من يقضي بين القضاة: قراءة في بيان مجلس إقليم كردستان حول قانون النفط والغاز لإقليم كردستان

I'm an image! ١٣ / يونيو / ٢٠٢٢

 

من يقضي بين القضاة: قراءة في بيان مجلس إقليم كردستان حول قانون النفط والغاز لإقليم كردستان

د. نبيل مهدي الذبحاوي

كلية الحقوق- الجامعة الوطنية الماليزية (UKM)

تحتل العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان مكانا مهما بين الملفات الرئيسية في الشأن العراقي محليا وإقليميا. لقد تسببت هذه العلاقة بعدد من الأزمات السياسية بعد العام 2003. ولئن كانت الملفات العالقة بين المركز والاقليم عديدة وشائكة فإن ملف الثروات الطبيعية بصورة عامة والنفط والغاز بصورة خاصة يعد أهم ملف في هذه العلاقة فهو الذي يرسم حدودها ويعطي لأطرافها القوة والضعف فيها. يضع الإقليم في صدارة أولوياته الاستقلال المالي عن حكومة بغداد وهو استقلال سيجعله غنيا عن بغداد المحتاجة إلى تدخله في الأزمات السياسية. بالمقابل تسعى الحكومة المركزية إلى إدخال الثروات الطبيعية في الإقليم ضمن النظام الذي يحكم الثروات الطبيعية في البلد التي كانت من أهم عوامل بقاء العراق موحدا إن لم يكن أهمها بالإضافة إلى أن تحجيم القوة الاقتصادية للإقليم سيؤدي في النهاية إلى تحجيم تأثيره السياسي.

مر ملف النفط والغاز في الإقليم بالعديد من الانعطافات بعد 2003 على اصعدة مختلفة، سياسية واقتصادية وقانونية، كان لكل منها تأثيره على هذا الملف وعلى العلاقة بين المركز والاقليم. ولعل أزمة تشكيل الحكومة الأخيرة كان لها تأثير مختلف على هذا الملف. لقد أسقطت أزمة تشكيل الحكومة الحالية مقولة كردية أريد لها ان تظل علامة فارقة في النظام السياسي العراقي وهي أن الأكراد هم جزء من الحل وليسوا جزءا من المشكلة. لم يعتد الأكراد أن يكونوا منقسمين وغير موحدين كما هم اليوم. كما أنهم لم يعتادوا أن يكونوا جزءا من خلاف ليسوا طرفا فيه كما هو الحال اليوم مع خلاف الكتلة الأكبر.

لقد انعكس هذا الانقسام على الجانب القانوني لملف النفط والغاز حينما أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها في الدعويين الموحدتين الدعوى ذات العدد 59/ اتحادية/2012 والدعوى ذات العدد 110 / اتحادية / 2019 والذي قضت فيه المحكمة "بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 وإلغائه لمخالفته أحكام المواد (110، 111، 112، 115، 121، 130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005. وردا على هذا القرار، أصدر مجلس القضاء في إقليم كردستان بيانا حاول فيه تفنيد الأسس التي بنت المحكمة الاتحادية قرارها أعلاه عليها. وفي ذيل البيان شكك مجلس القضاء في الإقليم في الشرعية الدستورية للمحكمة الاتحادية العليا. أثار كل من القرار والبيان موجة من الجدل القانوني نحاول في هذه العجالة أن ندلو دلونا فيه متبعين فيه منهج التحليل النصي على وفق آراء المدرسة العلمية في تفسير القانون ومحاولين الابتعاد عن التأثير الذي يفرضه السياق المجتمعي على النص لما هذا التأثير من محاذير لعل أهمها الانحياز إلى طرف في خلاف لا زال محل جدل سياسي واجتماعي. وسنتناول في هذه العجالة ثلاث نقاط مهمة أولها النصوص الدستورية محل البحث وثانيها قرار المحكمة الاتحادية وثالثها بيان إقليم كردستان. وبعد استعراض هذه النقاط سنقوم بتحليل الموضوع من الناحية القانونية.

أولا: النصوص الدستورية محل البحث

لا نأتي بجديد حين نقول إن الدستور العراقي لعام 2005 لم ير النور إلا بعد مخاض عسير كان طبيعيا في بلد كان عليه أن يدفع فاتورة ثقيلة من الكلف السياسية و الاقتصادية والاجتماعية لدكتاتورية جثمت على صدره لعقود من الزمن . امتازت الوثيقة الدستورية بعدد من العلامات الفارقة لعل أهمها هي طريقة النهايات المفتوحة والتي تعكز عليها المشرعون لحسم الخلافات التي سيطرت على مناقشات كتابة الدستور. لقد رضي القائمون على كتابة مسودة الدستور تأجيل العديد من الخلافات إلى مرحلة لاحقة متأملين أن تسمح لهم قوتهم السياسية بفرض تفسيرهم على المواد التي تضمنت هذه النهايات المفتوحة.

ولعل أهم النقاط التي ينطبق عليها هذا القول هو ملف الثروات الطبيعية. على غير عادة الدساتير لم يتطرق الباب الأول من الدستور الذي نظم المبادئ الرئيسية التي تقوم عليها الجمهورية الجديدة إلى الثروات الطبيعية حيث ارتأى كاتبوا المسودة الدستورية ترحيل المبدأ المتعلق بالنفط والغاز إلى الباب الرابع الذي ناقش اختصاصات السلطات الاتحادية حيث جاءت المادة 110 لتعدد الاختصاصات الحصرية التي لم يكن من بينها أي اختصاص يتعلق بصورة صريحة بالنفط والغاز. جاءت المادة 111 التي نصت على أن (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) غريبة عن سياق مواد الباب الرابع فموضوع المادة وصياغتها ليس له علاقة بالاختصاصات فهي منسجمة مع مواد الباب الأول التي تطرقت إلى المبادئ العامة التي بنيت عليها الدولة. إن وضع المادة في غير موضعها يعكس تسوية بين فريقين داخل لجنة كتابة الدستور كل منهما أراد جر النار إلى قرصه. لقد رضي الأكراد بهذا النص لأنه في النهاية نص نظري أكثر من كونه  عمليا فهو يتضمن مبدأ نظري ولا يتضمن قاعدة منظمة لسلوك معين. في المقابل فإن أنصار الدولة المركزية رضوا بموضع النص بعد الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية مع صياغة واضحة بتساوي كل الشعب بامتلاك كل الثروات.

وإذا يممنا وجهنا شطر المادة 112 وجدناها مظهرا آخر من مظاهر التسوية بين الفريقين. تنص الفقرة أولا من المادة على قيام الحكومة الاتحادية (مع) حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول القائمة وقت كتابة النص التي اصطلح عليها بالحالية. إن مجرد اشراك الحكومات الإقليمية بهذا الملف كان كافيا للأكراد في حين اكتفى دعاة المركزية باستعمال المعية في النص بدلا من العطف. وهو استعمال يعني من الناحية اللغوية أن هذا الاشتراك لا يكون على قدم المساواة بين المركز والإقليم. من جانب آخر فقد صرحت الفقرة ثانيا باشتراك الحكومة المركزية وحكومة الإقليم برسم سياسات التطوير الاستراتيجية.

وبعد بيان الاختصاصات المشتركة، جاءت المادة 115 لتضع قاعدة لكل ما لم يرد فيه نص في الدستور من اختصاصات حصرية أو مشتركة للسلطات الاتحادية ليكون ضمن صلاحيات الأقاليم والمحافظات. كما أفرغ نص المادة 115 النصوص الخاصة بالاختصاصات المشتركة من محتواها حين أعطى الحق للأقاليم والمحافظات بأن تشرع قوانين تكون لها الأولوية في تنظيم هذه الاختصاصات المشتركة.

أما المادة 121 التي وردت في الباب الخامس المعنون سلطات الأقاليم، فقد عددت مجموعة من الاختصاصات المهمة التي رسمت لسلطات الأقاليم صلاحيات واسعة نسبيا لم تكن المادة 115 كافية كأساس دستوري للتمتع بها كسلطة تعديل تطبيق القانون الاتحادي وسلطة انشاء مكاتب في البعثات الدبلوماسية في الخارج.

وأخيرا فإن المادة 130 التي جاءت ضمن الأحكام الختامية أرست مبدأ قانونيا مشهورا وهو بقاء التشريعات النافذة قبل الدستور معمولا بها إلى أن يصدر ما يعدلها أو يلغيها بناء على نصوص الدستور العراقي. ولعل من نافلة القول أن مصطلح (التشريعات النافذة) الذي استعملته المادة ليس مقتصرا على التشريعات العادية، بل يشمل التشريعات الفرعية كالتعليمات والأنظمة.

ثانيا: قرار المحكمة الاتحادية

بتاريخ 15 / 2/ 2022 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها في الدعويين الموحدتين الدعوى ذات العدد 59/ اتحادية/2012 والدعوى ذات العدد 110 / اتحادية / 2019. وبعيدا عن المواضيع الأخرى التي تطرق لها القرار، فإن اهم ما جاء في القرار هو الحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007. وبعيدا عن تفاصيل المرافعة والدفوع التي أبداها الخصوم والفقرات الحكمية  فإن القرار استند على أدلة عدة للوصول إلى نتيجة عدم الدستورية. يمكن إجمالها بأن هذا القانون يخالف المادة 121 / أولا التي منحت سلطات الإقليم حق ممارسة الاختصاصات التي أنطاها بها الدستور باستثناء السلطات الحصرية الاتحادية المبينة بالمادة 110 من الدستور. لقد شخصت المحكمة الاتحادية الفقرة التي خالفها القانون بالفقرة أولا من المادة 110 التي تنص على أن السلطات الاتحادية تختص بصورة حصرية بـ (رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.). كما اعتبرت المحكمة أن تنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية والمالية والجمركية يعد من الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية وذلك استنادا إلى نص المادة 110 / ثالثا من الدستور. بالإضافة إلى ذلك، فقد تعكزت المحكمة على نص المادة 111 من الدستور التي تنص على ان النفط ملك للشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات. وقد استنتجت المحكمة حكما للمادة المذكورة وهو وجوب توزيع واردات النفط على جميع أبناء الشعب العراقي بصورة متساوية وعادلة بما في ذلك المناطق غير المنتجة. وقد بينت المحكمة ان ذلك يستلزم إطلاع ومعرفة أبناء الشعب العراقي بمقدار عائدات النفط والغاز باعتباره هو المالك لها. وفي أكثر الحجج علاقة بالموضوع، استند القرار على نص المادة 112/ أولا من الدستور التي تتعلق بإدارة النفط والغاز في الحقول (الحالية) مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة. وأخيرا فقد استند القرار إلى ان إدارة وزارة النفط العراقية للنفط والغاز تدعمه القوانين النافذة وبالأخص قانون تنظيم وزارة النفط رقم 101 لسنة 1976 وقانون الحفاظ على الثروة الهيدروكربونية رقم 84 لسنة 1985 فقد اعتبرت المحكمة ان هذه القوانين نافذة وواجبة التطبيق وفق احكام المادة 130 من الدستور.

مما لا شك فيه أن هذا القرار شكل علامة فارقة في الجانب القانوني من العلاقة بين المركز والإقليم. وهو ما استدعى فعلا مضادا من الإقليم الذي تلقى ضربة موجعة فيما يتعلق بقدرته منفردا على إدارة ملف النفط والغاز في الإقليم. ورغم صدور العديد من ردود الفعل الرافضة للقرار في الإقليم، فإن هذه الردود لم تكن لتكفي وحدها وهو ما استدعي تحركا قانونيا مضادا تمثل في بيان مجلس القضاء في إقليم كردستان ذي العدد 1511 في 30/ 5/ 2022.

ثالثا: بيان مجلس القضاء في إقليم كردستان

شكل البيان الذي أصدره مجلس القضاء في إقليم كردستان الرد الأقوى تجاه القرار الاتحادي ، وعلة ذلك تكمن في ثلاثة أسباب أولها أنه صدر من جهة فنية غير سياسية وثانيها أنه لم يتضمن الاحتجاج والرفض للقرار فحسب لكنه ناقش الاسانيد القانونية التي استندت إليها المحكمة في قرارها. أما ثالث واهم الأسباب فإن البيان قد شكك في شرعية المحكمة الاتحادية العليا كطريق لتفنيد القرار وإبطاله باعتباره صادر من محكمة غير شرعية.

بدأ البيان بالقول إن عمليات استكشاف النفط والغاز وإنتاجهما وتصديرهما لم ترد ضمن صلاحيات السلطات الاتحادية الحصرية وهو ما يجعل قانون النفط والغاز الصادر من الإقليم متمتعا بالشرعية الدستورية. ذكر البيان أيضا أن تطبيق المادة 112 من الدستور العراقي مشروط بالتوزيع المنصف للواردات بشكل يتناسب مع التوزيع السكاني حيث بين هذا القرار أن هذا التوزيع لم يحصل ملمحا إلى أن التوزيع العادل شرط مسبق للسماح بتطبيق المادة 112 من الدستور.

لكن النقطة الأهم التي أثارها البيان هو نطاق تطبيق المادة 112 التي اناطت بالسلطة الاتحادية إدارة النفط والغاز حيث أشار البيان إلى تقييد هذه الإدارة بأن تكون للحقول التي كانت موجودة وقت الاستفتاء على الدستور العراقي الذي استعمل مصطلح (الحقول الحالية) وهي إشارة صريحة إلى أن الحقول التي تم بدأت بالإنتاج بعد هذا التاريخ غير مشمولة بالنص المذكور.

وأخيرا ختم مجلس القضاء في الإقليم بيانه بمناقشة شرعية المحكمة الاتحادية حيث بين أن المادة 92/2 من الدستور العراقي اوجبت سن تشريع للمحكمة الاتحادية التي لن تكون مؤسسة على وفق أحكام الدستور بغياب هذا القانون وحيث أن هذا القانون لم يسن لحد الآن فتكون المحكمة الاتحادية التي أصدرت القرار بعدم دستورية قانون النفط والغاز فاقدة للشرعية الدستورية.

رابعا: التحليل والاستنتاج

سنتناول في هذه الفقرة نقطتين منفصلتين أولهما مدى صحة حكم المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم وصحة الردود التي جاءت على حكم المحكمة في بيان مجلس قضاء الإقليم. أما ثاني النقطتين فهي مدى صحة ما ورد في بيان مجلس القضاء في الإقليم من تشكيك بشرعية المحكمة الاتحادية العليا.

سبق وأشرنا في النقطة أولا من المقال بأن الدستور استعمل استراتيجية النهايات المفتوحة في ملف النفط والغاز. وقد وظف الدستور اداتين لتحقيق هذه الاستراتيجية في ملف النفط وفي غيره.  أولهما أداة الإبهام والتعميم المفرط وثانيهما السكوت عن المعالجة وإحالة الموضوع إلى التشريع العادي من خلال إلزام السلطة التشريعية بتشريع قانون ينظم الموضوع. لقد ظهرت كلا الأداتين في نص المادة 112 والتي يمكن القول إنها مثلت قطب الرحى في التنظيم الدستوري لهذا الملف. تضمنت المادة مبادئ عدة يمكن القول إن أهمها أن الإدارة تكون للحكومة الاتحادية فيما يتعلق بالحقول التي كانت موجودة في 2005. لقد وقع مشرع قانون النفط والغاز الكردي في خطأ في فهم النص عندما فسر كلمة (مع) الواردة في المادة 112 بأن المركز والإقليم يكونان على قدم المساواة في الاشتراك في إدارة الحقول الحالية وهو ما نصت عليه المادة الثالثة /ثالثا من القانون المذكور. وقد أصابت المحكمة الاتحادية كبد الحقيقة عندما فسرت المعية بالتعاون الذي تقوده السلطة الاتحادية. وإن كانت لم تسهب في هذا التفسير حيث جاءت مناقشتها للموضوع مقتضبة وهو منهج قضائي عراقي لا تختص به المحكمة الاتحادية في اقتضاب المناقشات في متون القرارات.

لم يناقش مجلس قضاء إقليم كردستان في صحة مبدأ الإدارة الاتحادية في المادة 112 مما يعني ضمنا إقراره به. إن ما تمسك به بيان مجلس قضاء الإقليم أمران أولهما اقتران مبدأ الإدارة الاتحادية للملف بواجب التوزيع المنصف الذي ورد في ذيل المادة 112/ أولا. وهو اقتران اعتبره البيان اقترانا شرطيا وهو ما لا نتفق به مع البيان حيث إن الاقتران هنا ليس شرطيا ما دام الشق الثاني (التوزيع المنصف) لم يتفق عليه دستوريا، بل ترك أمره إلى تشريع عادي في حين أن مبدأ الإدارة الاتحادية لم يرتبط بتشريع، بل ورد مبدأ دستوريا متفقا عليه. أما ثاني الأمرين فهو ان المادة 112 تطبق على الحقول الحالية وهو تفسير لا شك في صحته ولا نقاش في أحقيته. لقد أسهب البيان في تفسير الحقول الحالية وهو أمر كان على المحكمة الاتحادية أن تناقشه لأهميته حيث كان عليها أن تبين ما هو مصير الحقول التي بدأت بالإنتاج بعد إقرار دستور 2005. ولئن كنا نتفق مع البيان في أن المادة 112/ أولا غير منطبقة على الحقول التي بدأت تنتج بعد 2005 فإننا لا نتفق مع تفسير البيان بان هذه الحقول تقع ضمن الاختصاصات الحصرية للإقليم. إن المادة 112/ ثانيا رسمت طريقا لإدارة ثروة النفط والغاز من خلال قيام الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات (معا ) برسم السياسة للتطوير وهي معالجة ضمنية للحقول المستقبلية بطريقة النهاية المفتوحة.

أما المادة 111 فقد وقعت المحكمة الاتحادية في خطأ في تفسيرها حيث إنها مادة نظرية كان من المناسب إيرادها في الباب الأول من الدستور. إن الربط بين المادة وبين وجوب إطلاع الشعب العراقي على واردات النفط ربط غريب عن موضوع الدعوى الذي يتعلق بالاطلاع والعلم، بل يتعلق بالاختصاصات. من وجهة نظرنا فإن المحكمة الاتحادية كان من الممكن ان تستفيد من نص المادة 111 بالربط بين مصطلح "الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات" الذي ورد في المادة وبين الحكومة الاتحادية وهو ما أراد له ان أنصار المركزية في لجنة كتابة الدستور أن يظهر.

يمكننا القول إن النصوص الدستورية المتعلقة بملف النفط والغاز في الباب الرابع وبالتحديد نصوص المادتين 111 و112 جاءت لتعكس رغبة المشرع الدستوري في إفراد معالجة خاصة لهذا الملف تجعله ذا طبيعة خاصة يخرج عن التصنيف الثلاثي المعروف للاختصاصات الدستورية (الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، الاختصاصات المشتركة، اختصاصات الأقاليم والمحافظات). يمكننا أن نصطلح على هذا الاختصاص بانه اختصاص غير حصري للسلطة الاتحادية فهي ملزمة بأن تشرك معها سلطات الأقاليم والمحافظات إشراكا بدرجة أقل من الاختصاصات المشتركة. وكذلك فإن هناك حدودا لهذا الاختصاص هو التوزيع المنصف للواردات بشكل يتناسب مع التوزيع السكاني والأقاليم المتضررة.

ننتقل إلى النقطة الأخرى التي أثارها البيان وهي شرعية المحكمة الاتحادية. لقد تطرق البيان إلى أن المادة 92/ ثانيا من الدستور تنص على وجوب سن قانون لتأسيس المحكمة الاتحادية ولكون هذا القانون لم يسن لحد الآن فتكون المحكمة الاتحادية فاقدة للشرعية الدستورية. وختم البيان بأن فقدان المحكمة الاتحادية لشرعيتها وبالتالي فقدان قرار الحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز في الإقليم لقوته.

مع اتفاقنا بأن هناك خللاً دستورياً في تشكيل المحكمة الاتحادية (حيث إن نص المادة الأولى من قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية رقم 25 لسنة 2021 والتي عدلت المادة الثالثة من قانون المحكمة يتعارض مع صريح المادة 92/ ثانيا من الدستور التي بين أن المحكمة تتكون إلى جانب القضاة من خبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء قانون) لكننا لا نتفق مع الحكم المترتب على هذا الخلل وهو بطلان القرارات التي تتخذها المحكمة لأن هذا الأثر سيكون له تأثير مدمر على سير الدولة ككل حيث يمكننا تطبيق نظرية الموظف الفعلي والتي تقضي بصحة الأعمال الصادرة من الموظف الذي لا سند لتعيينه وذلك حفاظا على المرفق العام . بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الذي يتوجب على مجلس النواب إصداره ليس قانونا تأسيسيا للمحكمة الاتحادية فهو يقتصر على تحديد عدد أعضاء المحكمة وكيفية اختيارهم وعمل المحكمة وذلك حسب نص المادة 92/ثانيا. إن قانون المحكمة رقم 30 لسنة 2005 لا زال ساري المفعول حسب نص المادة 130 من الدستور العراقي التي تقضي ببقاء التشريعات التي كانت مشرعة قبل الدستور حتى تعديلها وإلغائها.