العلاقة الاذربيجانية –الارمينية: دراسة في الدلالات والابعاد الجيوسياسية
م.م. سيماء علي مهدي
المقدمة:
تشهد الأزمة الأذرية الأرمنية، تعقيدات إقليمية ودولية، بناء على التحالفات والعلاقات التي يتمتع بها الطرفان، في ظل الحرب الدائرة بينهما حاليا، في إقليم ناغورني كراباخ، الذي يسيطر عليه انفصاليون أرمن، بالإضافة إلى مناطق أذرية ملاصقة له، تحتلها أرمينيا، وتتشابك مصالح داعمي الفريقين، وأبرزهما تركيا الداعمة لأذربيجان، وروسيا الداعمة لأرمينيا- تاريخ مثقل بالمذابح والخلافات الممتدة من الانتماء الديني والقومي إلى ممرات خطوط أنابيب النفط. بيد أن التاريخ وحده لا يفسر سبب اندلاع الأعمال الحربية على هذا النحو العنيف والمفاجئ. ذلك أن مناوشات لا تخلو من حدة، شهدتها مناطق التماس بين أذربيجان وإقليم ناغورني قره باغ الواقع ضمن أراضيها والذي تسكنه أكثرية أرمنية (جمهورية ارتساخ غير المعترف دولياً بها) خصوصاً في 2016؛ إضافة إلى حالة توتر دائمة بين أرمينيا وأذربيجان بسبب عدم التوصل إلى تسوية تعالج ذيول الحرب في التسعينات، على غرار عودة اللاجئين وبقاء الإقليم خارج سلطة باكو رغم الاعتراف الدولي بسيادتها عليه.
المحور الاول: جمهورية اذربيجان
أذربيجان (بالأذرية:Azərbaycan) أو رسميًا جمهورية أذربيجان (بالأذرية:Azərbaycan Respublikası أذربيجان ريسبوليكاسي) هي واحدة من ست دول تركية مستقلة في منطقة القوقاز في أوراسيا سُمِّيَتْ أذربيجان بهذا الاِسم؛ نِسبة إلی القائد العسكري أتروبيتس. وفي رواية أُخری تقول أنَّ الاِسم يعود إلی الدّيانة “الزرادشتيّة القديمة”. وذُكِرَتْ أذربيجان في النّصوص الجغرافيّة البهلويّة “شهرستانيا أي إيرانشهر” باِسم أدروباداجان، حيث تُعني في اللغة الفارسيّة الحديثة “خازن النّار” ومع مرور الزمن توسع المدلول الجغرافي لإسم أذربيجان وأطلق الساسانيون اسم اذربيجان على أراضيهم الشمالية التي تمتد لغاية سور دربند الذي اقاموه لسد غارات الخزر. تقع في مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، ويحدها بحر قزوين إلى الشرق وروسيا من الشمال وجورجيا إلى الشمال الغربي وأرمينيا إلى الغرب وإيران في الجنوب، ويحد مكتنف ناخيتشيفان أرمينيا في الشمال والشرق وإيران إلى الجنوب والغرب بينما تحد تركيا بحدود قصيرة في الشمال الغربي. تحاط الوصائد كاركي ويوخاري أوسكيبارا وبروخودارلي وسوفولو بأرمينيا والتي تسيطر عليها منذ حرب ناغورني قره باغ (أرتساخ). أما منطقة ناغورني قره باغ (أرتساخ) ذات الأغلبية الأرمنية في الجنوب الغربي من أذربيجان أعلنت نفسها مستقلة من أذربيجان في عام 1991 لكن هذا الاستقلال لم يتم الاعتراف به دبلوماسياً من جانب أي دولة ولا تزال تعدّ جزءا من أذربيجان بحكم القانون تحتله القوات الأرمينية.
ويبلغ مجموع السكان في أذربيجان الـ 10,139,177 مليون نسمة لاحصائية (2020) ، يقطن 50 في المائة منهم في الريف، ويبلغ متوسط الكثافة السكانية 97 نسمة/كيلومتر مربع([4]).
وتمتلك علاقات دبلوماسية مع 158 دولة حتى الآن وتحمل عضوية 38 منظمة دولية. تحمل صفة مراقب في حركة عدم الانحياز ومنظمة التجارة العالمية ومراسل في الاتحاد الدولي للاتصالات. توجد جاليات أذربيجانية في 42 بلداً كما توجد العشرات من مراكز الأقليات العرقية داخل أذربيجان بما في ذلك (المجتمع الثقافي الألماني "كارل هاوس" والمركز الثقافي السلافي والمجتمع الأذربيجاني الإسرائيلي والمركز الثقافي الكردي ورابطة تاليش الدولية والمركز الليزغيني الوطني "سمور" والمجتمع الأذربيجاني التتري ومجتمع تتار القرم... الخ). في 9 آيار 2006 انتخبت أذربيجان لعضوية مجلس حقوق الإنسان المنشأ حديثاً من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدأت فترة ولاية المجلس في 19 تموز 2006, وهي دولة ذات غالبية عرقية تركية ودينية مسلمة. الدولة رسمياً علمانية وجمهورية موحدة مع تراث ثقافي وتاريخي قديم. كانت أذربيجان أول محاولة لاقامة جمهورية ديموقراطية وعلمانية في العالم الإسلامي. بالإضافة لكونها أحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة غوام ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وانضمت إلى رابطة الدول المستقلة في أيلول / سبتمبر من عام 1993. يوجد مبعوث خاص للمفوضية الأوروبية في البلد، التي هي أيضاً عضو في الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا وبرنامج الشراكة من أجل السلام لمنظمة حلف شمال الأطلسي.
أولاً: التاريخ السياسي لجمهورية اذربيجان
أعلنت أذربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق في 30 آب 1991، مع اعتلاء الأمين الأول السابق للحزب الشيوعي الأذربيجاني( أياز مطلبوف) سدّة الرئاسة, وفي أعقاب إحدى المذابح الأذربيجانية المرتكبة في خوجالي في ناغورنو-قاراباغ في مارس 1992، استقال مطلبوف وشهدت البلاد فترة من الهشاشة السياسية. أعاد الحرس القديم مطلبوف إلى السلطة في مايو 1992، ولكن بعد أقل من أسبوع، دفعت جهوده الرامية لتعليق الانتخابات الرئاسية المقررة وحظر كل الأنشطة السياسية (حزبَ الجبهة الشعبية الأذربيجانية) المعارض (بّي إف بّي) إلى تنظيم حركة مقاومة والاستيلاء على السلطة. جاء ضمن الإصلاحات التي طبقها حزب (بّي إف بّي) حلّ مجلس السوفييت الأعلى ذي الأغلبية الشيوعية ونقل مهامه إلى المجلس الأعلى للهيئة التشريعية المؤلف من خمسين عضوًا وهو المجلس الوطني الأذربيجاني.
أسفرت الانتخابات التي أجريت في حزيران 1992 عن اختيار زعيم حزب (بّي إف بّي) أبو (الفاز الشيبي) رئيسًا ثانيًا للبلاد. أُجريت الانتخابات الرئاسية الوطنية التي ضمّت 7 مرشحين في 7 حزيران 1992 حيث انتُخب الشيبي رئيسًا لأذربيجان، وحصل على 54% من مجموع الأصوات وأصبح أول رئيس غير شيوعي لأذربيجان منتخب ديمقراطيًا. خلال صيف عام 1992، أمّن الشيبى انسحاب كامل للجيش السوفييتي من أذربيجان لتصبح الجمهورية السوفييتية السابقة الأولى والوحيدة (بعد دول البلطيق) لتخلو من الوجود العسكري السوفييتي. وفي الوقت عينه، أنشأت حكومة الشيبي سلاح البحرية الوطنية لبحر قزوين وتمكنت من التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن استقبال ربع القوات البحرية السوفييتية لبحر قزوين الموجودة في باكو.
منح المجلس الوطني صلاحيات رئاسية للمتحدث الرسمي الجديد (حيدر علييف)، الأمين الأول السابق للحزب الشيوعي الأذربيجاني (1969-1981) وعضو المكتب السياسي للاتحاد السوفييتي ولجنة أمن الدولة (كي جي بي) لاحقًا ونائب رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي (حتى عام 1987). أُقيل الشيبي رسميًا من منصبه عبر استفتاء عام وطني في آب 1993 وانتُخب علييف لولاية رئاسية مدتها خمس سنوات في تشرين الاول مع معارضة رمزية فقط. فاز علييف في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 1998. ووفقًا للنتائج التي خلص إليها تقرير المراقبة الانتخابية لمكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الانسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE ODIHR) «أظهرت سلطات جمهورية أذربيجان إرادة سياسية واضحة لتحسين الممارسة الانتخابية في البلد تحسنًا كبيرًا, وقد بدأت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه في أواخر ربيع عام 1998 باستعراض التشريع الانتخابي لوضعه على نحو يتماشى مع التزامات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبإلغاء الرقابة رسميًا في آب 1998 وبالموافقة النهائية على قانون الجنسية الجديد في أواخر ايلول 1998, وبهذه الطريقة استجابت السلطات بشكل إيجابي لدواعي القلق التي أثارها المجتمع الدولي، وأعربت عن استعدادها للوفاء بالمعايير الدولية في إدارة العملية الانتخابية».
ثانياً: المؤسسات الرسمية لجمهورية اذربيجان
تجري السياسة في أذربيجان ضمن إطار جمهورية شبه رئاسية إذ تنص المادة 7 من الدستور الاذربيجاني على أن( الدولة الأذربيجانية جمهورية ديمقراطية دستورية علمانية وحدوية, ولا يحد من سلطة الدولة في المسائل المحلية سوى القانون النافذ في البلاد. أما الشؤون الخارجية فهي تخضع للأحكام الناشئة عن المعاهدات الدولية التي تشكل جمهورية أذربيجان طرفاً فيها. وتستند سلطة الدولة في جمهورية أذربيجان إلى مبدأ توزيع السلطات على النحو التالي:
(أ) السلطة التشريعية التي يمارسها المجلس الملّي (البرلمان).
(ب) السلطة التنفيذية التي يضطلع بها رئيس جمهورية أذربيجان.
(ج) السلطة القضائية التي تضطلع بها المحاكم.
وعملاً بأحكام الدستور تتفاعل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إحداها مع الأخرى وتظل مستقلة ضمن نطاق ولاية كل منها).
1-السلطة التشريعية:
المجلس الوطني المكون من مجلس واحد (مجلس الملي) ويتألف من 125 عضوا (نواب). يتم انتخاب النواب لمدة خمس سنوات من خلال انتخابات عامة ومتساوية ومباشرة ، ضمن نظام تصويت الأغلبية في الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد. التصويت مجاني وفردي وسري.
يجوز أن يكون المرشحون من الترشيح الذاتي أو من قبل الأحزاب السياسية أو كتلتها أو مجموعات الناخبين. يحق التصويت لجميع المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا ، باستثناء أولئك الذين تعترف المحكمة بعدم أهليتهم للتصويت. يجوز انتخاب كل مواطن لا يقل عمره عن 25 سنة مع بعض الاستثناءات مثل (مثل الجنسية المزدوجة ، والمسؤوليات تجاه دولة أجنبية ، وحاصل على منصب في السلطتين التنفيذية أو القضائية ، أو الأنشطة المدفوعة الأجر - مع استثناءات معينة ، ممارسة مهنة دينية ، عدم الأهلية التي تؤكدها المحكمة ، الإدانة بجريمة خطيرة أو قضاء عقوبة). يتم التحقق من سلامة نتائج الانتخابات فيما يتعلق بكل مرشح من قبل المحكمة الدستورية ، ويتم تشكيل المجلس الملي بناءً على إقراره 83 نائباً. ويتبنى المجلس القوانين الدستورية والقوانين والقرارات التي تدخل في اختصاصه ، ويحكم تنظيمه الداخلي وسير عمله الدستور وقانون الموافقة على اللوائح الداخلية للبرلمان (قانون قواعد الإجراءات) وقانون اللجان الدائمة لمجلس النواب. ينتخب المجلس أعضاء إحدى عشرة لجنة دائمة ولجنتين (تأديبية). يتم توفير الدعم التنظيمي والتحليلي واللوجستي لعملهم من قبل مكتب البرلمان. أما جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي (NAR) هي جزء من أذربيجان مع برلمانها المنتخب (المجلس الأعلى) الذي يتألف من 45 نائبًا. يتم تنظيم انتخابات المجلس الأعلى بموجب دستور NAR. يعقد مجلس الملّي في جمهورية أذربيجان دورتين منتظمتين في الربيع والخريف. يقوم رئيس المجلس الملي باستدعاء دورات استثنائية للمجلس الملّي لجمهورية أذربيجان بناء على طلب رئيس جمهورية أذربيجان أو 42 نائبًا من المجلس الملي. يقوم الذين استدعوا هذه الجلسة بإعداد جدول أعمال الدورة الاستثنائية. بعد مناقشة مسائل جدول الأعمال تنتهي الدورة الاستثنائية. يكون اجتماع جلسات المجلس المِلّي لجمهورية أذربيجان متاح أمام الجمهور. ويجوز إغلاق جلسة المجلس المِلّي أمام الجمهور بناء على طلب 83 عضوًا في البرلمان أو بناءً على اقتراح من رئيس جمهورية أذربيجان. يترأس الاجتماع رئيس المجلس المِلّي بمساعدة النائب المتحدث الأول لرئيس المجلس ونائبين للرئيس.
2-السلطة التنفيذية:
وفقاً لدستور جمهورية أذربيجان، يُعتبر رئيس جمهورية أذربيجان رأسًا للدولة وبيده السلطة التنفيذية. يمثل رئيس جمهورية أذربيجان البلد في الشؤون الداخلية والخارجية.
يُنتخب الرئيس في أذربيجان لمدة سبع سنوات على أساس الاقتراع العام. ويحق لأي مواطن من مواطني جمهورية أذربيجان أن يدلي بصوته ويمكن لأي مواطن مقيم في إقليم أذربيجان منذ أكثر من 10 سنوات وحاصل على درجة تعليم عالٍ ولا يحمل جنسية مزدوجة ولا التزامات تجاه الدول الأخرى وأيضًا ألا يكون قد أُدين بجريمة خطيرة أن يترشح للرئاسة.
يُطرح قرار إقالة رئيس جمهورية أذربيجان على الجمعية الوطنية بناءً على مبادرة من المحكمة الدستورية بالاستناد إلى قرار المحكمة العليا. يتم تبني القرار الخاص بإقالة الرئيس بنسبة أغلبية (95/125) من أصوات نواب الجمعية الوطنية ويوقع رئيس المحكمة الدستورية عليه خلال 7 أيام.. واختصاصات الرئيس هي:
-تعيين نواب الرئيس وعزلهم.
-انتخاب الجمعية الوطنية لجمهورية أذربيجان.
-إحالة ميزانية الدولة والمذهب العسكري إلى الجمعية الوطنية للموافقة عليها.
-الموافقة على البرامج الاقتصادية والاجتماعية.
-تعيين رئيس وزراء جمهورية أذربيجان وعزله (بموافقة مجلس المِلّي).
-تقديم مقترحات إلى الجمعية الوطنية بشأن تعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا ومحكمة الاستئناف والمحاكم الأخرى في جمهورية أذربيجان.
-تعيين المدعي العام لجمهورية أذربيجان وعزله (بموافقة مجلس المِلّي).
-إنشاء هيئات تنفيذية محلية ومركزية.
-تشكيل أو حل مجلس وزراء جمهورية أذربيجان.
-تعيين أعضاء مجلس وزراء جمهورية أذربيجان وعزلهم.
-إلغاء قرار مجلس الوزراء.
-تعيين وعزل هيئة قيادة القوات المسلحة لجمهورية أذربيجان.
-تشكيل إدارة رئيس جمهورية أذربيجان.
-تعيين رئيس إدارة رئيس جمهورية أذربيجان.
-تشكيل مجلس الأمن في جمهورية أذربيجان.
-الدعوة الى الاستفتاء.
-الدعوة الى انتخابات مبكرة.
-العفو عن السجناء.
-مكافأة بالجوائز والمناصب.
-التوقيع على القوانين ونشرها.
-إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية.
-إعلان الحرب وإبرام السلام (بموافقة المجلس المِلّي).
3-السلطة القضائية:
وتنص المادة 125 من الدستور، على أن السلطة القضائية في أذربيجان تمارسها المحاكم وحدها وعلى أساس الإجراءات المتعارف عليها. وتتألف المحاكم من المحكمة الدستورية، والمحكمة العليا، والمحكمة الاقتصادية والمحاكم العامة والخاصة.
المحور الثاني: جمهورية ارمينيا
عُرِفَت أرمينيا علی مرّ العصور بالعديد مِن الأسماء، حيث كان اِسمها قديماً “هايك”. وتمَّ تغييره ليُصبح “هاياستان” وكلمة ستان بالإيرانيّة تُعني الأرض. وبعد ذلك وُجِدَ في النّقوش الفارسيّة اِسم أرمنيا وفي النّقوش اليونانيّة اِسم الأرمن، حيث يُشيران كليهما إلی مَنطِقة أرمينيا الحاليّة.
تقع الجمهورية الأرمينيّة في منطقة القوقاز في أوراسيا، وتحديداً عند نقطة تلاقي الغرب الأوروبي مع الشرق الآسيوي، حيث تقع إلى الجنوب من شرق تركيا وإلى الجنوب من جورجيا وإلى الغرب من جمهورية ناغورتي كاراباخ وأذربيجان، وإلى الشمال من إيران. كانت أرمينيا سابقاً تابعة للاتحاد السوفيتي وحصلت على استقلالها من الاتحاد السوفيتي، في 21 ايلول 1991. . وقُدِّر عدد سكان دولة أرمينيا في عام 2019 بنحو 2.96 مليون شخص، وتقع في ترتيب السّكّان في العالم في المرتبة 137 .
أولاً: التاريخ السياسي لارمينيا
في عام 1991، انهار الاتحاد السوفياتي واستعادت أرمينيا استقلالها. أعلن الاستقلال في 23 أب من العام نفسه وكانت أول جمهورية خارج البلطيق تعلن الانفصال. ومع ذلك، شهدت السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي صعوبات اقتصادية فضلاً عن التطور التدريجي للمواجهات المسلحة واسعة النطاق بين الأرمن في قرة باغ وأذربيجان. كان للمشاكل الاقتصادية جذورها في بدايات نزاع ناغورني عندما تمكنت الجبهة الشعبية الأذربيجانية من الضغط على جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية للتحريض على حصار جوي وعبر السكك الحديدية ضد أرمينيا. أدى هذا التحرك إلى شل اقتصاد أرمينيا حيث أن 85٪ من البضائع والسلع كانت تصلها عبر حركة السكك الحديدية. في عام 1993، انضمت تركيا إلى الحصار المفروض على أرمينيا دعماً لأذربيجان. انتهت حرب قرة باغ بعد وساطة روسية لوقف إطلاق النار في عام 1994. كانت الحرب نجاحاً لقوات كاراباخ الأرمنية التي تمكنت من السيطرة على 14٪ من أراضي أذربيجان المعترف بها دولياً بما في ذلك ناغورني كاراباخ نفسها. ومنذ ذلك الحين، عقدت أرمينيا وأذربيجان محادثات سلام توسطت فيها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ولم يتحدد وضع قرة باغ بعد. تأذى اقتصادا البلدين لعدم وجود حل كامل وتبقى حدود أرمينيا مغلقة مع تركيا وأذربيجان. مع الاتفاق على وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا عام 1994، كان قد قتل ما يقدر بنحو 30,000 شخص وشرد أكثر من مليون. مع دخول أرمينيا القرن الحادي والعشرين فإنها تواجه العديد من المصاعب. مع ذلك فقد تمكنت من إجراء بعض التحسينات. نجحت البلاد في إكمال التحول إلى اقتصاد السوق وفي عام 2009 كانت الدولة رقم 31 الأكثر حرية اقتصادية في العالم. سمحت علاقات أرمينيا مع أوروبا والشرق الأوسط ورابطة الدول المستقلة بزيادة التجارة. يصل الغاز والنفط وغيرها من اللوازم عن طريقين حيويين هما إيران وجورجيا، وتحافظ أرمينيا على علاقات ودية مع كلا البلدين.
ثانياً: المؤسسات الرسمية لارمينيا
في كانون الأول 2015، عقد استفتاء لتحويل أرمينيا من نظام شبه الرئاسي الى جمهورية برلمانية, ونتيجة لذلك، تم تجريد الرئيس من حق النقض ولا يُسمح للرئيس أن يكون عضواً في أي حزب سياسي ويُحظر إعادة الانتخاب. وبسبب التأثيرات الفورية، خفضت التعديلات عدد المقاعد البرلمانية من 131 إلى 101 أما المؤسسات الرسمية فتتكون من:
1- السلطة التشريعية: تتكون السلطة التشريعية في أرمينيا من مجلس واحد، هو المجلس الوطني (أو البرلمان)، ويتكون من 131 مقعداً، ويختار أعضاؤه بالاقتراع الشعبي (90 عضواً من قوائم الأحزاب، و41 عضواً بالاقتراع المباشر)، وذلك لفترة مدتها 5 سنوات.
2- السلطة التنفيذية: تتكون السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية ( رمزيا) ورئيس الوزراء . يُنتخب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر لمدة رئاسة خمس سنوات (قابلة للتجديد لفترة ثانية). أما رئيس الوزراء فيعينه رئيس الجمهورية، بناءً على أغلبية أو إجماع الأصوات في البرلمان. على رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، الاستقالة في حالة رفض المجلس الوطني لبرنامجهم.
3- السلطة القضائية: تتمثل السلطة القضائية في أرمينيا في: المحكمة الدستورية، ومحكمة الاستئناف.
المحور الثالث : ابعاد العلاقة الاذربيجانية-الارمينية
تبدأ جذور الصراع في عشرينيات القرن الماضي خلال الحقبة السوفيتية إبان حكم( جوزيف ستالين). فقد بدأت الأمور في الاشتعال بمجرد أن أقدمت السلطة السوفيتية عام 1932 على ضم الأقلية الأرمينية في الإقليم للحدود الآذرية. في المقابل، تركت الأقلية الأذربيجانية معزولة في إقليم “ناختشيفان”، داخل جمهورية أرمينيا. وبالإضافة إلى ذلك منحت الدولة السوفيتية للإقليم الحق في الحكم الذاتي مع تبعيته لأذربيجان مما ساهم في تحويله إلى قنبلة موقوتة آيلة للانفجار في أي لحظة.
وتُجدد الاشتباكات الحالية بين أرمينيا وأذربيجان، في الأذهان ذكريات أولى الضربات القوية التي وُجهت إلى وحدة أراضي الاتحاد السوفيتي. إذ أن كلا البلدان كانتا جزءًا من الأراضي السوفيتية. وبحلول فبراير 1988 بالتزامن مع بوادر انهيار الاتحاد السوفيتي، كان هناك حالة من القلق العميق تستمر لأشهر في منطقة –ناجورني كارباخ- المتنازع على سيادتها بين البلدين. تلي ذلك أن بدأت صراعات على أساس عرقي في الاندلاع، ترتب عليها أن ناشد البرلمان المحلي –للمنطقة التي كانت تخضع لحكم ذاتي آنذاك- الرئيس الروسي آنذاك (ميخائيل جورباتشوف)، وطالب بنقل سلطة الحكم الذاتي من تحت لواء جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية إلى أرمينيا, وسرعان ما اعترض القادة الآذريون لدى موسكو، واشتعلت الاشتباكات بين الطرفين والتي تحولت بسرعة مدهشة إلى حرب أهلية تركت قتلى وجرحى ولاجئين لدى الطرفين. كما ازدادت الأمور تعقيدًا بعد أن أعلن المجلس السوفيتي الأرمني عن توحيد إقليم ناجورني كارباخ تحت العلم الأرمني. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991، أعلن انفصاليو الإقليم عن استقلالهم عن أذربيجان ورفضهم الانضمام إلى أرمينيا.
بعد ذلك، زودت أرمينيا مقاتلي كارباخ بالسلاح والرجال، وتوغلت قواتها بعد ذلك داخل أذربيجان. واحتلت الشريط الجغرافي المُسمى –رواق لاجين- بالإضافة إلى أراضي 6 مقاطعات أخرى شرق وجنوب كارباخ. ترتب على كل هذه التحركات أن فر في 1993 مئات الآلاف من السكان الآذريين من مساكنهم هربًا من توغل القوات الأرمينية. وفي 1994، قبلت جميع الأطراف بما فيها أذربيجان التوقيع على اتفاقية لوقف إطلاق النار والاحتكام إلى المفاوضات السلمية، وكان الوسيط الرئيسي في المفاوضات هو الاتحاد الأوروبي.
تجدر الإشارة كذلك إلى أن أرمينيا كانت قد ضمنت لنفسها سيطرة كاملة ليس فقط على جزء شاسع من كارباخ ولكن أيضًا عبر العديد من المناطق الواقعة بينها وبين أذربيجان، خلال حربها مع أذربيجان في أوائل التسعينيات. وهو الشيء الذي لم تتقبله أذربيجان بسلاسة أبدًا، خاصة في ظل القانون الدولي الذي لايزال معترفًا بأن –ناجورني كارباخ- هي جزء من الأراضي الآذرية. واستمر الأمر على ما هو عليه، في ظل قناعات مستقرة في نفوس الآذريين بأنهم سوف يستردون أراضيهم المفقودة عاجلًا أم آجلًا، يقابلها ثقة كبيرة في النفس من قِبَل الأرمن العازمين على الاحتفاظ بالأرض في حوزتهم إلى الأبد. فيما تندلع المناوشات الحدودية بين البلدين من وقت لآخر منذ التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار، وفي الكثير من الأحيان تتصاعد لتبلغ وقوع أعمال عدائية أكثر خطورة كان آخرها في عام 2016.
وعلى الرغم من أن الإقليم ليس به نفط أو غاز يُثير مطامع احتلال وسيطرة، فإن موقعه وتضاريسه الجبلية تمنحه ميزة استراتيجية لأرمينيا على أذربيجان الغنية بالنفط والغاز، ويعمل سكانه بصورة رئيسة في الزراعة، مستفيدين من تعدد الأنهار ومياه الأمطار التي تهطل صيفاً في الري وتوليد الطاقة الكهربائية، كما يمارس بعضهم أنشطة اقتصادية من قبيل التنمية الحيوانية والصناعات الخفيفة. ويشبه الإقليم أرمينيا أكثر من أذربيجان من حيث اعتماد اقتصاده على الزراعة وصناعة التعدين، حيث إن جباله غنية بالمعادن الثمينة وشبه الثمينة مثل الذهب والنحاس. وتُعد أرمينيا الشريك التجاري الرئيس لإقليم ناغورنو قره باغ. أذ تحرص أذربيجان، بدعم من حليفتها القوية تركيا، منذ توقيع اتفاق السلام بينها وبين جارتها أرمينيا عام 1994، على ألا تستفيد جارتها من أي مشروعات إقليمية، خاصة ما يتعلق بأنابيب النفط والغاز إلى أوروبا. وتمر تلك الخطوط عبر الحدود بين أذربيجان وجورجيا، ثم إلى تركيا.
وتعاني أرمينيا حصاراً اقتصادياً بإغلاق الحدود بينها وبين أذربيجان من ناحية، وبينها وبين تركيا من ناحية أخرى، ولا يبقى لها سوى حدود قصيرة مع إيران جنوباً وجورجيا شمالاً. وبالتالي تُعتبر أرمينيا، ومعها إقليم ناغورنو قره باغ، في وضع اقتصادي صعب منذ سنوات لعدم وجود أي منفذ بحري لها مثلما لجيرانها كلهم وللتضييق على حدودها الأطول مع الجارتين المعاديتين.
وبينما تعتمد أذربيجان على صادرات النفط والغاز كمصدر رئيس للدخل (تشكل صادرات الطاقة نحو 90 في المئة من صادرات أذربيجان)، تعتمد أرمينيا على صادرات المعادن الثمينة وغير الثمينة والآلات والمعدات وصقل الماس. فقطاع الصناعة مكون رئيس في الناتج المحلي الإجمالي لأرمينيا، البالغ نحو 14 مليار دولار. وعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لأذربيجان يزيد على 47 مليار دولار، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدين يكاد يكون هو نفسه عند 4.6 ألف دولار. ويبلغ عدد سكان أذربيجان نحو 10 ملايين نسمة، بينما عدد سكان أرمينيا لا يزيد على 3 ملايين نسمة . أما إقليم ناغورنو قره باغ نفسه فلا يصل الناتج المحلي الإجمالي له إلى مليار دولار (في العام الماضي 2019 كان أكثر قليلاً من 710 ملايين دولار)، وعدد سكان الإقليم نحو 150 ألف نسمة. ومثله مثل أرمينيا اعتمد الإقليم على السياحة لما يحويه من آثار قديمة وغابات جبلية، لكن ذلك كله توقف تقريباً مع انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، كما هو الحال مع أرمينيا أيضا.
الخاتمة:
ليست هناك إغراءات اقتصادية تثير المطامع في إقليم ناغورنو قره باغ ، إنما هي فقط أهميته الاستراتيجية، رغم أن احتلال أذربيجان له لن يحل مشكلة أنها بلا حدود برية مع تركيا. وعلى الرغم من أن الحرب تُعتبر ذات تأثير سلبي أكبر على أرمينيا، لما يتعرض له اقتصادها من ضغوط زادت مع أزمة وباء كورونا، فإن أذربيجان أيضاً لديها نقطة ضعف تتمثل في خطوط أنابيب النفط والغاز من أراضيها إلى جورجيا.
وما يمكن أن نفهمه من موقف تركيا، هو أن أردوغان يستخدمها كذريعة مبدئية لأجل التدخل لصالح دعم حليفه الرئيس (إلهام علييف) أولاً، وثانيًا ما سوف يلي تضخم النزاع وتضخم حجم الدعم التركي وتمدد نفوذه في تلك المنطقة الحيوية. بالشكل الذي يساعده على إعادة إحياء نفوذه العثماني الذي امتد قديمًا عبر مناطق شاسعة من القارة. وبالإضافة إلى ذلك، يرى (أردوغان) في تأجيج هذا الخلاف في الوقت الحالي ما يُرضيه من إثارة توترات في منطقة النفوذ الروسي الجيوسياسي، والتسبب في المزيد من المتاعب لروسيا التي تربطه بها في الوقت الراهن مواقف خلافية في جبهات صراع أخرى مثل ليبيا.
أما ميل إيران نحو أرمينيا وتُفضلها على أذربيجان ، يأتي على رأسها أن إيران تنظر لأرمينيا باعتبارها الشريك الاستراتيجي الأول لها في منطقة جنوب القوقاز. كما أن البلدين يرتبطان ببعضهما البعض بشركات تجارية مميزة يتخللها تعاون في مجالات الطاقة. وتحتاج يريفيان إلى طهران لما تستورده منها النفط والغاز في حين تعتبر أذربيجان منافس لطهران في مجال تصدير مواد الطاقة. ويُعد خط أنابيب نقل الغاز الإيراني إلى أرمينيا والذي كان الرئيس الإيراني السابق (محمود أحمدي نجاد) قد عده من أبرز أوجه التعاون بين البلدين.
أما اوكرانيا فقد دعت أرمينيا إلى ضرورة احترام السيادة الأذربيجانية على أراضيها. وهو موقف يُفهم في ضوء اعتبار أوكرانيا أن –شبه جزيرة القرم- أرض محتلة من قِبَل روسيا. وكذا الحال بين أذربيجان التي تنظر إليها أوكرانيا بعين نفس الموقف وهو أن جزءًا من أراضيها محتل من قبل طرف آخر. هذا بالاضافة الى إن اذربيجان وعلى خلاف أرمينيا لديها ما تقدمه لأوكرانيا، يأتي النفط أولاً وقبل أي شيء، وثانيًا كثرة شراكات الأعمال الآذرية مع أوكرانيا.