دور الوساطة في السياسة الخارجية العُمانية : الأزمة السورية إنموذجاً.

I'm an image! ٢٤ / يوليو / ٢٠٢٣

 

دور الوساطة في السياسة الخارجية العُمانية : الأزمة السورية إنموذجاً.

محمد كريم الخاقاني. اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.

ترتبط السياسة الخارجية لكل دولة بإستقرارها الداخلي الأمر الذي يمكنها من تنفيذ اهداف سياستها الخارجية، ويشكل الموقع الجغرافي للدولة اهميتها الإستثنائية ودورها في  التفاعلات التي تحدث في جوارها الإقليمي، إذ يؤدي الموقع الجغرافي للدولة دوراً رئيساً في تحديد التوجهات العليا لسياستها الخارجية، وهذا ما ينطبق على سلطنة عُمان، فموقعها الجغرافي اسهم في تحديد هويتها الخارجية وإقامة العلاقات الدولية مع غيرها، وهذا يعود لجملة من العوامل التي اعطت  لسلطنة عُمان ميزة بحكم الموقع الجغرافي، فهي تتحكم بمضيق هرمز الذي  يسمح بمرور ٩٠٪ من النفط المصّدر من منطقة الخليج العربي.

لا يمكن فهم سياسة عُمان الخارجية من دون فهم جغرافيتها، فهي تمتاز بجغرافية ساحلية تتصل بالبحر، وسواحلها طويلة وواسعة، وهذا ما جعلها تتعامل مع الدول المحيطة بها بنحو متوازن وإيجابي، فموقعها الجغرافي اضفى اهمية في إنتهاج سياسة خارجية خاصة بها، فتمتد إطلالتها الساحلية لأكثر من ٣١٦٧ كم²، تبدأ من بحر العرب ومدخل المحيط الهندي وصولاً الى بحر عُمان حتى مضيق هرمز عند محافظة مسندم في الشمال.

ومنذ تولي السلطان الراحل قابوس الحكم فيها عام ١٩٧٠، حرصت عُمان على تحقيق اهدافها الخارجية وذلك عبر ضمان سيادة وإستقلال السلطنة وضمان الأمن والسلام في المنطقة فضلاً عن إحترام ميثاق الأمم المتحدة والتأكيد على إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لإي دولة، وعلى هذا الاساس احتفظت عُمان لنفسها بسياسة الحياد واخذت تلعب دور الوساطة والحوار وما مواقفها من الحروب والأزمات التي عصفت بالمنطقة إلا دليلاً واضحاً لنهجها في السياسة الخارجية، واكتسبت بذلك إحترام الدول كافة.

ان السياسة الخارجية العُمانية تقوم على اهداف ومبادئ ترسخت في إطار حركتها في المحيط الإقليمي والدولي، فأمتازت بإنتهاجها الوسطية والإعتدال والحرص على جعل جميع الابواب مفتوحة وان تسير علاقاتها مع الدول بشكل طبيعي ومحاولة خفض حدة التوتر والتصعيد والخلافات، ولهذا فقد تميزت سياسة عُمان الخارجية في منطقة الشرق الأوسط واصبحت علامة مسجلة خاصة بها.

وتنطلق سلطنة عُمان في سياستها الخارجية من مجموعة من المبادئ ومنها:

1.    تعد السلطنة عنصراً فاعلاً ومؤثراً في المنظومة الإقليمية والدولية، وتؤكد على تحقيق الأمن الإقايمي الخليجي وذلك عن طريق الإعتماد على قدرات دول الخليج.

2.    تقف السلطنة دائماً الى جانب الحق وتناصره وتدعو الى تحقيق ذلك مع جميع الدول المحبة للسلام، وتسعي لحل النزاعات عن طريق الحوار والمفاوضات.

3.    تنطلق السياسة العُمانية من مبدأ السلام ويجب ان يكون تفعيله في إطار القانون الدولي وإحترام المبلدئ والأعراف التي يقوم عليها، وان تتحلى بروح التسامح بين مختلف الفئات والجماعات البشرية.

4.    عدم إغفال الموروث التأريخي للسلطنة، وذلك بالأخذ بالحداثة وبما ينسجم مع الإلتزام الديني والعربي.

5.    إنتهاج سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وتُعرف الوساطة على إنها(مسعى ودي يبتغي إيجاد تسوية لنزاع ما تقوم به دولة ثالثة تشترك بصورة إيجابية في المفاوضات بين الطرفين المتنازعين، حيث يعمل الوسيط على التخفيف من حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة).

ومن اجل ان تقوم الدول بدور الوسيط يجب عليها ان تمتلك سمات وشروط متكاملة بعضها مع البعض الآخر لتأدية مثل هذا الدور، إذ على الدولة ان تمتلك المهارة في كسب ثقة الأطراف المتصارعة حتى تكون وساطتها فعالة وتلقى قبولاً ونجاحاً، وان تكون الدولة محايدة اي لا تميل لطرف دون آخر، فتعمل على تقريب الاراء المتابينة وغيرها من السمات التي تنطبق على حالة عُمان مما يجعلها مؤهلة تماماً للقيام بدور الوساطة.

ويمكن ان نجمل سمات دور دبلوماسية الوساطة وكما يأتي:

1.    ان تتمتع الدولة التي تقوم بدور الوساطة بالنفوذ الأدبي والودي الذي يربطها مع اطراف النزاع، ويظهر رغبتها بالتوصل الى حل مرضي وتسوية النزاع بينهم.

2.    ان دور الوسيط يجب ان يستند الى الحقائق، إذ لابد للوسيط ان يتوافر على قاعدة معلومات اساسية ووافية عن النزاع وتفاصيله، لكي تكون مقترحاته وتوصياته التي سوف يقدمها مقبولة من أطراف النزاع.

3.    يجب ان يتمتع الوسيط على درجة عالية من المهارة والحنكة السياسية، فضلاً عن جانب السرية الذي يعد عنصراً هاماً في محاولاته للنجاح والتوفيق بين الأطراف المتنازعة.

4.    من الضروري التأكيد على ان من يقوم بالوساطة سواء كانت دولة او منظمة دولية ليست طرفاً في النزاع، وان يكون من مصلحته حل النزاع عبر الطرق والوسائل السلمية، لإن اي تطور في عدم حسم الخلاف يؤدي الى التأثير على أمنه القومي.

5.    ان ما تبذله الدولة او المنظمة الدولية من وساطة للتوفيق يبقى غير ملزماً لأطراف النزاع، ولهم حرية القبول بالوساطة او رفضها، إلا في حالة النص في معاهدة الصلح على جعل الطرف الوسيط مسؤولا كما الأطراف الأخرى.

وقد عملت منظمة الأمم المتحدة على تعزيز دور الوساطة في تسوية المنازعات بالوسائل السلمية وذلك من خلال شروطاً يجب ان يتصف بها من يقوم بذلك الدور، ومنها: ان تتوافر لدى الوسيط الخلفية القانونية المقبولة، وان يكون متخصصاً في المسألة المطلوب التوسط فيها، فضلاً عن المامه باللغة الانكليزية والفرنسية، وان يكون له خبرة سابقة في القيام بمثل تلك الاعمال.

لقد شهدت السياسة الخارجية العُمانية بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم فيها، إنطلاقة جديدة اساسها الإنفتاح على المحيط الخارجي، وتمثلت اولى ملامح التغيير في سياستها الخارجية بإنضمامها الى منظمة الأمم المتحدة في عام ١٩٧٠، وجامعة الدول العربية عام ١٩٧١، واخذت عُمان توسع من نشاطها الخارحي عبر إرسال  وإستقبال البعثات الدبلوماسية بينها وبين مختلف دول العالم وبذلك كسرت عزلتها عن المحيط الإقليمي والدولي التي كانت عليها قبل عام ١٩٧٠. واولت سلطنة عُمان اهمية إستثنائية لمنطقة الشرق الأوسط بناءً على الواقعية التي فرضت عليها ان تكون طرفاً اصيلاً في الخليج العربي، فهي تدرك بإن المحافظة على الأمن والإستقرار فيها يقع على عاتق الدول جميعها، على الرغم من التقاطعات في الرؤى بين دول الخليج العربي، فسلطنة عُمان لم تحمل الدول على تبنّي حلول معينة للأزمات التي ادت فيها دور الوساطة، بل تركت مساحة للأطراف المتنازعة هامش قبول الوساطة وفسح المجال للحلول السلمية، فهي على سبيل المثال، لم تنكر على مصر توقيعها إتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٨، ولكنها في الوقت نفسه اكدت وقوفها الى الصف العربي، وكذا الحال مع الحرب العراقية الإيرانية ١٩٨٠، فقد سلكت المسار التوفيقي بين البلدين، فلم تقف الى جانب إيران ورفضت الدعوات لمقاطعتها، وايضاً لم تتخلى عن العراق واستمرت بالوقوف معه، وفي عام ١٩٩٠، استمرت محاولات السلطنة في قيادة محادثات عقب دخول القوات العراقية الى الكويت من اجل إبقاء العراق في الصف العربي من جهة، ومن الجهة الأخرى طالبت بتحرير الكويت.

ومن ابرز الملفات التي قامت بها سلطنة عُمان بدور الوساطة في المنطقة، في سوريا والملف النووي الإيراني.

الدور العُماني في الأزمة السورية.

لقد كان الموقف العُماني فيما يخص الأزمة السورية منذ إندلاعها في عام ٢٠١١ مختلفاً عن دول مجلس التعاون الخليجي، فلقد رفضت عُمان العمليات المسلحة الرامية الى إسقاط النظام السوري بقيادة بشار الأسد، ودعت الى فتح قناة حوار بين اطراف النزاع السوري والتوصل الى حل سلمي لها، فهي على عكس بقية الدول الخليجية لم تغلق سفارتها في دمشق وابقت على سفيرها ولم تسحبه كما فعلت تلك الدول، ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا على الرغم من قرارات الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بهذا الشأن. فسلطنة عُمان كانت تعد ان النزاع في سوريا هو شأن داخلي، ولكن مع مرور السنوات على تلك الأزمة، فقد اصبح لما يُعرف (المعارضة السورية) تمثيل سياسي ومقرات في بعض الدول الإقليمية مثل تركيا وقطر ولها عناصر مسلحة على الأرض السورية ومع فشل الحلول السياسية والجهود المبذوبة لتسويتها سلمياً، وظهور مجاميع مسلحة إرهابية غير تابعة للمعارضة السورية مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيتين وتمكنهما من فرض سيطرتهما على مساحة كبيرة من سوريا، لذا كانت وجهة النظر العُمانية بالأزمة السورية تؤكد على ضرورة ان يكون هناك توافق دولي وبالخصوص داخل مجلس الأمن في ظل عدم قدرة العرب كإقليم على حلها وتقديم مبادرة تحظى بقبول أطراف النزاع في سوريا، إذ إن الأزمة السورية اصبحت مفتوحة على كل الإحتمالات وبالتالي اصبحت الوساطة العُمانية في هذا الإطار غير مجدية في مدرك القيادة السياسية العُمانية، إذ إنها اصبحت تطرح في اروقة الأمم المتحدة، وفي جنيف، واصبح المسؤولين في دول العالم يحاولوا تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السوريين، وباتوا يطرحون مبادرات لمساعدتهم لحل ازمتهم. وقد ادركت عُمان بالإستناد الى تجربتها في إعادة الأمن والإستقرار في السلطنة بعد تعرضها لحركة تمرد من قبل جبهة ظفار في عام ١٩٧٥ وإيمانها الكامل بضرورة التصدي للجماعات الإرهابية في المنطقة، بإن الإزمة السورية لو انتقلت الى بلدان اخرى في المنطقة، سيكون لها تأثيرات سلبية على بقية الدول، ولذلك فإن تلك التجربة قد اهلت عُمان للعب دور الوساطة ونيل ثقة دمشق للتوصل الى حل سلمي للأزمة، وعليه فقد دعت عُمان وفقاً لذلك، جميع اطراف الأزمة السورية الى بذل مزيد من الجهود للتوصل لحل سلمي متوافق عليه بين اطراف النزاع السوري. وكان وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي قد قام بزيارة سوريا في تشرين الأول ٢٠١٥، والتقى فيها الرئيس السوري بشار الاسد لبحث الحلول السلمية للأزمة السورية، وهي دلالة على مدى الثقة التى تحظى بها عُمان من قبل القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، فهذا الموقف المتوازن اكسب السلطنة اهمية خاصة، فقد تمكنت من الحفاظ على علاقتها مع التحالفين الروسي والإيراني ولعب دور الوساطة في الأزمة السورية. لقد تعاملت سلطنة عُمان مع الأزمة السورية إنطلاقاً من ثوابتها في سياستها الخارجية التي تهدف من خلالها الى التوصل الى حلول مقبولة من اطرافها تكون مبنية على الثقة وذلك عبر عدم الإنحياز لطرف دون آخر، فلقد كان تعامل السلطنة على اساس إبعاد التهديد عن منطقة الخليج العربي بشكل خاص وعموم منطقة الشرق الأوسط، فسوريا تعد منطقة تقاطع مصالح لبعض دول الخليج العربي من جهة، وإيران وتركيا من الجهة الأخرى، فضلاً عن القوى الدولية مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لذا حرصت سلطنة عُمان على إبقاء جميع قنوات الإتصال مفتوحة مع أطراف النزاع السوري بقصد التوصل الى حل سلمي له، والخروج من المأزق السياسي الذي كلف السوريين كثيراً على مختلف الاصعدة سواء كانت إقتصادية ام إجتماعية ام علمية وثقافية وغيرها