غلبت الأغلبية: أسباب وتداعيات استقالة الكتلة الصدرية
د. نبيل مهدي الذبحاوي : كلية الحقوق - الجامعة الوطنية الماليزية (UKM)
أثار القرار المفاجئ للكتلة الصدرية البالغ عدد نوابها 73 نائباً بالاستقالة من عضوية مجلس النواب موجة من التكهنات والجدل حول خلفيات القرار ومسبباته من جهة وحول النفاذ القانوني لقرار الاستقالة وتداعيات هذا القرار من جهة أخرى.
في خضم الجدل المتصاعد نناقش في هذا المقال ثلاثة نقاط قانونية تتعلق بموضوع أسباب الاستقالة وحكمها إذ يمكننا القول إن الأسباب التي لها مساس بالجانب القانوني من أزمة تشكيل الحكومة التي تعد الاستقالة الحدث الأبرز فيها هي تفسير المحكمة الاتحادية لمصطلح تصريف الأمور اليومية الوارد في المادة 64/ثانياً من الدستور العراقي وللأغلبية الواجب توافرها عند تطبيق المادة 70/ اولاً من الدستور العراقي. لقد أفقد هذان القراران قدرة الكتلة الصدرية التي تقود التحالف الثلاثي على المناورة وأحالا عامل الوقت والأمر الواقع الذي حاول التحالف الثلاثي استغلالهما لفرض رؤيته السياسية إلى محددات ينبغي التعامل معها بسرعة وبدون تردد. بعد الانتهاء من هذين القرارين فإننا سنعرج على التنظيم القانوني للاستقالة في الفقرة الثالثة قبل أن ننتقل إلى فقرة نناقش فيها تداعيات الاستقالة.
اولاً: قرار المحكمة الاتحادية رقم 16/اتحادية / 2022
بتأريخ الأول من شباط عام 2022 طلب مكتب الرئيس العراقي برهم صالح بكتابه ذي العدد 245 تفسير المادة 70/ اولاً وبيان الأغلبية الواجب توافرها للشروع بالتصويت على انتخاب رئيس الجمهورية. بعد دراسة النصوص الدستورية، قررت المحكمة الاتحادية بأن مجلس النواب ينتخب (.... رئيسا للجمهورية من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية بأغلبية ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي ويتحقق النصاب بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي).
لقد انطلقت المحكمة الاتحادية من حجج قانونية عدة أهمها أن نص المادة 70/ اولاً خصص نص المادة 59 من الدستور التي اشترطت الفقرة الأولى منها حضور الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب ليتحقق نصاب انعقاد الجلسة فيما بينت فقرتها الثانية بأن القرارات تتخذ بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب ما لم يكن هناك نص يخالف ذلك. كما دعمت المحكمة الاتحادية رأيها بنص المادة 7 من قانون أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم 8 لسنة 2012 التي تنص على (يعد رئيسا منتخبا للجمهورية من حصل على اغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب)
بعد هذا القرار، الذي اعتبر ضربة قاصمة لمشروع الأغلبية، نشر رئيس مجلس القضاء مقالا بعنوان (تعديل الدستور ... ضرورة يفرضها الواقع السياسي) حث فيه مجلس النواب على تعديل الدستور الذي (تمت صياغته في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن......). اعتبر المقال بعض النصوص الدستورية عقبة كأداء تعثرت بسببها جهود تشكيل السلطات ومنها تلك التي تشترط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب في إشارة صريحة إلى نص المادة 70/ اولاً التي كانت من المواد التي دعا المقال إلى تعديلها. وقد تطابق تفسير المقال مع تفسير المحكمة الاتحادية في أن النصاب المطلوب للانعقاد هو حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب وقد نوه إلى أن جميع القرارات التي تتطلب أغلبية (تفترض حضور ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب كخطوة أولى باعتبارها النصاب الواجب لافتتاح جلسة مجلس النواب ثم يصار إلى التصويت للحصول على موافقة نفس هذا العدد من أعضاء مجلس النواب).
وإذا أمعنا النظر في القرار والمقال وجدنا خلطا واضحا بين العدد المطلوب لانعقاد نصاب الجلسة وبين العدد المطلوب للتصويت فالمادة 70/ اولاً تتطرق إلى العدد المطلوب للتصويت فهي نص خاص بالنسبة للفقرة الثانية من المادة 59 وليس لها علاقة بالفقرة الأولى التي تعالج موضوعا مختلفاً هو موضوع انعقاد الجلسة. إن القاء نظرة فاحصة على صياغة فقرتي المادة 59 سيميط اللثام عن هنة استدلال المحكمة بأن نص المادة 70/ اولاً نص خاص فيما يتعلق بالنصاب. لقد فرقت المادة 59 بين أمرين خصصت لكل منهما فقرة مستقلة هما تحقق نصاب الجلسة في الفقرة اولاً والتصويت على القرارات في الفقرة ثانياً. والعلامة الفارقة ان المشرع الدستوري فتح الباب للتخصيص في الفقرة ثانياً بتذييله للمادة بعبارة مالم ينص على خلاف ذلك في حين غابت هذه العبارة في الفقرة المتعلقة بتحقق نصاب الجلسة مما يعني أن المشرع الدستوري نأى بعموم نص المادة 59 /اولاً من أن يخصص ولو شاء هذا لذيلها بمثل ما ذيل الفقرة ثانياً. أما الحجة التي تقوم على أن كل قرار يتطلب موافقة الثلثين يستلزم اشتراط الثلثين لتحقق نصاب الجلسة فهذا قول غير صحيح أيضا حيث ان الجلسة في كثير من الأحيان تتضمن في جدولها بنود مختلفة يختلف العدد المطلوب للتصويت على كل بند منها. وأقرب مثال كان يمكن للمحكمة ان تسترشد به هو تعديل قانون المحكمة الاتحادية نفسها الذي أدرج في محضر الجلسة 45 المؤرخة 18/ 3/ 2021 التي تضمن جدولها مجموعة من القرارات التي لا تحتاج إلى أغلبية الثلثين وقد انعقدت الجلسة بأغلبية تقل عن الثلثين وهو ما يجعل وجود الهيئة الحالية للمحكمة غير شرعية بناء على تفسير المقال.
اخيراً وليس أخر فإن المادة 70 جاءت في الفقرة الثانية لتضع احتمال عدم حصول أي من المرشحين على أغلبية الثلثين وترتب على هذا تنافس أعلى مرشحين بينهما في جولة ثانية تحسمها أكثرية الأصوات بغض النظر عن الأغلبية. وهو ما يعني أن الدستور قد قدم فرضية يكون رئيس الجمهورية فيها منتخبا بأغلبية بسيطة لا تحتاج معها إلى اشتراط الثلثين للانعقاد لو سلمنا جدلا بربط صحة الانعقاد بصحة التصويت.
ثانياً: قرار المحكمة الاتحادية 121/ اتحادية / 2022
بتأريخ 12/ 5/ 2022 طلبت رئاسة الجمهورية بالكتاب ذي العدد م.ر.ج /1/ 3/ 1015، بناء على طلب مقدم من مجموعة من النواب، الاستفسار من المحكمة الاتحادية تفسير المقصود بالأمور اليومية الواردة في نص المادة 64/ثانياً من الدستور التي نصت (يدعو رئيس الجمهورية عند حل مجلس النواب إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا ويواصل تصريف الأمور اليومية) كما طلب الكتاب تفسير حدود صلاحيات الحكومة خلال الفترة ما بين حل مجلس النواب وتشكيل الحكومة الجديدة وطبيعة القرارات التي تتخذها.
فسرت المحكمة نص المادة 64 / ثانياً بأن حكومة تصريف الأعمال هي (.... الحكومة المتحولة من حكومة طبيعية بكامل الصلاحيات إلى حكومة محدودة الصلاحيات ويتحقق ذلك بحالتين، الأولى بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء إلى حين تأليف مجلس وزراء جديد استناداً لأحكام المادة (61/ثامنا /أ وب وج ود)، والثانية عند حل مجلس النواب وفقا لما جاء في المادة (64/ اولاً) من الدستور وفي كلتا الحالتين يعد مجلس الوزراء مستقيلا ويواصل تصريف الأمور اليومية التي تتضمن اتخاذ القرارات والإجراءات التي من شأنها استمرار عمل سير المرافق العامة بانتظام وديمومة استمرار تقديم الخدمات للشعب ولا يدخل ضمنها القرارات التي تنطوي عن أسباب ودوافع سياسية ذات تأثير كبير على مستقبل العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا يدخل كذلك ضمنها اقتراح مشاريع القوانين وعقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلية الوزارات والدوائر)
مع اتفاقنا مع ما ورد في القرار فيما يتعلق بالحالتين فإن القرار أغفل حالتين أخرين هما حالة انتهاء ولاية الحكومة والفترة الفاصلة بين مباشرة المجلس الجديد بمهام أعماله وبين مباشرة الحكومة الجديدة بمهامها وكذلك أغفل حالة استقالة الحكومة نفسها. إن كلا الحالتين ينطبق عليهما توصيف القرار لحكومة تصريف الأمور اليومية في ص2 بأنها التي تتوسط مرحلتين أولهما مرحلة استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة. إن عدم ورود الحالتين صراحة في الدستور العراقي لا يمنع تطبيق مبدأ حكومة تصريف الأمور اليومية عليهما ما داما يشتركان في مناط تقييد صلاحيات الحكومة وهو غياب المسؤولية الحكومية أمام البرلمان تلك المسؤولية التي اعتبرها القرار حجر الزاوية في النظام البرلماني الذي تكتسب فيه الحكومة شرعيتها من مجلس النواب حسب القرار. إن ممثلي المجتمع (مجلس النواب) هم الذي يمنحون الحكومة التخويل المجتمعي في إدارة البلاد بشرط أن تتحمل هذه الحكومة المسؤولية.
ومن ناحية أخرى فإن القرار أشار أيضا إلى نقطة مهمة وهي أن حكومة تصريف الأعمال هي حالة استثنائية من الأصل الذي يقتضي ممارسة الحكومة لصلاحيتها كافة. إننا مع اتفاقنا مع القرار في كون نظرية حكومة تصريف الاعمال لها مجال تطبيق استثنائي لكننا لا نتفق مع القرار في نطاق هذا الاستثناء فالقول بأن تصريف الأعمال هي استثناء من الأصل العام الذي يقضي بأن الحكومة هي كاملة الصلاحيات يؤدي إلى تضييق نطاق القرارات التي يمتنع على الحكومة اتخاذها بناء على المبدأ القاضي بأن ما يثبت على سبيل الاستثناء فغيره لا يقاس عليه ولا يجوز التوسع في تفسيره. يترتب على هذا أن نطاق الأعمال التي تمارسها الحكومة سوف يتوسع ليشمل على سبيل المثال لا الحصر اقتراح مشاريع القوانين التي لها مساس مباشر بحياة الناس وهو عكس ما توصل إليه القرار. إن قراءتنا لمفهوم الاستثنائية في النظرية هو أن الأصل هو ان الحكومة قد فقدت التخويل المجتمعي لإدارة الدولة وبالتالي تعد منزوعة الصلاحيات بشكل تام، لكن ضرورة ديمومة المرفق العام واستمرار الحياة في الدول تقتضي منحها الصلاحيات التي تمنع تعطل الدولة. إن هذا التفسير للاستثنائية يجعلها منسجمة مع روح الدستور والقوانين التي تربط بين الصلاحيات في اتخاذ قرار معين من جهة ما وبين المسؤولية التي تتحملها هذه الجهة فلا صلاحيات حينما لا تكون هناك مسؤولية.
ثالثاً: استقالة عضو مجلس النواب
أثار تقديم نواب الكتلة الصدرية جدلا يتعلق بجوانب عدة لعل أهمها الجانب القانوني للاستقالة والتي يتلخص في نقطتين مهمتين أولهما صحة هذه الاستقالة وثانيها نفاذ الاستقالة ومدى كفاية موافقة رئيس مجلس النواب عليها. وللإجابة على هذا السؤال ينبغي تحديد الإطار القانوني الذي عالج هذه الاستقالة في التشريعات العراقية.
جاء التنظيم الدستوري لعمل مجلس النواب العراقي في باب الدستور الثالث الذي اختص بالسلطات الاتحادية وتحديدا في الفرع الأول من الفصل الأول، ولكنه لم يتطرق إلى استقالة عضو مجلس النواب، بل لم يتطرق إلى انتهاء عضوية النائب بمعزل عن حل مجلس النواب أو انتهاء ولايته. في المقابل اشارت نصوص تشريعية أخرى لاستقالة عضو مجلس النواب وهي نص المادة 1 من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم 6 لسنة 2006 المعدلة بموجب القانون 49 لسنة 2007 وكذلك نص المادة 12 من قانون مجلس النواب رقم 13 لسنة 2018.
تطرقت المادة 12 من قانون مجلس النواب إلى حالات انتهاء عضوية مجلس النواب حيث حددت ثمانية أسباب لهذا الانتهاء من بينها الاستقالة في الفقرة ثانياً من المادة ولم تنص الفقرة على أي تفصيل فيما يتعلق بالاستقالة التي وردت كلمة مفردة مما يعني جريانها بشكل مطلق بدون تفصيل أو قيد أو شرط. أما المادة 1 المعدلة من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم 6 لسنة 2006 فقد جاءت في أربع فقرات تكلمت الأولى عن أسباب انتهاء عضوية وحددت سبعة أسباب لانتهاء العضوية بينها سبب الاستقالة في البند 3 حيث نصت (استقالة العضو من المجلس في غير الحالة المنصوص عليها في الفقرة ثالثاً من هذه المادة.) وعند العودة إلى الفقرة ثالثاً من المادة المذكور نجد نصها ينظم نوعا ثانياً من الاستقالة حيث جاء في الفقرة (تسري الفقرة اولاً من الامر رقم (9) لسنة 2005 على عضو مجلس النواب واعضاء هيئة الرئاسة في حالة تقديم استقالته وقبولها من قبل المجلس بالأغلبية المطلقة على ان لا تقل فترة عضويته في مجلس النواب عن سنة واحدة.) وقد سبب هذا النص جدلا كبيرا فيما يتعلق بنفاذ استقالة الكتلة الصدرية حيث تكلم البعض عن عدم ترتيب استقالة عضو مجلس النواب أثرها إلا بعد سنة من تاريخ تأدية النائب لليمين الدستوري كنائب في البرلمان.
ومع جليل الاحترام لهذا الرأي لكنه لا حظ له من الصمود أمام سهام النقد. إن نص المادة 1 ثالثاً من قانون الاستبدال تتعلق برغبة العضو في التمتع بمزايا الفقرة اولاً من الأمر 9 لسنة 2005 والتي تتعلق بتمتع مجموعة من أصحاب المناصب العليا في الدولة بحق التقاعد في حال ر غبتهم في ذلك وبالتالي فإن المادة 1 قد رسمت طريقين للاستقالة أولهما ورد في الفقرة اولاً- 3 والتي بينت ان العضوية تنتهي بالاستقالة دون قيد أو شرط وفي هذه الحالة لن يكون للمستقيل الحق في التمتع بالتقاعد أما ثاني الطريقين فهو الاستقالة على وفق المادة 1 ثالثاً والتي تشترط موافقة المجلس بالأغلبية المطلقة بعد مضي مدة سنة على عضويته في المجلس. وقد كان هذان الطريقان نافذين حتى صدور قانون التقاعد الموحد 9 لسنة 2014 والذي ألغى في المادة 38 اولاً -أ منه النصوص المنظمة للتقاعد في الامر 9 لسنة 2005 وهو ما يقتضي حكما عدم إمكانية تطبيق الفقرة ثالثاً من المادة 1 من قانون استبدال الأعضاء. وحتى لو سلمنا جدلا أن قانون التقاعد لم يقم بإلغاء الفقرة اولاً من أمر 2005 فإن المادة 73 /ثانياً من قانون مجلس النواب رقم 13 لسنة 2018 نصت على عدم جواز العمل بأي نص يتعارض مع نصوصه وهو ما يعني عدم العمل بأي نص يضع شرطا لانتهاء العضوية بالاستقالة كنص المادة 1 ثالثاً من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب. أما ملاحظة كون رئيس مجلس النواب لا يملك حق إنفاذ الموافقة على طلب الاستقالة التي يجب أن تعرض على المجلس ليبت فيها فهذا أيضا اعتراض لا يمكنه الصمود أمام نص المادة 1- اولاً - 3 من قانون الاستبدال ونص المادة 12 ثانياً من قانون مجلس النواب التي تنص على انتهاء العضوية بمجرد الاستقالة حيث لا تأثير للموافقة من عدم الموافقة على انتهاء العضوية من أي جهة. يتضح هذا جليا إذا عقدنا مقارنة بين نص المادة 1 اولاً - 3 من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب قبل تعديلها بالقانون 49 لسنة 2007 بالمادة المعدلة حيث كانت تنص على انتهاء العضوية بقبول الاستقالة من مجلس النواب. إن تعديل المشرع لعبارة قبول الاستقالة إلى عبارة الاستقالة لا يمكن ان يكون إلا عزوفا عن تعليق انتهاء العضوية على قرار من مجلس النواب وترتيب أثر الاستقالة بمجرد الطلب دون حاجة إلى قبول أو موافقة من مجلس النواب أو رئيسه.
رابعا: تداعيات الاستقالة
بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية فإن المقاعد الشاغرة سيتم شغلها من قبل المرشحين الحائزين على أعلى الأصوات باستثناء الفائز وذلك استناداً إلى نص المادة 15- خامسا من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020. ومن خلال إعادة هيكلة الكتل الفائزة فإن الإطار التنسيقي سيكون الممثل الأكبر للشيعة في البرلمان العراقي وسيكون المستقلون والأحزاب الجديدة المستفيد الثاني من انسحاب التيار الصدري من المشاركة في البرلمان.
وبعيدا عن الحسابات السياسية، ينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن النظام السياسي العراقي قائم على التوافق في اتخاذ القرارات المصيرية. إن اشتراط الدستور أغلبية الثلثين في كثير من القرارات البرلمانية المهمة تجعل من الصعب دستورياً تبني كثير من القرارات المهمة. لذا فإن عقبة تشكيل الحكومة لن تكون العقبة الوحيدة في حياة الحكومة التي تتشكل بعيدا عن التوافق.
إن محاولة التيار الصدري لتشكيل حكومة أغلبية لم تكن المحاولة الأولى فقد سبقه ائتلاف دولة القانون في ذلك، وان كانت محاولة الأخير لم تكن بذلك النضج الذي امتازت به محاولة التيار الصدري. إن كلا من المحاولتين اصطدمت بالقواعد الدستورية التي وقفت إلى جانب المعارضين لمبدأ الأغلبية. لعلنا لا نأتي بجديد عندما نقول إن التوافق والمحاصصة كانت مطلب المكونين الكردي والسني وإن كان الأول حاول وضع مساحيق التجميل عليها مطلقاً عليها مصطلح التوازن.
أما ما ورد على لسان رئيس مجلس القضاء من انتقاد للنصوص التي تكرس التوافق في اتخاذ القرار السياسي على اعتبار أن هذه النصوص قد وضعت في ظروف تختلف عن ظروف اليوم فهي وجهة نظر لا نتفق معها مع الاحترام. إن التوافق كان شرطا وضعه قادة الأقليات لضمان حقوق مكوناتهم وهو شرط لا يزال مطلوباً منهم ولن يمر أي تعديل لهذه النصوص ما دام نقض ثلاث محافظات كافياً لإجهاض التعديل. إن التغاضي عن حقوق الأقليات في الدستور العراقي قد يعصف بشرعية النظام السياسي الذي يواجه ما يكفيه من المشاكل ولا يحتاج إلى مشكلة جديدة تتمثل بانفراد مكون واحد بتسيير أمور الدولة.
نبيل الذبحاوي