زيارة البابا الفاتيكان للعراق وآثارها المستقبلية
م.م. سيماء علي مهدي
يمتاز العراق عن باقي شعوب المنطقة العربية بأنه فسيفساء متعدد الأعراق والأديان وهذه التراكيب والألوان الدينية والعرقية أعطته ميزة تاريخية؛ لكن يبقى السؤال كم استفاد العراقي من هذا التنوع الثقافي وهل أن هذا التنوع خدم العراق أم أضره..؟ الصراع ما زال محتدماً وأرض العراق هي ساحة النزال ومن تسلط على رقاب العراقيين لم يعمل واحد منهم على تخليص العراق وزرع روح الوطنية وغلبتها على التبعية الدينية والقومية. إن المسيحيين العراقيين هم من السكان الأصليين في هذا البلد قبل الفتح الإسلامي. وشأنهم شأن المسيحيين في الوطن العربي، ومنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تضاءل عدد المسيحيين بنسبة 83 في المئة، من حوالي 1.5 مليون إلى 250 ألف فقط، شكلياً، يحفظ الدستور العراقي حقوقا متساوية لجميع المواطنين، بصرف النظر عن أديانهم وقومياتهم. أما سياسياً، يضمن الدستور العراقي خمسة مقاعد برلمانية لمسيحي العراق، ككوتا قطعية، بمعدل مقعد واحد في كل من محافظات بغداد الموصل دهوك أربيل وكركوك. لكن حقيقة الأمر القوى السياسية الكبرى في العراق، من غير المسيحيين، استطاعت أن تختلق مرشحين مسيحيين موالين لها، ليدافعوا عن مصالح تلك القوى السياسية، لا عن مصالح وحقوق المسيحيين العراقيين.
أهمية زيارة البابا للعراق
باعتبار البابوية هي المؤسسة الرسمية الأقدم في العالم وهي السلطة العليا على رأس الكنيسة الكاثوليكية فأن زيارة البابا الفاتيكان (فرنسيس) إلى العراق يوم 5/3/2021 تعد من الزيارات المهمة على جميع الأصعدة، فعلى المستوى السياسي أعطت رسالة للعالم أن عراق 2021 يختلف عن عراق 2003 أو ما قبلها، وعلى المستوى الاقتصادي قد تساهم الزيارة في تنشيط السياحة بالذات في المناطق الأثرية التي زارها البابا وجعلها هدف سامي وأسماها حج مكان مولد أبو الأنبياء نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، وعلى المستوى الاجتماعي قد تساهم الزيارة في التماسك المجتمعي بين جميع أفراد المجتمع العراقي على اختلاف تنوعهم الديني، وعلى المستوى الثقافي قد تشجع الكثير من المهتمين بدراسة الآثار لغرض التنقيب في مدينة أور وبيان الكثير من الحقائق عن هذه المدينة الأثرية المهملة.
لماذ زقورة أور؟
تكمن أهمية هذه المدينة الأثرية وقدسيتها بكونها مهد الحضارة الإنسانية وتضم "بيت النبي إبراهيم الخليل" الذي ورد ذكره في الإصحاح رقم 11 من سفر التكوين بالكتاب المقدس كذلك وفي المسيحية يذكر بولس الرسول أن إيمان إبراهيم بالله جعله النموذج الأول لجميع المؤمنين، المختونين وغير المختونين, وأما عند اليهودية تم ذكر مدينة اور بكتاب العهد القديم (التوراة) بأسم (اور الكلدانية) باعتبارها موطن ابي الانبياء ابراهام (ابراهيم) عليه السلام الذي نشأ فيها قبل أن يهاجر مع عائلته منها . فتمثل موطئ الجماعات اليهودية الأولى أبان قيام الملك البابلي نبو خذ نصر بسبي اليهود وجلبهم الى مدينة بابل حيث جلب معه بعض الرسل والقادة وكبار القوم ومعهم نبي الله حزقيل ( ذي الكفل ) الذي يقع مرقده شمال مدينة بابل وتتصل الزقورة في أمتداد لها الى مدينة العزير شمال مدينة البصرة حيث مقام النبي عزير أحد أنبياء الطائفة اليهودية. أذا ما كانت مكة كعبة المسلمين دون سائر الأمم فأن مدينة أور هي كعبة اليهود والمسيح , وإذا كان الرسول محمد (صل الله عليه واله وسلم) هو نبي العرب والمسلمين فأن نبي الله أبراهيم هو سيد الأنبياء والرسل وعند ترحاله من مدينة أور صوب جزيرة العرب أمره الله سبحانه ببناء الكعبة بقوله تعالى:ý إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَí [آل عمران:96- 97].
زيارة بابا الفاتيكان المرجع الشيعي (علي السيستاني)
توضح صاحبة كتاب "العثور على يسوع بين المسلمين" أنّ البابا فرنسيس التقى بشخصيات إسلامية حول العالم، من بنغلادش، مروراً بجمهورية افريقيا الوسطى، وصولاً إلى إيطاليا. "زيارته للسيستاني تعني أنّه قد التقى أخيراً المرجع الأعلى للإسلام الشيعي، بعدما سبق والتقى المرجع الأعلى للإسلام السني (شيخ الأزهر أحمد الطيب)".
أما بخصوص زيارته للعراق بعد أن التقى البابا زعماء الطوائف الكاثوليكية يوم الجمعة 5/3/2021 في بغداد، توجه بعدها صباح السبت للقاء المرجع الشيعي العراقي الأعلى (علي السيستاني) بالنجف، الذي لا يظهر في العلن إلا نادرا، الذي يعدّ من أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ العراق الحديث، على الصعد السياسية والدينية والاجتماعية. صحيح أنّه مولود في مدينة مشهد الإيرانية عام 1930 وأنه لم يتخلّ عن جنسيته الإيرانية بعد، إلا أنّ كثراً يرون فيه تمثيلاً حياً لـ"أصالة الإسلام الشيعي بشقه العراقي". واستغرق اللقاء ساعة, إذ جلسا وحدهما باستثناء المترجمين الفوريين في منزل السيستاني بمدينة النجف. وبحسب ما أكده مكتب السيستاني فإن بابا الفاتيكان والمرجع الشيعي ناقشا التحديات التي تواجهها الإنسانية في هذا العصر. وتحدث المرجع الشيعي أثناء اللقاء عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من "الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة". والزيارة لا تخلو بكونها رمزية بين شخصيتين متشابهتين(كلاهما بروحية كبيرة ولكن متواضعة؛ إذ يعيش المرجع الشيعي في منزل صغير في النجف بينما بابا الفاتيكان فيعيش في شقة في سانتا مارتا). وبعد لقائه السيستاني توجّه البابا إلى محافظة ذي قار جنوبي العراق، وأقام البابا "صلاة للأديان" في مدينة أور الأثرية التاريخية التي تعتبر مسقط رأس نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وشارك في الصلاة ممثلو الديانات السماوية الثلاث، إضافة لمختلف المذاهب والطوائف في العراق. ودعا البابا فرانسيس إلى الصلاة من أجل احترام حرية الضمير والحرية الدينية، وندّد بالإرهاب الذي يسيء إلى الدين، وطالب بالعمل على منع استغلال الدين غطاء للإرهاب.
حوش البيعة وزيارة البابا
بعد وصول البابا فرانسيس أربيل، يوم الأحد، التقى، برئيس إقليم كوردستان، (نيجيرفان بارزاني) ومجموعة من قيادي الاقليم منهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (مسعود بارزاني), واعرب عن تقديره لاحتضان النازحين المسيحيين من الموصل وسهل نينوى وقرقوش والنازحين من المكونات الأخرى بقوله: "رغم كونكم تخوضون الحرب, مددتم يد العطف للجميع، فادعوا لي أيضاً". ومضى بالقول: شكراً لما تفعلونه وتبذلونه لكل الأديان وكل المكونات. بعدها توجه الى الموصل وخلال زيارته لها، يتوقف البابا في ساحة "حوش البيعة(*)" للصلاة بها قبل أن ينتقل إلى كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش. لكن مايثير التساؤل بالرغم من مرور أكثر 4 سنوات على تحرير مدينة الموصل، إلا أن آثار الحرب لا تزال شاخصة فيها، ولم تشهد الإعمار الذي وعدت به الحكومة العراقية، أو الولايات المتحدة وباقي الدول الأعضاء ضمن التحالف الدولي عقب تحرير المدينة نهاية العام 2017! .
بالنهاية في عالم السياسة يفترض أن تستثمر جميع الفرص وتوظيفها بما يخدم المصلحة العامة، ولذلك يجب أن تترجم جميع النقاط الإيجابية بما يخدم العراق، وخلاف ذلك سوف تصبح الزيارة إجراء بروتكولي بين دولتين (الفاتيكان – العراق)، لابد من التأكيد على أن الأمر المهم ليست الزيارة بقدر أهمية ما بعد الزيارة, لذلك فالعراق اليوم مطالب باستثمار هذه الزيارة والعمل الجاد من اجل استثمار أي فرصة تنتج عنها، والإجراءات يجب أن تتعاون في تنفيذها جميع المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية كلا بحسب وظيفته، فضلا عن ضرورة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني بكونها حلقة وصل بين المجتمع والسلطة. رغم المشاكل التي اثارتها حكومة إقليم كردستان العراق مع تركيا عندما تسبب طابع بريدي ظهر خلال استقبال للبابا فرنسيس قبل أيام، والذي يظهر خارطة "كردستان الكبرى" مع صورة بابا الفاتيكان. على اثرها اصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا صحفي، قالت فيه: "يحاول بعض قادة إدارة الإقليم الكردي في العراق، الذين يتجاوزون حدودهم، استخدام هذه الزيارة للكشف عن أحلامهم الفارغة تجاه وحدة أراضي الدول المجاورة للعراق التي تشمل بعض المدن في تركيا أيضا". هذا وبالإضافة بعد أن اصدر الفاتيكان، ميدالية لرحلة البابا فرنسيس إلى العراق، وتحتوي على نهري دجلة والفرات ونخلة، وترمز إلى إبراهيم "عليه السلام" وهو يغادر مدينة أور السومرية التي ولد فيها، وفقاً للروايات التاريخية. مواقع اسرئيلية باللغة العربية حاولت تفسر هذه المدالية بنحو آخر كون تصميم النخلة جذرها في العراق وتمرها في إيران!!!!. كثرت التأويلات حول الزيارة لكن مايهم في ذلك استغلالها لصالح العراق لا أكثر.