دور الأحزاب المنشقة عن حزب العدالة والتنمية في تعميق المعارضة التركية
عبد الرحمن عاطف أبو زيد
يهيمن حزب العدالة والتنمية علي الحياة السياسية في تركيا، وذلك منذ أن وصل إلى الحكم في عام 2002، وفاز أردوغان بما يقارب 12 من الانتخابات السابقة، وأن مسألة الحفاظ علي جمهور المصوتين والقاعدة الانتخابية هو الشرط الأساسي والجوهري لتحقيق استقلال الأحزاب بصفتها (مؤسسة)؛ وبهذا يكون التواصل المستمر مع المجال العام والرأي العام من ضمن الأهداف الرئيسية لأي حزب، ولاسيما حزب العدالة والتنمية، ولكن مؤخرًا بدأت الضغوطات الخارجية المتمثلة في الخلاف مع واشنطن خاصة بسبب الخلاف على إبرام صفقة صواريخ إس 400 مع روسيا والتقارب معها، وتصعيد تركيا لعدة أزمات على رأسها انخراطها في ليبيا وعقدها اتفاقية ترسيم الحدود مع حكومة الوفاق الأمر الذي أثار غضب الإقليم والإتحاد الأوروبي والذي بدأ بفرض عقوبات على تركيا بإعتبارها تقوم بعمليات غير قانونية في شرق المتوسط.
وبالنسبة للصعيد الداخلي فقد زادت أزمة كورونا من حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، فضلًا عن اشتداد حدة المعارضة السياسية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فقد شهدت تركيا مولد حزبين جديدين منشقين عن حزب العدالة والتنمية، وهو يشكل أوسع حركة انشقاق لرفاق إردوغان القدامي الذين شاركوه تأسيس حزب العدالة والتنمية، وكانوا من عوامل قوته خلال سنوات إزدهاره، وذلك قبل أن يبدأ رحلة تراجعه التي بلغت زروتها منذ التوجه إلى إقرار النظام الرئاسي عبر الاستفتاء في إبريل 2017، ثم الانتخابات المحلية في نهاية مارس 2019، وقد تكبّد حزب إردوغان خسائر كبيرة في كبريات الولايات التركية وفي مقدمتها إسطنبول.[1]
أولًا - طبيعة الأحزاب المنشقة في تركيا:
إن ظاهرة الأحزاب المنشقة في تركيا ليست وليدة اليوم في الحياه الحزبية التركية، بل تمتد لعدة عقود، وتلك الأحزاب عادةً ماتفشل في اجتذاب عدد كبير من أصوات الناخبين، ولقد شهدت تركيا العديد من الأحزاب المنشقة والتي لم تحقق تقدمًا انتخابيًا ملحوظًا، ولكن بداية الإستثناء عن القاعدة تمثل في حالة حزب العدالة والتنمية، وتمكنه من تحقيق نجاح انتخابي ملحوظ بشكل مفاجيء.
وكان لصعود حزب العدالة والتنمية ظروف خاصة، حيث في بداية التسعينات انقسم تيار الإسلام السياسي المتمثل في حزب الفضيلة الإسلامي، إلى جناح التقليديين بقيادة نجم الدين أربكان، وجناح المجددين بقيادة رجب طيب أردوغان، وتم حدوث الانفصال رسميًا بقرار محكمة الدستور التركية في 22 يونيو 2001، وأدرك جناح المجددون أنهم بحاجة لتغيير المنظور المحافظ والمتشدد تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان والقضايا المحورية الأخري، واتجهوا لإنشاء حزب العدالة والتنمية، وفي سبيل تقليل نفوذ وتحييد الكتلة العلمانية وخاصة في الجيش، إتجه حزب العدالة والتنمية إلى التقارب من الاتحاد الأوروبي واتخاذه كحليف حيوي، كما أدرك الحزب أنه إن لم يحترم العلمانية فلن يتمكن من الاستمرار والمشاركة في النظام السياسي التركي بفعالية، وبالتالي فقد ابتعدوا عن الخطاب الديني ولم يستخدموا شعارات إسلامية.[2]
حيث استغل حزب العدالة والتنمية الأزمة الإقتصادية الحادة التي مرت بها تركيا في 2001، وقد أعلن بالتعاون مع صندوق النقد الدولي عن برنامج إصلاح إقتصادي، وعبر الحزب التزامه بتطبيق البرنامج، وكان حزب العدالة والتنمية يعلن تبنيه ودعمه لسياسات السوق الحرة، بهدف جذب الإستثمار الأجنبي، ودمج تركيا في الاقتصاد العالمي، وتضمن البيان التأسيسي للحزب إعلان اعتماد مبدأ الخصخصة، وتزامن ذلك مع دعم "الموصياد" للحزب، وهي جمعية رجال الأعمال والصناعة المتدينين والمحافظين؛ فضلًا عن استغلال فترة فقدان الثقة في الأحزاب الموجودة، حيث أعلن أردوغان أن حزبه جاء ليملأ الفراغ السياسي في تركيا، واستفاد الحزب الجديد من المزاج الشعبي العام السائد، الرافض لعموم الأحزاب الموجودة على الساحة، وكان الناخبون يتطلعون لوجوه جديدة تعلن عن محاربة الفساد وإنقاذ الاقتصاد وتحقيق الاستقرار السياسي[3].
ثم في أواخر 2019 انشق عن حزب العدالة والتنمية حزبين، أولهما حزب المستقبل، تحت قيادة رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داوود أوغلو، وتلاه في مارس 2020 تأسيس حزب الديمقراطية والتقدم بقيادة وزير المالية السابق علي بابجان؛ والجدير بالذكر أن بوادر الانشقاق في الحزب بدأت تظهر عقب انتخابات يونيو 2015، نتيجة تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية المناوئ للغرب، حيث قام أردوغان عقب خسارته لأصوات الأكراد بمناورة سياسية تهدف لحشد القوميين الأتراك للتصويت له، في محاولة لتشكيل الحكومة منفردا، وتجنب تشكيل حكومة إئتلافية بين أحزاب متنافرة، بينما كان يدعم داوود أوغلو تشكيل حكومة إئتلافية، الأمر الذي ساهم في تزايد الشقاق بينهما، بينما تقاربت رؤي أردوغان ودولت بهجتلي رئيس حزب الحركة القومية، في ضرورة التصدي للتنظيم الموازي من أحزاب المعارضة، فضلا عن عدم التعويل على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتوجه شرقا نحو الصين وروسيا وإيران، فيما كان يؤكد أوغلو على استمرار التحالف مع الغرب.
ثانيًا – فرص قادة الأحزاب الجديدة:
أ- أحمد داوود أوغلو:
يعتبر أحمد داوود أوغلو قائد سياسي صاحب رؤية مؤدلجة، ففي وجهة نظره، الإسلام والقيم المحافظة يشكلان حجر أساس القيم الرئيسية، وفي المقابل، علي بابجان يتبع أسلوب حياة محافظ، بمنظور سياسي غير مؤدلج نسبيًا، حيث أنه لديه رؤية تكنوقراطية، معتمدًا على خبرته في إدارة الاقتصاد كميزة رئيسية كونه سياسي، وهو يحاول الوصول للناخبين عبر التركيز على حكم القانون، والحكم الرشيد، وسد الاحتياجات الاساسية للمواطنين؛ وتلك الإتجاهات شكلت صور الانتقاد التي وجهها كلا القائدين إلى الحزب الحاكم، حيث انتقد بابجان التحول في سياسة الحزب السلطوية والتآمرية والمعادية للغرب، بينما يوجه أوغلو انتقادًا شخصيًا، حيث ينتقد أردوغان وأسرته، وهذا أمر يتجنبه بابجان حتى لايدخل في صدام مباشر مع الحزب.[4]
كما أن احمد داوود أوغلو بقيادته لحزب المستقبل المنبثق حديثًا عن حزب العدالة والتنمية والمدعوم من عبدالله غل، الرئيس السابق لتركيا، من المحتمل أن يسير في نهج السياسة الخارجية لأردوغان المعادية للغرب، فهو رجل يميل لأن يكون قائدًا صاحب قرار متمركز كأردوغان، ولكن مايميز أوغلو عن أردوغان أن أوغلو ليس مجرد قائد سياسي بل هو مفكر إسلامي، ويظهر تطبيق أفكاره على أرض الواقع عندما يتولى السلطة، مثلما ظهر في فترة توليه وزارة الخارجية التركية.
ب- علي باباجان:
من بين زعيمي حزبي المعارضة المنشقين حديثًا، يبدو أن بابجان لديه فرصة على المدى البعيد، فبدلًا من الدخول في صدام مباشر مع أردوغان ومحاولة تقويضه، الأفضل أن يكتسب الشعبية والانتظار حتى يقوم أردوغان بتقويض نفسه حتى وقت الانتخابات الرئاسية التالية التي تنعقد في 2023، كما أن سياسة بابجان التي تؤكد على التعاون الدولي ودور المؤسسات في تعزيز الاقتصاد من المحتمل أن تؤدي إلى تحقيق الاستقرار بالنسبة للسياسة الخارجية التركية، وهذا أمر تفضله الدول الأوروبية، فالحكومة التي يتولاها بابجان، أو يلعب دور مهم بها سترجع سياسات تركيا الموالية للغرب والتعاون الاقتصادي، الأمر الذي سيدعم حكم القانون وحقوق الانسان في الداخل التركي[5].
ونسبًة لإرتباط علي باباجان بالنهضة الإقتصادية التي تحققت في بداية حكم حزب العدالة والتنمية بأعتباره القائد الإقتصادي للحزب، وإحتواء قائمة مؤسسي حزبه، الديمقراطية والتقدم على النخب التي تمتاز بالحنكة والخبرة السياسية الطويلة، مما سيهدد بشكل مباشر حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي قد يجعل حزب العدالة والتنمية يتنبئ بفكرة التجديد في الحزب ومعالجة الأخطاء التي بدأ الشارع التركي تناولها مؤخراً منتقداً لأوردغان وبعض أعضاء الحزب الحاكم؛ وقد تمتد فكرة التجديد هذه لتشمل خطوات عملية في تصفية الحزب من بعض الوجوه التي أصبحت مرمى لإنتقاد الشارع، خصوصاً في ظل وجود اتفاق بين الحزبين الجديدين في بعض القضايا الجوهرية مثل تطبيق النظام البرلماني وتداعيات إنحراف الحزب الحاكم عن المبادئ التأسيسة قد يجعل التحالف بينهما ضد أردوغان ممكنًا.[6]
ثالثًا – العوامل التي تؤثر في ازدياد حدة المعارضة الداخلية:
أ- تراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية:
على الرغم من أن أردوغان استطاع عبر تأثير حزبه على المؤسسات الحكومية في مواجهة المعارضة، أن يستعيد أغلبية الأصوات لصالحه، واستغل الشعور القومي لكسب المؤيدين، وقام بالعمل ضد ادعاءات قبرص بشأن حقول الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، وشن العمليات العسكرية ضد المسلحين الكرد في جنوب شرق تركيا وسوريا والعراق لكسب أصوات اليمين المتطرف، وقد اُستخدم الدين لكسب تأييد الوسط الإسلامي السني، إذ وُجّهت الأوامر الخاصة بتغيير المناهج الدراسية، وأمر ببناء مساجد في العديد من الدول، ولكن من حيث السياسة الخارجية، فقد اتجهت تركيا نحو روسيا؛ لذا فإن إعادة العلاقات مع الغرب، وإحياء عملية السلام مع الأكراد، والخروج من الأزمة السورية تشكل إحدى أولويات الأحزاب الجديدة أمام سياسات أردوغان، وإن أداء أردوغان في الانتخابات الجديدة لا يجدي نفعاً وذلك بسبب فشل التدابير الاقتصادية وتعارضها مع التطلعات الأيديولوجية، بالإضافة إلى أن الأزمة والركود الاقتصادي والفشل الذي حصل في الانتخابات البلدية ومجالس المدن أدى إلى تقليص الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية.[7]
وتحافظ الحكومة الائتلافية الحالية المكونة من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على 44 مقعد من أصل 600 مقعد بالبرلمان التركي، وقد فاز الائتلاف في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو 2018 بأكثر من 53 في المئة من الأصوات؛ ووفقًا لتقرير صدر عن جامعة قادر هاس بإسطنبول Istanbul’s Kadir Has University، في يناير 2020، فإن شعبية الائتلاف الحاكم قد انخفضت لحوالي 50 في المئة للفوز بالانتخابات[8]، وأيضًا كشف استطلاع جديد للرأي أجراه “مركز أوراسيا لأبحاث الرأي العام”، أواخر يوليو 2020 أن شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تراجعت في بلاده، موضحا أن "سياساته خلال السنوات الأخيرة دفعت الكثير من المواطنين للتراجع عن دعمه" و أظهرالإستطلاع أن 48.6 بالمائة لن يصوتوا لصالح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما قال 38.9 في المئة إنهم سيصوتون له؛ وكان استطلاع لنفس المركز قد أظهر في أواخر مايو 2020، أن 46.9 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع لن يصوتوا لأردوغان إذا ترشح لولاية ثانية، بينما قال 39.2 بالمئة أنهم سيصوتون؛ وفيما يتعلق بـ”الأداء العام” لأردوغان كرئيس، قال 40.2 بالمئة إنه لم ينجح، وكان 30.9 بالمئة محايدًا، فيما اعتقد 28.9 بالمئة أنه كان ناجحًا؛ وردًا على سؤال الأداء العام لـحزب العدالة والتنمية، قال 41.9 بالمئة من المصوتين إنه كان فاشلًا، بينما وجد 30.3 بالمائة أنه كان ناجحًا، وكان 27.8 بالمئة محايدًا[9].
ب- طبيعة الحياة الحزبية التعددية في تركيا:
بعد الانتقال إلى الحياة التعددية الحزبية في تركيا بحلول عام 1946، اتسمت الحياة السياسية التركية بـ "نموذج وستمنستر" في الديمقراطية، حيث يوجد حزبان رئيسيان ويستندان إلى ثقل التشريع، وذلك حتى انقلاب عام 1960 ثم تطورت فعليًا الديمقراطية والتعددية أكثر في تركيا والذي أتاح تشكيل وبروز أحزاب إسلامية تنافس على السلطة منذ ذلك الحين، حيث لم يكن الانتقال إلى الحياة التعددية الحزبية في تركيا في البداية انتقالًا إلى الديمقراطية أو التعددية، بل كان مجرد انتقال إلى الحياة متعددة الأحزاب، ولقد كان تغييرًا مهمًا للغاية بالنسبة لتركيا في طريق الديمقراطية[10]، وبالتالي فالنظام التعددي الموجود في تركيا يترك مساحة للعديد من الأحزاب في الظهور على الساحة واجتذاب الناخبين وتكوين التحالفات مما يمكنها من المنافسة، فإذا كان هنالك تقييد على حركة الأحزاب في تركيا فإن المعارضة لن تظهر، حيث أن سمة الديكتاتورية التي تقمع المعارضة، هي سمة غائبة في النظام التركي.
ج- عدم ثبات القاعدة الانتخابية الخاصة بحزب العدالة والتنمية بشكل مطلق:
إن حزب العدالة والتنمية، ليس حزبًا أيدلوجيًا، أو حزبًا إسلاميًا بالمفهوم العربي التقليدي، فهو حزب شعبي جماهيري، وهذا النوع من الأحزاب ليس له قاعدة صلبة أساسية تستمر بنفس المستوي مثل الأحزاب الإسلامية أو اليسارية أو اليمينية الكردية وغيرها، وتخاطب شريحة تسمى يمين الوسط منهم مجموعة كبيرة من المحافظين القوميين الليبراليين الإسلاميين والذين لايرون أنفسهم في أحزاب أخري كانت تعتبر نفسها أحزاب النخبة، ولكن هذا لايعني أن حزب العدالة والتنمية غير قادر على المحافظة على تصدره في الإنتخابات، ولكن الأحزاب الجماهيرية بعد فترة من الحكم تستصعب المحافظة على نفس القاعدة التصويتية، لأن هناك نوع من التعود والتآكل الذي يصيب بعض الأحزاب السياسية في كثير من الأحيان، الأمر الذي يجعل الفرصة سانحة أمام أحزاب المعارضة وخاصة الأحزاب المنشقة حديثًا بإجتذاب قاعدة انتخابية واسعة.
ذلك بالإضافة إلى أن حزب العدالة والتنمية من الصعب عليه تقديم نخب ظاهرة منبثقة عن الحزب كأردوغان، خاصة بعد خروج عدة كوادر قديمة مؤسسة للحزب مثل علي بابجان واحمد داوود أوغلو وتشكيلهم لأقطاب معارضة أخرى أمام حزب العدالة والتنمية ذاته، وهم في الوقت ذاته يقدمون أنفسهم كبدائل محتملة لأردوغان والحزب الحاكم، فضلًا عن وجود منافسة من قادة المعارضة القديمة وعلى رأسهم كمال قلجدار أوغلي زعيم حزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي في تركيا.
د- إزدياد الضغوط التي يمر بها حزب العدالة والتنمية:
يواجه حزب العدالة والتنمية العديد من الأزمات داخل وخارح البلاد، كما أن هناك مشاكل داخل الحزب ذاته، ومن المحتمل أن تدفع هذه الملفات تجاه تعزيز الزخم للحراك الداخلي من جانب الأحزاب التركية المعارضة أو تلك الوليدة في التأثير على شعبية حزب العدالة والتنمية خاصة وأن كافة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في النسب التي حصل عليها الحزب بداية من الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 16 أبريل 2017، مرورًا بالانتخابات البلدية في مارس 2019، ومن ثم فإن توجهات الأحزاب الجديدة تتجه نحو تغيير المعادلة السياسية الداخلية، من خلال التحالف بين الأحزاب الجديدة والأحزاب المعارضة أو العمل على التحرك بصورة منفردة للضغط على حزب العدالة التنمية[11].
وبالتالي فمن المحتمل أن تأتي التحالفات الانتخابية الجديدة للمعارضة على غرار الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في يونيو 2018، حيث اتجه حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، للاتفاق مع حزب الجيد وحزب السعادة الإسلامي والحزب الديمقراطي؛ حيث يساعد هذا الاتفاق الأحزاب الأصغر في التحالف على تجنب قاعدة تلزمها بالحصول على عشرة بالمئة على الأقل من أصوات الناخبين حتي يسمح لها بالتمثيل البرلماني[12].
رابعًا - السيناريوهات المطروحة:
تطرح التطورات السابقة تساؤلات مهمة حول السيناريوهات الحاكمة لمستقبل المعارضة في تركيا ومدى تأثيرها على النظام التركي وتوجهاته داخليًا وخارجيًا، والتي يمكن إيجازها في الآتي:
1- سيناريو التأثير:
انطلاقًا من صعوبة فوز حزب من أحزاب المعارضة سواء القديمة أو المنشقة حديثًا بالانتخابات (الرئاسية)، وذلك لاستمرار احتفاظ الحزب الائتلافي الحاكم بالقاعدة التصويتية الأكبر حتى الآن، فالأثر الأكبر الذي يمكن أن تتركه الأحزاب المنشقة حديثًا عن حزب العدالة والتنمية، هو تحالفها مع أحزاب المعارضة الأخرى، أو تكوينهم لجبهة ثالثة، وفي جميع الأحوال من المحتمل أن يقتطعو جزء من حصة حزب من الأحزاب الكبري في الانتخابات.
2- سيناريو الفشل:
إن مسألة فشل الأحزاب المنشقة حديثًا عن التيار الإسلامي في منافسة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان هو أمر مطروح، فيمكن أن يتكرر الأمر كما فشل من قبل عبد اللطيف شنر، الذي استقال من العدالة والتنمية عام 2007، وأنشأ حزب تركيا الذي أصبح يضرب به المثل في الفشل، وانتهي به الحال للإنضمام لحزب الشعب الجمهوري العلماني.
3. سيناريو الحكم الائتلافي:
طوال العقدين السابقين كانت تتصدر أربع أحزاب سياسية رئيسية فقط، وهي حزب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية والحزب الديمقراطي الكردي؛ ولكن الانتخابات المقبلة سيكون فيها أحزاب جديدة أبرزها حزب الجيد والمستقبل والديمقراطية والتقدم، وهذه الأحزاب وعلى الرغم من عدم منافستها على حصة كبيرة في البرلمان إلا أنها باتت سبباً في تشتت أصوات الناخبين وحرمان أي حزب سياسي من الحصول على الأغلبية داخل البرلمان؛ ومع انتهاء حقبة وفرص حصول حزب سياسي واحد على الأغلبية البرلمانية، لجأت الأحزاب التركية مؤخرًا إلى التحالفات فشكل العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية "تحالف الجمهور" الذي يمتلك الأغلبية في البرلمان الحالي، فيما شكلت أحزاب المعارضة "تحالف الأمة".
ولم يعد حزب العدالة والتنمية الحاكم قادر على إدارة شؤون البلاد بمفرده، حيث يضطر للعودة والتشاور مع حزب الحركة القومية لتمرير أي قرارات كبرى، ولا سيما التعديلات الدستورية داخل البرلمان، حيث لا يمكن للحزب تمرير أي قرار داخل البرلمان بدون الحصول على أصوات حليفه حزب الحركة القومية، وربما يكون الحزب مجبراً على توسيع تحالفه في الانتخابات المقبلة، وبالتالي سيكون مضطراً للحصول على دعم أكثر من حزب، ثم الخضوع لضغوطها وميولها السياسية؛ كما أن المعارضة، في حال فوزها، ستكون مكونة من 4 أحزاب سياسية على الأقل، وهو ما يعني حكماً ائتلافياً غير مستقر يقود البلاد إلى حالة من تراجع الاستقرار السياسي والاقتصادي.[13]