التعاون الاقليمي بين العراق ومصربشأن ادارة الموارد المائية
د. حميد نعمة الصالحي / كلية الامام الكاظم (ع) قسم العلوم السياسية
هناك اتفاق نسبي في وجهات النظر في العلاقات بين الجانبين العراقي والمصري على مر السنوات حول ضرورة التعاون وإيجاد نقاط اشتراك بينهما فالعلاقات التاريخية التي تربط البلدين ، ومساندة كل منهما الآخر في الازمات على اختلاف أشكالها ومقاومة الاحتلال والاستعمار ومناصرة قضاياها القومية المشتركة ، هي دلالات تؤشر على وجود ارتباط عضوي بين الشعوب العربية ، وهذا التعاون والترابط لا يعني أن الاتفاق كان حاصلا طوال الوقت ، لان هناك بعض الفجوات والصعوبات التي واجهت الطرفين في علاقاتهما نتيجة للاختلاف في وجهات النظر السياسية وتضارب المصالح بين أنظمتها السياسية والجوانب التاريخية .
وعلى خلفية عقد قمة ثلاثية في عمان بين مصر والأردن والعراق بتاريخ 25/أغسطس آب 2020 ، جرى الحديث عن أنشاء اتفاقية شراكة اقتصادية بين الدول الثلاث أو ما عرف ب " مشروع الشام الجديد" الذي طرحه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على ملك الاردن عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال القمة الثلاثية في عمان بهدف ايجاد وتعزيز المصالح المشتركة بين مصر والاردن والعراق ،لغرض ان يكون نواة لاتحاد عربي أكثر توسعا في المستقبل ، يعتمد هذا المشروع على أركان ثلاث ، هي الكتلة النفطية في العراق ، والكتلة البشرية في مصر ، والاردن كحلقة وصل بينهما .
وفي فبراير شباط عام 2020، وقعت مصر مع العراق (15) اتفاقية ومذكرة تفاهم في مختلف القطاعات، بما في ذلك النفط والطرق والإسكان والكهرباء والتشييد والتجارة ، وغيرها , بعدما وافق مجلس الوزراء العراقي في ديسمبر كانون الأول عام 2020على تجديد عقد إمداد الهيئة المصرية العامة للبترول بإجمالي 12 مليون برميل من خام البصرة الخفيف لعام 2021.
جدير بالذكر أنه قد سبق توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والعراق في مجال الموارد المائية، وتشكيل لجنة توجيهية فنية مشتركة من الجانبين، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة من الفنيين المصريين والتي قامت بالعديد من الزيارات الميدانية للعراق وإعداد صياغة مشتركة لبرنامج عمل واضح يعكس مجالات التعاون بين البلدين، ومنها تقنيات الري الحديث، وإعادة الاستخدام، وطرق المعالجة، والقضاء على التصحر، ونظم الرصد والاتصالات والمحاسبة المائية، ومقاومة الحشائش المائية، وهيدروليكا الأنهار والشواطئ؛ بما فيها نوعية المياه والترسبات، والإصلاح المؤسسي والتشريعي، وحماية الشواطئ ومعالجة المياه الملوثة.
يشير واقع تعامل مصر والعراق مع المشكلات المائية الناتجة عن السياسات المائية لدول المنبع والمجرى إلى اختلافات جوهرية بفعل عدد من العوامل الجغرافية المتعلقة بالأنهار التي تصب في البلدين كليهما فضلاً عن اختلاف ميزان القوى والعوامل الاقليمية المؤثرة على سياسة البلدين تجاه تلك الدول ، أذ ان واقع العراق المائي يعتمد على نهري دجلة والفرات لتلبية جميع احتياجاته المائية وينبع النهران من تركيا ويتدفقان إلى حوض شط العرب في جنوب العراق. وبينما يعبر نهر الفرات سوريا والعراق، يتدفق نهر دجلة من تركيا وإيران إلى العراق تساهم تركيا بنسبة 90% في نهر الفرات بينما تساهم سوريا بنسبة 10% في تدفق المياه، أما بالنسبة لنهر دجلة فإن تركيا وإيران والعراق تساهم بنسبة 40% و51% و9% بالتوالي ، حيث بدأ العراق ينتقل من حالة الاستقرار المائي إلى حالة العجز المائي المستقبلي الذي سيبلغ (15،27) مليار م3، في عام 2025 بسبب مخاطر المشاريع التركية ـ الإيرانية مما سيكون له الأثر الكبير على مستقبل الزراعة في العراق .
يرتبط العراق مع تركيا وإيران وسوريا بعدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التي تنظم عملية سير نهري دجلة والفرات بإتجاه إراضيه يعود البعض منها إلى بدايات تأسيس تلك الدول في القرن المنصرم ، إما بالنسبة لمصر فأن اغلب الاتفاقيات المعقودة بينها وبين دول المنبع والمجرى تعود إلى زمن الاستعمار والوصاية البريطانية عليها ، الا ان الفارق بين دول المصب العراق ومصر هو أن الأخيرة قد توصلت إلى اتفاق عام 1959 مع السودان والتي تم فيها تقاسم حصص المياه بين البلدين على اساس معدل التصريف السنوي عند أسوان المصرية وإنشاء السد العالي وسد الروصيروص بموجب تلك الاتفاقية ،التي شكلت نقطة متميزة للجانب المصري في إدارة وتنظيم سياستها المائية مع دولة المجرى والمنبع ، على العكس من الإدارة العراقية التي توصلت لاتفاقية عام 1989 مع سوريا بخصوص تقاسم مياه نهر الفرات بين البلدين على أساس الاتفاق السوري – التركي الموقع عام 1987، والذي لم يكن العراق طرفا فيه ،واعترض عليه في ذلك الوقت ، كما أن هذه الاتفاقية حددت حصة العراق من مياه نهر الفرات من نقطة دخول النهر إلى الأراضي السورية وليس من الحدود السورية – العراقية ، على العكس من الاتفاقية المصرية – السودانية التي حددت حصة البلدين من نقطة دخول نهر النيل الأراضي المصرية وهذا ما يغبن حق العراق من المياه التي ترفد النهر داخل الأراضي السورية وبذلك فأن تعديل هذا الاتفاق والافادة من الاتفاقية المصرية السودانية في هذا الجانب من شانه ان يحفظ حقوق العراق في الحصول على حصته الحقيقة من مياه نهر الفرات .
ان نقطة التميز التي تحسب لصالح الدبلوماسية والسياسة المائية المصرية على الدبلوماسية والسياسة العراقية في هذا الجانب أن مصر لديها ثقل إقليمي على مستوى القارة الأفريقية ، ودائماً ما تحاول الدول الافريقية الاستفادة من الثقل المصري سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي في الوقوف إلى جانب قضاياها ، فضلاً ان امكانياتها في تطبيق الادارة المثلى والمتكاملة للموارد المائية التي يمكن ان يستفاد منها العراق في التجربة المصرية في ادارة هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي .
وعلى ضوء نتائج زيارة السيد الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والرى ، لدولة العراق للمشاركة في مؤتمر بغداد الدولى الأول للمياه ، والذى تم عقده يومي 13-14 مارس آذار 2021 ، و التى تم خلالها الاتفاق مع السيد المهندس مهدي رشيد الحمداني وزير الموارد المائية العراقي على الإسراع في تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في مجال الموارد المائية عام 2020 من خلال تشكيل لجنة توجيهية فنية مشتركة ، وفي ضوء نتائج الاجتماع الأول للجنة التوجيهية الفنية المشتركة المصرية العراقية فى مجال الموارد المائية والري والذي عقد بتاريخ 6 يونيو حزيران 2021 لمناقشة فرص تعزيز التعاون المشترك في مجالات إدارة المياه بين البلدين الشقيقين ، ذكرت وزارة الري والموارد المائية ان وفدا مصريا يستعد لزيارة العراق لإنشاء محطة مياه ضخمة على نهر الفرات تشبه محطة مياه بحر البقر في البلاد، وعرضت الوزارة التقرير الخاص بدراسة إنشاء محطة معالجة لدولة العراق شبيهة لمحطة معالجة مياه بحر البقر لتنقية وتحلية المياه بنهر الفرات لمجابهة نقص المياه في النهر بثلاث محافظات عراقية (الناصرية – الديوانية – البصرة) ، وذكر وزير الري المصري محمد عبد العاطي، أنه وفي ضوء ما تم الاتفاق عليه سابقا مع المهندس مهدي رشيد الحمداني وزير الموارد المائية العراقي بشأن تبادل الزيارات الفنية بين الجانبين للاستفادة من التجارب المصرية فى مجال إدارة المياه، فقد قام كل من الدكتور محمد هيكل استشاري محطة معالجة مياه بحر البقر والدكتور حسين الجمال مدير معهد بحوث الصرف بزيارة لدولة العراق لدراسة المقترحات الخاصة بمعالجة وإعادة استخدام المياه بالعراق.
سيما وأن الوفد المصري قام بزيارة العديد من المواقع في دولة العراق ، حيث تم زيارة الهيئة العامة للمياه الجوفية والمركز الوطني لإدارة الموارد المائية ومركز الدراسات والتصاميم الهندسية ومركز التدريب والتطوير، وزيارة محافظة بابل للاطلاع على مشروعات الموارد المائية فيها ، وزيارة مشروع التحدي (مشروع تأهيل شط الحلة) ومحطة كيش القديمة والجديدة بجنوب العراق ونظم الري المطورة والمطبقة بمنطقة أبو غريب.
وتجدر الاشارة إلى ان محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر هي أكبر محطة معالجة في العالم وتقع على بعد 10 كيلومترات جنوب أنفاق بورسعيد في سيناء على مساحة 155 فدان تقريبا وهي جزء من خطة مصر لتنمية محور قناة السويس وشبه جزيرة سيناء وتعظيم مواردها الطبيعية حيث تساهم في استصلاح 400 ألف فدان من خلال إعادة تدوير وتشغيل مياه الصرف الزراعي والصناعي والصرف الصحي والتي سيتم تحويلها من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية أسفل قناة السويس وبعد المعالجة سيتم تصريفها في قناة الشيخ جابر، إذ يتم تجميع مياه الصرف الزراعي والصناعي والصرف الصحي من ثلاث مصارف أكبرهم مصرف بحر البقر الذي يبلغ طوله 106 كيلومتر والذي يصب في بحيرة المنزلة لذا تعد هذه المياه مصدر تلوث لما لها من آثار بيئية سلبية على صحة الإنسان والثروة السمكية في مصر .
وقد تبنت الحكومة المصرية خطة طموحة لبناء عشرات المحطات لتحلية مياه البحر للمساعدة في تلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه في البلاد، وحتى الآن، شيدت مصر 82 محطة لتحلية المياه، بقدرة إجمالية تبلغ 917,000 متر مكعب يومياً وتخطط الحكومة أيضاً لبناء 14 محطة تحلية جديدة لرفع قدرة المياه إلى (1،4) مليون متر مكعب يومياً كما أطلقت مصر مشروعاً بقيمة 80 مليار جنيه (4,26 مليار دولار) لإعادة تأهيل القنوات بأطوال إجمالية تبلغ 20 ألف كيلومتر مربع .
وفي حال تم تنفيذ مشروع بناء محطة على نهر الفرات من قبل الجانب المصري فأنها ستسهم في :-
• المحافظة على المياه الصالحة للشرب والتوسع في الزراعة.
• تنمية مصادر المياه غير التقليدية، مثل تحلية مياه المستجمعات المائية وتنقية مياه الصرف الصحي (المجاري ) والمياه الثقيلة والصرف الزراعي واعادة استخدامها في ري المحاصيل الزراعية دون الاضرار بصحة الأنسان والحيوان والنبات.
• الحد من الحاجة إلى الأسمدة الاصطناعية بسبب وجود العناصر الضرورية في تلك المياه المعالجة.
• زيادة توافر المياه لأغراض الشرب والتنظيف والري والاستخدامات المنزلية وتقليل الإفراط في استخراج المياه الجوفية.
• تقليل حمولات المغذيات إلى مياه الأنهار والقنوات وموارد المياه السطحية الأخرى.
• تقليل تكاليف التصنيع لاستخدام المياه المستصلحة عالية الجودة وزيادة الإنتاج الزراعي.
• تعزيز حماية البيئة عن طريق الحفاظ على الأراضي الرطبة والبرك.
إن مصر لديها أحدث مراكز أبحاث المياه المتخصصة في هيدرولوجيا الأنهار وتطوير أنظمة الري وإمدادات المياه، لذلك مصر قطعت شوطاً طويلاً في بناء محطات معالجة المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وبناء السدود لحصاد مياه الأمطار.
ويمكن للعراق الاستفادة من هذه الخبرة المصرية في التعامل مع النقص الحاد في المياه في البلاد". من خلال النقاط الاتية :-
1. تقديم مصر لعدد من الدورات التدريبية للمتخصصين من الجانب العراقي في مجالات إنشاء وصيانة سدود حصاد مياه الأمطار والنماذج الرياضية العددية والإدارة الرشيدة للمياه الجوفية وأنظمة الرصد والمراقبة لخزانات المياه الجوفية .
2. التعاون في إعداد بحوث ودراسات مشتركة وتعزيز البحث العلمي المشترك في مجال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وحماية الشواطئ وإزالة الحشائش من المجاري المائية وتداخل مياه البحر المالحة مع المياه العذبة وإزالة ورد النيل بالعراق والاستفادة منه.
3. وفي مجال تنفيذ المشروعات الرائدة تم الاتفاق على قيام مصر بتقديم المشورة الفنية لتنفيذ نظام للتنبؤ والإنذار المبكر بدولة العراق واستخدام صور الأقمار الصناعية لحساب كفاءة الري واستخدام جهاز قياس درجة رطوبة التربة ، وكذا قيام الجانب المصري بتقديم الدعم الفني لتنفيذ تجربة رائدة لإنشاء شبكة رصد لحظي (التليمتري) لرصد بيانات المياه بأحد المشاريع أو مديريات الموارد المائية في العراق.