تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا
على علاقة روسيا مع الأحزاب اليمينية الشَّعبوية المتطرفة
الباحث الأقدم // خضير عباس حسين
مقدمة
لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال سنوات حكمه متردداً أو متحفظاً في بناء شبكة من العلاقات والتحالف مع أحزاب يمينية شعبوية متطرفة في دول الاتحاد الأوربي وهي سياسة لم تكن مجرد رد فعلٍ نكاية بالاتحاد الأوروبي أو الغرب، بل هي سياسة ممنهجة واستراتيجية هدفها تحقيق أهداف جيوسياسية لتعزيز الدور والنفوذ الروسي في مواجهة الاتحاد الأوربي وحلف الناتو. وفي هذه الورقة الموجزة سوف نستعرض أهم المحطات في هذه العلاقة وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على هذه العلاقة:
1- العلاقة بين الأحزاب اليمينية الشعبوية الاوربية المعادية للمهاجرين والمسلمين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقة قاسمها المشترك هو العداء للاتحاد الأوربي والعولمة، ووصلت هذه العلاقة الى مستوى التحالف والتعاون بين الطرفين بهدف تحقيق وغايات سياسية مشتركة وهذا التحالف كان محل سخط وغضب القيادات السياسية الاوربية ومؤسسات الاتحاد الأوربي المستهدفة فقد أعتبر نائب رئيس المفوضية الأوروبية (فرانس تيمرمانس)، أن استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي في 24/3/ 2016 دعما لليمين المتطرف هدفه تقسيم أوروبا وإضعافها. وتحدث أمام لجنة في البرلمان الإسباني، إن "سبب دعم بوتين لليمين المتطرف في أوروبا، هو لأنه يعلم أنّ ذلك يضعفنا ويفرقنا" وأن أوروبا مقسّمة تعني أن بوتين هو الزعيم. وأوجه العلاقة بين الرئيس الروسي والأحزاب اليمينية الشعبوية اتخذت المسارات التالية:
أ. التعاون والتنسيق السياسي: عبر دعوة زعماء ومسؤولي احزاب اليمين الشعبوي لزيارة روسيا وعقد لقاءات واجتماعات بالمسؤولين الروس، ففي أيار 2013 زار (برونو غولنيش) من (حزب التجمع الوطني الفرنسي) روسيا، كما تكررت زيارات زعيمة الحزب السابقة والمرشحة للرئاسة الفرنسية (مارين لوبان)، لموسكو، بمعدل زيارة كل عام اعتبارا من 2013 واللقاء بالرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ورئيس مجلس الدوما( سيرغي ناريشكين)،. كما حضر ممثل من حزب الرئيس فلاديمير بوتين( روسيا الموحدة) مؤتمر لحزب رابطة الشمال الإيطالية في كانون الأول 2013 والذي شارك فيه قادة أحزاب اليمين الشعبوي ،الاهتمام الروسي بهذه الأحزاب له دوافع عديدة من بينها توسيع التأثير الروسي على سياسات اوربا الغربية واضعاف حلف الناتو وتعزيز وجهات النظر المناهضة للولايات المتحدة وإقناع الراي العام في روسيا بان القيادة الروسية لها من يؤيدها في أوربا الغربية، مقابل ذلك قدمت تلك الأحزاب الدعم والتأييد السياسي لروسيا بإعلان ضمها شبه جزيرة القرم وتأييدهم للقرار الروسي لإضفاء شرعية دولية على استفتاء ضم شبه جزيرة القرم ، وبالتزامن مع مقاطعة الاتحاد الأوروبي للاستفتاء، وجهت روسيا الدعوة لعدد من الأحزاب اليمينية مثل (رابطة الشمال الإيطالية، وحزب المصلحة البلجيكي، وجوبيك المجري، وحزب الحرية النمساوي، التجمع الوطني الفرنسي) ؛ لمراقبة الاستفتاء وفي هذا السياق، فإن الدعم الروسي لهذه الاحزاب، يخدم المصالح الروسية عبر إضعاف هذه المنظومة الغربية. وهذا الاعتقاد الروسي قد اكتسب زخمًا كبيرًا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما أعقبه من تصاعد الدعاوى اليمينية المتطرفة في أكثر من دولة أوروبية لإجراء استفتاءات مماثلة للخروج من الاتحاد الأوروبي ، وقد قامت احدى منظمات المجتمع المدني ومقرها في بروكسل وهي موالية للرئيس الروسي بدعوة الأحزاب اليمينية المتطرفة لمراقبة الاستفتاء الذي تم اجراؤه في 16/3/2014 في شبه جزيرة القرم وقد اعلن ممثلي هذه الأحزاب بان الاستفتاء كان حرا ونزيها.
ب. الدعم المالي تضمن ملف العلاقة بين حزب التجمع الوطني الفرنسي والرئيس الروسي عن تداخل عنصر المال في معادلة الدعم الروسي للقوى اليمينية الأوروبية، حيث حصل الحزب في عام 2014 على قرض تُقدر قيمته بـ9 ملايين يورو لتمويل أنشطته من البنك الروسي التشيكي ومقره موسكو وفقا لموقع "إذاعة صوت روسيا" في 23 تشرين الثاني 2014. كما أفاد تقرير لرويترز في 22 كانون الأول (2016) بأن الحزب طلب من روسيا الحصول على قرض بقيمة 27 مليون يورو لتمويل مشاركة الحزب في الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام (2017)
ج. الدعم الإعلامي الروسي للمنتمين لتيار اليمين المتطرف، من خلال استضافة من قادة اليمين المتطرف (نايجل فاراج "زعيم حزب استقلال بريطانيا"، وخيرت فيلدرز "زعيم حزب الحرية الهولندي"، ومارين لوبان "زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي" في وسائل الإعلام الروسية.
د. التقارب الأيديولوجي بين قوى اليمين الشعبوي المتطرف التي تشترك مع الأفكار والرؤى التي تقوم عليها "روسيا فلاديمير بوتين"، في مسائل عديدة منها تعزيز الهوية القومية، والقيم المجتمعية المحافظة، وتوجيه الانتقادات للاتحاد الأوروبي والسياسات الأمريكية، وتقييد الهجرة كآلية لمجابهة "الراديكالية الإسلامية"، والتشكيك في القيم والأسس التي قامت عليها الليبرالية بفعل ما أفضت إليه من أزمات اقتصادية واجتماعية. في أوروبا تنظر أحزاب اليمين الشعبوي إلى بوتين باعتباره نموذجًا للشخص القوي ، فقد اعربت مارين لوبان عن إعجابها بالرئيس الروسي لأنه يمثل نموذجًا "للحمائية ، والاهتمام بمصالح دولته، والدفاع عن هويتها في مواجهة العولمة وتداعياتها.
هـ. استضافت روسيا في (شباط) 2015 مؤتمرا للقوى للأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة، بهدف لتنسيق المواقف ومن مفارقات التاريخ أن هذا المؤتمر انعقد في سان بطرسبورغ وفشلت جهود أحزاب وشخصيات روسية في عرقلة عقد المؤتمر الذي حمل عنوان (المنتدى الروسي الدولي للقوى المحافظة)، حضر عدد من الشخصيات النيابية والسياسية الروسية ، مثل السياسي (ديمتري روغوزين) ، وهو أحد رموز حركة (رودينا-الوطن) القومية الروسية، وكان ممثل روسيا لدى حلف (الناتو) لسنوات، وبعد إعلان اللجنة الدائمة المشتركة للتنسيق، وتم عقد المؤتمر التالي في 2017 في موسكو.
2. تداعيات الغزو الروسي لاوكرانيا على العلاقة بين الرئيس الروسي والأحزاب اليمينية الشعبوية
وضع الغزو الروسي لأوكرانيا الاحزاب والحركات اليمينية الشعبوية الاوربية في زاوية ضيقة وحرجة ما بين علاقاتها وتقاربها الأيديولوجي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتضامن المعلن مع أوكرانيا، واتهام الغرب بتسببه في النزاع بين روسيا وجارتها أوكرانيا. فقد اعرب قادة أحزاب اليمين الشعبوي في جميع دول الاتحاد الأوروبي من ألمانيا إلى فرنسا مرورا بإيطاليا والنمسا وإسبانيا، عن استنكارهم وتنديدهم بكل وضوح بالغزو الروسي، الذي يشير إليه قادة الحلف الأطلسي بعبارة "حرب بوتين". ففي فرنسا، شجبت زعيمة التجمع الوطني الفرنسي مارين لوبن انتهاكا "لا يمكن الدفاع عنه" للقانون الدولي. وفي إيطاليا، أعلن ماتيو سالفيني زعيم حزب "رابطة الشمال" أنه "حين يهاجم طرف ما، من الواضح أنه ينبغي الوقوف بجانب الذي يتعرض للهجوم". في حين يرى اليميني المتطرف إريك زمور، والذي سبق أن دعا عام 2018 إلى قيام "بوتين فرنسي"، أن "المذنب هو بوتين، والمسؤول هو الحلف الأطلسي الذي لم يتوقف عن التوسع". واشار هايو فونكه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة، إلى أن هذه التشكيلات الشعبوية اتخذت لمرة موقفا يتوافق مع موقف الأحزاب الأخرى، وينسجم خصوصا مع "التضامن الهائل" الذي يبديه الرأي العام في جميع أنحاء العالم حيال الأوكرانيين. غير أن هذا الإجماع يتوقف عند الدخول في تحليل المسؤوليات خلف نشوب النزاع.
وفي ألمانيا، نددت زعيمة الكتلة النيابية لـ"البديل من أجل المانيا" أليس فايدل في مجلس النواب بـ"الفشل التاريخي" للغرب، متهمة إياه بأنه لوّح لأوكرانيا باحتمال الانضمام إلى الحلف الأطلسي بدل أن يدعو إلى حل في هذا البلد يقوم على "الحياد". ورأت أن هذا النهج يعود إلى إنكار "وضع روسيا كقوة كبرى".
ومن جانبه اعلن زعيم حزب "الحل اليوناني" القومي "كيرياكوس فيلوبولوس" إنه إن لم تكن روسيا مهددة "فماذا يفعل الحلف الأطلسي إذا على حدودها؟". ورأى زعيم "المنتدى من أجل الديموقراطية الهولندي" تيير بوديه أن "روسيا لم تكن تملك خيارا برأيه"، مثيرا شجب الأحزاب الأخرى التي اتهمته بنقل "الدعاية الروسية". ومن الواضح أن الذين كانوا يقيمون علاقات وثيقة مع بوتين، أو على الأقل يشاطرونه قيمه المعادية لليبرالية ويؤيدون ثقافة "الرجل القوي" التي يجسدها، يجدون صعوبة في أخذ مسافة عنه اليوم.
وقالت لوبن التي تواجه انتقادات تأخذ عليها صورة للقاء جمعها بالرئيس الروسي، ترد في منشورات حملتها الانتخابية المطبوعة منذ فترة، إن بوتين اليوم ليس هو ذاته الذي استقبلها في موسكو عام 2017. وشرح فونكه لفرانس برس أن "اليمين المتطرف الأوروبي في مأزق ما بين عقيدته المتطرفة والنيوفاشية التي يتقاسمها مع بوتين" وخطر تراجع "نفوذه" في الرأي العام. والتحدي على قدر خاص من الصعوبة بالنسبة لزمور ولوبن اللذين يجمعان معا حوالى ثلث نوايا الأصوات في الانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل، في حين تراجعت نسبة التأييد لـ"البديل من أجل ألمانيا" إلى ما دون 10% وفق استطلاع للرأي أجري مؤخرا.
وفي ملف الهجرة وقعت هذه الأحزاب بمأزق واحراج لكونها، من اكثر الأطراف المعارضة للهجرة، مثل التجمع الوطني والبديل من أجل ألمانيا وتنظيم "فوكس" القومي المتطرف الإسباني وقسم من حزب الحرية النمساوي، واضطرت لتقديم تنازلات والموافقة على استقبال اللاجئين الأوكرانيين الفارين من المعارك والاستمرار بتشددها ومعارضاتها لاستقبال اللاجئين من جنسيات أخرى ولاسيما المسلمين.
خاتمة
تقديرنا إنَّ الغزو الروسي وجّه ضربةً قاصمة لِلعلاقة بين الرئيس الروسي والأحزاب اليمينية الشَّعبوية والتي خسرت حليفاً قوياً كانت تعوّل عليه كثيراً، كما إن تلك الأحزاب ستفقد الكثير من رصيدها الذي هو أصلا في تناقص بسبب مواقفها المتناقضة بخصوص المهاجرين وتفضيل جنسيات بعينها على غيرها، ويمثل الغزو الروسي جرس انذار للقوى السياسية المعتدلة في الاتحاد الأوربي في أن اليمين المتطرف يمثل تحدي امني خطير يهدد مؤسسات الاتحاد الاوربي
خضير عباس حسين