يثور قلق بين جميع الطبقات فى المجتمع وخصوصًا الطبقات العامة فيما إذا كان يمكن المحافظة على مكانتهم ومكانة أولادهم، بل والإرتقاء بتلك المكانة فى ظل التنافسية الشديدة لسوق العمل ومتطلباته المتزايدة القائمة على العرض والطلب للكفاءات والمهارات، والتى هى نتاج رئيسى لتطبيق نظام رأسمالية الجدارة الليبرالية فى المجتمع.
الجدارة Meritocracy هو نظام أو مجتمع يتم فيه اختيار الأشخاص ونقلهم إلى مناصب النجاح والقوة والتأثير على أساس قدراتهم واستحقاقاتهم الظاهرة. ورأسمالية الجدارة الليبرالية، تشير إلى نظام يركز على نمو القطاع الخاص، ويحاول أن يضمن تكافؤ الفرص للجميع؛ وهذا التأطير لعدم المساواة فى الداخل وفق حدود متريوقراطية سوف يثبت تعزيزه لذاته، سوف ينهض الأفراد المستحقون فى الواقع من الفقر بصفة منتظمة، وهذا سيجعل من السهل تجاهل أولئك المتروكين.
وربط مبدأ الجدارة بالإيديولوجية الليبرالية يرجع فى الأساس إلى أن التطلعات الخاصة بالجدارة هى نتاج للأيديلوجية الليبرالية من نواح كثيرة، بحيث تركز الليبرالية على الحقوق التى يستحقها كل شخص، وترتقى الجدارة بهذا المنظور لتحويل التفاوتات إلى حقوق، فيتم إعادة تفسير الإمتيازات المكتسبة على أنها حقوق مستحقة، فقد هاجمت الليبرالية الإمتيازات الموروثة، وألغت الأدوار الإقتصادية المحددة، ودافعت عوضًا عن ذلك عن الإنفتاح القائم على الإختيار والموهبة والفرص والإجتهاد.
ويمكن تأطير تفاقم قلق المكانة المجتمعية التى تزايدت فى السنوات الأخيرة فى ظل رأسمالية الجدارة الليبرالية فى جانبين رئيسيين، الأول هو أثر مبدأ الجدارة على المساواة والعدالة فى المجتمع من جهة، والثانى هو المكانة الإجتماعية والحراك الإجتماعى فى ظل مبدأ الجدارة .
أولًا – أثر مبدأ الجدارة الليبرالية على كل من المساواة والعدالة فى المجتمع:
المساواة تعنى معاملة الجميع بنفس الطريقة بينما يحدث العدل عندما يتم معاملة الناس وفق احتياجاتهم التى ليست بالضرورة أن تكون متساوية.
وتحاول فكرة الجدارة أن تعالج اثنتين من أكبر المشاكل فى قلب الحداثة: كيف يمكننا التوفيق بين المساواة الأخلاقية للأفراد والتمايز الإجتماعى؟ وكيف نؤمن النمو الإقتصادى الذى يدفع ثمن الأشياء التى توقعناها، مثل الرفاهية الإجتماعية؟؛ وفى ذلك السياق، يجب توضيح أثر مبدأ الجدارة على كل من المساواة من جهة والعدالة من جهة أخرى، وذلك على النحو التالى:
أ- أثر مبدأ الجدارة على المساواة فى المجتمع:
تنافست الأيديولولجيا الخاصة بالكفاءة/الجدارة Meritocracy مع مفهومين بديلين للتنظيم الإجتماعى: مبدأ المساواة الداعى إلى المساواة المطلقة فى توزيع الممتلكات بين جميع أفراد المجتمع؛ ومبدأ التوريث، المؤيد للانتقال التلقائي للمناصب والمكانة والألقاب من الأغنياء إلى أبناءهم أو من جيل إلى آخر؛ كان الداعون إلى نظام الكفاءة مستعدين – مثل الأرستقراطيين القدامى – للتساهل مع قدر كبير من تفاوت الحظوظ بين الناس، لكنهم فضلوا – مثل أنصار مبدأ المساواة – التكافؤ التام فى إتاحة الفرص ( ولو لمرحلة إنتقالية فقط )؛ حيث رأوا أنه إذا تلقّي الكل التعليم ذاته وأتيحت له فرصة دخول أى مجال مهنى فإن الفروق اللاحقة فى الدخل والمنزلة ستكون مبررة بناء على مواهب الأفراد الخاصة وأوجه قصورهم، وبالتالى، لن تكون هناك حاجة لفرض مساواة مصطنعة على الرواتب أو الممتلكات؛ فلن تكون أقل أستحقاقًا وجدارة من المزايا.
كما أن نظام " رأسمالية الجدارة الليبرالية " نتج عنه نخبة تتمتع بالتنوع من حيث الجنس والعرق، ولكنه تسبب – فى الوقت نفسه – فى تعميق اللامساواة تحت زريعة الجدارة، حيث يمكن للأثرياء أن يزعموا أن مكانتهم وثراءهم مستمد من عملهم وجدارتهم، مما يعرقل الحراك الإجتماعى المنشود؛ وأوضح ميلانوفيتش أن هذه النخب الثرية تركزعلى الإستثمار فى مجالين: الأول، هو الإستثمار فى تعليم أبناءها بما يضمن إستمرار هذه النخبة من خلال إحتفاظ الأجيال القادمة بدخول مرتفعة ومكانة إجتماعية مرموقة، الثانى، هو إرساء السيطرة السياسية، من خلال الإستثمار فى توسيع نطاق النفوذ السياسى سواء فى الإنتخابات أو من خلال مراكز البحوث، والجامعات، وما إلى ذلك، بحيث تضمن تلك النخب تحويل رأس المال الإقتصادى وبالتالى فإن التعليم المكتسب ورأس المال المتوارث يؤديان إلى إستنساخ نخبة حاكمة.
يجادل أدريان وولدريدج من مجلة الإيكونوميست فى كتابه بعنوان " أرستقراطية الموهبة: كيف صنعت الجدارة العالم الحديث" أنه على الرغم من كون نظام الجدارة معقول فإنه يوجد به خلل، حيث توجد نسبة متزايدة من الثروات فى أيدى أشخاص يتمتعون بقدرات ذهنية فائقة، والذين يستخدمون ثرواتهم وقواهم لإلحاق أبناءهم بأفضل المدارس، وذلك نظرًا لأن التعليم المتميز يصبح المطلب الأساسى لأفضل وظيفة، فيمكن للأثرياء شراء الإمتيازات التعليمية لأطفالهم، وبالتالى فالطبقة الجديدة تفعل ماتفعله الأرستقراطيات القديمة فى نقل تلك الإمتيازات، ولكن تحت ستار تعليمى وجدارة يجعل من الصعب على الفقراء التحسر على مصيرهم، فعلى سبيل المثال فإن الطلاب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف دروس خصوصية إضافية لديهم فرص أقل فى المنافسة التعليمية.
قدم تقرير التنمية البشرية لسنة 2019 الصادر بعنوان " أوجه عدم المساواة فى القرن الحادى والعشرين: ما وراء الدخل، والمتوسط والحاضر" تفسيرًا منطقيًا لحالة السخط التى شهدتها بعض البلدان التى تحظى بمكانة متقدمة فى مؤشر التنمية البشرية، وبعض مؤشرات النمو الإقتصادى، ويعزو التقرير هذا السخط إلى عجز الكثير من البلدان عن إحراز التقدم المطلوب فيما يتعلق بمؤشرات التنمية البشرية المرتبطة بالقدرات المعززة Enhanced Capabilities، ومنها الحصول على الخدمات الصحية الجيدة، والتعليم الجيد فى كافة المراحل، والقدرة على النفاذ إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة، وترتبط هذه القدرات بالحصول على فرص عمل ملائمة، وقدرة الأفراد والجماعات على التعبير عن ذواتهم.
وبناءً على ذلك، فإن اولئك الأفراد قليلو الكفاءة الذين يظلون فى القرى والبلدات والمدن محكوم عليهم بالظروف الإقتصادية الصعبة، وتنحصر أقدارهم فى وظائف مجالات الخدمات ذات الأجور المنخفضة التى تتسم بالركود، منعزلين عن المستويات العليا من الأعمال التحليلية والفكرية المحجوزة لخريجى النخبة، حيث إنهم متجذرون فى مناطق محرومة اقتصادياً أو يصارعون صعاب الحياة على أطراف تركيزات النخب، حيث سيذوقون الأمرين مع أسعار العقارات المتضخمة، إما عن طريق الاكتظاظ السكانى فى مساكن حضرية دون المستوى، وإما العيش على مسافة بعيدة جداً من العمل ومجالات الترفيه.
ب- أثر مبدأ الجدارة على العدالة فى المجتمع:
رأت منظمة التعاون الإقتصادى والتنمية، أن الحراك الإجتماعى المرتفع، هو علامة أكيدة على الجدارة ويعزز النمو الإقتصادى، ويظهر كل من البنك الدولى ومنظمة الشفافية الدولية أن الفساد والمحسوبية يضر بالرخاء طويل الأجل؛ وفى ذلك السياق، قام نيكولاس بلوم من جامعة ستانفورد وجون فان رينين بجمع بيانات حول ممارسات الإدارة فى آلاف الشركات فى 34 دولة، وخلصوا إلى أن البلدان التى تفضل تعيين مديرين محترفين من خلال المنافسة المفتوحة تتمتع بمعدلات نمو أعلى من تلك التى تعين المديرين من خلال المحسوبية؛ وفى دراسة قام بها خبراء إقتصاديين فى كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو تم فحص نمو الناتج المحلى الإجمالى فى أمريكا للفرد من عام 1960 إلى عام 2020 من خلال منظور توزيع المواهب، ولاحظوا أن مايقرب من خمس نمو الدولة خلال هذه الفترة يمكن تفسيره من خلال تحسين تخصيص المواهب، لاسيما فتح المهن ذات المهارات العالية لمجموعات المواهب الجديدة، وفى عام 1960 كان 94% من الأطباء والمحامين الأمريكيين من الرجال البيض، وبحلول عام 2010، تقلص هذا الرقم إلى 60%، وهذا يجعل المجتمع أكثر إنتاجية وأكثر عدالة.
وتتمثل إحدى فضائل نظام الجدارة فى أنها تصحح نفسها بنفسها، فكلما بدا النظام أو المجتمع وكأنه يتدهور إلى تبرير الوضع الراهن، إبتكر الإصلاحيون أساليب أكثر إبداعًا لإكتشاف المواهب؛ والبلدان التى تتمتع بمبدأ الجدارة مثل سنغافورة تنمو بقوة أكبر من تلك التى لا تتمتع بذلك المبدأ مثل اليونان، فالشركات العامة التى توظف أشخاصُا على أساس الجدارة تكون أكثر نجاحًا من الشركات العائلية التى تعتمد على المحسوبية.
وفى ذلك السياق، أوضح جون لوك فى كتابه " المبحث الثانى عن الحكومة " أن عالم ما قبل التاريخ الذى ساد به إقتصاد الكفاف تميز بغياب الملكية الخاصة، وكان كل شخص يجمع ما يكفى من الطعام والمتطلبات لكل يوم يمر به، وكانت أى أختلافات فى المواهب، والقدرات، والتطلعات، لا تدرك بالكامل، ويقدم لوك الهنود الحمر فى الأمريكتين مثالًا على حقبة "ما قبل التاريخ " هذه، ففى عالم كهذا يمكن أن يتواجد أشخاصًا يملكون الجدارة مثل بيل جيتس أو ستيف جوبز، لكنهم منهمكين للغاية فى صيد الحيوانات أو الأسماك أو جمع الثمار يوميًا، بحيث تذهب قدراته الكامنة بلا إدراك.
وذلك المنظور المؤيد لمبدأ الجدارة كونها داعمة للعدالة فى المجتمع يتبلور فى كل من تنافسية السوق من جهة والتى تضمن شغل أصحاب الكفاءات والقدرات فى أماكن تزيد من رقى المجتمع، ونظرية "اليد الخفية" invisible hand التى طرحها الإقتصادى آدم سميث من جهة أخرى، والتى تقوم على أن إهتمام تحقيق فرد المجتمع لمصلحته الشخصية وتعظيم منفعته يساهم بشكل غير مباشر فى تحقيق مصلحة وتعظيم منفعة بقية أفراد المجتمع، فمثلًا عندما يبدأ أحد الأفراد مشروع كالمصنع فإنه يتم شراء المواد الخام والمعدات اللازمة للتشغيل من منتجين آخرين، ويتم توظيف العديد من الأفراد فى المشروع وتوفير فرص العمل لهم، وبالتالى يسهم فى خدمة الصالح العام، فالعائد العام للمجتمع – وفقًا لآدم سميث – ما هو إلا مجموع عوائد الأفراد فى المجتمع.
ثانيًا – المكانة الإجتماعية والحراك الإجتماعى فى ظل مبدأ الجدارة الليبرالية:
الحراك الاجتماعي Social Mobility، هو حركة الأفراد أو المجموعات من خلال نظام التسلسل الهرمي الاجتماعي، وإذا أدى ذلك الإنتقال إلى تغيير في المكانة، وخاصة في المهنة، ولكن دون تغيير في الطبقة الاجتماعية، فإنه يسمى "التنقل الأفقي" Horizontal، مثال على ذلك هو الشخص الذي ينتقل من منصب إدارى في شركة إلى منصب مماثل في شركة أخرى، ومع ذلك ، إذا كانت هذه الخطوة تنطوي على تغيير في الطبقة الاجتماعية، فإنها تسمى "التنقل الرأسي" Vertical وتنطوي إما على "الحركة الصاعدة" أو "الحركة الهابطة"، فمثلًا العامل الصناعي الذى يصبح رجل أعمال ثريًا ينتقل إلى الأعلى في النظام الطبقي؛ بينما الأرستقراطى الذى يخسر كل شىء في ثورة يتحرك نحو الأسفل في النظام.
وإذا ربطنا الحراك الإجتماعى والمكانة بمبدأ الجدارة، فسنجد أنه فى ظل وجود حقيقة أنه يمكن أن تكون هناك حركة اجتماعية صاعدة وأخرى هابطة على حد السواء، وأن هذه المنافسة جرت عولمتها، تدفع جميع الطبقات إلى المشاركة بقلق عميق، لأن المكانة الإجتماعية هى إلى حد كبير دالة للمنصب والدخل والموقع الجغرافى، فهى غالباً ما تكون محل مقارنة وغير آمنة، فيما تؤكد اليبرالية المتقدمة أن يكون الأفراد أكثر حرية من أى وقت مضى من مصادفات الولادة، والعرق، والجنس، والموقع، فإن الناس اليوم يرزحون بشكل يكاد يكون كونياً تحت نير معادلة إقتصادية صفرية، فضلًا عن إن إتهامات الانشغال بتقدم المهنة careerism والتركيز على بناء السيرة الذاتية ليست نتيجة لفشل التعليم المعاصر، ولكنها تعكس أعمق الدروس التي تركزت فى الأذهان وهى أن مجتمع اليوم ينتج فائزين إقتصاديين وآخرين خاسرين، وأن مؤهلات الفرد التعليمية تكاد تكون العامل الحاسم الوحيد فى تحديد المكانة النهائية للفرد.
وفى كتابه "خطاب حول أصل عدم المساواة"
Discourse on the origin and basis of inequality Among Men
تسائل جان جاك روسو بأنه من المحتمل أن يكون الإنسان الذى يعيش على الصيد وجمع الثمار، وليس العامل الحديث كما صار يؤمن الجميع، هو من ينعم بعيش أفضل؟. ، قامت حجّة روسو على فرضية راديكالية، هى أن الثراء الفعلى لا يتطلب امتلاك أشياء كثيرة، بل يتطلب بدلًا من ذلك امتلاك ما يصبوا إليه المرء، فالثروة ليست شيئًا مطلقًا، بل تتناسب مع الرغبة؛ فصّل روسو حجته بأن هناك طريقتين لجعل إنسانًا أكثر ثراءً: أن تعطيه المزيد من المال، أو أن تحد من رغباته، وقد حققت المجتمعات الحديثة الأمر الأول بصورة رائعة، غير أنها أشعلت باستمرار شهية الناس للمزيد، ولكن ربما يكون من الأفضل لنا أن ننأى بأنفسنا عمليًا وعاطفيًا، عن هؤلاء الذين نعتبرهم أندادًا لنا، ومع ذلك فقد صاروا أكثر ثراءًا منا، حيث يمكن لمحصلة المجتمعات الرأسمالية أن تعزز فينا من تطلعات غير محدودة، ما يحفظ بقاء فجوة دائمة بين ما نريد وما نستطيع تحقيقه أو دفع ثمنه.
مثل تلك التفاوتات قد تخلّف فينا شعورًا بالحرمان أشد مما ذاقه المتوحشون البدائيون، الذين كما ألح روسو، لم يشعروا بأنهم يفتقرون إلى أى شيء فى العالم، ما دام عندهم سقف فوق رؤوسهم، وبضع ثمار ليأكلوها، فهنا التطلعات لها دور كبير فى تحديد حصتنا من تقدير الذات، فقد نكون سعداء بالقليل إذا كان القليل هو ما نتوقع، وقد نكون تعساء بالكثير عندما نرغب بإمتلاك كل شيء (الرضا).
يرى مايكل يونج فى كتابه " صعود الجدارة "The Rise of the Meritocracy أن نظام الجدارة ينتج نظامًا طبقيًا بحيث يشمل تسلسلًا هرميًا للإحترام الإجتماعى، ويمنح الكرامة لمن هم فى القمة، ولكنه ينكر الإحترام وتقدير الذات لأولئك قليلى الحظ فى المواهب والقدرة على بذل الجهود إلى جانب توافر تعليم مناسب لهم، من شأنها أن تمنحهم إمكانية الوصول إلى المهن ذات الأجور الأعلى، لذلك يجب توفير مجتمع يمتلك قيمًا تعددية ويتصرف وفقًا لها. بحيث يتم تقدير الناس بشكل أخلاقى ليس فقط لذكاءهم وتعليمهم ومهنتهم.
وفى ظل مجتمع السوق المفتوح والتنافسية العالية لسوق العمل، ومع عدم وجود بديل، يتعين على أبناء الطبقة العاملة قبول ضوابط الحياة التعليمية والمدرسية وهم يسعون جاهدين لإبعاد أنفسهم عن طبقاتهم القديمة، حيث يكون بالنسبة اهم هذا خيار "التغيير أو الموت"، الموت الإقتصادى والإجتماعى بالطبع، وعلى النقيض من ذلك، فإن المتفوقين من الطبقة الوسطى أقل تحفزًا بضرورات الآداء ونجاحهم يعتمد على مشاركة أسرهم والجهود الفردية، وبالتالى يصبح مبدأ الجدارة موضوعى،.
وبالتالى تساعد رأسمالية الجدارة الليبرالية على تفعيل الحراك الإجتماعى بشكل أكبر فى المجتمع، وفى هذا السياق يجادل المهتمون بمبدأ الجدارة / الكفاءة بأن الهدف من مبدأ الجدارة ليس إعطاء الجميع فرصة ليكونوا جيدين، ولكن تعظيم المبلغ الإجمالى للعمل الجيد الذى يتم إنجازه، فالجدارة تستند إلى الإنتاجية النسبية، بحيث يتم إعطاء المزيد لمن هم أكثر قدرة على تحويل الموارد إلى ثروة، ويتم تقديم أقل من ذلك إلى الأفراد الأقل قدرة على تكوين الثروة مثل ضعاف التعليم.
خاتمة:
يتضح مما سبق أن مبدأ الجدارة يشتمل على مميزات أهمها إشاعة مبدأ العدالة فى المجتمع وزيادة الإنتاجية، ولكنها فى الوقت نفسه تشتمل على أوجه قصور أهمها توسيع فجوة عدم المساواة فى المجتمع وأيضًا الترويج لثقافة عدم التسامح مع الطبقات الأقل جدارة وبالتالى الأقل مكانة كونهم – من وجهة نظر مبدأ الجدارة – المسبب الأول فى أوضاعهم فى ظل البيئة التنافسية والتى توفر فرصًا متكافئة للجميع؛ ومن المهم أيضًا توضيح أنه ما زالت هناك مشكلات تتعلق بالقدرات المعززة التى تزداد إلحاحًا مع التقدم التكنولوجى الذى أدى إلى إتساع هوة التفاوت نتيجة عدم امتلاك الأغلبية ما يؤهلهم لتحقيق ذواتهم أو الحصول على فرص عمل ملائمة بمقتضيات العصر الحديث.