المقال

 

ماذا لو انتصرت طالبان.

د. أثير ناظم الجاسور.

السؤال الذي قد يتم طرحه في الوقت الحالي والاحداث التي تجري في أفغانستان والتي بالتأكيد ستكون لها تبعات على البيئتين الإقليمية والدولية، هل طالبان اليوم هي ذاتها طالبان العام 2001؟، ام انها ستستخدم اليات وأدوات سياسية ودبلوماسية مختلفة؟، ان الحركة اليوم وبعد هذه الأعوام من المطاردة وحرب العصابات وتدرجية المراحل التي مرت بها طيلة هذه السنوات، فهي اليوم بالضرورة تختلف من حيث التكنيك والتكتيك العسكري والسياسي، ففي السابق كانت فقط باكستان والمملكة العربية السعودية والامارات المتحدة من اعترفت بطالبان كحاكم فعلي لأفغانستان اما اليوم فهي ستبحث عن اكبر عدد من المعترفين بها تحديداً من القوى الإقليمية اللذين يعدون لاعبين أساسيين في المنطقة والعالم بالإضافة إلى الدول الكبرى والعظمى التي ستجد في طالبان اولاً امراً واقع وثانياً حتمية امنية بالضرورة التعامل معها بحذر وعقلانية، فهي من حيث التكتيك العسكري تختلف عن عامي 1996 وما مارسته من أساليب سواء في مواجهة الازمات والانقسامات الداخلية وواحدة من بديهيات تحركات هذه الجماعات والجماعات المماثلة لها انها تتطور في التفكير والتوجه وتعمل على تطوير اساليبها في المواجه بمختلف التوجهات، وفي عام 2001 كانت طريقة الاستقطاب والولاءات ايضاً هي من سبب سقوطها بالإضافة للتفوق العسكري الذي واجهته من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

منذ الحرب على أفغانستان في العام 2001 جراء احداث الحادي عشر من سبتمبر في نفس العام والولايات المتحدة ومنهمكة في ترتيب الأوضاع الداخلية الأفغانية، سواء في الحديث عن تحقيق الامن والسلم في الداخل او من خلال دعم العناصر التي كانت الولايات المتحدة تعتقد انها مؤهلة لقيادة هذه المرحلة الحساسة من عمر الدولة في أفغانستان، بالإضافة للدعم المالي والتسليح والتدريب والعمليات العسكرية المساندة للجيش الافغاني الفتي ضد تجمعات الحركة سواء في الداخل الافغاني او على الحدود المشتركة مع باكستان، لكن العمل الأمريكي لم يولد سوى حكومات فاسدة توغل فسادها لمختلف المؤسسات والحيوية والسيادية منها مما جعل من الصعوبة إعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي لهذا البلد كل هذه بالإضافة إل التعقيد الاجتماعي القبلي الذي تتمتع به أفغانستان ساهموا في تشابك المشهد الداخلي الافغاني، هذا بالإضافة للتدخلات الإقليمية والدولية التي تساهم ليس في أفغانستان فقط انما في كل نقطة من العامل في انتشار الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.

قد يعتقد الكثيرين ان ظهور حركة طالبان بهذه الصورة هي قضية تسير في امرين الأول هو ان تحركات طالبان ردة فعل طبيعة عن الفراغ الحاصل عن انسحاب القوات الامريكية، والثاني يركز على هناك اتفاق في الخفاء بين الحركة والولايات المتحدة، والامرين ادانه للسياسة الامريكية في التعامل مع الاحداث وانعكاساتها على الوضع الإقليمي تحديداً، لكن الحقيقة ان الحركة من خلال قادتها قد درسوا هذا الوضع وكانوا على اتم الجاهزية لهذه اللحظة بعد ان استطاعوا ان يكونوا رقماً مهم في المعادلة الأفغانية لما بعد الانسحاب الأمريكي لما الت اليه الأوضاع الداخلية من ترهل وسوء تقدير وإدارة، بالإضافة على الدعم القبائلي الذي سوف تتلقاه الحركة خصوصاً وانها مشكلة من اكبر القبائل (الباشتون) الذين يشكلون اكثر من 45% من المجتمع الافغاني بالإضافة للقبائل الموالية لها، بالإضافة لمنطلقات الحركة الفكرية التي تتناسب مع العديد من الحركات الإسلامية في أفغانستان وفي دول المنطقة حتى تلك التي قد تختلف معها في الرؤية والتصورات وفي بعض الأحيان الاهداف، بالتالي فان التي يسميها البعض انهيارات عسكرية هي في الحقيقة تنقسم إلى جزئيين الأول تسير نحو ولاءات العديد من الجنود سواء في المعتقد او الانتماء القبلي لهذه القبيلة او تلك والجزء الثاني هو الخوف من المواجهة خصوصاً وان المؤسسة العسكرية الأفغانية تعاني من ترهل كبير وتصدع في تراتبية القيادات إلى جانب الفساد المستشري فيها، ايضاً انعدام القانون والحماية الحكومية مما تجعل من المقاتل في حيرة من امره اذا ما واجه مثل هذه الجماعات وهو على علم بانه لم يجد غطاء حكومي لحمايته او حماية عائلته بعد ان يتم الإعلان عن ارتداده. 

ان الحديث عن تقاسم السلطة انتهى بسيطرة الحركة على مراكز السلطة وصنع القرار في أفغانستان على اعتبار ان المعادلة الأفغانية اختلفت من قبل أيام من تحرك الحركة ووصولها إلى كابل، فالداخل الافغاني بالرغم من اضطرابه وعدم وضوحه لكن الثابت ان الحركة سترتب اوراقها سياسياً واقتصادياً اما اجتماعياً فان هذا الهلع الذي نراه على وجوه الافغانيين بالتالي سيكون حالة طبيعية ويتعايش الشعب الافغاني مع الوضع فلا مفر من هذا الواقع الذي سيطول بالتأكيد بسبب ما تسميه الدول الإقليمية والدولية ترتيبات جديدة وإعادة رسم استراتيجيات جديدة ايضاً للتعامل مع الوضع الافغاني الحالي، ولطول الترتيبات هذه فالمجتمع الافغاني لا يستطيع ان يحدد فيما اذا كان فيه فاعلين يستطيعون ان يكونوا جهة او حركة او تجمع تتعامل مع وضع البلاد وفي هذه المرحلة الحرجة، بالتالي تعمل الحركة على ان تسير على تفاصيل الحياة الداخلية وتأمين الحدود مع خصومها الاقليمين في الظاهر وتعمل على إعادة ترتيب الداخل وفق منطلقاتهم وتصوراتهم، فالحركة ستبتعد عن المواجهة المباشرة خارجياً لحين تأمين الجبهة الداخلية وتعزيز نفوذهم الداخلي من خلال تبدل الأسلوب المتبع في السابق.

ان المجتمع الدولي المذهول من هذا الحدث ستتعامل دوله معه وفق جملة من الترتيبات الأمنية أهمها التي تتعلق بالإرهاب وتصديره وفيما اذا سيكون استيلاء طالبان على السلطة إشارة لجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة وخارجها بان يتحركوا ضمن هذا الاطار، خصوصاً وان بعض من هذه الدول يعاني من هشاشة وفوضى تسمح لهذه التجربة ان تتكرر بطرق مختلفة ومتعددة، بالتالي فان الاعتراف اليوم بحركة طالبان كحاكم فعلي لأفغانستان قد يتسع نطاقه عن السابق لا ايماناً بالحركة انما لتأمين الحدود بالدرجة الأولى والتزام الحركة بمجموعة من الاتفاقات والإجراءات التي تمنعها من ان تحتضن جماعات إرهابية أخرى كما فعلت في السابق مع تنظيم القاعدة، وحتى لا تكون الأراضي الأفغانية منطلق للهجمات والاعتداءات على الدول الأخرى، لكن هذا لا يعني من ان الحركة ستستغني عن عمل هذه الجماعات ان تطلب الامر على اتبارها اذرع تحاول من خلالها التصدي للهجمات او القيام بتحركات مسلحة لمنع الخطر، بالمحصلة سيكون التعامل مع الحركة بالمثل وفق المقررات المنصوصة بعليها وفق لقانون الدولي لا بالنوايا والتشكيك، فتكتيك الحركة اليوم يختلف عن السابق والتعاملات الإقليمية معها ستكون مغايرة مبينة على أسس المصلحة والسياسة المجردة بعيدة عن الانتماءات والولاءات والايديولوجيا، فاستراتيجية الحركة اليوم ستبتعد قدر الإمكان عن المواجهة المباشرة وعن مفردة الحرب في الوقت الحالي على اقل تقدير.

القضية الأخرى في التمعن اذا ما استمكنت حركة طالبان من الوضع الداخلي ورتبت اوراقها مع المجتمع الدولي، هنا يطرح سؤال حول ما اذا سيكون هذا التقدم محفزاً للحركات الأخرى المتواجدة سواء المتمركزة منها او تلك التي تُعد خلايا نائمة من ان تحاول ان تصنع النسخة الثانية من هذا النموذج الذي تحتذي به في فكرة إقامة الحكم الإسلامي على شاكلة طالبان سواء في لبنان والعراق وسوريا؟، وما حجم الدعم الذي سيقدم لها من دول اليوم هي داعمة أساسية في المنطقة لطابان وشبيهاتها؟، خصوصاً وان الأنظمة السياسية في بعض الدول شبيهة بالنظام السياسي الافغاني المهزوم من حيث التخبط وحجم الفساد ومعاناة مواطنيها، فحجم النقمة في هذه الدول وغيرها ساعد على ان تكون قاعدة أنظمتها السياسية هشة غير مستقرة غير قادرة على امتصاص الازمات والمخاطر لما تعانيه من اختلالات في المؤسسات والبنى الاجتماعية وسوء إدارة الدولة، لاتزال فكرة إعادة هذه التنظيمات لساحة هذه الدول واردة على اعتبار ان الحرب انتهت معها في العراق على اقل تقدير لكن هناك تجمعات لها في هذه النقطة او تلك، ولا تزال موجودة في سوريا وتستحكم على مناطق حتى وان كانت محدودة لكنها لا تزال تعمل وفق متبنياتها التي أسست على أساسها، بالتالي لا نستبعد ان تنشط هذه الجماعات وتحاول مرة أخرى ان تفرض سيطرتها على المناطق التي كانت تحكمها في العراق وتحاول ان تستعيد أراضيها في سوريا خصوصاً وان لها دعماً داخلياً في هذه الدول بالإضافة للدعم الدولي والإقليمي ضمن ساحة الصراع والتنافس الدائرة بين هذه القوى، وهذا لا يمنع من تنامي هذه الجماعات في مصر واليمن وليبيا، وهنا سيبدأ الحديث عن مشاريع تقاسم سلطة بين حكومات هذه الدول وقيادة هذه الجماعات، الذي قد يختلف عن التجربة الأفغانية قد ترتضي هذه الجماعات بعملية تقاسم سلمي للسلطة التي تتيح لها ان تباشر عملها بكل سهولها في المناطق التي تسيطر عليها.


دور الأحزاب المنشقة عن حزب العدالة والتنمية في تعميق المعارضة التركية
دور الأحزاب المنشقة عن حزب العدالة والتنمية في تعميق المعارضة التركية