتعين عليها أن تتخذ بعض الخطوات المتقدمة مثل:

1- القيام بإجراءات فعالة لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع الغاز والنفط.

2- القيام بإغراء شركات النفط بحوافز مالية لضخ الاستثمارات.

3- تسهيل إجراءات تنفيذ الأعمال التجارية.

4- القضاء على الفساد وسرقة النفط الخام والبيروقراطية في الدول الأفريقية.

5- بناء بنية تحتية جديدة في القارة الأفريقية لربطها بشكل محكم مع خطوط أنابيب القارة الأوروبية.

وفى النهاية من المتوقع ألا تلجأ روسيا لقطع إمدادات الغاز عن الدول الأوروبية، فخلال فترة الحرب الباردة، وعقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وأيضاً عقب فرض العقوبات عليها عقب غزوها لأوكرانيا، استمرت روسيا في إمداد أوروبا بالغاز، فروسيا تدرك أن تلك الخطوة تعد بمثابة إعلان لاندلاع حرب عالمية ثالثة.


دور الأحزاب المنشقة عن حزب العدالة والتنمية في تعميق المعارضة التركية
دور الأحزاب المنشقة عن حزب العدالة والتنمية في تعميق المعارضة التركية