توجهات الأطراف في قمة جدة للأمن والتنمية
أ.م.د أثير ناظم الجاسور//كلية العلوم السَّياسيَّة الجامعة المستنصرية.
من قمَّة لأخرى تعمل الدَّول على توثيق مخاوفها وتعمل من خلالها على تأكيد رغباتها وتحقيق ما تطمح إليه سيَّما وأنَّ مثل هذه القمم لا تعمل على تحديد العلاقة بين أطرافها فحسب بل تدفع صوب اعتناق صيغ جديدة سواء سياسية أم اقتصادية أم عسكرية، مبنية على جملة من العوامل المشتركة فيما بينها لجعل العمل المشترك نموذج يدفع الدول إلى أن تكون فاعلة في محيطها ومؤثَّرة في قضاياها وقضايا الدول الأخرى، تحمل القمة في عنوانها متغيرين أساسيين عانت منه العديد من دول المنطقة خصوصاً تلك التي تعرضت لانكسارات شرسة سواء على يد القوى الكبرى المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية أو تلك التي عانت من التصدعات الداخلية أو الأخرى التي عانت من الإرهاب وتنامي الجماعات الإرهابية فيها، بالتالي فإن المجتمعين بالضرورة تُعد قضايا المنطقة محدداً لتوجهاتهم خصوصاً وهناك شعور كبير عند الجميع إنهم لابدَّ من أنْ يسيروا وفق منطلقات واستراتيجيات مختلفة لما تحمله العلبة الدولية والإقليمية من مفاجآت بالضرورة الوقوف عندها وإيجاد الحلول التي تعمل على استقرار أمنهم وأمن المنطقة.
الدول المشاركة في قمة جدة وممثليها
ت |
الدولة |
الممثل |
1 |
المملكة العربية السعودية |
الملك – وليُّ العهد |
2 |
قطر |
الأمير تميم بن حمد |
3 |
الولايات المتحدة |
الرئيس جو بايدن |
4 |
العراق |
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي |
5 |
الأمارات العربية |
الرئيس محمد بن زايد |
6 |
البحرين |
الملك حمد بن عيسى |
7 |
الكويت |
نائب الأمير و وليُّ العهد |
8 |
الأردن |
الملك عبد الله بن الحسين |
9 |
مصر |
الرئيس عبد الفتاح السيسي |
10 |
سلطنة عُمان |
ممثل السلطان |
11 |
مجلس التعاون الخليجي |
الأمين العام نايف فلاح الحجرف |
كانت هناك جملة من القضايا تتمحور حول التهديد والاقتصاد والطاقة وإسرائيل وتحديد أولويات سواء للدول العربية أم للقوى الكبرى، بالمحصلة إن القمة ومن اجتمع فيها لهم من الأسباب ما تجعلهم يذهبون صوب فكرة العمل المشترك الذي يحقق لهم تكامل وتعاون في جوانب كثيرة، وهذا يعكس تبدلاً استراتيجياً لبعض الدول وضرورة الاندماج عند الدول الأخرى بالإضافة إلى فكرة تحقيق المصالح، وقد يُقرأ من واقع الدول المشاركة إن هناك دولاً باتت أساسية في المنطقة وأخرى لابدَّ من وجودها لضرورة التعاون معها ودمجها في هذا الهيكل الجديد مثل العراق مع غياب البعض أو الشركاء الأساسيين مثل تركيا وحضور إسرائيل حتى وإن لم تحضر، ومن خلال ذلك شدد المجتمعون على التالي:
1- دعم الجهود الدبلوماسية الهادفة لتهدئة التوترات الإقليمية.
2- تعميق التعاون الإقليمي الدفاعي والأمني والاستخباري.
3- وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية.
4- ضمان خلو منطقة الخليج من كافة أسلحة الدمار الشامل،
5- منع إيران من تطوير سلاح نووي من خلال اتباع الجهود الدبلوماسية.
6- التصدي للإرهاب وكافة الأنشطة المزعزعة للأمن والاستقرار.
7- تواصل التعاون والتنسيق بين الدول المجتمعة لتطوير قدرات الدفاع والردع المشتركة إزاء المخاطر المتزايدة لانتشار أنظمة الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، وتسليح "المليشيات الإرهابية" والجماعات المسلحة.
8- تطوير التعاون المشترك الداعم لجهود التحسن الاقتصادي الدولي.
بالرغم من إن قمة جدة خرجت بمقررات وتصريحات اطلقها قادة الدول يراها الكثيرون منسجمة من حيث المضمون والأهداف إلا إن واقع الأحداث الإقليمية والدولية يطرح مجموعة من التحديات التي نراها تُعرقل تطبيق ما خرجت به هذه القمة، نعم الانسجام بين الدول مطلوب في المرحلة الحالية لكن السؤال هنا هل ما تم تناوله من قضايا وما خرجت به من مقررات تنسجم بالحقيقة مع مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية؟، خصوصاً وانهم مجموعة من الإجراءات التي تتطلب إشراك الحلفاء والأصدقاء لإيجاد صيغ جديدة يتم التعامل من خلالها مع الأحداث في المنطقة والعالم، وإيجاد معالجات مهمة لكل التحديات التي تعرقل مشاريع الدول وتقدمها واستقرارها على الصعيدين الداخلي والخارجي، بالمحصلة هناك اتجاهات مختلفة أو حتى نكون اكثر دقة هناك ثلاث اتجاهات أساسية تعمل على تحديد أولوية الأهداف والمصالح وتحجيم أو تقليل أو احتواء المخاطر بعد أن تم تشخيص التحديات التي تواجهها المنطقة أولاً والانطلاق نحو إيجاد حلول أو على الأقل إيجاد بدائل لتحجيم الأدوار التي قد تكون معرقلة لهذا التوجه أو ذاك، فضلاً عن الخوف من الآثار التي قد تفرزها الأحداث الإقليمية والعالمية على اقتصاديات الدول إلى جانب القضية الأهم المتمثلة بحماية وسلامة خطوط إمداد الطاقة.
ما نحاول أن نبينه هنا أن الأطراف المجتمعة غير متساوية القدرات أي أنها غير قادرة على توحيد جهودها بسبب مجموعة من العوامل التي تطلبت من أن تشترك هذه الدول في تحقيق مثل هذه القمة أهمها العامل الأمني الذي بات من اكبر التحديات التي تواجه هذه الدول خصوصاً الإرهاب الذي بات على مشارف حدودها والحروب التي زجت نفسها فيها مما جعلها تقف أمام معضلة أمنية تهدَّدها بكل الجوانب سيما وانها تحاول أن تسيطر على نوع من الاستقرار عسى أن يجعل من المنطقة تنعم بالهدوء على اقل تقدير، فدول الخليج العربية تعاني من مشكلة الخطر الذي تتوجس منه المتمثل بالتوجهات الإيرانية وسعيها لامتلاك السلاح النووي إلى جانب القضايا الاجتماعية التي تحاول إحاطتها واحتوائها بعد أن عدت توجهات إيران السياسية والاجتماعية من أكبر التحديات أمامها، بالتالي فإنها تعمل على تحجيم هذا الخطر من خلال إيجاد صيغ تعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين للتقليل من هذا الخطر، أيضاً يهيمن على المشهد الخليجي فكرة الريادة التي تتنافس في سبيله كل من قطر والمملكة العربية السعودية من خلال طرح الرؤى والتوجهات كل على حدى للتأثير على الشركاء وهذا بالنتيجة يصب في تحقيق المصالح، والتوجه الأخر هو ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية فهي تنطلق من ثلاث اتجاهات في المنطقة الأول العمل على تحجيم ايران وتعظيم خطورتها في المنطقة من خلال الخطاب الموجه من قبل الإدارة الأمريكية التي ترى أن وجود خصم أو عدو مثل إيران في المنطقة يعطيها ذرائع في التدخل وترى أن دول هذه المنطقة ستظل بحاجة لوجود المظلة الأمريكية لحمايتها، والتوجه الأخر بات من الضروري بالنسبة للتفكير الاستراتيجي الأمريكي أن يحافظ على مصالحه بالمنطقة من خلال التواجد والتواصل والتشارك في مثل هذه القمم عسى أن تنتج صيغ تعاون اكثر دقة لمحاربة ايران وغيرها من الدول التي تعد معرقلة للمشاريع الأمريكية في المنطقة، والتوجه الثالث بالنسبة للولايات المتحدة هو ضمان أمن الكيان الإسرائيلي المحتَّل ودفع الخطر عنها والعمل على إنتاج صيغ تعاون معها حتى وان تم الاعتراض على إجراءاتها التعسفية ضد الشعب الفلسطيني، أما عن توجهات الدول الأخرى فبقية الدول الخليجية فهي تدور في فلك المملكة العربية السعودية أو تعمل تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، ومصر تحاول أن تصيغ نموذجاً جديداً من العمل والتشارك والتكامل لإعادة دورها في ريادة الجبهة العربية، أما العراق فالتعاون والاشتراك والحاجة متبادلة فبقية الدول ترى في العراق اليوم منتجاً للاستقرار ومنتج لعدم الاستقرار هذا إلى جانب إنهَّا تحاول أن تجر العراق للحضن العربي من جديد ممَّا يساعد على تعزيز دورها داخله والسيطرة على النفوذ الإيراني والأمريكي فيه.
ما لم تراه الدول المجتمعة إن هناك تصدعاً كبيراً في أمن المنطقة الذي أثَّر بدوره على أمن الدول السَّياسيَّة والاقتصادية والأهمُّ أمن الطاقة الذي شغل تفكير القادة في هذه القمَّة، فالأخيرة تعد ديمومة استمرار هذه الدول وأيُّ تهديد لاستمرار تدفق الطاقة ( النفط – الغاز) سيهدَّد بالضرورة أمنها الوطني، والجانب الآخر أن مناقشة التطورات الخاصة بالأمن والتنمية هو بحد ذاته يؤشر إلى إن هذه الدول كانت من الممكن أن تعمل على استدامة التنمية في العديد من الدول خصوصاً تلك التي تدخلت في قضية تغيير الأنظمة فيها واليوم هي دولٌ فاشلة غير قادرة على حكم شعوبها لا بل الأكثر من ذلك سادها العنف والتطرف والفقر والتهجير، حيث أنها ابتعدت عن فكرة الأمن العربي والتكامل في القضايا السياسية والاقتصادية والتعاون والتشارك في حل الأزمات العربية تحت مظلة الجامعة العربية بعيداً عن تعويض نقصها بقوى خارجية لها أطماع ومشاريع في المنطقة، فلا يمكن أن تكون هناك خطط لترتيب الأولويات ما لم يكون هناك عمل جاد لتحقيق السلام على مختلف الصُعد خصوصاً مع الأطراف التي تراها الدول مهددة لها كتركيا وإيران، أيضا لم يتم الحديث عن أمن قومي شامل لكل الدول العربية وغير العربية على غرار الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي وهذا يعود إلى إن دول المنطقة مجزأة إلى وحدات سياسية لكل منها نظامها وقرارها السياسي المستقل الذي يتجه نحو سياسة الدولة القُطرية الضيقة مما يجعل من الصعب توحيد قرارها السياسي والاقتصادي والعسكري، بالتالي فإن قضية الدول المجتمعة بالحقيقة لا يخرج من نطاق التركيز على المحافظة على وجود كيان الدولة أرضاً وشعباً ونظاماً، بالمحصلة فإن قمة جدة لا تتعدى سوى قمة ترتيب أوراق بالنسبة للدول فيما يخصُّ مصالحها وأهدافها والنتائج التي تترتب على مخرجات الأحداث الإقليمية والدولية على اعتبار إن الأمن والتنمية لهذه الدول هو توجه وطني لا يتعدى الحدود بالمحصلة لن يعدّ استراتيجيَّة عابرة للحدود.