محتويات العدد

السياسة الخارجية العراقية
السياسة الخارجية العراقية

السياسة الخارجية.. غياب معايير التقييم

رسمت المادة (8) من الدستور العراقي لعام 2005 مسار السياسة الخارجية الوطنية على أربعة أسس، نستطيع أن نعبّر عنها بأنَّها الأسس الأربعة في السياسة الخارجية، وهي: 

1. حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

2. حلّ النزاعات بالوسائل السلمية.

3. إقامة العلاقات على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل.

4. احترام الالتزامات الدولية. 

وقد التزمت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا بالأسس الخمسة إلى حدٍّ كبيرٍ رغم كل ما شاب أداءها في نواحٍ أخرى من تلكؤ وفشل. وعندما نؤشر هنا التزام تلك الحكومات بالمبادئ أعلاه، فإنَّنا لا نعفيها من مسؤولية الفشل والضعف في تنفيذ السياسة الخارجية ممثلة بضعف الأداء الدبلوماسي. وهنا محل الخلط والاشتباه لكثير من الكُتَّاب والإعلاميين الذين يتحدّثون في السياسة الخارجية ولا يميّزون بينها وبين الدبلوماسية. وبكلمة مختصرة: إنَّ السياسة الخارجية هي الإطار النظري لرؤية الحكومة في تعاملاتها خارج حدودها، أما الدبلوماسية فهي الذراع التنفيذية التي تحوّل تلك الرؤى إلى نتائج قابلة للقياس والتقييم من خلال مخرجات الأداء الدبلوماسي. فعلى مستوى الرؤية مثلاً، التزم العراق بعلاقات طيبة وقوية ومتينة مع دولٍ متضادَّة بل ومتحاربة. كالولايات المتحدة الاميركية و"بعض" حلفائها في الشرق الأوسط من جهة والجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول المتحالفة معها من جهةٍ أخرى. وقد التزمت الحكومة العراقية – على سبيل المثال - عبر ممثليها الرسميين بتحفظاتها على البيانات التي تصدر عن الاجتماعات والقمم الإسلامية والعربية التي تستهدف العداء لإيران، بل ولم تستسلم للضغوط التي مورست لجعل العراق طرفاً في معادلة الصراع وكان آخرها اعتراض العراق على البيان الختامي الذي صدر عن القمة العربية الطارئة التي عقدت في مكة أواسط العام 2019 الذي ندّد في صيغته الختامية بما عبّر عنه بـ"التدخل الإيراني في المنطقة". وفي مقابل ذلك، فإنَّ الموقف الرسمي الحكومي لم يستجب لضغوط أطراف محور المقاومة في الداخل العراقي للوقوف في خندق المواجهة والاستعداء لأميركا. ورغم أنَّنا لسنا في معرض تقييم صحة الإطار النظري المحكوم دستورياً للسياسة الخارجية، فهو أمر موكول للباحثين المختصين المتضاربين في آرائهم بشأن جدوى الحياد وأهمية عدم الدخول في محور أو تحالف سياسي وأمني وعسكري يقابله تحالف آخر متساوٍ أو متوازٍ في القوة والتأثير. الا أنَّ من حقّنا أن نؤشّر غياب معايير القياس والتقييم لمعرفة من هي الدول الأقرب للعراق والأنفع؛ لا على أساس الأهواء والايديولوجيات التي تحكم المشهد الدولي وحسب بل على أسس معيارية علمية تأخذ في حساباتها انعكاسات أهمية تلك العلاقات – كل دولة بحسبها - على الداخل العراقي، اقتصادياً وأمنياً وثقافياً. وبذلك علينا أن نقف ملياً لقراءة أثر اللجنة الثلاثية (مصر- العراق- الاردن)، وتكثيف الزيارات مع العربية السعودية والاردن، وهكذا مع كل من تركيا وإيران وأميركا. وما دمنا نقف أمام مؤشرات القياس، فمن الضرورة الملحة أن تقف الخارجية العراقية وقفةً جادةً في المقارنة بين نشاط محموم لممثلي البعثات الدبلوماسية العاملين في العراق، الذين يعقدون عشرات الاجتماعات في الشهر الواحد مع سياسيين وإعلاميين ومراكز دراسات وناشطين، يقابله كسلٌ واضحٌ لممثلي بعثاتنا الدبلوماسية المقيمين في دول مهمة ومؤثرة، فضلاً عن ذلك ما زال بعض دبلوماسيينا يعملون بالضدّ من المصلحة الوطنية. ويعقدون لقاءاتٍ سريةً يتشكّون فيها من النظام السياسي الذي يمثلونه، دون إجراءات حازمة ورادعة لمحاسبة أمثال هؤلاء؛ يقابلها تثمين حقيقي لجهود نظرائهم من أصحاب الهمم العالية والروح الوطنية.

د. عباس العنبوري