نبذه عن التدريب القادم

العلاقات العراقية-السعودية:-الواقع والمستقبل

أ.د. جاسم يونس الحريري

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

                            

أهمية العلاقات العراقية-السعودية          

قد يتسأل البعض لماذا تعتبر العلاقات العراقية - السعودية مفصلية، وذات أهمية كبيرة في منطقة الشرق الاوسط؟ وللاجابة عن ذلك التساؤل المهم والحيوي في آن واحد يندرج في عدة أعتبارات وكما يأتي:- 

1.    الصراع الاستراتيجي الاقليمي:-

وجود صراع أستراتيجي أقليمي في المنطقة بين المملكة العربية السعودية وايران وتركيا، والعراق أحد ساحات هذا الصراع، وبسبب ذلك تسعى كل دولة الى استمالة العراق اليها من أجل تامين عمقها الاستراتيجي.

2.    الصراع الامريكي - الايراني:-

هناك صراع بين الولايات المتحدة الامريكية وايران حول ملفات عدة أهمها البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، ونفوذها في بعض دول المنطقة ومنها العراق، وكلا الدولتين تسعى الى استمالة بعض الدول الاخرى الى جانبها، وعزلها عن الطرف الاخر.

3.    رغبة السعودية بسحب  العراق  الى الاقليم الخليجي:-

تسعى  السعودية الترويج  لمقولة ((اعادة العراق الى الحاضنة  الخليجية  العربية سعيا منها الى  خفض وتيرة العلاقات العراقية - الايرانية وتداركا لاخطاء إبعاد العراق عن محيطه العربي -الخليجي، مما فسح المجال امام ايران بعد عام2003)) حسب رؤيتها.

4.    سعي العراق للانفتاح على محيطه الاقليمي:-

حاول العراق بكل الطرق الدبلوماسية الانفتاح على محيطه الاقليمي، وعدم الانضمام، والتخندق مع أي محور من المحاور المتصارعة في الشرق الاوسط، وإدراك الدول المجاورة أن العراق يمتلك  أقتصاد قوي، أذا ما أعاد ترتيب  نفسه، وقوة بشرية، كبيرة، وثقل حضاري. كل هذه  المعطيات  تجعل العراق بالمستقبل  قوة أقليمية مهمة وقطب فعال في الشرق الاوسط  له الاثر  الكبير في حسم الكثير من الامور. 

أسباب تردي العلاقات  العراقية-السعودية بعد2003-2017

يمكن أرجاع تردي العلاقات العراقية-السعودية في تلك الفترة  الى عدة أسباب:- 

1.    الحذر السعودي  من العملية السياسية في العراق:-

كانت المملكة العربية السعودية حذرة من العملية السياسية الديمقراطية في العراق، وأتهمت  العملية بالطائفية خوفا من عراق، ديمقراطي، مستقر، وأمن.

2.    التخوف  من رجال  السياسة الشيعة:-

كانت السعودية متخوفة من رجال السياسة الشيعة، وتراهم موالين لعدوها الاول ايران، وسعت وفق تلك الرؤية الى زعزعة الاستقرار بالعراق بمختلف الوسائل منها تسهيل تسلل الارهابيين السعوديين الى العراق  للقيام بعمليات أنتحارية في المناطق الاهلة بالسكان، وإستمرار الفتاوي التكفيرية من المؤسسة الدينية الوهابية التي تحرض على قتل العراقيين من طائفة معينة (الشيعة) من المجتمع العراقي، وإطلاق مختلف التهم الزائفة عليهم لتبرير أستهدافهم، ودعم إحتلال تنظيم داعش الارهابي للموصل ولباقي المدن العراقية الاخرى بين2014-2017.

3.    تعيين السعودية عام 2015 العميد الركن ((ثامر السبهان)):-

الذي كان قد شغل منصب الملحق العسكري في السفارة السعودية في لبنان سفيرا لها في  العراق، ولكن العراق طلب من المملكة في أب/أغسطس2016 بتغيير السبهان بعد مدة نتيجة لعدد من التصريحات المغرضة بشأن مسائل مختلفة مثل الحشد الشعبي، وعلاقة العراق بايران، ووضع المسجونين السعوديين بالعراق التي رأت الحكومة العراقية أنها تصريحات تغذي  الطائفية  بالعراق، فضلا أنها تمثل تدخلا سافرا بالشؤون الداخلية العراقية، وبالفعل سحبته السعودية، وعينت العميد الركن ((عبد العزيز الشمري)) قائما بأعمال المملكة بالعراق خلفا للسبهان.

4.    العامل المذهبي:-

السعودية ترى في المذهب الشيعي تحديدا ندا مؤثرا على وضعها الداخلي وزعامتها الدينية فهي تخشى من تأثيراته على البنية الداخلية للسعودية كشعب متنوع مذهبيا ذو أغلبية سنية وهابية. وترى فيه أيضا منافسا على مستوى مساحة زعامتها للعرب والمسلمين، وتحمل القيادات السعودية تصورا أن أغلب القيادات العراقية هي قيادات تابعة، وموالية لعدوها ايران ذو الاغلبية الشيعية التي ترى فيها خطرا على المملكة وعلى الشرق الاوسط نتيجة سعي ايران لنشر المذهب الشيعي المعارض  للمذهب الوهابي وبالتالي  يجب التعامل مع تلك القيادات بحذر.

تطورات العلاقات العراقية-السعودية بعد تحرير الموصل2017

بعد تحرير الموصل والمناطق الاخرى عام 2017 التي أحتلها تنظيم داعش الارهابي حدث تطور نوعي في مجرى العلاقات العراقية - السعودية تمثل بأندفاع السعودية تجاه العراق لتوطيد العلاقات معه وتم التمهيد لها بزيارة ((عادل الجبير)) وزير الخارجية السعودية الى العراق في شهر شباط / فبراير2017 والتقى مع السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، آنذاك أعتبرت الزيارة نوعية لانها تمثل زيارة أول وزير خارجية سعودي يزور العراق منذ 14عاما، أي منذ عام2003 والسبب الرئيسي غير المعلن للزيارة هو ترميم وجه السعودية  في الشارع  العراقي بعد أن شارك المئات من الارهابيين السعوديين ضمن تنظيم داعش الارهابي بالكثير من العمليات الارهابية التي كانت تستهدف بالاساس التجمعات السكانية والجوامع والحسينيات لاثارة النعرات الطائفية والعرقية بين النسيج المجتمعي العراقي، فضلا عن ذلك عثرت القوات الامنية على العديد من السيارات المرسلة من الحدود الملاصقة مع السعودية وعليها أرقام سعودية، والهويات التي تعود لقتلى عسكريين بينهم سعوديين وقعوا ضمن عناصر داعش في ساحات القتال مع القوات الامنية، وبذلك كانت زيارة الجبير ((جرعة أنعاش)) مستعجلة للتوتر الذي كان حاصلا جراء التدخل السعودي السلبي في العراق. وحاولت  النخب السعودية آنذاك طرح مبررات لتلك الزيارة فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول ((فايز الشهري)) في صحيفة ((الرياض)) السعودية ((يشكل الدعم السياسي الاقتصادي ومواجهة الارهاب وحق الجوار، والاخوة أس العلاقات السعودية مع أشقائها العرب وهو ذات الحال مع العراق الدولة والشعب الجار الشمالي لبلادنا وعلى هذا المستوى تتحرك السعودية على الرغم من تأريخية تأثير عواصف السياسة، والبعد الاجنبي في علاقات العراق  الدولة بجيرانها العرب)).

ويشير ((عبد الرحمن الطويري)) في صحيفة ((عكاظ)) السعودية أن زيارة الجبير ((خطوة على طريق تقارب أكبر بين العراق وعمقه العربي)). وترى إحدى الصحف الكويتية أن الخطوة السعودية سالفة الذكر جلبت أنتباه الساسة العراقيين، وجعلوها منطلقا جديدا للعلاقات العراقية السعودية لماذا؟ لانها تمثل ((الانتقال بالعلاقة الراكدة بين البلدين الى مستوى أفضل أنما يحقق للعراق هدفين أحدهما داخلي على صعيد فتح النوافذ لحالة الاحتقان الطائفي في ظل الحاجة  العراقية لتسوية سياسية شاملة في الساحة العراقية عقب تحرير الموصل والاخرى تتمثل رغبة العراق في الانفتاح الحي عبر محيطه العربي، أذ تمثل  السعودية بوابة أوسع لتحقيق هذه  الرغبة)).

واقع العلاقات العراقية السعودية

حدثت أنتقالات مهمة في العلاقات العراقية – السعودية بعد عام 2020 يمكن إيجازها بما يلي:-

1. نشرت صحيفة (المونيتور)الامريكية في شهر مايس/مايو2020 مقالا مهما لرئيس مجلس الوزراء العراقي ((مصطفى الكاظمي)) أكد فيه ((أن العلاقات العراقية-السعودية هي المفتاح الرئيسي لمشاكل وحلول الازمات في الشرق الاوسط))، وأضاف الكاظمي ((أن العلاقات بين العراق والسعودية ليست خيارا، بل واجب أستراتيجي على البلدين، ويجب العمل على توسيعها الى أعمق نقطة)).

2. عقد الامير(( محمد بن سلمان)) ولي العهد السعودي لقاءا (أونلاين) مع السيد (( مصطفى الكاظمي)) رئيس الوزراء العراقي يوم 10/11/2020 عبر ((الفديوكونفرانس)) تم خلاله  أستعراض أعمال الدورة الرابعة لمجلس التنسيق السعودي – العراقي وما تمخضت عنه الدورات الثلاث السابقة من أتفاقيات، ومذكرات التفاهم تصب في تعزيز العلاقات بين البلدين، وإعتماد نتائج أعمال المجلس في دورته الرابعة وماتوصلت اليه اللجان المنبثقة عنه. وأكد ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء العراقي في بيان مشترك على ((عزم البلدين تعزيز العلاقات بينهما في كافة المجالات، والمضي بها قدما لتتناسب مع طموحات ورؤى قيادتي البلدين بما يحقق المصالح المشتركة ويعزز أمن، وإستقرار المنطقة، ويدفع بعجلة التنمية لما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقيين ويحقق رفاهيتهما)).

3. أعلن في الثامن عشر من شباط/فبراير2021 عزم العراق فتح معبر حدودي جديد مع المملكة العربية السعودية عبر محافظة النجف الاشرف ليكون نافذة للتعاون، وزيادة التبادل التجاري، وتسهيل حركة الحجاج بين البلدين بعد منفذ عرعر الحدودي، والجميمة، بعد إغلاق دام 30 عاما، فضلا عن ذلك سيضيف المنفذ الثالث زخما للعلاقات الاقتصادية المتنامية بين الجارين، ويساهم في أنعاش المدن، والمحافظات الواقعة على الطرق المؤدية الى المنفذ. 

مستقبل العلاقات العراقية-السعودية         

يمكن أن يكون المستقبل المنظور في حدود الخمس سنوات القادمة إمتدادا الى عام 2025 يندرج ضمن سيناريوهين رئيسيين وكما يأتي:-

أ‌-     سيناريو تطور العلاقات العراقية - السعودية:-

يمكن أن تتطور العلاقات  العراقية - السعودية نحو مستويات أفضل في حالة وجود إرادة سياسية مشتركة لديها رغبة للمضي سوية لتطوير مجالات التعاون بينهما. والمثير أنه لم تتوقف  السعودية في السعي الى تحسين علاقاتها بالحكومات العراقية التي تعاقبت على حكم البلاد بعد 2003 أبتداء من تولي ((حيدر العبادي)) رئاسة الحكومة، ومن ثم ((عادل عبد المهدي)) الى الحكومة الحالية برئاسة ((مصطفى الكاظمي)) وذلك من خلال تفعيل العديد من مجالات  التعاون التي أسهمت في تطوير العلاقات الاخوية بينهما وأبرزها المجالات السياسية، والاقتصادية، والاستثمارية ، والدبلوماسية.

ب‌-  سيناريو توتر العلاقات العراقية - السعودية:-

أن هذا السيناريو يمكن أن ينمو في حالة أنتهاج السعودية سياسات استفزازية تجاه العراق، وقد كشف ((نوري المالكي)) رئيس الوزراء العراقي الاسبق طبيعة تلك السياسات بالقول ((أنا أول من زرت السعودية، وتفاوضت معها على أمل طي الصفحة الطائفية، وفتح صفحة من باب تحسين  العلاقات، إلا أن الرئيس الامريكي بوش نفسه فشل في تحسين علاقة السعودية بالعراق بسبب طائفية الرياض))، وأوضح ((حاولت الولايات المتحدة بعهد الرئيس السابق جورج بوش أن توجد لها حالة من الوفاق بين العراق والسعودية، وذهب بوش بنفسه الى السعودية ولم يستطع حل المشاكل، فسألني لماذا لديهم هذا الاصرار على عدم حلها فقلت أن المشكلة في أولها طائفية، لانهم يعتقدون أن بغداد عاصمة الخلافة العباسية ولايجوز أن يحكمها شيعي))، وتابع ((القضية الثانية أن السعودية دولة محترمة، وجارة لها موقعها وحجمها لكنها تريد أن تختصر القرار العربي بها وهي غير مؤهلة لذلك مثلما كان جمال عبد الناصر لذلك خلقت مشاكل مع العراق،  وسوريا، وقطر،  ومع تركيا،  لانها أيضا تريد  أختزال القرار الاسلامي)).


العلاقات العراقية-السعودية:-الواقع والمستقبل
العلاقات العراقية-السعودية:-الواقع والمستقبل