نبذه عن التدريب

 

الضمــان الاجتماعي التركي: رؤية عامة

وليد سلام جميل

ملخص

الهدف من هذه الورقة هو فحص تعريف مفهوم الضمان الاجتماعي وتطبيقاته في الجمهورية التركية. تواجه أنظمة الضمان الاجتماعي اليوم صعوبات كثيرة في العديد من البلدان حول العالم. على مدى سنوات، تبذل تركيا جهودًا كبيرة لتطوير نظام الضمان الاجتماعي بما يتناسب مع تطلعات المواطنين. نحاول هنا تقديم رؤية شاملة عن الضمان الاجتماعي وتطبيقاته في تركيا.

1. الضمان الاجتماعي: رؤية عامة

على مر التاريخ، عانت البشرية كثيرًا من الضعف وانعدام الأمن، وتعلمت الكثير كيفية التعامل معها. إن مفهوم الضمان الاجتماعي هو نتاج هذه التجارب المريرة والنضالات من أجل هذه القضية. لقد تطورت أنظمة الضمان الاجتماعي من طبيعة بدائية وطبيعية وأسرية ودينية إلى نماذج اليوم المؤسسية والمعاصرة التي يتعين على الدولة توفيرها. في هذه العملية، تم إدراج الحق في الضمان الاجتماعي أيضًا في نطاق "حقوق الإنسان". تنص المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن " لكلِّ شخص، بوصفه عضوًا في المجتمع، حقٌّ في الضمان الاجتماعي، ومن حقِّه أن تُوفَّر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتَّفق مع هيكل كلِّ دولة ومواردها، الحقوقُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرِّية".

وفقا لآخر تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية لسنة 2020-2022 فإنّ برامج الضمان الاجتماعي لم تحقق المستويات المرجوة منها، حيث "إن 47 في المائة فقط من سكان العالم مشمولون حالياً بواحدة على الأقل من إعانات الحماية الاجتماعية، بينما لا يحصل 4.1 مليار شخص (53 في المائة) على أي أمن للدخل على الإطلاق من نظامهم الوطني للحماية الاجتماعية.
وثمة تفاوتات إقليمية كبيرة في الحماية الاجتماعية. فأوروبا وآسيا الوسطى تحظيان بأعلى معدلات التغطية، إذ إن 84 في المائة من سكانهما تشملهم إعانة واحدة على الأقل. كما أن نسبة التغطية في الأمريكيتين أعلى من المتوسط العالمي، إذ تبلغ 64.3 في المائة. أما آسيا والمحيط الهادئ (44 في المائة) والدول العربية (40 في المائة) وأفريقيا (17.4 في المائة) فتعاني من ثغرات كبيرة في التغطية

الضمان الاجتماعي: هو حماية المجتمع من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنجم عن المرض والولادة وحوادث العمل والبطالة والعجز والشيخوخة والوفاة، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات العامة. تسبب هذه المشاكل انخفاضًا في دخل الفرد و / أو زيادة في نفقاته. تعتبر المخاطر الفسيولوجية مثل المرض والشيخوخة والعجز، التي تؤثر سلبا على القوة العاملة، والبطالة التي لا تؤثر على القوة العاملة، بل تمنع استخدامها، من هذه المخاطر. في مواجهة هذه المخاطر، يُحرم الفرد بشكل مؤقت أو دائم من الدخل ويتم دفعه إلى بيئة من انعدام الأمن الاقتصادي. لهذا السبب، فإن الجهود المبذولة للقضاء على آثار المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والفسيولوجية على الأفراد تشكل أساس سياسات الضمان الاجتماعي. رغم أنّ للضمان الاجتماعي جذورا عميقة في التاريخ -قصة النبي يوسف نموذجاً- إلّا أن تطورها جاء نتيجة للثورة الصناعية في أوربا. وفقا لمنظمة العمل الاجتماعي، فإنّ الضمان الاجتماعي هو: تعتبر الحماية الاجتماعية، أو الضمان الاجتماعي، حقا من حقوق الإنسان، ويتم تعريفها على أنها مجموعة من السياسات والبرامج المصممة للحد من الفقر والوقاية منه. وتشمل الحماية الاجتماعية حقوق الأطفال والأسر والأمومة والبطالة وإصابات العمل والمرض والشيخوخة والإعاقة، فضلاً عن التغطية الصحية. وتعالج أنظمة الحماية الاجتماعية جميع المجالات ذات الصلة من خلال مجموعة من المخططات (التأمين الاجتماعي) والمزايا الممولة من الضرائب، بما في ذلك المساعدة الاجتماعية. يمكن اختصار برامج الحماية الاجتماعية كما موضح في المرفق التالي:

 

2. الضمان الاجتماعي في تركيا

تم تقنين الحقوق الاجتماعية في تركيا مع دستور عام 1961. في هذا السياق، أُنشئت مؤسسة التضامن العسكري عام 1961، والمديرية العامة للخدمات الاجتماعية عام 1963. تم دمج مؤسسات التأمين التي تأسست في تواريخ مختلفة في إطار مؤسسة التأمين الاجتماعي (SSK) في عام 1965. بعد ذلك تم إجراء تطوير قوانين الضمان الاجتماعي، ليصدر قانون مؤسسة الضمان الاجتماعي (SGK) رقم 5502، وبناء عليه، تم تجميع (SSK) وصندوق التقاعد ومؤسسات (BAĞ-KUR) تحت سقف واحد، بهدف تحقيق الوحدة في الممارسة والإدارة. في إطار هذا القانون، تم إنشاء (SGKوإنهاء الشخصية القانونية للهياكل الثلاثة الأخرى واختزالها تحت مظلة (SGK).

في التعديل الدستوري الأخير للجمهورية التركية سنة 2017، ورد الضمان الاجتماعي كمادة دستورية، في الباب العاشر تحت مبادئ "حقوق الضمان الاجتماعي".  جاء في المادة 60 ما نصّه: "للجميع الحق في الضمان الاجتماعي". "تتخذ الدولة التدابير اللازمة لتوفير الضمان الاجتماعي وتنظِّم مؤسسته.". مرّ قانون الضمان الاجتماعي التركي بمراحل عديدة، ولم يكن بمستوى جيد لسنوات طويلة حتى دخل ضمن برنامج إصلاحي واسع. في هذا الصدد، تم قبول قانون التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي العام رقم 5510 في 31.05.2006، ودخل القانون رقم 5510 حيز التنفيذ في 01.10.2008 مع جميع أحكامه. بموجب القانون رقم 5510، تم توحيد القواعد والمعايير في العديد من المجالات في مجال التأمين الاجتماعي وتم وضعها موضع التنفيذ. وفقا للمادة (2) من هذا القانون فإنّه "يشمل الأفراد الذين سيستفيدون من التأمين الاجتماعي والتأمين الصحي العام، وأصحاب العمل ومقدمي الخدمات الصحية والأشخاص الحقيقيين وجميع أنواع الكيانات القانونية العامة والخاصة والمؤسسات والمنظمات الأخرى التي ليس لها شخصية اعتبارية من حيث تنفيذ هذا القانون.".

تقدم هيئة الضمان الاجتماعي خدمات للمواطنين الأتراك من الولادة حتى الوفاة، وحتى بعد وفاتهم، في مجالات الصحة والتأمين والمساعدة الاجتماعية، بما يتماشى مع مهمتها المتمثلة في تنفيذ وتطوير نظام ضمان اجتماعي عالي الجودة وعادل ويسهل الوصول إليه وموجه نحو الإنسان. يتم تنفيذ جميع الخدمات من قبل أجهزة الجمعية العمومية ومجلس الإدارة والرئاسة المحددة وفقًا للمادة 406 من المرسوم الرئاسي رقم 4.

يعتمد الهيكل العام للضمان الاجتماعي في تركيا على مبادئ التأمين بناء على مفهوم نموذج الدولة الاجتماعية. يتم تحديد شروط ومقدار مزايا التأمين التي يتعين منحها للمؤمن عليه مقدمًا، ويتم تقديم الخدمات في فروع التأمين طويلة وقصيرة الأجل. تم إنشاء نظام الضمان الاجتماعي، على عكس التأمين الخاص، كشرط من متطلبات الدولة الاجتماعية. يتم تمويل نظام التأمين في تركيا من خلال الأقساط المستلمة، وتستخدم الأقساط المستلمة من المؤمن عليه النشط لتغطية مدفوعات جميع المؤمن عليهم. يسمى هذا النوع من التمويل طريقة التوزيع ويعتمد على أساس المشاركة بين الأجيال.

يتكون نظام الضمان الاجتماعي الخاص بتركيا من فروع التأمين قصيرة الأجل التي تغطي حوادث العمل والأمراض المهنية وفروع التأمين ضد المرض والأمومة وفروع التأمين طويل الأجل التي تغطي فروع التأمين ضد العجز والوفاة والشيخوخة. 

 

1.2. التأمين قصير الأجل:

·       صرف بدل العجز المؤقت اليومي للمؤمَّن عليه خلال فترة العجز المؤقت عن العمل.

·       إلحاق دخل عجز دائم بالمؤمن عليه.

·       مساهمة الدخل في حق المستحقين عن المؤمن عليه المتوفى نتيجة حادث عمل أو مرض مهني.

·       منح بدل زواج للبنات ذوات الدخل.

·       منح بدل العجز المؤقت اليومي من تأمين المرض والأمومة للمؤمن عليه خلال فترة العجز عن العمل بسبب المرض أو الأمومة.

·       بدل الرضاعة الطبيعية في نطاق تأمين الأمومة.

·       بدل الجنازة.

·       منح حقوق/ديون الخدمة العسكرية وديون الولادة.

2.2. التأمين طويل الأجل:

·       منح معاش العجز/الإعاقة في نطاق تأمين العجز/ الإعاقة.

·       منح معاش الشيخوخة ودفع مبلغ إجمالي في نطاق تأمين الشيخوخة.

·       في نطاق تأمين الورثة، يُمنح معاش الورثة ودفع المبلغ الإجمالي للوفاة وبدل الجنازة وبدل الزواج للفتيات اللاتي يحصلن على معاشات.  

3.2. التأمين الصحي العام:

·       تقديم المنتجات والخدمات الطبية الممولة لحاملي التأمين الصحي العام ومُعاليهم.

·       المساهمة في تحديد سياسات الخدمات الصحية الوقائية الشخصية وتنفيذها بشكل فعال مع الإدارات العامة ذات الصلة من أجل حماية حاملي التأمين الصحي الشامل والمستفيدين من الأمراض.

·       إعلام حاملي التأمين الصحي العام والمستفيدين وأصحاب العمل بحقوقهم وواجباتهم الناشئة عن التشريعات العامة للتأمين الصحي بجميع وسائل الاتصال.

3. نظــام التأميــن الصحــي الشــامل

نظــام الصحــة الشــامل يضمــن الحفــاظ علــى الوضــع الصحــي للأشخاص المؤمــن عليهــم فــي حالـة تلقـي الرعايـة الطبيـة، ويمـول النظـام التكلفـة الطبيــة للأشخاص المؤمــن عليهــم، ويوفــر نظــام التأميــن الصحــي الشــامل إمكانيــة الحصــول علــى الخدمـات الصحيـة لجميـع السـكان الذيـن يعيشـون فــي البلــد بغــض النظــر عــن التأميــن عليهــم أو غيـر المؤمـن عليهـم أو الذيـن يعملـون أو غير العامليـن بغـض النظـر عـن وضعهـم الاقتصادي وذلـك عـن طريـق وضـع جميـع النـاس تحـت سـقف واحـد مـن التغطيــة الشــخصية، ويوفــر النظــام مزايــا شــاملة وعادلــة ومنصفــة مــن حيــث الحصــول علــى خدمــات الرعايــة الصحيــة. التأميــن الصحــي الشــامل شامل تقريبا. يشمل جميع السكان تقريبا، بمن فيهــم العاملــون، والموظفــون لحســابهم الخــاص، والموظفـون المدنيـون، وغيـر العامليـن والمعوزين، والأجانب ومـا إلـى ذلـك، ومُعاليهـم علـى أسـاس حالـة الإقامة 

 

4. تمويل نظام الضمان الاجتماعي في تركيا

تختلف طرق التمويل التي تنفذها مؤسسات الضمان الاجتماعي من بلد إلى آخر، وحتى من مؤسسة إلى أخرى، ومن برنامج إلى آخر. في بعض البلدان، يتم توفير تكاليف التأمين بالكامل من قبل الدولة، بينما في بعض البلدان، يتم توفيرها من قبل الدولة ومن خلال الأقساط المستلمة من صاحب العمل والموظف. بشكل عام، الموارد الأساسية لتمويل الضمان الاجتماعي هي الأقساط التي يتم الحصول عليها من الموظفين وأصحاب العمل، والمساهمات التي تقدمها الدولة في حالة وجود عجز في مؤسسات الضمان الاجتماعي، والخصومات الضريبية والضرائب التي يتم تحصيلها بشكل مباشر أو غير مباشر.

الضمان الاجتماعي التركي هو أحد الأنظمة الممولة بأعلى الأقساط في العالم. تساهم الدولة بمقدار من القسط المخصص لفروع التأمين طويل الأجل والتأمين الصحي العام. إن مؤسسة الضمان الاجتماعي التركية هي المؤسسة العامة التي لديها أكبر بند من الميزانية في تركيا. يتم تمويل نظام التأمين الاجتماعي في تركيا من خلال الأقساط التي يدفعها المؤمن عليه وصاحب العمل واشتراكات ودعم الدولة. بالنسبة لفروع التأمين قصيرة وطويلة الأجل، والتأمين الصحي العام والتأمين ضد البطالة، يتم دفع 15٪ عن طريق المؤمن عليهم، و22.5٪ عن طريق أرباب العمل و1٪ عن طريق الدولة، وهذا يمثل ما مجموعه 38.5٪ من الأقساط. يوضح الجدول التالي التمويل بالتفصيل:

 

عند فحص طريقة التمويل التي يطبقها SSK، يتبين أنها تختلف حسب نوع التأمين. سبب هذه الاختلافات هو المدفوعات طويلة وقصيرة الأجل. على سبيل المثال، يتم استخدام طريقة (الرسملة[i]) للمدفوعات طويلة الأجل مثل دخل العجز الدائم أو معاش الوفاة الناشئ عن نطاق التأمين ضد حوادث العمل والأمراض المهنية، ويتم استخدام طريقة التوزيع[i] [i]للمزايا الصحية قصيرة الأجل ومدفوعات العجز المؤقت.

خاتمة

إنّ أنظمة الضمان الاجتماعي هي أنظمة ذات أهمية كبيرة للبلدان التي تسعى لتطوير هياكل الدولة بشكل عام. تُعدّ أنظمة الضمان الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من منهجية الدول التي تتبنى نموذج الدولة الاجتماعية. في هذا السياق عملت الدولة التركية لسنوات طويلة على تطوير وتعزيز برامج أنظمة اجتماعية شاملة ومستدامة. في هذا الصدد تقدّم الدولة التركية قوانين وإجراءات وتعليمات كثيرة بهدف تعزيز الضمان الاجتماعي. كما أنّ المؤسسات المعنية تعمل لمواكبة الأنظمة المتطورة في الدول المتقدمة، وتطرح برامج وتطبيقات كثيرة في هذا السياق.

ملاحظات:

[i] الرسملة (التمويل) هي استخدام الأموال الاحتياطية المتراكمة أو أرباح المؤسسة في عملية زيادة رأس المال. تعتمد طريقة الرسملة على إنشاء صندوق من أجل الوفاء بالمدفوعات التي قد تنشأ عن عوامل الخطر الاجتماعي في المستقبل. تهدف الرسملة إلى تحقيق التوازن على المدى الطويل.

[i] [i]تعتمد طريقة التوزيع (الدفع أولاً بأول) (Pay As You Go Method) على مبدأ معادلة إيرادات عام واحد بنفقات نفس العام. نظام التوزيع هو نظام يغطي التحويل من الموظفين إلى المتقاعدين ويقوم على إعادة توزيع الدخل الحقيقي بين الأجيال وبين الفئات العمرية المختلفة داخل نفس الجيل. يتم هذا التوزيع من الشباب إلى الأجيال الأكبر سناً. تهدف منهجية التوزيع إلى خلق توازن في على المدى القصير.

 

 


الضمــان الاجتماعي التركي: رؤية عامة
الضمــان الاجتماعي التركي: رؤية عامة