العمل الحزبي.. المحاولة والاستدامة
يواجه العمل الحزبي في العراق تحدياتٍ كبيرةً، بعضها ثقافي- اجتماعي تضرب جذوره في أعماق ذهنية الفرد العراقي، ويتمثّل في غياب التجربة الحزبية لعقود طويلة، وبالتالي غياب تقاليد العمل الحزبي من حيث المفاهيم والأفكار وتـأسيس ثقافة العمل الحزبي في إرساء مناهج الديموقراطية داخل الحزب وجدّية التعامل مع تحقيق الأهداف الحزبية، لتكون غالبةً (ولو ظاهرياً) على تحقيق المصالح الشخصية أو العائلية. وقد خلقت التجربة الحزبية بعد العام 2003 أثراً ارتدادياً مضاعفاً في انكفاء المجتمع عن المشاركة في العمل الحزبي وتقديم المبادرات لتأسيس أحزابٍ جديدةٍ، بدلاً من أن تكون بدايةً لتكوين عملٍ حزبيٍّ على أٌسس ومناهج وطنية تتطور وتنمو بتراكم التجربة وتلاقح الأفكار مع تجارب حزبية أخرى قريبة أو بعيدة عن العراق.
وقد آلت محاولة المرجعية الدينية في النجف في دعم المستقلين عبر تشكيل كتلة (مستقلون) في إطار الائتلاف العراقي الموحد في العام 2004 إلى الذوبان في مشاريع سياسية لمصالح يغلب عليها الطموح الشخصي لبعض قادة الكتلة. الأمر الذي حال - بحسب تصوري الشخصي - دون تقديم المرجعية الدينية لمحاولاتٍ أخرى. فاستبدلته بالتشجيع على تقديم مشاريع حزبية جديدة على أسس وطنية يمكنها أن تكون بديلاً عن الأحزاب التقليدية التي أدارت الدولة خلال الأعوام الماضية حتى اندلاع احتجاجات تشرين الأول من العام 2019.
وفي السياق ذاته، أكدت المرجعية دعوتها لـ"النخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظيم صفوفها للنهوض بالبلد، وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خططٍ عمليّةٍ مدروسةٍ" وذلك في خطبة الجمعة التي قُرئت في الصحن الحسيني على لسان الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 20/ كانون الأول / 2019.
إذ كان من أبرز النتائج التي خرجت بها احتجاجات تشرين تأسيس عددٍ من الأحزاب والحركات السياسية التي اتّسمت بشعارات وطنية يغلب عليها الطابع المدني أو العلماني، ويغيب عنها الطابع الإسلامي والديني، وتتميّز على قياداتها بتنوّعها الطائفي والقومي - في أحيان أخرى -. إلا أنّه من غير المتوقع أن تحصل تلك الأحزاب على حظوظٍ كبيرةٍ من التمثيل في مجلس النواب المقبل؛ بسبب قدرة الأحزاب التقليدية على تنظيم أنفسها في إطار قانون الدوائر المتعددة وخبرتها في كسب الأصوات، فضلاً عن التباين في الإمكانات المالية الكبيرة التي كشفتها طبيعة الحملات الانتخابية للفريقين التقليدي والجديد. وستكمن المفارقة في حقيقة وجود مشروعٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ من عدمه، من خلال ما ستكشفه الأيام من قدرة الأحزاب الجديدة على الثبات والاستدامة في الحفاظ على وتيرة عملٍ سياسيٍّ لا توقفه احتمالية الفشل في الانتخابات، وهو ما لا أتوقعه لدى الأعمّ الأغلب منها؛ إذ ستكتفي معظمها بالاعتراف بعدم القدرة على التغيير، ولعن الأحزاب الفاسدة التي أمسكت بمقاليد الحكم، وسيبقى العمل الحزبي كسائر الأنشطة المؤسسية في العراق ضحية الاكتفاء بالمحاولة، دون وجود حسّ المطاولة والاستدامة – غالباً -، وهذا ما لا نتمناه!
د. عباس العنبوري