المعارضة .. ثقافة وممارسة
يجري الحديث منذ اعلان نتائج الانتخابات وحتى كتابة هذه السطور عن اهمية وجود معارضة داخل قبة البرلمان. سيما بعد الاصرار الذي ابدته كتلة التيار الصدري في تشكيل حكومة عبرت عنها بانها حكومة اغلبية وطنية. كما وبات من المسلم به، ان معظم او كل الاحزاب الجديدة التي فازت بعدد من المقاعد اذا ما اضفنا لها عدداً آخر من المستقلين ستختار الذهاب الى المعارضة. ليكون العدد الاجمالي المتوقع لنواب المعارضة البرلمانية حوالي (30-35). وهي العمود الفقري لمجموع كتل هي: الجيل الجديد- امتداد- اشراقة كانون، بالاضافة الى بعض النواب المستقلين المنضمين لهم. ان هذا العدد القليل من نواب المعارضة لن يشكل قوةً سياسية لكبح جماح الكتل السياسية التقليدية التي من المتوقع مشاركتها في تشكيل الحكومة. اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار التحديين الرئيسيين لقوى المعارضة الجديدة وهما: ضعف الخبرة البرلمانية لدى قوى المعارضة الجديدة، في مقابل خبرات سياسية وبرلمانية متراكمة لدى الاحزاب التقليدية من جهة. وفقدان رؤية جامعة مشتركة وبرنامج شامل يضع جميع هذه الكتل الصغيرة تحت مظلته من جهة اخرى. وبالتأكيد فان هذا لا يعني غض النظر عن امكانية ان تقوم المعارضة -بحساب دور نوابها كأفراد- بدورها التشريعي والرقابي في توجيه اسئلة واستفسارات بل وحتى استجواب السلطة التنفيذية رغم محدودية تأثير
تأثير ذلك مع عدم وجود ائتلاف كبير قادر على التهديد بسحب الثقة من مسؤولي السلطة التنفيذية. اذ تكمن الفكرة من وجود المعارضة في الانظمة البرلمانية الكلاسيكية في قدرتها على تشكيل حكومة ظل تعمل على اسقاط الحكومة القائمة وتقدم نفسها بديلاً عنها اما خلال الدورة البرلمانية او الانتخابات التي تليها. كل ذلك بفرضية وجود معارضة صغيرة لا يتجاوز نسبتها ال 10% من عدد نواب المجلس. اما في حال لجوء الاطار التنسيقي او بعض كتله او كتل أخرى من الكرد والسنة الى المعارضة، فيمكن التوقع بانها- اي المعارضة - من الممكن ان تشكل قوةً اكبر باستطاعتها التنسيق مع الكتل المعارضة الاقل عدداً وخبرةً لاستعراض قدراتها امام الكتل التي ستشكل الحكومة. وهو احتمال غير راجح حتى الآن!
وفي خضم النقاش حول فاعلية واهمية وجود معارضة برلمانية، يجري الحديث عن الاطار النظري والقانوني الذي سيحكم معادلة الحكم بين طرفي (الموالاة- المعارضة) اذا ما فشلت الجهود التي تعمل على تشكيل حكومة مشاركة سياسية واسعة. وفي تصوري ان واحداً من اهم اسباب تعثرات نظامنا السياسي الحالي هو القفز بالتركيز على (الممارسة) واهمال (الثقافة) التي من شأنها ان تؤسس وتسهل عمل الاطر النظرية والقانونية. وهذا ما سبب التلكؤ في حركة نظامنا السياسي وقدرته على انتاج حلول مقنعة ومؤثرة في حياة المواطنين. فقد كان الحديث عن الدستور والانتخابات والديموقراطية في وقت سبق ادراك اهمية كل هذه المفاهيم من خلال خلق ثقافة لها في الوسط الاجتماعي. وكأننا نضع الحصان خلف العربة بدلاً من وضعه امامها. فرغم مساحة التفائل التي يختزنها الكثير من المراقبين في تعديل مسارات العمل البرلماني، الا ان التحدي الاكبر الذي يواجهه منهج المعارضة البرلمانية وضرورته في نظامنا (الديموقراطي)،هو ضعف وجود ثقافة المعارضة في الفهم والسلوك الاجتماعي. ويعود مرد ذلك الى الجذور التأسيسية للأنظمة السياسية المتعاقبة. سيما التي اعقبت الانظمة العسكرية الانقلابية في العام 1958. اذ بني الذهن الاجتماعي العراقي على ثقافة الحزب الواحد، وان لا مساحة لاختلاف الآراء. بل وان المخالفة في الفكر والتوجه والعقيدة تعني المروق عن الوطنية والولاء للحزب والدول. ولذا، فعلى الدولة والمعنيين بنظامها التربوي والتعليمي والثقافي ايضاً ان يولوا اهتماماً بترسيخ ثقافة الاختلاف والمعارضة والاعتراض وقبوله، بل وتشجيعه ايضاً، ولو بطريقة المحاكاة (simulation). وبذلك نربي جيلاً يدرك ان المعارضة جزءٌ ارتكازي ضامن لفاعلية النظام وديناميكيته. وعند ذلك تكون الاطر النظرية والقانونية تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية لجهود بناة والعقل الاجتماعي.
د. عباس العنبوري