التوجه الصيني ناحية جزر جنوب المحيط الهادئ
المقدمة
تعد منطقة المحيط الهادئ وخاصة مجموعات الجزر الواقعة في جنوب المحيط حالًيا ضمن المناطق التي تتوجه إليها أنظار الدول الكبرى وعلى رأسهم الصين رغم التحديات التنموية التي تعاني منها هذه المنطقة، حيث دعت الصين من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي في أواخر مايو وأوائل يونيو 2022، دول جزر المحيط الهادئ للتوقيع على رؤية التنمية المشتركة التي قدمتها الصين لتعزيز التعاون المشترك في عدد من المجالات منها الاقتصادي والأمني والتنموي، فهذه الزيارة رأت الولايات المتحدة أن الصين تحاول للمرة الثانية الاقتراب من الفناء الخلفي البحري لها جنوب المحيط الهادئ الذي طالما اعتبرته "بحيرة أمريكية"، ولم تُثِر هذه الزيارة غضب الولايات المتحدة فقط بل عبر الحلفاء التقليدين للولايات المتحدة في جنوب الهادئ أستراليا ونيوزيلندا لتعبر عن غضبهم، ولكن تاريخ وجود الصين في منطقة جنوب المحيط الهادئ سابق تاريخ هذه الزيارة، فلم تكن زيارة وانغ أولى الزيارات الصينية حيث كانت هناك أعداد من الزيارات على عدة مستويات دبلوماسية مختلفة، بل كانت هناك زيارة للرئيس الصيني شي جين بينج 2014 ولم تحظى بهذا القدر من الجدل، فلما جاءت ردود الأفعال بهذا الشكل؟!، ربما يعد مجيء جولة وانغ يي للمنطقة في ظل سياق التنافس العالمي الأمريكي الصيني هو ما أعطى هذه الزيارة هذا الجدل الذي أثير حولها، تعتبر منطقة جنوب المحيط الهادئ جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية الاندوباسيفيك التي أعلن عنها البيت الأبيض في أوائل 2022، والتي تهدف إلى تعزيز التحالفات الأمريكية مع عدد من الدول البحرية التي تتشارك مع الولايات المتحدة هدف تحجيم النفوذ البحري الصيني، كما أن زيارة وانغ لجنوب المحيط الهادئ جاءت بعد زيارة بايدن لليابان وكوريا الجنوبية ودعوة الأخيرة للانضمام إلى كواد، فربما تهدف الصين على المدى الطويل من وراء هذه الزيارة إلى بناء تحالفات مع دول بحرية لكسر العزلة التي قد تفرضها عليها استراتيجية الاندوباسيفيك، تهدف هذه الورقة إلى الاجابة على تساؤل رئيس ما هي الأهمية التي تمثلها منطقة جنوب المحيط الهادئ بالنسبة للصين؟، ويتم تناول هذا التساؤل على عدد من العناصر أولًا أولوية مكانة منطقة جنوب المحيط الهادئ لدى الصين، ثانيًا جنوب المحيط الهادئ كمنطقة امتداد لجيش التحرير الشعبي، ثالثًا سعي الصين لإرفاق منطقة جنوب المحيط الهادئ في مبادرة الحزام والطريق، رابعًا ردود الأفعال الدولية والإقليمية على تواجد الصين في منطقة جنوب المحيط الهادئ، خامسًا كيف تصبح الصين شريك تنموي للمنطقة؟.
أولًا:- مكانة منطقة جنوب المحيط الهادئ عند الصين
حظيت منطقة جنوب المحيط الهادئ شأنها شأن المناطق النامية باهتمام في استراتيجية " صين واحدة"، فهذه الاستراتيجية جنت الصين أولى ثمارها في سبعينيات القرن المنصرم عندما تمكنت الحصول على المقعد الدائم في مجلس الأمن بدلًا من تايوان، كانت تشهد جزر جنوب المحيط الهادئ في هذا الوقت تنافسًا دبلوماسيًا بين الصين وتايوان؛ لالتفاف أكبر قدر من دول هذه المنطقة حولهما من أجل الحصول على قاعدة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة، وعلى الرغم من ترجيح كفة الطرف التايواني في بداية التنافس إلا أنه مع بداية 1990عام ارتفع عدد الدول المعترفة بالصين إلى عشر دول، بعدما أخذت فيجي وساموا زمام المبادرة عام 1975 بدأت جزر جنوب الهادئ واحدة تلو الأخرى في أن تحول علاقتها الدبلوماسية من تايبيه إلى بكين، فحاليًا إلى حد ما نجحت بكين في تحقيق استراتيجية صين واحدة في جنوب الهادئ، لم يتبق إلا أربع دول فقط بالاو وجزر المارشال وتوفالو وناورو لديهم علاقات دبلوماسية مع تايوان، وعلى الرغم من الأهمية التي مثلتها منطقة جنوب المحيط الهادئ لاستراتيجية " صين واحدة" إلا أن أولوية هذه المنطقة لدى جدول أعمال الحكومة الصينية الخارجي لا تحظى بمكانة مثل التي تحظى بها مناطق أخرى مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ وذلك بسبب وجود عوامل أخرى لا تتوافر لدى منطقة جنوب المحيط الهادئ مثل الموارد الطبيعية المتواجدة بوفرة وتنوع والأسواق الكبيرة.
وباستثناء هذه العوامل التي تميز بها الصين مناطق الجنوب عن بعضهم البعض، نجد أن الصين حاليًا وفي سياق المنافسة العالمية بينها وبين الولايات المتحدة وجهت أنظارها واهتماماتها بشكل كبير لمنطقة جنوب المحيط الهادئ؛ فمع مطلع 2022 أدرجت الولايات المتحدة جزر جنوب المحيط الهادئ في استراتيجيتها لمنطقة الاندوباسيفيك، رغبةً منها في أن تتشارك هذه المنطقة الهدف مع واشنطن في احتواء أو تحجيم النفوذ البحري الصيني، ولكن لم يبدي قادات المنطقة أي استجابة لرغبة الولايات المتحدة، وفي خطوة مماثلة لخطوة الولايات المتحدة عقدت الصين في أبريل 2022 اتفاقية متعددة الجوانب اقتصادية وأمنية مع جزر سليمان، ثم أتبع وزير الخارجية الصيني وانغ يي هذه الاتفاقية بجولة في أواخر مايو وأوائل يونيه 2022 شملت عشر دول من جزر جنوب المحيط الهادئ، من أجل تجديد علاقات حكومته مع هذه المنطقة بالتحديد وربطها أكثر بالصين من خلال رؤية التنمية المشتركة والخطة الخمسية، كان بإمكان الصين أن تنتظر موعد عقد المنتدى الرابع للتنمية الاقتصادية والتعاون المشترك مع جزر المحيط الهادئ الذي يعقد تقريبًا كل أربع سنوات، وتعلن فيه عن رؤية التنمية المشتركة والخطة الخمسية حول التنمية، لكن تسابق الولايات المتحدة وحلفائها وتواجدهم بقوة حاليًا في منطقة شرق آسيا، وإبداء بايدن أثناء زيارته لليابان وكوريا الجنوبية رغبته في انضمام الأخيرة إلى كواد، قد يكون عجل الصين في الاعلان عن هذه الرؤية التنموية، وربما قد أدى قُرب تواجد دولة منضمة إلى كواد للمرة الثانية بعد انضمام اليابان إلى ازعاج الصين، ودفعها لتطوير عقيدتها البحرية بشكل جرئ لم تعهده السياسة الخارجية الصينية منذ الاعلان عن قاعدتها العسكرية الأولى؛ حيث تم تضمين اتفاقيتها مع جزر سليمان بنود أمنية وعسكرية في محاولة منها لجذب انتباه الدول الكبرى لمنطقة بعيدة عن جنوب شرق آسيا، فقد تشهد منطقة جنوب الهادئ في المستقبل انطلاقًا من الحالة التنافسية للعلاقات الصينية الأمريكية اهتمامًا صينيًا متزايدًا، بشكل قد يعطي أولوية للجزر الواقعة في جنوب المحيط الهادئ عن بقية المناطق النامية الأخرى.
ثانيًا:-منطقة جنوب المحيط الهادئ كمنطقة امتداد للبحرية الصينية وتحدي للهيمنة الأمريكية
تنظر الصين لمنطقة جنوب المحيط الهادئ أو أوقيانوسيا بشكل عام على أنها جزء من "المحيط الأكبر greater partphery"، هذا المفهوم الذي اتفق المحللون على أنه تعبيرًا عن المناطق التي تشمل جملة المصالح الصينية الاقتصادية والأمنية والطاقوية، وباعتبار أننا الآن في المرحلة الثالثة (2040:2020) من استراتيجية الصين البحرية التي تتوقع فيها القضاء على الهيمنة الأمريكية العسكرية في المحيطين الهندي والهادئ، فتضح بعض من المصالح الأمنية البحرية الصينية في منطقة جنوب المحيط الهادئ، فهذه المنطقة من خلال العلاقات الصينية المتعددة مع دولها هي الأقرب للدخول إلى قلب المحيط الهادئ الأزرق، هذا الأخير الذي اتخذته الولايات المتحدة الخطوة الأولى في بناء هيمنتها الإقليمية عندما استطاعت القضاء نهائيًا على اليابان، التي بنت امبراطوريتها هي الأخرى من خلال السيطرة على عدد من المناطق كانت ضمنهم جزر جنوب المحيط الهادئ.
لذلك تدرك الصين أهمية هذه المنطقة لتحقيق حلم القوة البحرية والعقبات التي سوف تتعرض لها في سبيل تحقيق هذا الحلم؛ لأن واشنطن تعتبر هذه المنطقة وخاصةً جزر سليمان وماريانا الشمالية وجزر المارشال وولايات ميكرونيزيا الموحدة جزءًا من الأمن القومي الأمريكي، فمن خلال هذه المنطقة التي اتضحت أهميتها بالنسبة للصين، ولأن هذه الأخيرة دولة يغلب على سياستها الخارجية عدم الجرأة أو السعي إلى إبراز التحدي بشكل واضح وصريح - باستثناء مشكلاتها البحرية مع دول الآسيان حول النزاع البحري في بحر الصين الجنوبي- وتفضيل الاستراتيجيات طويلة الأمد long term strategies، قامت الصين باتخاذ خطوات بسيطة غير معلن عنها بشكل قوي، لبناء منافذ خروج وامتداد لجيش التحرير الشعبي على المدى الطويل لكسر سيطرة الولايات المتحدة على سلسلة الجزر الثانية.
فبدلًا من أن تحاوط الولايات المتحدة الصين من خلال تمركزها في سلسلة الجزر الثانية، تستطيع الصين مستقبلًا وعلى الأمد الطويل أن تحاوط هي الولايات المتحدة؛ عن طريق وجودها في عدد من جزر جنوب المحيط الهادئ، ففي عام 2014 طلبت الصين من تونغا انشاء قاعدة بحرية صينية، وفي عام 2018 ذكرت صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد أن الصين أجرت محادثات مع فانواتو لإنشاء قاعدة عسكرية في لوغانفيل وارف، وأعلنت في نفس العام عن رغبتها في تجديد ميناء في جزيرة مانوس بابوا غينيا الجديدة، وأجرت تحديثات في مدرج الطائرات في جزيرة كانتون التابعة لكريباتي، ووضعها لملحقات دفاعية تابعة للجيش الصيني في دول جزر المحيط الهادئ فقط التي تمتلك جيوش عسكرية مثل فيجي وبابوا غينيا الجديدة وتونغا، وكان أخر هذا الوجود العسكري اتفاقية الصين مع جزر سليمان التي تضمنت بنودًا تسمح للبحرية الصينية من الرسو على شواطئها بشكل يسمح للصين من أن تكشف تحركات البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ.
وبالإضافة لسعي الصين لبناء عدد من القواعد العسكرية في جنوب المحيط الهادئ والتي تشبه إلى حد كبير سلسلة اللؤلؤ في المحيط الهندي، فهي تنتظر عام 2024 وهو عام انتهاء الاتفاق العسكري الحر بين الولايات المتحدة واتحاد ميكرونيزيا وجزر مارشال وبالاو، وتضغط على هذه الجزر حتى لا يتم تجديد الاتفاق وتضمن تدريجيًا انتهاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، قيام الولايات المتحدة بتحركات عسكرية مثل إبرام اتفاقية مع جزيرة مالايتا لإنشاء قاعدة عسكرية، وتوقيع البنتاجون عقد إيجار مع جزر ماريانا الشمالية لبناء قاعدة عسكرية جوية، وتكليل هذه التحركات بإعلان واشنطن عن نيتها في تجديد اتفاقيات الارتباط العسكري الحر ، فهذه التحركات قد تصعب على الأقل فكرة خروج الولايات المتحدة حتى من مجموعة جرز ميكرونيزيا، كما أن المشاركة العسكرية الصينية مع جزر المحيط الهادئ ضئيلة مقارنة بنظيرتها الأمريكية ذات الشراكات العسكرية مثل اتفاق الارتباط الحر؛ حيث يقتصر انخراط الصين في المنطقة على بناء المستشفيات العسكرية والتبرع بالمعدات العسكرية غير القتالية وتقديم المنح العسكرية، فمازال أمام البحرية الصينية الكثير حتى تصل على درجة من السيطرة العسكرية على جنوب المحيط الهادئ.
ثالثًا:-سعي الصين لربط منطقة جنوب المحيط الهادئ مع مبادرة الحزام والطريق
لا تتضمن أوقيانوسيا باعتبارها جزءًا من المحيط الأكبر "greater partphery" مصالح أمنية صينية فقط بل أصبح لدى الصين مصالح اقتصادية في هذه المنطقة، حيث أدرجت الصين منطقة جنوب المحيط الهادئ لمبادرة الحزام والطريق بالإضافة أمريكا اللاتينية، على الرغم من ابتعاد هاتين المنطقتين عن الخط البحري لمبادرة الحزام والطريق!، حيث اعتبرها الرئيس الصيني شي جين بينج أنها تعتبر المحطة الجنوبية لطريق الحرير البحري، وعلى إثر هذه الأهمية دعت الصين عام 2014 جزر المحيط الهادئ إلى المشاركة في المبادرة، وبعد مرور خمسة أعوام تمكنت الصين من حصد توقيع تسع دول من أصل ثمانية عشر دولة مؤسسة لمنتدى جزر المحيط الهادئ على مذكرات تفاهم للمشاركة في المبادرة عام 2019، وصل عددهم بعد زيارة وانغ عام 2022 إلي عشر دول، لذلك جاء المنتدى الثالث للتنمية الاقتصادية والتعاون المشترك بين الصين وبلدان جزر المحيط الهادئ الذي عقد عام 2019، ليؤكد على تعميق التعاون بين الصين وجزر المحيط الهادئ لدفع مبادرة الحزام والطريق إلى الأمام.
وفي سياق المنافسة بين الصين الولايات المتحدة حول منطقة جنوب المحيط الهادئ، كان من ضمن ما جاءت به زيارة وانغ يي للمنطقة اعطاء زخم إقليمي لمبادرة الحزام والطريق في المنطقة، وسط المبادرات التي تترأسها دول أخرى في المنطقة، ليس من خلال دعوة دول للانضمام للمبادرة فقط ولكن من خلال السعي لربط مبادرة الحزام والطريق بمبادرات التعاون الإقليمي في المنطقة، مثل استراتيجية المعونة من أجل التجارة في المحيط الهادئ واستراتيجية التجارة الاليكترونية الإقليمية ومبادرة البنية التحتية للجودة في المحيط الهادئ.
رابعًا:- ردود الأفعال الدولية والإقليمية على التواجد الصيني في منطقة جنوب المحيط الهادئ
تعتبر أي قوى إقليمية الإطار الجغرافي المحيط بها هو منطقة النفوذ الخاصة بها، ولا ترحب بوجود أي قوى إقليمية أخرى في منطقتها، فكما تنزعج الصين كثيرًا بوجود الولايات المتحدة في منطقة بحر الصين الجنوبي وممارستها للمرور الحر، انزعجت أستراليا من زيارة وزير الخارجية الصيني ومن الاتفاقية التي عقدتها الصين مع جزر سليمان، ولوحت باحتلال الجزر لتجنب الوجود الصيني بها؛ فأستراليا تعتبر منطقة جنوب المحيط الهادئ بالجز الواقعة بها مجالها الحيوي التي تمارس فيها هيمنتها الإقليمية، وكما انزعجت أستراليا من وجود الصين الذي من المرجح أن يتزايد في هذه المنطقة مستقبلًا، غضبت الولايات المتحدة وحذرت من تداعيات اتفاقية جزر سليمان؛ فالولايات المتحدة تعتبر جنوب الهادئ بحيرة أمريكية وتوصف مجموعة جزر ميكرونيزيا تحديدًا بأنها المحيط الهادئ الأمريكي، ويعد الجزء الشمالي من منطقة مجموعات جزر المحيط الهادئ بشكل عام على درجة من الأهمية بالنسبة للبحرية الأمريكية عن بقية المناطق؛ لأنه الأقرب إلى منطقة شمال شرق آسيا حيث سلسلة جزر الثانية والدور الذي تلعبه في تحجيم النفوذ البحري الصيني، ومن خلال قُرب الوجود العسكري الصيني في جزر سليمان سوف تُكشف تحركات الأمريكية العسكرية في المنطقة.
ولأن التحركات الصينية تجاه جزر الهادئ جاءت مباشرة وعلى أرض الواقع كان لابد من رد فعل أسترالي وأمريكي مناظر له، فكانبيرا؛ قامت بتنشيط سياستها الخارجية تجاه المنطقة فالحكومة الأسترالية الحالية بقيادة أنتوني ألبانيز أعطت لجزر الهادئ الاهتمام الذي فقدته في ظل حكومة موريسون السابقة، واستغلت حكومة ألبانيز المشكلة المناخ الأساسية التي تعاني منها جزر المحيط، وتعهدت بخفض الانبعاثات إلى 43% بحلول 2030, كما أن الصندوق الأسترالي لتمويل المساعدات الخارجية ودعم البنية التحتية لجزر جنوب الهادئ سوف يشهد زيادات في ظل الحكومة الأسترالية.
أما بالنسبة لواشنطن؛ فكما جاءت زيارة وانغ يي للمنطقة محملة بالمبادرات الاقتصادية كانت رؤية بايدن للحفاظ على وجودها في منطقة جنوب الهادئ تعتمد بشكل كبير على الجانب الاقتصادي؛ فقد أطلقت الولايات المتحدة في مايو 2022 الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، الذي يشكل أعضاؤه حوالي 40% من إجمالي الناتج المحلي العالمي الإجمالي، وخصصت أكثر اهتمامها بهذه المنطقة من خلال اطلاق مبادرة شركاء في المحيط الأزرق الهادئ PBP في 24 يونيو 2022، بالتعاون مع القوى التقليدية في المنطقة التي تتشارك مع الولايات المتحدة هدف احتواء النفوذ الصيني أستراليا ونيوزيلندا واليابان والمملكة المتحدة، فتقوم هذه المبادرة على وضع أولويات جزر الهادئ ومنتدى جزر المحيط الهادئ في صدارة أعمالها، ودعم أولويات هذه المنطقة والتسريع بوضع خريطة للمشاريع المستقبلية.
خامسًا:- كيف تصبح الصين شريك تنموي جدير بثقة قادة جزر المحيط الهادئ؟
تعد الصين إذا قومنا باستثناء أستراليا ونيوزيلندا أكبر مانح في منطقة المحيط الهادئ، حتى إنها تجاوزت ترتيب الولايات المتحدة باعتبارها من أكبر المانحين في المنطقة، ورغم ذلك لم يقبل قادة جزر جنوب الهادئ أو حتى يعبروا عن رفضهم لرؤية التنمية المشتركة التي دعتهم لها الصين!، بل أعلنوا أنهم بحاجة إلى وقت للنظر في هذا المقترح، فيعد من العوامل التي أثرت على عدم توصلهم لموقف محدد؛ عدم توافق الآراء في منتدى جزر المحيط الهادئ الذي من ضمن أعضائه أستراليا ونيوزيلندا، وسردية الديون المستحقة للصين والتي إذا لم تستطيع الدول المدانة السداد فإنها تقدم أصول استراتيجية للصين، فهناك عدد كبير من جزر المحيط الهادئ معرضة لضائقة ديون مثل كيريباتي وجزر المارشال وميكرونيزيا وبابوا غينيا وتونغا وتوفالو، وهناك ثلاث دول في خطر معتدل جزر سليمان وفانواتو وتيمور الشرقية، وربما تؤدي رؤية التنمية المشتركة وزيادة الانخراط الاستثماري الصيني في المنطقة إلى زيادة الديون أكثر على الجزر إلى حد التخلي عن بعض الأصول.
فإذا أرادت بكين أن تروج أكثر لمبادراتها في منطقة جنوب الهادئ وسط مبادرات الشركاء المنافسين الأخرين، أن تلغي بند تقديم الأصول الاستراتيجية أو على الأقل تضع بنود استحقاق أخرى، بحيث تتمكن من أن تقضي على ترويج أستراليا بالانتقادات التي تتعرض لها عمليات الإقراض الصينية، وضعت الصين في اعتبارها أن أول من يتأثر بالمناخ والتغير فيه هم الدول الجزرية خاصةً الدول النامية التي يقع جزء منها في جنوب المحيط الهادئ، لذلك شملت جعبة وانغ يي أثناء زيارته للمنطقة مبادرات صينية مهتمة بأزمة المناخ التي تعاني منها جزر الهادئ، فسوف تقدم الصين المساعدة لدول المنطقة لبناء اقتصاد أزرق مرن للمناخ، وانشاء ألية تعاون منتدى لإدارة الكوارث مع بلدان جنوب المحيط الهادئ، كما بإمكان الصين أن تستغل رغبة قادات جزر المحيط الهادئ في الظهور على ساحة العلاقات الدولية ككتلة إقليمية متماسكة من خلال استراتيجية المحيط الأزرق الهادئ، وأن تدرج هذه الاستراتيجية وتربطها بمبادرة الحزام والطريق أو على الأقل تشارك في هذه الرؤية كشريك حوار، يدرك قادة بلدان المحيط الهادئ أن هناك تنافسًا بين بكين وواشنطن وحلفائها حول هذه المنطقة، ولم ينضم منتدى جزر المحيط الهادئ ككتلة واحدة إلى أي من طرفي المنافسة رغم تفضيلات بعض الدول بشكل منفرد؛ لأن منطقة جنوب المحيط الهادئ لا يهتمون بالمنافسة العالمية بين الصين والولايات المتحدة بقدر ما يهتمون بمشكلات التنمية والداخل لديهم ومشكلة المناخ التي قد تهدد مستقبلًا وجودهم وبقائهم، فإذا بحث هؤلاء القادة عن طرف ينضمون إليهم فسوف يكون هذا الطرف شريك تنموي جدير حقًا بثقة هؤلاء القادة، فهل الصين قد تصبح حقًا هذا الشريك؟!.
الخاتمة
ازدادت الأهمية التي تمثلها منطقة جنوب المحيط الهادئ لكلٍ من الصين والولايات المتحدة، فتتوجه كلتا الدولتين بثقلهما إلى هذه المنطقة؛ فالصين يغلب على شراكتها مع جزر جنوب المحيط الهادئ الطابع الاقتصادي أكثر من الطابع العسكري الأمني، لكن لا يعني ذلك أنه ليس للصين طموحات عسكرية تجاه هذه المنطقة التي تعد امتداد للبحرية الصينية، أما الولايات المتحدة فهي توازن حاليًا في شراكتها مع هذه المنطقة بين الطابع العسكري اتفاقيات الارتباط العسكري الحر وبين الطابع الاقتصادي المتمثل في المبادرات التي أطلقها بايدن مؤخرًا، فتظل الولايات المتحدة من خلال هذا التوازن بين الطابع العسكري والاقتصادي، وبالإضافة إلى تحالفها مع الشركاء التقليديين في المنطقة هي سيدة الموقف في منطقة جنوب المحيط الهادئ.
تمت بحمد الله ..