نبذه عن التدريب

ملفات تنتظر المعالجة من الحكومة العراقية الجديدة

أيمن الفيصل

 باحث ومهتم بالشأن السياسي، بغداد.

 

انهى العراق فصلاً دام عام كامل من الانسداد السياسي والتجاذبات والتصعيد بمختلف المستويات بين مختلف القوى والأحزاب السياسية الحاكمة في البلاد منذُ انتخابات تشرين الأول عام 2021 بالتصويت على السيد عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية بتاريخ 13 تشرين الأول، وكذلك بخطوة اخرى بالتصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة بتاريخ 27 تشرين الأول من هذا العام برئاسة السيد محمد شياع السوداني حيث حصلت حكومته على ثقة البرلمان بالغالبية المطلقة، في خطوة تُعد هي الأهم بعد ما واجه العراق جموداً سياسياً شل حركة المؤسسات الرسمية في البلاد عام كامل، وضمت حكومة السيد السوداني 21 وزيراً من مختلف مكونات الكتل والأحزاب السياسية، "فيما لاتزال وزارتان من حصة المكون الكردي قيد التفاوض ولم يتمّ ملؤهما الآن".

بعد استلام الحكومة الجديدة مهام عملها رسمياً عبر أجواء تداول سلسل وسلمي للسلطة، عقد رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني اجتماعهُ الأول مع كابينته الوزارية في القصر الحكومي ببغداد يوم 28 تشرين الأول ، واصدر خلالها عدة توجيهات للوزراء على المستوى الداخلي والخارجي، لاقت ترحيباً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية في خطوة عدها مراقبون هي الأولى من نوعها، حيثُ طالبهم خلالها السوداني بعدم اجراء أي تغييرات جذرية ومتسرعة في داخل الوزارة ما لم تستند إلى توصيات قانونية وموضوعية من خلال لجان مختصة تتطلب اجراء ذلك التغيير، فضلاً عن مطالبته بكشف الذمة المالية للكابينة الوزارية خلال أسبوع من توليهم لحقائبهم الوزارية، وعدم اختيار مدراء مكاتب الوزراء على أساس حزبي وجعلهُ من داخل الوزارة حصراً.

ان عملية إعادة التوازنات السياسية وضبط إيقاع العملية السياسية مجدداً وإعادة بناء ثقة الشعب في حكومته وكسب رضا الشارع هي ليست بالعملية السهلة او الهينة، فبعد مرور عام من اجراء "انتخابات مبكرة طالبت بها القوى السياسية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي"، عاش العراق أجواء من الصراعات الداخلية أسهمت اغلبها في زعزعة ثقة المواطن العراقي بالعملية السياسية وبممثليهِ داخل قبة البرلمان، وبالتالي فأن حكومة السيد السوداني مطالبة في إعادة ترميم تلك العلاقة وهي قادرة على ذلك من خلال تقديم ما يُسهم في ردم تلك الفجوة وإعادة رسم العلاقة الداخلية بالشكل الذي يسمح في انتاج سياسة داخلية متوازنة ومتينة.

اما على المستوى الخارجي، فأن سياسة العراق الخارجية واضحة المعالم وترتكز على مبادئ رئيسة اهمها؛ عدم التدخل بشؤون الدول الداخلية، والركون إلى الحلول السلمية والطرق الدبلوماسية في فض النزاعات بين أطراف النزاع، والنأي بالنفس عن أي تدخلات من شأنها ادخال العراق في سياسة المحاور على الصعيد الدولي، اذ يسعى رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني من خلال حكومته التأكيد على حرص العراق تعزيز علاقاته الدولية والإقليمي وفقاً للمصالح المشتركة وعلى أسس الاحترام المتبادل وبما يخدم المصالح المشتركة للعراق وتلك الدول، واستكمالاً لما بدأ به العراق من استعادة دوره في الساحة الدولية والإقليمية وبالتحديد بعد عام 2014 من حربه على الإرهاب والوفاء بالتزاماته الدولية واتباع سياسة الحياد في اغلب قرارته الأممية في المنظمات الدولية، فأن الحكومة الجديدة لديها ملفات مطالبة بمعالجتها من خلال اتفاقات وخلق تفاهمات او حشد التأييد الدولي للحصول على الدعم في كسبها، ولعل ابرز هذه التحديات هي:

أولاً: الطاقة وسوق النفط

يعتمد العراق على النفط في ايراداته بشكل أساسي وهذا يجعلهُ عرضة للمخاطر في ظل تقلبات أسعار النفط نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية العالمية، وان أي انخفاض في أسعار النفط العالمية سينعكس سلباً على موازنة الدولة سنوياً، "وبعد قرارات مجموعة أوبك بلس في 8 من الشهر الجاري الذي سيمتد حتى نهاية عام 2023"، سيتعين على الحكومة التعامل مع السياسة الجديدة بكل حذر، لان قرار أوبك بلس يُعد بمثابة إعلان ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، وعليه فأن موقف العراق في ظل انعكاس الوضع السياسي العالمي منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا واستخدام ورقة النفط والغاز من قبل موسكو في إدارة صراعها مع أميركا وأوروبا؛ لابد ان يكون مدروس وبشكل لا يحتمل الضرر كون ان موازنة العراق التي ستعدها حكومة السيد السوداني لعام 2023 لابد ان ترتكز على سعر معين للبرميل، وان أي تغيير سيطرأ في أسعار النفط لابد ان يكون هناك تفاهمات مسبقة مع الدول المصدرة في منظمة أوبك لتقليل الخسائر المتوقعة على الاقتصاد العراقي.

ثانياً: استمرار الحوار على المستوى الإقليمي

اجرت الحكومة العراقية جولات عديدة من الحوارات الإقليمية في عام 2021 خلصت إلى حالة من التفاهمات انعكست ايجاباً على الدور العراقي في المنطقة بين السعودية وايران وبين مصر والامارات وغيرها من الجولات الحوارية التي جعلت من العراق يأخذ مكانه الطبيعي بين جيرانه واشقائه العرب وانعكاس نتائج تلك الحوارات على الداخل العراقي ايجاباً، اليوم وبعد تسلم السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يرى مهتمون ان هناك مخاوف من عدم استمرار العراق بهذا الدور، وفي الحقيقة ان السيد السوداني قادر وبقوة على استمرار هذا الدور والدفع به نحو الامام لما يمتلك من أدوات سياسية وآليات عمل وخبرة سياسية كافية للضلوع بهذا الدور.

ثالثاً: التزامات العراق والتغيير المناخي

ان العراق وما يملكهُ من خزين وإنتاج نفطي كبير، هذا لا يعني انه سيكون خارج الالتزامات والاتفاقيات الدولية التي تخص المناخ وعدم الاضرار بالبيئة، فالعراق يواجه تحدي التغير المناخي وعليه العمل على التخفيف من آثاره من خلال إدارة الموارد الطبيعية وتطوير الموارد المتجددة وزيادة المرونة مواجهة المخاطر الناتجة عن المناخ وتحقيق تغييراً منهجياً في داخل الحكومة من اجل تحقيق الطموحات المناخية تجاه اتفاقية باريس للمناخ، "كما ان العراق قدم وثيقة عام 2021 تعد بمثابة السياسة العليا للبلاد للعمل المناخي التي تبدأ من خلال تشجيع استخدام الطاقات المتجددة، وتعزيز الحلول المعتمدة على الطبيعة وتقوية الإدارة المتكاملة لموارد المياه، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع النفط والغاز"، لا سيما وان العراق يعاني ارتفاع نسبة الجفاف في نهري دجلة والفرات نتيجة التغيرات المناخية من جهة ونتيجة تقليل حصته المائية من الجارة تركيا من جهة أخرى.

رابعاً: حماية البعثات الدبلوماسية والمدربين العسكريين للتحالف الدولي

يؤكد العراق دوماً التزامه بحماية البعثات الدبلوماسية العاملة على أراضيه، وان أي عمل يعد مزعزعاً لأمن واستقرار العراق والبعثات الدبلوماسية المتواجدة على أراضيه، سيضع الحكومة تحت الاختبار فيما يتعلق بمحاسبة المتسببين بذلك، إذ لابد من الالتزام بتوفير الأمن والحماية للبعثات الدبلوماسيّة واعتماد جميع السبل الضامنة لتيسير عملها وفقاً لما نصت عليه الاتفاقيات الدولية، فضلاً عن ضمان سير عمل مستشاري التحالف الدولي ومعداتهم، بعدما تعرضوا لهجمات شبه يومية في العام الماضي، إذ للحكومة ان تعمل وفقاً للمصالح المشتركة بين العراق ودول العالم وكذلك وفقاً للقوانين والانظمة التي تحكم طبيعة تلك العلاقة.

 


ملفات تنتظر المعالجة من الحكومة العراقية الجديدة
ملفات تنتظر المعالجة من الحكومة العراقية الجديدة