اللعنة الجيوبوليتيكية: عقدة الازمة الأوكرانية والتدخل الروسي
مصطفى الطالب
المقدمة
هنالك جذور عميقة للأزمة الحالية حول أوكرانيا، وبالطبع لا تقتصر على الاخيرة، اذ ان الرأي السائد في الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية والوسطى هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اختار أوكرانيا، بسبب موقعها الاستراتيجي في وسط أوروبا، لتكون بمثابة طليعة لمحاولة إعادة تشكيل الاتحاد السوفيتي أو هندسة النفوذ الروسي أو على الأقل لإنشاء مجال نفوذ جديد في الخارج القريب لروسيا الاتحادية.
يبدو أن اللعبة الروسية في مجالات التحشيد العسكري والسياسة والطاقة والإنترنت، مع التركيز بشكل خاص على أوكرانيا، هي جزء من الخطة الاستراتيجية الشاملة. اذ ان وجهة النظر البديلة هي أن بوتين يسعى إلى لعب دور رئيسي لروسيا في الأمن الأوروبي، بالنظر إلى أنه في العقدين الماضيين سعت الولايات المتحدة ومعظم حلفاء الناتو إلى إخضاع النفوذ الروسي في أوروبا، بغض النظر عن دوافع بوتين الصحيحة، فمن المهم اعتبار الأزمة الأوكرانية الحالية نقطة انطلاق في العلاقات طويلة الأمد بين روسيا والغرب. كما وتعد الأزمة الحاسمة لفهم جهود روسيا لإحياء مكانتها كقوة عظمى، ولتشكيل الجهود الغربية لتوجيه طموحات روسيا بطرق غير مهددة ولتجنب حرب باردة جديدة.
تبحث الورقة التحليلية الأهداف الاستراتيجية لموسكو وخياراتها العسكرية تجاه أوكرانيا؟ وماذا يريد الاوكرانيين؟ وماهي السيناريوهات المحتملة؟
الجيوبوليتيكية الأوكرانية
لم تكن أوكرانيا دولة مستقلة في تاريخها الا لفترات قصيرة وذلك لوقوعها خلال معظم هذا التاريخ أسيرة بين مد وجزر الامبراطوريات الليتوانية والبولندية والنمساوية والروسية، اذ تحتل أوكرانيا موقع خاصا في الذاكرة التاريخية الروسية وتعد موطن الشعب الروسي او الإسلافي الأول، ولكن هذا الموقع الذي تحتله أوكرانيا يعد الفضاء الجيوسياسي لروسيا حسب تصورها والذي يفوق بكثير موقعها في الوعي الثقافي الروسي. أوكرانيا ذات المساحة الكلية 603,700 ك م2، وبشريط ساحلي يبلغ طوله 2782 كم، وثاني أكبر بلد في أوروبا. وبعدد سكان 43 مليون نسمة والغنية بمواردها الطبيعية والصناعية والزراعية هي بوابة روسيا الى الغرب وهي حزام الامن الضروري بين روسيا والقوى الغربية وعبر ممرها السهلي الفسيح تعرضت روسيا للغزو مرتين أولهما الغزو النابليوني في القرن التاسع عشر، وثانيهما الغزو النازي في حرب العالمية الثانية.
استنادا الى ما سبق، لم تنظر روسيا الاتحادية او رئيسها فلاديمير بوتين إلى أوكرانيا أبدًا على أنها دولة حقيقية، اذ كان دائما قلقاً بشأن تحرك اوكرانيا نحو الغرب والابتعاد عن موسكو والذي تسارع بعد الغزو الجزئي لروسيا بضم القرم في عام 2014، كون ان موقع أوكرانيا لا يمكن ان يقارن بأية صورة من الصور بدول القوقاز واسيا الوسطى، وليس ثمة شك ان موسكو ترى من الضروري الحفاظ على نفوذ فعال في القوقاز واسيا الوسطى، ولكن الصحيح أيضا ان روسيا لا تتوقع مواجهة تهديد وجودي من الجنوب وخاصة أوكرانيا.ما هي مصالح روسيا في أوكرانيا؟
تتمتع روسيا بعلاقات ثقافية واقتصادية وسياسية عميقة مع أوكرانيا، وتمثل أوكرانيا في نواح كثيرة امرا محوريا لهوية روسيا ورؤيتها لنفسها في العالم وتتمثل في:
1- الروابط الثقافية: تمتلك روسيا وأوكرانيا روابط ثقافية قوية تعود إلى قرون، اذ يشار إلى كييف عاصمة أوكرانيا أحيانًا على أنها "أم المدن الروسية"، وعلى قدم المساواة من حيث التأثير الثقافي مع موسكو وسانت بطرسبرغ، وكانت المسيحية بمثابة المرساة للروس من كييف، اذ تم جلب المسيحية من بيزنطة إلى الشعوب السلافية في القرنين الثامن والتاسع، الدولة السلافية المبكرة التي ينحدر منها الروس والأوكرانيون والبيلاروسيون.
2- الشتات الروسي: ان من بين اهتمامات روسيا رعاياها في جنوب شرق أوكرانيا والتي تصل تعدادهم لحوالي ثمانية ملايين نسمة وفقا لتعداد 2011، وترى موسكو ان من واجبها حمايتهم كذريعة لسياستها التداخلية في أوكرانيا.
3- صورة القوة العظمى: بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عد الكثير من السياسيين الروس أن انفصال أوكرانيا كان خطأ في التاريخ وتهديد لمكانة روسيا كقوة عظمى، كان الروس ينظرون إلى خسارة السيطرة الدائمة على أوكرانيا، والسماح لها بالوقوع في الفلك الغربي، وأنها ضربة كبيرة لمكانة روسيا الدولية.
4- التجارة: كانت روسيا لفترة طويلة الشريك التجاري الأكبر لأوكرانيا، على الرغم من أن هذا الارتباط قد تلاشى بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث تتصدر الصين الآن روسيا في تجارتها مع أوكرانيا، قبل غزوتها الاخيرة لشبه جزيرة القرم، كانت روسيا تأمل في جذب أوكرانيا إلى سوقها الموحدة، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي يضم اليوم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان.
5- شبة جزيرة القرم: نقل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف شبه جزيرة القرم من روسيا إلى أوكرانيا في عام 1954 لتقوية "العلاقات الأخوية بين الشعبين الأوكراني والروسي"، مع ذلك منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، يتوق العديد من القوميين الروس في كل من روسيا وشبه جزيرة القرم إلى عودة شبه الجزيرة، وتعد مدينة سيفاستوبول هي الميناء الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي، القوة البحرية المهيمنة في المنطقة.
6- الطاقة: اعتمدت روسيا على خطوط الأنابيب الأوكرانية لضخ الغاز إلى العملاء في وسط وشرق أوروبا لعقود من الزمن، وتواصل دفع مليارات الدولارات سنويًا كرسوم عبور إلى كييف. ومع ذلك، في منتصف عام 2021، أكملت روسيا بناء خط أنابيب نورد ستريم2، الذي يمتد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، على الرغم من التعاقد مع روسيا لمواصلة نقل الغاز عبر أوكرانيا لعدة سنوات أخرى، يحذر بعض النقاد في الولايات المتحدة وأوروبا من أن نورد ستريم 2 سيسمح لروسيا بتجاوز خطوط الأنابيب الأوكرانية إذا أرادت، واكتساب نفوذ جيوسياسي أكبر في المنطقة.
7- النفوذ السياسي: كانت روسيا عازمة على الحفاظ على نفوذها السياسي في أوكرانيا وفي جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق خاصة بعد أن خسر مرشحها المفضل لمنصب الرئيس الأوكراني في عام 2004 فيكتور يانوكوفيتش أمام منافسه الاصلاحي كجزء من الحركة الشعبية للثورة البرتقالية. جاءت الصدمة في أوكرانيا بعد هزيمة انتخابية مماثلة للكرملين في جورجيا في عام 2003 عُرفت باسم ثورة الورود وأعقبتها ثورة أخرى - ثورة التوليب - في قيرغيزستان في عام 2005 أصبح يانوكوفيتش فيما بعد رئيسًا لأوكرانيا في عام 2010 وسط استياء الناخبين من أداء الحكومة.
الأهداف الاستراتيجية لموسكو وخياراتها العسكرية
تعود جذور حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا إلى حد كبير إلى الضرورات الجيوسياسية لروسيا: توحيد الجبهة الداخلية، والحماية من القوى الخارجية، وترسيخ نفوذها في دول الاتحاد السوفيتي السابق. يمكن القول إن هدف بوتين في أوكرانيا ليس مجرد ظهور القوة وغزو البلاد بأي ثمن، بل هو منع زحف الناتو وإبعاد أوكرانيا عن المدار الغربي. لذا يرى بوتين أن الهيكل الأمني الحالي غير مقبول وخطير على حد سواء. فبالنسبة لروسيا يعد غير مقبول لأنه يظهر وجود سلسلة من العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية القوية بين أوكرانيا والغرب، ويرى بوتين أن الغرب معاد بشكل أساسي لروسيا. لذا فالوضع الحالي خطير (في نظر بوتين)، ليس بسبب ما ترقى إليه هذه العلاقات في شتاء 2021-2022، ولكن بسبب ما لديهم من قدرة كي يصبحوا قوة مشتركة قادرة على مواجهة المصالح الروسية في جوارها أو زعزعة استقرار روسيا نفسها من خلال تشكيل نظام مختلف. إن عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو ترمز إلى المعضلة الأمنية التي يتصورها بوتين على حدوده الغربية، لكن المعضلة الحقيقية أعمق بكثير من الاحتمالات غير المتوقعة لعضوية أوكرانيا.
ما يريده بوتين هو فك العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية القوية بين أوكرانيا والغرب. ومن هذا المنطلق، يدرك الرئيس بوتين أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه من خلال الإقناع وحده، فروسيا تمتلك نفوذاً غير قسري ضئيل على الغرب، كما ان الناتو لن يغير سياسة الباب المفتوح، فضلا عن ذلك يرى الغرب في أوكرانيا نموذجًا للتغيير في المنطقة (بما في ذلك روسيا). ونظرا لافتقار بوتين إلى الخيارات غير القسرية (في رأيه) لوقف مسار اندماج أوكرانيا في المؤسسات الغربية، بدأ في استكشاف خيارات قسرية تتجاوز ضم شبه جزيرة القرم واحتلال دونباس، ولكن لم يمنحه أي منهما ما يريد.
ما هي مصالح روسيا في أوكرانيا؟
تتمتع روسيا بعلاقات ثقافية واقتصادية وسياسية عميقة مع أوكرانيا، وتمثل أوكرانيا في نواح كثيرة امرا محوريا لهوية روسيا ورؤيتها لنفسها في العالم وتتمثل في:
1- الروابط الثقافية: تمتلك روسيا وأوكرانيا روابط ثقافية قوية تعود إلى قرون، اذ يشار إلى كييف عاصمة أوكرانيا أحيانًا على أنها "أم المدن الروسية"، وعلى قدم المساواة من حيث التأثير الثقافي مع موسكو وسانت بطرسبرغ، وكانت المسيحية بمثابة المرساة للروس من كييف، اذ تم جلب المسيحية من بيزنطة إلى الشعوب السلافية في القرنين الثامن والتاسع، الدولة السلافية المبكرة التي ينحدر منها الروس والأوكرانيون والبيلاروسيون.
2- الشتات الروسي: ان من بين اهتمامات روسيا رعاياها في جنوب شرق أوكرانيا والتي تصل تعدادهم لحوالي ثمانية ملايين نسمة وفقا لتعداد 2011، وترى موسكو ان من واجبها حمايتهم كذريعة لسياستها التداخلية في أوكرانيا.
3- صورة القوة العظمى: بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عد الكثير من السياسيين الروس أن انفصال أوكرانيا كان خطأ في التاريخ وتهديد لمكانة روسيا كقوة عظمى، كان الروس ينظرون إلى خسارة السيطرة الدائمة على أوكرانيا، والسماح لها بالوقوع في الفلك الغربي، وأنها ضربة كبيرة لمكانة روسيا الدولية.
4- التجارة: كانت روسيا لفترة طويلة الشريك التجاري الأكبر لأوكرانيا، على الرغم من أن هذا الارتباط قد تلاشى بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث تتصدر الصين الآن روسيا في تجارتها مع أوكرانيا، قبل غزوتها الاخيرة لشبه جزيرة القرم، كانت روسيا تأمل في جذب أوكرانيا إلى سوقها الموحدة، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي يضم اليوم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان.
5- شبة جزيرة القرم: نقل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف شبه جزيرة القرم من روسيا إلى أوكرانيا في عام 1954 لتقوية "العلاقات الأخوية بين الشعبين الأوكراني والروسي"، مع ذلك منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، يتوق العديد من القوميين الروس في كل من روسيا وشبه جزيرة القرم إلى عودة شبه الجزيرة، وتعد مدينة سيفاستوبول هي الميناء الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي، القوة البحرية المهيمنة في المنطقة.
6- الطاقة: اعتمدت روسيا على خطوط الأنابيب الأوكرانية لضخ الغاز إلى العملاء في وسط وشرق أوروبا لعقود من الزمن، وتواصل دفع مليارات الدولارات سنويًا كرسوم عبور إلى كييف. ومع ذلك، في منتصف عام 2021، أكملت روسيا بناء خط أنابيب نورد ستريم2، الذي يمتد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، على الرغم من التعاقد مع روسيا لمواصلة نقل الغاز عبر أوكرانيا لعدة سنوات أخرى، يحذر بعض النقاد في الولايات المتحدة وأوروبا من أن نورد ستريم 2 سيسمح لروسيا بتجاوز خطوط الأنابيب الأوكرانية إذا أرادت، واكتساب نفوذ جيوسياسي أكبر في المنطقة.
7- النفوذ السياسي: كانت روسيا عازمة على الحفاظ على نفوذها السياسي في أوكرانيا وفي جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق خاصة بعد أن خسر مرشحها المفضل لمنصب الرئيس الأوكراني في عام 2004 فيكتور يانوكوفيتش أمام منافسه الاصلاحي كجزء من الحركة الشعبية للثورة البرتقالية. جاءت الصدمة في أوكرانيا بعد هزيمة انتخابية مماثلة للكرملين في جورجيا في عام 2003 عُرفت باسم ثورة الورود وأعقبتها ثورة أخرى - ثورة التوليب - في قيرغيزستان في عام 2005 أصبح يانوكوفيتش فيما بعد رئيسًا لأوكرانيا في عام 2010 وسط استياء الناخبين من أداء الحكومة.
الأهداف الاستراتيجية لموسكو وخياراتها العسكرية
تعود جذور حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا إلى حد كبير إلى الضرورات الجيوسياسية لروسيا: توحيد الجبهة الداخلية، والحماية من القوى الخارجية، وترسيخ نفوذها في دول الاتحاد السوفيتي السابق. يمكن القول إن هدف بوتين في أوكرانيا ليس مجرد ظهور القوة وغزو البلاد بأي ثمن، بل هو منع زحف الناتو وإبعاد أوكرانيا عن المدار الغربي. لذا يرى بوتين أن الهيكل الأمني الحالي غير مقبول وخطير على حد سواء. فبالنسبة لروسيا يعد غير مقبول لأنه يظهر وجود سلسلة من العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية القوية بين أوكرانيا والغرب، ويرى بوتين أن الغرب معاد بشكل أساسي لروسيا. لذا فالوضع الحالي خطير (في نظر بوتين)، ليس بسبب ما ترقى إليه هذه العلاقات في شتاء 2021-2022، ولكن بسبب ما لديهم من قدرة كي يصبحوا قوة مشتركة قادرة على مواجهة المصالح الروسية في جوارها أو زعزعة استقرار روسيا نفسها من خلال تشكيل نظام مختلف. إن عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو ترمز إلى المعضلة الأمنية التي يتصورها بوتين على حدوده الغربية، لكن المعضلة الحقيقية أعمق بكثير من الاحتمالات غير المتوقعة لعضوية أوكرانيا.
ما يريده بوتين هو فك العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية القوية بين أوكرانيا والغرب. ومن هذا المنطلق، يدرك الرئيس بوتين أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه من خلال الإقناع وحده، فروسيا تمتلك نفوذاً غير قسري ضئيل على الغرب، كما ان الناتو لن يغير سياسة الباب المفتوح، فضلا عن ذلك يرى الغرب في أوكرانيا نموذجًا للتغيير في المنطقة (بما في ذلك روسيا). ونظرا لافتقار بوتين إلى الخيارات غير القسرية (في رأيه) لوقف مسار اندماج أوكرانيا في المؤسسات الغربية، بدأ في استكشاف خيارات قسرية تتجاوز ضم شبه جزيرة القرم واحتلال دونباس، ولكن لم يمنحه أي منهما ما يريد.قد لا يتمكن بوتين من تحقيق ما يريده بالضبط - أوكرانيا المحايدة أو أوكرانيا تحت السيادة الروسية، ولكن قد يتبع سياسة معينة بالتناوب بين استخدام القوة العسكرية والتهديد بها لإجبار الغرب على تقليل التزامه تجاه أوكرانيا أو القضاء على قدرة الدولة الأوكرانية في عرقلة مصالح روسيا الإقليمية. وتأسيساً على ذلك، لقد أعطى بوتين نفسه مجموعة من الخيارات لتحقيق حالة أوكرانيا المحايدة أو العاجزة. حيث ان أساس نهجه هو القوة العسكرية لروسيا والتدخل السيبراني وكدولة قائم اقتصادها على النفط والغاز. وتفسيرا لذلك، فأنه على المدى القصير (الأسابيع القليلة المقبلة)، سيهدد بوتين باستخدام مثل هذه القوة او يستخدمها بالفعل لتأمين موافقة أوروبا والولايات المتحدة على شروطه المفضلة للتسوية، والتي قد تكون أقل تطرفًا مما يوحي به خطابه في كثير من الأحيان.
خيارات بوتين السياسية والعسكرية
بعد اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميًا بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك (DNR وLNR) وتوقيع معاهدات تعاون متبادل تنص على نشر القوات الروسية في دونباس، يتبين ان بوتين يحاول تبرير التدخل العسكري الروسي على أوكرانيا. اذ أصدر الكرملين مرسوماً يقضي بنشر القوات الروسية للقيام "بمهام حفظ السلام" في الجمهوريتين وقد يغزو أوكرانيا بعدها. فضلا عن ذلك، ستقيم روسيا رسميًا علاقات دبلوماسية وتنفذ معاهدات "صداقة وتعاون ومساعدة متبادلة". لذلك تكافح مراكز الفكر والأبحاث الغربية دائمًا لتقييم ما إذا كانت موسكو قد تأمر بشن هجوم على أوكرانيا، ومع سياسة الأمن القومي الروسي، لا يقرر بوتين كل شيء، ولكن يمكنه أن يقرر أي شيء - ومسألة الحرب أو السلام مهمة جدًا لدرجة أن بوتين، أثناء الاستماع إلى مستشاريه والاستماع الى وجهات نظر مجموعات المصالح الروسية الرئيسية، سيكون لديه القرار النهائي لذلك هناك أربعة خيارات لبوتين هي:
الخيار الاول: أوكرانيا الخاضعة
يتمثل الهدف الروسي الأكثر محدودية في شن حرب وقائية ضد أوكرانيا لإبقاء البلاد ضعيفة وتحت سيطرة موسكو، سيكون الدافع هو استغلال التفوق العسكري الساحق لروسيا ثم توجيه ضربة مدمرة ضد القوات المسلحة الأوكرانية، وحرمان أوكرانيا من القدرة على الدفاع عن نفسها بشكل مستقل في المستقبل، وتركها عرضة بشكل حاسم للعمليات العسكرية الروسية المتجددة. ومع قيام موسكو مؤخرًا بتعزيز موقعها الأمني في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، فإن استعادة نفوذها المهيمن في أوكرانيا والذي من شأنه أن يعزز مجال نفوذها في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. حتى إذا ظلت الحكومة الأوكرانية مستقلة رسميًا، فإن هزيمة كبيرة ستؤدي الى الضعف الجبهة الداخلية لأوكرانيا، وتوسع الانقسامات مع الشركاء الأجانب، وتبقي أوكرانيا خارج الناتو والاتحاد الاوربي.
إن أحد الأسباب التي قد تجعل القادة الروس يهاجمون الآن هو تجنب ان تصبح أوكرانيا اقوى، اذ بمرور الزمن تعافى الأوكرانيون من هزيمتهم في عام 2014، وعززوا مؤسساتهم السياسية والعسكرية، ومواردهم الاقتصادية وعلاقاتهم مع الغرب، بما في ذلك حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. كما حصلت القوات المسلحة الأوكرانية على طائرات بدون طيار وصواريخ أفضل لمحاربة القوات الروسية. لذلك، يمكن للدولة الأوكرانية الحالية المتوافقة مع القيم والمؤسسات الغربية أن تقدم بديلاً جذابًا للروس الذين يعيشون في ظل نظام استبدادي (حسب وجهة النظر الغربية).
ومن زاوية أخرى، لم تعد الوسائل الروسية السابقة للسيطرة غير المباشرة على أوكرانيا من خلال السياسيين والشركات ووسائل الإعلام الموالية لموسكو تعمل. ومما يثير استياء الاخيرة، أن الحكومة الأوكرانية تريد مراجعة بعض البنود التي فرضتها روسيا على أوكرانيا في اتفاقيات مينسك لعام 2014. فضلا عن ذلك، سيصبح الاعتماد الأوروبي على واردات الغاز الروسي أقل قيدًا على دعم الناتو لأوكرانيا حيث تجد أوروبا مصادر طاقة بديلة.
وعليه، بعد أن استخدمت روسيا القوة العسكرية لإضعاف أوكرانيا في عام 2014، قد تقرر استخدام القوة مرة أخرى لاستغلال مزايا القوة بدلاً من المخاطرة بفقدان القدرة على غزو أوكرانيا عسكريًا تمامًا. وفقًا لذلك، قد يحاول الجيش الروسي الاستيلاء على المناطق الصناعية الحيوية في أوكرانيا، مؤدياً الى تدفقات هائلة من اللاجئين لتوليد ضغط إنساني، والحفاظ على نشر عسكري طويل الأمد للقوات الروسية في بيلاروسيا وشرق أوكرانيا كسكين دائم في حلق أوكرانيا. يمكن لروسيا أيضًا أن تسعى جاهدة لتوسيع الأقاليم الموالية لها، اذ بعد اعتراف رسمي من موسكو بالجيوب التي تسيطر عليها روسيا فيما يسمى بجمهورية دونيتسك الشعبية (DNR) وجمهورية لوهانسك الشعبية (LNR) عن طريق تنفيذ مهمات عسكرية روسية لحفظ السلام فيهما، تحاول روسيا أيضًا منع وصول أوكرانيا إلى موانئها على البحر الأسود من خلال احتلال ساحلها الجنوبي. إن تمكين هذه المناطق وغيرها من شأنه أن يضعف الحكومة المركزية في كييف ويمنح موسكو فرصًا مستقبلية لاستغلال الانقسامات الأوكرانية.
الخيار الثاني: احتلال أوكرانيا
وقد تشن موسكو هجوما عسكريا واسع النطاق ضد اوكرانيا والقضاء عليها كدولة مستقلة، باستخدام القوة البرية والجوية والبحرية على جميع محاور الهجوم. في هذا الخيار، ستحقق روسيا تفوقًا جويًا وبحريًا في أسرع وقت ممكن. بعد ذلك، ستتقدم بعض القوات البرية الروسية نحو خاركيف وسومي في الشمال الشرقي، بينما تتقدم قوات أخرى متمركزة الآن في شبه جزيرة القرم ودونباس من الجنوب والشرق على التوالي. وفي الوقت نفسه، يمكن للقوات الروسية في بيلاروسيا أن تهدد كييف بشكل مباشر، وبالتالي تضغط على القوات الأوكرانية التي قد تتحرك لتعزيز الشرق والجنوب، اذ يمكن لهذه القوات التي تتقدم نحو كييف أن تسرع في استسلام الحكومة الأوكرانية.
قد لا يتمكن بوتين من تحقيق ما يريده بالضبط - أوكرانيا المحايدة أو أوكرانيا تحت السيادة الروسية، ولكن قد يتبع سياسة معينة بالتناوب بين استخدام القوة العسكرية والتهديد بها لإجبار الغرب على تقليل التزامه تجاه أوكرانيا أو القضاء على قدرة الدولة الأوكرانية في عرقلة مصالح روسيا الإقليمية. وتأسيساً على ذلك، لقد أعطى بوتين نفسه مجموعة من الخيارات لتحقيق حالة أوكرانيا المحايدة أو العاجزة. حيث ان أساس نهجه هو القوة العسكرية لروسيا والتدخل السيبراني وكدولة قائم اقتصادها على النفط والغاز. وتفسيرا لذلك، فأنه على المدى القصير (الأسابيع القليلة المقبلة)، سيهدد بوتين باستخدام مثل هذه القوة او يستخدمها بالفعل لتأمين موافقة أوروبا والولايات المتحدة على شروطه المفضلة للتسوية، والتي قد تكون أقل تطرفًا مما يوحي به خطابه في كثير من الأحيان.
خيارات بوتين السياسية والعسكرية
بعد اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميًا بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك (DNR وLNR) وتوقيع معاهدات تعاون متبادل تنص على نشر القوات الروسية في دونباس، يتبين ان بوتين يحاول تبرير التدخل العسكري الروسي على أوكرانيا. اذ أصدر الكرملين مرسوماً يقضي بنشر القوات الروسية للقيام "بمهام حفظ السلام" في الجمهوريتين وقد يغزو أوكرانيا بعدها. فضلا عن ذلك، ستقيم روسيا رسميًا علاقات دبلوماسية وتنفذ معاهدات "صداقة وتعاون ومساعدة متبادلة". لذلك تكافح مراكز الفكر والأبحاث الغربية دائمًا لتقييم ما إذا كانت موسكو قد تأمر بشن هجوم على أوكرانيا، ومع سياسة الأمن القومي الروسي، لا يقرر بوتين كل شيء، ولكن يمكنه أن يقرر أي شيء - ومسألة الحرب أو السلام مهمة جدًا لدرجة أن بوتين، أثناء الاستماع إلى مستشاريه والاستماع الى وجهات نظر مجموعات المصالح الروسية الرئيسية، سيكون لديه القرار النهائي لذلك هناك أربعة خيارات لبوتين هي:
الخيار الاول: أوكرانيا الخاضعة
يتمثل الهدف الروسي الأكثر محدودية في شن حرب وقائية ضد أوكرانيا لإبقاء البلاد ضعيفة وتحت سيطرة موسكو، سيكون الدافع هو استغلال التفوق العسكري الساحق لروسيا ثم توجيه ضربة مدمرة ضد القوات المسلحة الأوكرانية، وحرمان أوكرانيا من القدرة على الدفاع عن نفسها بشكل مستقل في المستقبل، وتركها عرضة بشكل حاسم للعمليات العسكرية الروسية المتجددة. ومع قيام موسكو مؤخرًا بتعزيز موقعها الأمني في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، فإن استعادة نفوذها المهيمن في أوكرانيا والذي من شأنه أن يعزز مجال نفوذها في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. حتى إذا ظلت الحكومة الأوكرانية مستقلة رسميًا، فإن هزيمة كبيرة ستؤدي الى الضعف الجبهة الداخلية لأوكرانيا، وتوسع الانقسامات مع الشركاء الأجانب، وتبقي أوكرانيا خارج الناتو والاتحاد الاوربي.
إن أحد الأسباب التي قد تجعل القادة الروس يهاجمون الآن هو تجنب ان تصبح أوكرانيا اقوى، اذ بمرور الزمن تعافى الأوكرانيون من هزيمتهم في عام 2014، وعززوا مؤسساتهم السياسية والعسكرية، ومواردهم الاقتصادية وعلاقاتهم مع الغرب، بما في ذلك حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. كما حصلت القوات المسلحة الأوكرانية على طائرات بدون طيار وصواريخ أفضل لمحاربة القوات الروسية. لذلك، يمكن للدولة الأوكرانية الحالية المتوافقة مع القيم والمؤسسات الغربية أن تقدم بديلاً جذابًا للروس الذين يعيشون في ظل نظام استبدادي (حسب وجهة النظر الغربية).
ومن زاوية أخرى، لم تعد الوسائل الروسية السابقة للسيطرة غير المباشرة على أوكرانيا من خلال السياسيين والشركات ووسائل الإعلام الموالية لموسكو تعمل. ومما يثير استياء الاخيرة، أن الحكومة الأوكرانية تريد مراجعة بعض البنود التي فرضتها روسيا على أوكرانيا في اتفاقيات مينسك لعام 2014. فضلا عن ذلك، سيصبح الاعتماد الأوروبي على واردات الغاز الروسي أقل قيدًا على دعم الناتو لأوكرانيا حيث تجد أوروبا مصادر طاقة بديلة.
وعليه، بعد أن استخدمت روسيا القوة العسكرية لإضعاف أوكرانيا في عام 2014، قد تقرر استخدام القوة مرة أخرى لاستغلال مزايا القوة بدلاً من المخاطرة بفقدان القدرة على غزو أوكرانيا عسكريًا تمامًا. وفقًا لذلك، قد يحاول الجيش الروسي الاستيلاء على المناطق الصناعية الحيوية في أوكرانيا، مؤدياً الى تدفقات هائلة من اللاجئين لتوليد ضغط إنساني، والحفاظ على نشر عسكري طويل الأمد للقوات الروسية في بيلاروسيا وشرق أوكرانيا كسكين دائم في حلق أوكرانيا. يمكن لروسيا أيضًا أن تسعى جاهدة لتوسيع الأقاليم الموالية لها، اذ بعد اعتراف رسمي من موسكو بالجيوب التي تسيطر عليها روسيا فيما يسمى بجمهورية دونيتسك الشعبية (DNR) وجمهورية لوهانسك الشعبية (LNR) عن طريق تنفيذ مهمات عسكرية روسية لحفظ السلام فيهما، تحاول روسيا أيضًا منع وصول أوكرانيا إلى موانئها على البحر الأسود من خلال احتلال ساحلها الجنوبي. إن تمكين هذه المناطق وغيرها من شأنه أن يضعف الحكومة المركزية في كييف ويمنح موسكو فرصًا مستقبلية لاستغلال الانقسامات الأوكرانية.
الخيار الثاني: احتلال أوكرانيا
وقد تشن موسكو هجوما عسكريا واسع النطاق ضد اوكرانيا والقضاء عليها كدولة مستقلة، باستخدام القوة البرية والجوية والبحرية على جميع محاور الهجوم. في هذا الخيار، ستحقق روسيا تفوقًا جويًا وبحريًا في أسرع وقت ممكن. بعد ذلك، ستتقدم بعض القوات البرية الروسية نحو خاركيف وسومي في الشمال الشرقي، بينما تتقدم قوات أخرى متمركزة الآن في شبه جزيرة القرم ودونباس من الجنوب والشرق على التوالي. وفي الوقت نفسه، يمكن للقوات الروسية في بيلاروسيا أن تهدد كييف بشكل مباشر، وبالتالي تضغط على القوات الأوكرانية التي قد تتحرك لتعزيز الشرق والجنوب، اذ يمكن لهذه القوات التي تتقدم نحو كييف أن تسرع في استسلام الحكومة الأوكرانية.من الناحية السياسية، قد يحاول الكرملين قطع رأس الحكومة الأوكرانية الحالية واستبدالها بنظام دمية تحت قيادة السياسيين الموالين لموسكو الذين سيعيدون روسيا كشريك اقتصادي وأمني رائد لأوكرانيا مع تأكيد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. فضلا عن ذلك، قد تسعى موسكو إلى تغيير النظام من خلال تشجيع فصيل موالي لروسيا للاستيلاء على السلطة، وإعلان نفسها الحكومة الشرعية لأوكرانيا، ودعوة روسيا لإرسال قوات للدفاع عنها. ويتوقع المحللون الروس بتفاؤل أن تؤدي بعض الانتصارات المبكرة إلى انهيار الجيش الأوكراني، كما حدث في 2014 أو 2008.
بالمقابل، ان الاحتلال طويل الأمد غير مرجح في هذا الخيار. فقد يؤدي اقتحام المدن الكبرى وتهدئتها إلى مستوى من حرب المدن وخسائر إضافية ربما يرغب الجيش الروسي في تجنبها. من المرجح أن تستولي القوات الروسية على الأراضي وتحتفظ بها لإنشاء خطوط إمداد وحمايتها ثم الانسحاب بعد الحصول على تسوية دبلوماسية مواتية أو إلحاق الضرر بأوكرانيا.
الخيار الثالث: كسر الكتلة
قد تهاجم روسيا أوكرانيا ايضاً لتحفيز التحول في النظام الأمني الأوروبي، وتعزيز موقف موسكو مع إضعاف الكتلة الغربية. سيكون هذا الهدف أوسع من أوكرانيا، لكنه سيتحقق من خلال العمل العسكري الروسي في أوكرانيا. سيكون الهدف على الأقل فرض "مبدأ بوتين" بعدم وجود أعضاء إضافيين في الناتو أو أنشطة تحالف في الجمهوريات السوفيتية السابقة. ويتمثل الهدف الأكثر طموحًا في تقويض مصداقية التحالف من خلال تسليط الضوء على إخفاقه في حماية الشركاء، وبالتالي تعزيز مكانة روسيا النسبية في أوروبا.
أظهر المسؤولون الروس قلقًا شديدًا بشأن أنشطة الناتو على طول الحدود الغربية لروسيا. وينتقد بوتين التعهدات الغربية المزعومة بعدم توسيع عضويتها في الكتلة السوفيتية السابقة، مدعياً أن الناتو "خدع" موسكو في التسعينيات ويستغل الآن موقف أوكرانيا المناهض لموسكو لإضعاف القوة الروسية في أوروبا.
في كانون الأول 2021، نشرت الحكومة الروسية مسودة معاهدات أمنية قدمتها روسيا إلى حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، والتي بالكاد ذكرت أوكرانيا. تطلب في بنودها الرئيسة من حكومات الناتو استبعاد أي توسيع إضافي للعضوية، وإنهاء العلاقات العسكرية مع الجمهوريات السوفيتية السابقة باستثناء دول البلطيق، وإزالة الهندسة العسكرية الأجنبية من أراضي أعضاء الناتو التي انضمت إلى الحلف في أعقاب مايو 1997 بين روسيا والناتو. وبطبيعة الحال، قد تتوقع القيادة الروسية أن تؤدي عملية عسكرية روسية ناجحة في أوكرانيا إلى إضعاف مصداقية الضمانات الأمنية لحلف الناتو، التي ضُمرت بالفعل بسبب عدم تنفيذ التعهدات المقدمة لأوكرانيا في مذكرة بودابست لعام 1994.
الخيار الرابع: تعزيز النفوذ التفاوضي
قد تزيد روسيا أيضًا من مخاطر الحرب لإجبار الحكومة الأوكرانية ودول الناتو على تقديم تنازلات لموسكو، اذ شهدت الأشهر القليلة الماضية مطالب روسية متعددة ومواعيد نهائية ومتطلبات وخطوط حمراء وتهديدات لعدم الامتثال. سيكون الهدف هو تحسين موقف موسكو في أوكرانيا والمجال الأمني الأوروبي من خلال المخاطرة بدلاً من العمل الحركي وبالتالي تجنب التكاليف العسكرية والاقتصادية المحتملة مثل العقوبات الإضافية والتمرد الكبير. ستسعى الخطوات التصعيدية الروسية إلى إضفاء المصداقية على التهديد باستخدام القوة لتغيير حسابات التكلفة والعائد لصانعي القرار الأوكرانيين والغربيين، من خلال وسائل مثل استغلال ذعر الحرب لإلحاق الضرر بأوكرانيا اقتصاديًا عن طريق تثبيط الاستثمار الأجنبي وتشجيع الشر. وكذلك ستجمع روسيا بين جهود الترهيب والمخارج المعروضة إذا تم تلبية مطالبها، لذلك يهدف الكرملين في الأساس إلى الحصول على مكافأة لحل الأزمة التي أحدثها من خلال التهديد بشن هجوم لا ينوي تنفيذه.
الموقف الاوكراني
تحسن الجيش الأوكراني بشكل كبير منذ عام 2014، بفضل المساعدة الغربية، واكتسب خبرة قتالية من الحرب في دونباس، لكن التجربة تقتصر إلى حد كبير على حرب الخنادق ومناوشات المدفعية، لا تزال كييف غير مستعدة لغزو روسي متجدد بهذا الحجم. اذ يعاني الجيش الأوكراني بشكل عام من نقص في العدة والأسلحة المتطورة. حيث تتألف قواتها البرية من آلاف المجندين ذوي الخبرة المحدودة. على النقيض من ذلك، تمتلئ مجموعات الكتائب التكتيكية الروسية بالجنود أكثر مهارة، سلاح الجو الأوكراني قديم وليس لديه أي فرصة ضد نظيره الروسي. البحرية الأوكرانية هي في الأساس "أسطول قديم وصغير" المكون من زوارق حربية صغيرة مدرعة. فعلى الرغم من صعوبة الحصول على أرقام موثوقة، الا ان القوات البرية الأوكرانية قد ترسل من 50 إلى 60 كتيبة ضد أكثر من 120 ألف جندي روسي، وهذه الكتائب لا تتمتع بنفس مستويات الفعالية القتالية. تمتلك روسيا قدرات مدفعية واستطلاعية ولوجستية أكثر - وأفضل بكثير - مما تمتلكه أوكرانيا. سيكون للجيش الروسي ميزة على طول كل محور للهجوم.
ان أوكرانيا بلاد شاسعة، مما يجعل من غير العملي للقوة الأدنى في البلاد شن دفاع فعال ضد الغزو. وبالتالي، فإن الاستراتيجية الأكثر منطقية للجيش الأوكراني هي المحاربة والانسحاب المنظم، وفرض تكلفة عالية قدر الإمكان على أي تقدم روسي، يمكن أن تساعد التضاريس الجيش الاوكراني في الدفاع واستنزاف القوات الروسية، مثل نهر دنيبر، الذي يمر عبر وسط البلاد. لكن القوات الأوكرانية ستقع ضحية للهجمات الجوية الروسية مع تراجعها، وستتحرك القوات البرية الروسية بسرعة لمحاولة محاصرة التشكيلات الأوكرانية كما سيتحرك الجيش الروسي أيضًا من بيلاروسيا في الشمال، مما يسمح للعديد من القوات بتجنب عبور نهر دنيبر. ويمكنهم بعد ذلك الهجوم من غرب وشرق كييف وعزل المدينة عن معظم الجيش الأوكراني.
وفي سياق متصل، يمكن للجيش الأوكراني إذا وجد نفسه غارقا ان يتدارك الامر بسرعة، من خلال تبني حرب العصابات، ويقسم نفسه إلى تشكيلات تكتيكية أصغر مع أقصى قدر من الحكم الذاتي. وسيستلزم ذلك التخلي عن معظم دروعها الثقيلة ومدفعيتها والتركيز بدلاً من ذلك على المشاة المسلحين بصواريخ محمولة على الكتف لضرب الدبابات أو الطائرات. لكن مثل هذا التحول أسهل من الناحية النظرية منه في الممارسة. يتم تدريب الجيش الأوكراني على العمل في وحدات أكبر مزودة بالدروع والمدفعية؛ ولا يمكن أن تتحول بسهولة إلى حرب عصابات. علاوة على ذلك، ستكون هذه التكتيكات أقل فاعلية مما كانت عليه في الحروب السابقة، وذلك بفضل ظهور التقنيات الجديدة، مثل الطائرات بدون طيار التي تستخدم الكاميرات الحرارية والتصوير الساتلي عالي الدقة ورخيص الثمن. اليوم، قد تكافح مجموعات صغيرة من المقاتلين للاختباء والفوز في ساحة المعركة.
في حالة اندلاع الحرب، يمكن للجيش الأوكراني التراجع إلى المدن كملاذ أخير، مما يجبر الوحدات الروسية الدخول الى المدن الحضرية والتي تستهلك الجيوش. قد تبدو القوة الروسية كبيرة، لكنها سرعان ما ستثبت أنها ضعيفة بالنظر إلى متطلبات حرب المدن. ومع ذلك فإن أوكرانيا لن تتخذ هذا الخيار باستخفاف. اذ تعد حرب المدن عملاً دموياً، ومن المرجح أن تؤدي المعارك حول المدن الرئيسية في أوكرانيا إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين، وتدمير أحياء بأكملها، وإلحاق أضرار لا حصر لها بالاقتصاد.
وقد تأمل القيادة الروسية تجنب القتال الحضري المطول من خلال إبرام الصفقات مع النخب الإقليمية التي قد تنقل السيطرة على المدن إلى السياسيين الموالين لروسيا. لا شك أن موسكو تخطط لدمج مخططات سياسية مع عمليتها العسكرية بطرق أخرى أيضًا. إذا نجحت روسيا في مناوراتها السياسية، فقد تحقق بالفعل نصرًا أوليًا حاسمًا. لكن هذا افتراض محفوف بالمخاطر.
في حالة أوكرانيا، سيكون للحرب مجموعة من العواقب المحتملة على المدى الطويل. قد تستمر المقاومة الأوكرانية كتمرد، على الرغم من أنه من المفارقات أن تكون أكثر نجاحًا في جزء واحد من البلاد من غير المرجح أن تغزو روسيا - الغرب. لكن التمرد، خاصة إذا تم تمويله من الخارج، قد يستمر في استنزاف القوات والموارد الروسية على مر السنين. يمكن أن تؤدي الحرب المطولة التي عصفت بأكبر دولة في أوروبا إلى إشاعة عدم الاستقرار في المناطق الشرقية والوسطى من القارة. يمكن أن يكون أيضًا بداية لسلسلة من الأزمات بين الناتو وروسيا. و لأول مرة منذ عقود، يقف الأمن الأوروبي على حافة الهاوية.
الخاتمة
لقد قدمت أوروبا والولايات المتحدة بالفعل الإجابة على أهم حسابات موسكو: ان الغرب لن يقاتل ويموت من أجل أوكرانيا، اذ مع حشد 150,000 جندي روسي على الحدود الأوكرانية، فإن هذا يمنح روسيا اليد العليا في المفاوضات، خاصة بعد اعلان بدء العمليات العسكرية للجيش الورسي والاعتراف بجمهورية دونيتسك وجمهورية لوهانسك.
نتيجة لذلك، تتوقع روسيا أيضًا ألا تخاطر أوروبا والولايات المتحدة برد "عسكري تقني" يهدده بوتين. على الرغم من أن رد الغرب سيقتصر على العقوبات الاقتصادية، ودعم أوكرانيا، وطمأنة الدول الأعضاء في شرق الناتو، إلا أن التهديد بفرض عقوبات بعيدة المدى قد ترك انطباعًا لدى موسكو بأنها هددت بانهيار كامل للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، إذا تم تنفيذ التهديد بفرض عقوبات.
قد تأمل موسكو في أن تكون قادرة على الصمود في وجه تأثير العقوبات، كما فعلت منذ 2014 مع عقوبات أكثر ليونة، ومن المؤكد أنها ستتعاون بشكل أوثق مع الصين في المجالات الاقتصادية والمالية، مع العلم أن هذا يجعل واشنطن متوترة. لكن ستكون هناك تداعيات جيوسياسية أوسع في أوروبا، اذ تشير الدلائل الأولى إلى أن فنلندا والسويد تسارعان للتأكيد على اختيارهما المستقل للتحالف، وتطالب الدول الأعضاء الشرقية بإجراءات تطمين من قبل الناتو، لذلك إذا كان الهدف الأكبر هو إضعاف التماسك الأوروبي وعبر الأطلسي، فإن الفوز التكتيكي قصير المدى في أوكرانيا يمكن أن يصبح خسارة استراتيجية طويلة الأمد لموسكو. حتى لو كانت أوكرانيا تهم روسيا أكثر مما تهم الغرب: فإن النظام الأوروبي بعد الحرب الباردة والتحالف مع الولايات المتحدة مهمان لأوروبا، والعكس صحيح.