العراق وأزمة السكن
م.م. سيماء علي مهدي
يهدد الانفجار السكاني العراق بأزمة مستقبل، وتبرز بين الحين والآخر، دعوات وتحذيرات لتدارك مصير الأجيال القادمة في ظل ارتفاع مستوى النمو السكاني وتجذر الاقتصاد الريعي في البلاد باعتماد النفط المورد الرئيسي الذي يشكل أكثر من 85 % من مجموع الدخل القومي. وقد أعلنت وزارة التخطيط العراقية بأنّ عدد سكان العراق سيبلغ بنهاية العام (2021) 41 مليون و190 ألف و658 نسمة موزّعون بواقع 50.50% للرجال و49.5% للنساء.
وهذا العدد الهائل من السكان يقابله معاناة ملايين العراقيين الذين يفتقدون إلى منازل يمتلكونها، مما يضطر الكثيرين منهم إلى استئجار بيوت بأسعار مرتفعة في المدينة، أو اللجوء إلى السكن العشوائي في مناطق شعبية على تخوم المدن أو في أحيائها القديمة المتهالكة.
مع غياب الخطط الحكومية لمواجهة هذه الازمة, كما أن الكثير من البنايات التي شيدت بارتجال في بغداد، دون مراعاة البنية التحتية اللازمة، وبتجاهل لتعليمات البلدية والتخطيط الحضري
بما أن ازمـة السكن يقصـد بـهـا الـنقص الحـاد فـي عـدد الوحـدات السكنية المطلوبة فـي مكـان وزمـان معينـين فـيلاحظ هنالك فرقاً شاسعاً بين مـا معـروض مـن الوحـدات السكنية ومـا مطلوب منها
ولهذا فإن السبب الرئيسي وراء ازمة السكن في العراق:
1- اسباب اجتماعية سكانية: باتت الزيادة السكانية ظاهرة تهدد الأفراد باغتيال طفولتهم فليس هناك أقسى من حرمان الإنسان من التعليم والخروج إلى العمل في سن مبكر لعدم تمكن أسرته التي أنجبت 7 أو 8 غيره من الإنفاق عليهم وتلبية احتياجاتهم، وتهدد الدول والبيئات بالتهام التنمية والتأثير على مواردها ومن ثم ضعف معدلات الإنتاج لعدم تناسبها مع معدلات الاستهلاك الضخمة([1]). فالعراقيين بحاجة أكثر لتنظيم النسل والاهتمام بالصحّة الإنجابية بسبب الظروف المحيطة بهم التي تجرّهم إلى العوَز أكثر منها إلى التنمية والتقدّم؟ ووجدنا أن هذا محور اهتمام وزارة التخطيط منذ عام 2012، حيث أورد تقرير "تحليل الوضع السكاني في العراق" أن النساء الشابات أقل ميلاً لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة من النساء المتقدمات بالعمر. ورغم ظهور تأييد لافت لإقرار قانون "تحديد النسل" وفقاً لاستطلاعات رأي أجرتها مؤسسات مدنية في العراق، إلا أن هذا الأمر ليس بالأمر الممكن بسبب "وجود أفكار دينية وقبلية تتعارض معه". رغم أن تنظيم الإنجاب من باب الحرص على التربية جائز فيه على اعتبار أن الرسول صل الله عليه وسلم أجاز العزل, فمن المثير للسخط أن نرى الفقراء ومحدودي الدخل ينجبون الأطفال بكثرة تأتى من الجهل بالدرجة الأولى والرغبة في عدم تحمل مسؤولية هؤلاء الأطفال وإلقاء مسئوليتهم على المجتمع والدولة. هذا ماعدا الجانب النفسي الذي يتعرض له الابناء نتيجة حرمانهم من حقوقهم بالعيش الكريم و إكمال تعليمهم.
وكذلك تغيرات الهجرة من الريف الى المدينة, ولنزوح الداخلي نتيجة الازمة الامنية, أدت بالضغط على الأماكن الحضرية, خاصة العاصمة بغداد
1- اسباب اقتصادية: تعاني غالبية العوائل العراقية من ارتفاع مؤشر أسعار العقارات في مناطق العاصمة بغداد الأمر الذي ساهم في صعوبة حصول بعضهم على مأوى و الذي سبب بارتفاع اسعار الايجارات تصل اقلها(500 ألف دينار عراقي), و تكاثر مناطق السكن العشوائي و التجاوزات و الاراضي الزراعية و في ظل أزمة البطالة.
2- ضعف التخطيط المنظم لحقوق السكن: لاشـك ان التخطيط وحسـن الادارة هـو السـمة البـارزة للـدول الاكثـر تقدماً, ونظـراً للظروف الغير المستقرة في البلد فقد عاني التخطيط والإدارة من مشاكل كثيرة منها :
أ- ضـعف الاجهـزة التخطيطيـة مـن حيـث الكفـاءة وعـدم الافـادة مـن الخبـرات الاجنبية في هذا المضمار .
ب- الفرديـة والعشـوائية في اتخاذ القرارات فـي مجـال السـكن منهـا علـى سبيل المثال انجـاز المشـاريع السكنية واطئـة الكلفـة وتوزيـع الاراضـي بشـكل عشـوائـي وعـدم توفير الخدمات لها.
ت- عدم فسح المجال مبكراً للاستثمار في مجال السكن.
ث- عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة للوظيفة السكنية واتجاهاتها المستقبلية .
عـدم وجـود مخططـات اسـاس للعديـد مـن المـدن العراقيـة وان وجـدت فـهـي قديمـة وغير محدثة ولا تواكب التطورات العالمية والحاجات الفعلية .هذا بالإضافة للمشكلات النفسية التي تسببها ازمة الاكتظاظ السكاني, منها(التصادم بين الاسر), أن أهم ما يمز الأسرة السعيدة هو قدرتها على التكيف النفسي الذي يضمن مشاعر المحبة والألفة بين أفرادها, ومثل الصراع القيمي بين الاجيال احد الاسباب التي يواجهها المجتمع خاصة بين الاباء وابناء الجيل الجديد, فالأبن المتعلم يحاول مناقشة والده في أمور حياته، ومن ثم فالثقافة التي يحملها الأبن تختلف نوعا ما عن ثقافة الأب. لذا يحاول الأبن إدارة مسؤولية أسرته على أسس خاصة به مما تسبب توترات اسرية محاولة الاب السيطرة وتطبيق ما يؤمن به. عدا كثرة المتزوجين بنفس البيت الواحد مما يسبب كثرة المشاكل لاختلاف التوجهات والرؤى ناهيك عن النفسيات المختلفة بينهم, وبذلك تزعزعت الالفة الاسرية التي تتطلب الخروج منها للسلامة النفسية من الدولة الهشة, ومؤشر الهشاشة بحسب مؤشر صندوق السلام من أجل تحقيق الأمن والتنمية المستدامين, يشمل:
1- المؤشرات الاجتماعية وتشمل:
أ- الضغوط الديموغرافية التي تتعرض لها الدولة من السكان أنفسهم(النمو السكاني المرتفع أو التوزيعات السكانية المنحرفة- توفير الخدمات الغذائية والصحية وغيرها)، أو البيئة المحيطة بها كالكوارث الطبيعية(الأعاصير والزلازل والفيضانات أو الجفاف) التي تجعل من الصعب على الحكومة حماية مواطنها فيظهر عليها نقص القدرات أو الرغبة في تأدية وظائفها.
ب- اللاجئون والنازحون داخلياً، وهذا يضر بالخدمات العامة ويحتمل أن يشكل تهديداً أمنياً.
ت- مظالم جماعية عندما يكون التوتر والعنف قائما بين الجماعات، فإن قدرة الدولة على توفير الأمن يضعف ، وقد يترتب على ذلك المزيد من العنف .
هجرة العقول, وكثيرا ما يغادر أولئك الذين يملكون المقومات المادية والعلمية الذي ينعكس سلبا على تركيبة المجتمع. 1- المؤشرات الاقتصادية, وتشمل التنمية الاقتصادية المتفاوتة والتي تؤثر على شرائح من الشعب., ومؤشر العراق من حيث الهشاشة لعام 2019 عالميا مرتبة (13) أما عربيا (5) بمؤشر 99,1درجة قصوى. اما لسنة 2020 فنسبته(95.9).
حلول ازمة السكن
1- ضرورة اهتمام وزارة الاسكان والاعمار بمراجعة سياسات الإسكان الوطنية واعتماد استراتيجية واضحة من أجل تحقيق السكن الملائم لجميع فئات المجتمع فالأسس التي تقوم عليها السياسة الإسكانية في العراق لابد أن تتبع من الاحتياجات المختلفة للمواطنين وتلبي الطلب المتزايد على المساكن . والاعتماد على البناء العمودي للتخفيف من الكثافة السكانية العالية وما تسببه من مشاكل اجتماعية خطيرة . فضلاً عن الاستفادة من المساحة الكبيرة للأراضي غير المستغلة التي يمكن أن تخفف من أزمة السكن.
2- على مجلسي النواب والوزراء تحديد سياسة ( إيجار المساكن ) والقيام بإصدار القوانين التي تنهي استغلال الملاكين وأصحاب العقارات وذلك يساعد في القضاء على ظاهرة الاكتظاظ داخل الوحدة السكنية.
3- تسهيل قرض الإسكان بما يكفي لتغطية نفقات البناء, وبشرط يكون البناء عصري .
4- استبدال توزيع الاراضي ببناء وحدات سكنية تساعد على التخلص من أزمة السكن وبأسعار ايجار معقولة, وإن ارادت الدولة اعطاء سكن مجاني لمساعدة بعض المواطنين الذين لايملكون سكن باعطائهم شقة بدل قطعة الارض, لان العراق في زيادة سكانية مستمرة والتوزيع العادل يضمن سلامة مجتمعية وأمنية معا وبهذا لا يهدد استقرار الدولة والسماح لمستغلين الازمة باشعالها.