نبذه عن استطلاع الرأي

 

تمهيد /

لاشك ان الانتخابات هي عصب العملية الديمقراطية  واحد دلالاتها الاساسية وتحرص البلدان على اجراءها في مواعيدها وفق معايير النزاهة والشفافية والعدالة كي تضمن انتقال سلس وسلمي للسلطة بشقيها التشريعي والتنفيذي، من هذا المنطلق حددت الحكومة العراقية موعد 10 تشرين اول 2021 موعدا" للانتخابات المبكرة والتي جاءت نتيجة لضغط الشارع العراقي ومطالباته  والتي امتدت لأشهر، وفعلا تم اجراء الانتخابات في موعدها واسفرت عن نتائج راقت لبعض القوى السياسية التي حصدت مقاعد كبيرة في مجلس النواب القادم ولم ترق لقوى اخرى بعد ان تراجعت مقاعدها كثيرا" ، وهو الامر الذي جعلها تشكك بنزاهة الانتخابات وصدقية مخرجاتها ولا زالت تهدد بتحريك الشارع عن طريق المطالبات بإجراء العد والفرز اليدوي وهو امر لا زالت المفوضية ترفضه وتصر على اجراء العدد والفرز اليدوي على المحطات التي جرى الاعتراض عليها والتشكيك بنتائجها. هذا المشهد الملبد بالغيوم ينذر بعواقب غير حميدة ممكن ان تنعكس على الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي برمته ، وسنحاول في هذه الاوراق تتبع اهم الدلالات والمؤشرات الفنية -التي تخص عمل مفوضية الانتخابات- والسياسية التي نحاول عن طريقها تلمس انعكاس النتائج على الواقع السياسي العراقي مستقبلا :

اولا / الدلالات والمؤشرات الفنية

لا شك ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ادت عملا" مهما" وكبيرا" في تنظيم العملية الانتخابية في اجواء عدم فرض حظر للتجوال ولأول مرة منذ 2005، وجهودها وحسن تنظيمها لمجريات هذه العملية واضحة ونالت استحسان الناخبين والمرشحين على حد سواء ، اذ اثنى الجميع على شفافية العملية وحسن تنظيمها وسلاسة الاجراءات ووضوحها سواءا من داخل العراق او من خارجه وآخر هذا الثناء ما صدر عن الامم المتحدة في بيانها الذي امتدح الانتخابات واثنى عليها، لكن رغم ذلك هناك ملاحظات سجلت على عمل المفوضية لا سيما في الجوانب الفنية اثارت حفيظة البعض ، يمكن تلمس وملاحظة بعضها :

1-  ان شخوص هذه المفوضية عينوا بعد ان حلت المفوضية السابقة نتيجة للحراك الشعبي الذي انطلق في تشرين من عام 2019 ، والذي طالب باستبدال اعضاء المفوضية ،وعلى الرغم من اهمية التغيير في شخوص من يدير المفوضية كونه يكسب ويعزز الثقة لدى القوى السياسية وعموم المواطنين ولكنه من جهة ثانية -دون الانتقاص من شخوص المفوضية الجديدة – اثر في موضوع الخبرة الفنية الادارية وتراكميتها التي يجب ان يتحلى بمن يعمل في السلك الانتخابي لا سيما وان بعض اجراءاتها ذات طابع فني والكتروني يتطلب معايير محددة في الاختيار لذلك اول ما يشكل على عمل المفوضية هو موضوع الخبرة الادارية والفنية .

2-  على الرغم ان المفوضية اجرت (ستة) محاولات لمحاكاة اجهزة القراءة والعد والفرز والتسريع للأوراق الانتخابية وكل تلك المحاولات وحسب ما ترشح من المفوضية كانت ايجابية وناجحة ولم تسجل وقوع خلل في عمل تلك الاجهزة، ولكن عند اجراء الاقتراع توقفت العديد من الاجهزة لأسباب غير معروفة الامر الذي اثر في عملية نقل المعلومات والاصوات الى المركز الوطني واثار انزعاج بعض المواطنين لاسيما في موضوع قراءة البصمات او البطاقة الانتخابية لاضطرارهم الانتظار او ارجاعهم الى بيوتهم ولم توفر لهم التصويت اليدوي ويرى البعض ان نسبة هؤلاء تزيد عن 5%.

3-  من المآخذ الاخرى على عمل المفوضية هو ارسالها الطعون التي تقدمت بها المرشحون الى الهيئة القضائية للانتخابات في مجلس القضاء الاعلى قبل استكمال الاجراءات القانونية كافة والوقوف على مدى تأثيرها على نتائج الانتخابات النهائية، اذ ردت الهيئة تلك الطعون واعادتها للمفوضية لغرض تدقيقها واعادة ارسالها للمصادقة ، وهذا الامر يؤشر خلل غير مبرر وقعت فيه المفوضية ربما يعود الى عامل الخبرة الذي ذكر سلفا .

4-  تعهدت المفوضية قبل الانتخابات بانها ستقوم بإعلان النتائج الاولية بعد 24 ساعة من اجراءها وهو امر محمود وجيد ويعزز من ثقة العملية ونزاهتها ويقلل فرص التزوير او التلاعب ، ولكن ما سجّل على عمل المفوضية ان هذا الاجراء تم على حساب الدقة بمعنى (ان السرعة جرت على حساب الدقة) ، اذ اظهرت النتائج وجود اخطاء في الارقام وعدم تطابق بعضها داخل القائمة الواحدة واختلاف الارقام وعدد المقاعد وتغيرها لأكثر من مرة في اعلانات المفوضية مبررة ذلك بوصول النتائج من المحطات التي شهدت توقف تباعا الى المركز الوطني، لكن ذلك عمق الشكوك في النتائج وكان بإمكان المفوضية طلب مزيد من الوقت للتدقيق ومن ثم الاعلان لتفادي ذلك.

5-  من النقطة السابقة اشكل البعض على المفوضية انها لم تطابق الاصوات المفرزة مع الشرائط الموجودة لدى المراكز والمحطات والمراقبين قبل التسرع بإعلان النتائج الامر الذي اثار حفيظة وشكوك البعض لا سيما القوى الخاسرة واعطاها مبرر للتشكيك بالنتائج .

6-   ان نسبة المشاركة التي اعلنتها المفوضية كانت 41 % رغم تشكيك البعض بتلك النسبة ،لكن اذا سلمنا مع ما اعلنته المفوضية بان نسبة المشاركة كانت 41% وحدث مع هذه النسبة هذه الاشكالات الفنية في اجهزة القراءة والعدد والفرز وغيرها فكيف سيكون الحال لو ارتفعت النسبة الى 70 او 80 % ؟ هذا من جهة ومن جهة ثانية كيف سيكون عمل المفوضية واداءها لو تم اللجوء مستقبلا الى استخدام الموبايل او البريد الالكتروني او اي وسيلة الكترونية اخرى في التصويت .

ثانيا / الدلالات والمؤشرات السياسية

انتخابات تشرين 2021 أول انتخابات بالعراق بعد الحراك الشعبي الذي استمر لأشهر عدة.. ما الذي يمكن أن تحمله هذه الانتخابات على مستقبل العراق سياسيا؟

اظهرت النتائج الأولية للانتخابات فوز التيار الصدري بأكبر عدد من المقاعد (73) ، مقابل هزيمة  لقوى سياسية أخرى ، ويعزو مراقبون فوز التيار الصدري في الانتخابات إلى فهمه "مزاج الشارع العراقي" واستفادته من سلبية الأغلبية الصامتة ، وفوز التيار كان متوقعا، فهو التيار الوحيد بين كل القوى السياسية في العراق الذي يحصد تصاعديا المزيد من المقاعد في البرلمان ما يشير إلى ذكاء التيار في طريقة إدارة الملف الانتخابي .

بحسب النتائج الأولية للانتخابات، فإن التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر تقدم على جميع القوائم المتنافسة للوصول للبرلمان العراقي الجديد المكون من 329 نائبا، فيما حل تحالف (تقدم) بزعامة الحلبوسي ثانيا، وجاء تحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي ، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويليه تحالف (عزم) بزعامة خميس الخنجر ، ثم تحالف الفتح  ، أما حركة (امتداد) وهي حركة سياسية جديدة تقول إنها منبثقة عن الحركة الاحتجاجية، فقد حققت خرقاً في البرلمان بحصولها على قرابة عشرة مقاعد لا سيما في المحافظات الجنوبية، لكن من جهة اخرى اعتبره آخرون من  النشطاء هزيمة للحراك الذي خرج مطالبا بالتغيير، وما اشر على هذه الانتخابات انها أفرزت تحولا مهما، فقد أصبحت القوى المنتفضة بقاعدتها الشعبية بالدرجة الأساس، ضد استشراد الفساد وانعدام الخدمات وفرص التوظيف، أصبح لها تمثيل برلماني، وهذا ما سيجلب تغييرات وتحولات في طبيعة تعاطى البرلمان والحكومة القادمين، مع التحديات والقضايا الجوهرية في العراق.

وبحسب متابعة ما يجري على الساحة السياسية العراقية فأن المرحلة القادمة سترى الكثير من التصعيد بين القوى والاحزاب والتيارات السياسية على اختلاف توجهاتها لا سيما في ظل اعتراض قوى سياسية على نتائج الانتخابات، وهنا سيخضع  التيار الصدري إلى اختبار صعب وأمامه احتمالات أسهلها معقد:

-      الاحتمال الأول أن يفي التيار بالوعود التي اطلقها بعبوره المحاصصة الطائفية، والذهاب الى تشكيل حكومة بأغلبية وطنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية، ويختار شركاء في بناء الحكومة من غير قوى البيت الشيعي، كتحالف الفتح ودولة القانون، مفضلا الدخول في ائتلاف حكومي مع قوى من البيتين السني والكردي.

-      الثاني فيتمثل بعدم الخروج عن الإطار المحاصصي التوافقي والعودة إلى إنتاج نفس الحكومات السابقة مع اختلافات بسيطة، تعتمد على التوزيع الطائفي والإثني، ويكون لكل القوى الممثلة في البرلمان مقاعد في الحكومة، فالحكومة صورة مصغرة البرلمان ، (فالكل في الحكومة والمعارضة في نفس الوقت) ، لكن الاختلاف هذه المرة في أن الانتخابات أفرزت ثلاث قوى رئيسية، ستغير من الأدوار والحصص في الحكومة وإدارات الدولة، وهي التيار الصدري، وتحالف تقدم ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، ممثلا عن القوى الكردية ، هذه القوى السياسية ستكون العمود الفقري للحكومة القادمة، لكن ستثار اشكالية قيادة هذه الحكومة..... لمن ستؤول ؟

على امتداد السنوات السابقة ادى السيد مقتدى الصدر دور صانع رؤساء الحكومات، وقيادات في تياره يؤكدون أن رئيس الوزراء القادم سيكون من تيارهم، فهل هذه مجرد تصريحات لرفع سقف المطالب ام انها مطلب اساسي قابل للتحقق؟  

في المرحلة التي سبقت الانتخابات كان السيد مقتدى الصدر قد اعلن بعدم الدخول في العملية السياسية مستقبلا ، لكن( الكاظمي) طلب من التيار الصدري العودة إلى الترشح في الانتخابات لأحداث التغيير الذي يطالب به الشعب ، وبعد عودة السيد مقتدى الصدر عن قراره عاد الكاظمي وشدد على أن "عودة التيار الصدري للمشاركة بالانتخابات، "خطوة جيدة سيضيف زخما للاقتراع، وهو ما فهم على انه تفاهم متبادل بين الكاظمي والسيد مقتدى الصدر الذي مدح إدارة الحكومة لملف الانتخابات.

ورغم أن مقتدى الصدر كرّر مراراً رغبته في تعيين رئيس وزراء من تياره، لكن واقع الحال ومعطيات الحراك السياسي الذي اندلع عقب اعلان نتائج الانتخابات وتشتت الاصوات والمقاعد النيابية يظهر انه لا بد أن يكون المرشح توافقي، وفي هذا الإطار لا يزال السيد مصطفى الكاظمي يملك حظوظاً للبقاء في المنصب لأنه لا يملك حزباً، وهو ليس نائباً منتخباً وهذه صفات ملائمة، لأن ذلك لا يضع الأحزاب في الواجهة مباشرة، ولكن ذلك لا يمنع ان يقع الاختيار على شخصية سياسية اخرى معروفة في الوسط السياسي العراقي لكن لا تملك انتماء سياسياً واضحاً .

رفض  النتائج

 اكدت قوى سياسية ومنها تحالف الفتح بعدما سجلت تراجعا كبيرا في الانتخابات التشريعية الحالية حصول( تلاعب واحتيال) في نتائج الانتخابات، الامر الذي يفتح الطريق أمام مفاوضات صعبة بين الكتل السياسية الساعية للهيمنة على البرلمان ، وهنا اشار الإطار التنسيقي لقوى سياسية يضم قوى الفتح ودولة القانون والنهج الوطني والنصر والحكمة وعطاء ، انه يطعن بما أعلن من نتائج وعدم قبوله بها وسيتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين، في المقابل دعا السيد مقتدى الصدر، إلى ضبط النفس والالتزام بالطرق القانونية فيما يخص الاعتراضات على نتائج الانتخابات، وقال ليس من المهم من يكون الفائز في هذه الانتخابات، بل المهم كل المهم هو الشعب العراقي من الناحية الخدمية والأمنية وما شاكل ذلك ، وتعالت التحذيرات في العراق من الدعوة إلى العنف في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية ، وهنا نكون امام خيارات ثلاث ستفرز الايام القادمة احداها وهي:

الخيار الاول / اعادة العد والفرز يدويا

الأحزاب الرافضة لنتائج الانتخابات ، وهي الإطار التنسيقي، تنادي بإعادة العد والفزر يدويا"، لمعرفة الخلل الحاصل في النتائج وفق رؤيته، وهذا الخيار مرشح وممكن في حال وصول البلاد إلى طريق مسدود، وتصاعد حدة التظاهرات، أو اتجاه البلاد إلى مسارات متوترة، ليكون هذا الإجراء هو الفيصل، والحاكم على الجميع ، وهذا السيناريو، لو تم فستعود فكرة امكانية تزوير الانتخابات، إذ ستعود ذاكرة الى ما حدث في انتخابات 2018 عندما تم الاعتماد على العد والفرز اليدوي، والشكوك بإضافة الأصوات إلى الصناديق، بشكل عشوائي، ما يصعب لاحقا، التأكد من صواب الإجراءات.

الخيار الثاني / المصادقة على النتائج الحالية

يعني هذا الخيار المضي  نحو إقرار النتائج الحالية، بعد حسم الطعون التي استلمتها والبالغة اكثر من 1400 طعنا، وارسال النتائج للهيئة القضائية في للمحكمة الاتحادية بقصد المصادقة ومنح الشرعية والثقة بالعملية الانتخابية بمعنى ان الانتخابات ستمضي باتجاه الامر الواقع، لا سيما وأن النتائج جاءت شبيهة بنتائج الانتخابات السابقة، من ناحية ضمان التوازنات الكبرى للأحزاب لا سيما احزاب وقوى البيت الشيعي، إذ حصل التيار الصدري وتحالف الفتح على الصدارة آنذاك، لكن في النتائج الحالية جاء التيار الصدري بمعية ائتلاف دولة القانون، وهو توازن طبيعي، لا يدعو إلى اللجوء إلى تبني خيارات أخرى، وما يعزز مسار المضي بالنتائج الحالية ، لكن العقدة الأكبر ليست في إقرار نتائج الانتخابات، ولكن في اختيار رئيس الوزراء، فهذا التوازن والتقارب العددي للنواب بين المحورين لن تكون مخرجاته سهلة الحصول وربما خيار اللجوء الى  رئيس وزراء توافقي من خارج هاتين الكتلتين هو الخيار الانسب للوصول الى الحل.

الخيار الثالث / إعادة الانتخابات

يمثل خيار إعادة الانتخابات، أحد مطالبات القوى الخاسرة ، للخروج من الأزمة الحالية، لا سيما مع تصاعد حمى الرفض لنتائج الانتخابات من قبل تلك القوى ومناقشة تلك القوى خلال اجتماعاتها – وحسب ما يتسرب من الاعلام -  مسألة إعادة الانتخابات، في موعدها الطبيعي، وهو العام المقبل 2022، لحين استكمال الإجراءات الفنية بشكل سليم من قبل مفوضية الانتخابات ، ورغم ان هذا الخيار ليس بالأمر اليسير لا سيما في ظل رفض القوى الفائزة لهذا الخيار ومتطلباته المادية واللوجستية ، لكنه مطروح كأحد الخيارات والحلول في طور النقاش.

تحليل ختامي /

ان التنبؤ بمآل الوضع العراقي بعد نتائج هذه الانتخابات ليس بالأمر اليسير ويصعب التكهن والتيقن بخيارات المستقبل بفعل ارباك الوضع الداخلي وما جرى من احداث جسام طيلة الفترة السابقة فضلا عن التدخلات الاقليمية والدولية التي شكلت معضلة ولازمة لازمات الدولة ونظامها السياسي واحد اهم المؤثرات الفاعلة والدافعة في تحقيق التوافقات والتسويات بين اطراف العملية السياسية في العراق ،لان تفاعلات التغيير وابعاده دفعت دول الجوار الى الانخراط بشدة في الملف العراقي والاستفادة من اشكاليات ما بعد التغيير واعطى التغيير للتدخل الخارجي فرصة كبيرة من اجل تحقيق بعض المكاسب السياسية ، وعلى اساس ذلك سيكون لهذه القوى تأثير في دفع القوى السياسية العراقية للتوصل الى تفاهمات وحسم ملف الانتخابات وفق تسويات مقبولة لجميع الاطراف .


دلالات ومؤشرات الانتخابات العراقية 2021
دلالات ومؤشرات الانتخابات العراقية 2021