محتويات العدد

هل تتخلَّص حكومة الكاظمي من الأزمة الثلاثية ؟
هل تتخلَّص حكومة الكاظمي من الأزمة الثلاثية ؟

ركيزتان .. وماذا؟!

 

اتكأ النظام السياسي في العراق بعد العام 2003 على ركيزتين: الاولى ،التداول السلمي للسلطة المبتني على التعددية الحزبية والانتخابات الحرة المعبرة عن ارادة الشعب في اختيار ممثليه. والثانية: حرية التعبير عن الرأي والمتمثلة بحرية الصحافة والنشر والتظاهر السلمي. ورغم ان الجدل الاجتماعي في المقارنة بين مرحلتي "قبل وبعد" التغيير لم تُحسم في تقييم جوانب مختلفة في الامن والخدمات والاقتصاد وهيبة الدولة ومؤسساتها، الا ان هاتان الركيزتان -التداول السلمي للسلطة وحرية التعبير- ظلتا اكبر منجزات مرحلة التغيير والعكازة التي يتكئ عليها مؤيدوه ومناصروه، معتبرين انهما الاساس في بناء الدولة العصرية التي يتطلع لها العراقيون في مستقبلهم. فالضعف الواضح في مؤسسات (دولة) ما بعد التغيير وفقدان قدرتها على بسط الامن وتوفير الخدمات الاساسية لم يفقدها الكثير من مشروعية الاستمرار والديمومة ما دامت الضربات لم تستهدف ركيزتا النظام السياسي. وبذلك مرت تجربة الحرب الطائفية واحتجاجات 2010 و2015 واحتلال داعش لثلث مساحة العراق في العام 2014 دون مخاوف حقيقية من انهيار كيان الدولة الهش. الا ان ناقوس الخطر الحقيقي دق حين واجهت الدولة انحساراً هائلاً في المشاركة الشعبية في انتخابات 2018 والذي نتج عن يئس كبير لدى قطاعات شعبية واسعة من امكانية احداث تغيير حقيقي لظروف الحياة التي يعيشونها من خلال صناديق الاقتراع. ففقد نظام (الدولة) المتداعي احدى دعائمه وسار بقدمٍ واحدةٍ عنوانها حفاظه على (حرية التعبير) والتي كفلها دستوره الدائم. كل ذلك في غفلة واضحة من طبقة سياسيةٍ لا تقرأ، ولا تدرك حجم الخطر الداهم، ما خلا بعض الحالات الفردية الخاصة. 

وبعد ان سار النظام المتوجس الهوينا في حكومة عبد المهدي، استُهدفت جموع المحتجين المطالبين بتحسين الظروف المعيشية والوظائف بنيران "طرف ثالث" كما صرحت الحكومة. تزامن معها استهدافات لناشطين مدنيين واصحاب رأي على مواقع التواصل الاجتماعي بالقتل والاختطاف. فاسهمت اطرافٌ دولية تمتلك الادوات الاعلامية في تسليط الضوء على هذه الخروقات غير المبررة لتحطيم ما تبقى من مشروعية النظام ومكانته وتأييده الشعبي المنحسر اصلاً. وذلك تعبيراً عن عدم رضاها –المبطن- على انفتاح الحكومة العراقية على اطراف دولية اخرى دون ضمانات حقيقية لمصالحها. ولم تتمتع الاطراف السياسية المشاركة في الحكومة بالمرونة الكافية لأستنفار طاقاتها في استيعاب الحدث والتعاطي معه بحرفية وذكاء. وساعد في ذلك تشتت الخطاب السياسي وقلة الخبرة، وتضارب المصالح، وتواكل الاطراف السياسية بعضها على البعض الآخر في ايجاد مخرج لنفق الاحتجاجات.

 ولم يتبقَّ الا خيار اللحظة الأخيرة لتحقيق التوازن ومنع الانزلاق الى الانهيار الكلي والمتمثل بمرجعية النجف الاشرف. فكان دورها الاساس خلال حركة الاحتجاجات يتمثل في الحفاظ على الدعامتين في تحييد المطالب الاحتجاجية بمطلب اساس يتمثل في اعادة مشروعية النظام السياسي بانتخابات مبكرة وفق نظام ومفوضية انتخابية جديدة. يقابل ذلك رعاية حق المواطن في التظاهر والتعبير عن الرأي من خلال المطالبة بمحاسبة المتسببين في عمليات القتل والاختطاف. 

وفي تلك الظروف الحرجة ولدت حكومة الكاظمي لتواجه ازمة ماليةً خانقةً ووباءً عالمياً متفشياً. الا ان التحدي الاساس لن يكون سوى اعادة اعادة المشروعية للنظام السياسي والمحافظة على المصالح العليا للبلاد في التهيئة لانتخابات يُمثّل الناخب فيها بشكل حقيقي، ويستعيد فيها حريته في التعبير بعيداً عن استهدافات "الطرف الثالث". فهل ستدرك الاطراف المشاركة في الحكم حقيقةً اننا على شفير الهاوية، وانها الفرصة الاخيرة؟ هذا ما ستكشفه الشهور القادمة.

د. عباس العنبوري