تعليمات الأمانة العامة لمجلس الوزراء في الميزان
د. مرتضى علي حسين
تلعب الامانة العامة لمجلس الوزراء دوراً مهماً في سير المرافق العامة في العراق ، فهي تتولى تهيئة وتنظيم ما يقتضيه ممارسة مجلس الوزراء لعمله, على وفق ما بينته المادة (22) من قانون مجلس الوزراء رقم (20) لسنة 1991 ، وازدادت أهميتها في ظل النظام السياسي القائم على أساس دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وفق عدة مبادئ منها الفصل بين السلطات ، فتناولت التشريعات والانظمة والممارسة العملية التي ترسم للامانة العامة لمجلس الوزراء ومن خلالها دوراً محورياً في عمل الحكومة والتنسيق بين الوزارات من جانب ، والصلة بالسلطتين التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني من جانب آخر من خلال تنظيم مشاريع القوانين والمعاهدات وإعداد الموازنات العامة والحسابات الختامية وتشكيل مختلف اللجان ، وصولاً إلى سير عجلة المهام الموكلة لمؤسسات الدولة على وفق التعاون والتكامل فيما بينها .
ورسم الدستور تشكيل السلطة التنفيذية واختصاصاتها في الفصل الثاني منه ، محدداً تشكيلاتها في المادة (66) منه برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ، ولدى استفسار تقدم به السيد الامين العام لمجلس الوزراء بصدد تملك الفلسطيين المقيمين في العراق منذ عام 1948، ردت المحكمة الاتحادية في قرارها رقم (28) في 28/3/2022 الطلب شكلاً ولم تنظر في موضوعه ، استناداً إلى إنه – أي السيد الامين العام _ لا يمثل مجلس الوزراء ، وإنما يمثله رئيس الوزراء . وهنا نتوقف لتحديد ما يتصل بمهام هذه الامانة والتفريق بينها وبين مجلس الوزراء ورئيسه ، فوصفت المادة (78) من الدستور اختصاصات رئيس مجلس الوزراء ، وعددت المادة (80) منه صلاحيات مجلس الوزراء، ونصت المادة (85) منه على تنظيم سير عمله بنظام يضعه المجلس ، وهو ما تقرر بموجب النظام الداخلي رقم (8) لسنة 2014، المستبدل بالنظام رقم (2) لسنة 2019 المعدل ، الذي عدد مؤسسات المجلس بأنها (الامانة العامة لمجلس الوزراء) التي تتولى كل ما يتصل باعمال المجلس ، و( مكتب رئيس الوزراء ) الذي يختص بمهام رئيس مجلس الوزراء ، وينحصر عمل ( هيئة المستشارين) بتقديم الدعم الاستشاري . إن هذا التفريق كان حاضراً على نحو دقيق لدى المحكمة الاتحادية العليا في قرارها الذي أشرنا إليه آنفاً ، ولا بد أن يكون حاضراً لدى المشتغلين في مواقع المسؤولية في المؤسسات العامة على النحو الذي يُفهم منه بأن توزيع الإختصاصات وفق النصوص الدستورية أو القوانين والأنظمة لا يبتنى على أساس منح أي منها لامتيازات ، بقدر ما يُفترض به أن يكون توزيعاً تقتضيه أُسس تتوخى ضبط أداء هذه الجهات وفق مقتضيات موضوعية ، ومنها ما نصت عليه المادة (42) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء النافذ بتقييد تصرفات الحكومة بتصريف الامور اليومية ، لوجود اختلال في موازنة الرقابة على هذه التصرفات كنتيجة لعدم انعقاد مجلس النواب المُكلف بدور الرقابة السياسية عند انتهاء الدورة الانتخابية أو حل مجلس النواب ، أو بسبب استمرار عمل حكومة سابقة بعد المصادقة على نتائج انتخابات لاحقة ما يجعل الرقابة عليها عديمة الجدوى كونها لا توقع العقاب المفترض بسحب الثقة من الحكومة عند وجود ما يقتضيها ، فهي بالاصل مستقيلة أو بحكم المستقيلة، ولقد أطنبت المحكمة الاتحادية في قرارها رقم (121) في 15/5/2022 في تأصيل هذه المفاهيم والتأسيس عليها في ردها على استفسار مقدم من السيد رئيس الجمهورية لهذا الغرض ، لتنتهي إلى إن مجلس الوزراء يواصل تصريف الأمور اليومية التي تتضمن القرارات والاجراءات التي من شأنها استمرار سير المرافق العامة بانتظام لتقديم الخدمات للشعب ولا يدخل ضمنها القرارات التي تنطوي على أسباب ودوافع سياسية مؤثرة كاقتراح مشاريع القوانين وعقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلة الوزارات والدوائر .
ونظراً لوجود مخالفات من حكومة تصريف الاعمال السابقة ، واستناداً إلى قرار المحكمة الاتحادية هذا، فقد أصدر مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية الثانية المنعقدة بتاريخ 1/11/2022 القرار المرقم (280) متضمناً إلغاء جميع القرارات والاوامر الديوانية والموافقات والاوامر الوزارية والادارية الصادرة عن الحكومة السابقة بشأن تعيين أو تكليف رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة والدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم بدءاً من (8/10/2021) ولغاية منح الثقة للحكومة الحالية في (27/10/2022) .
وإذا كان هذا الاجراء سليماً _ وهو كذلك بلا شك _ إلا إن المُقتضي له يجب أن يشمل ما أشارت إليه المحكمة في قرارها المُستنَد إليه في تقييد اختصاصات حكومة تصريف الأمور اليومية بالاضافة إلى تعيين المناصب العليا ، بما نص عليه قرار المحكمة بعدم مشروعية تقديم مشاريع القوانين وعقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلة الوزارات والدوائر، وكل القرارات الأخرى ذات الصلة بسير المرافق العامة على النحو الذي تنطوي على تأثيرٍ كبيرٍ على مستقبل العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولنا أن نقول لمجلس الوزراء الجديد ( حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ ) ، إذ إن رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته أصدر تعليمات تشكيلات دوائر الامانة العامة لمجلس الوزراء ومهماتها رقم (2) لسنة 2022 المنشورة في الوقائع العراقية بالعدد (4694) في 17/10/2022 ، أي بعد تسمية رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة في 13/10/2022 . و (التعليمات ) ليست مشاريع قوانين ، بل هي ( تشريع ) يُسن من قبل السلطة التنفيذية ، ويفترض بمجلس الوزراء الجديد أن ينظر على نحو التدقيق في مدى مشروعيتها على وفق ذات المُقتضي لاصدار قراره بالغاء تعيين الدرجات الوظيفية آنفاً ، إن لم يكن ذلك من باب أولى خصوصاً وإن هذه التعليمات معنية بتنظيم شؤون الهيئة التنفيذية المسؤولة عن عمله من حيث التشكيل والاختصاصات . وعلى نحو شيءٍ من التفصيل نشير إلى إن التعليمات المذكورة تم تشريعها دون عرضها على مجلس الدولة لتدقيقها ، في مخالفة صريحة للمادة (7) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل ، كما إن هذه التعليمات تضمنت استحداث العديد من التشكيلات الادارية الجديدة من دوائر وأقسام وشعب موكلةً إليها العديد من المهام ، في مخالفة أخرى لقرار المحكمة الاتحادية مدار البحث بصدد إعادة هيكلة الوزارات والدوائر، نذكر منها ما ورد في المواد (1/أولاً) و(2/ أولاً) و(3/أولاً/2/ج، د) و (4/أولاً) و (5/أولاً/1/د، هـ، و)، و(8/أولاً)، و (15) . ومن الناحية الموضوعية نشير إلى إن التعليمات رقم (2) لسنة 2022 تضمنت منح الامانة العامة لمجلس الوزراء في المادة (2) اختصاصات تفسير نصوص القوانين والأنظمة والتعليمات وبيان المشورة القانونية والاجابة على استفسارات الوزارات والجهات غير الحكومية ذات العلاقة في القضايا التي تتعلق بالوظيفة العامة ، ورفع التناقض بين النصوص القانونية ، الأمر الذي يتعدى بكثير اختصاصات الامانة العامة المحددة بموجب المادة (33) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 الذي استندت اليه في اصدارها هذه التعليمات، كما يتعارض مع اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا ومجلس الدولة ووزارة المالية وعدة جهات حكومية أخرى، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بأنه وفقاً للمادة (10/ثانياً /2) من هذه التعليمات فإن من مهام قسم الاستشارات الهندسية المستحدثة في تشكيلات الامانة العامة لمجلس الوزراء إبداء الرأي والمشورة الفنية والهندسية إلى الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات غير المنتظمة في إقليم سواءً بطلب من هذه الجهات أو بمبادرة من هذا ( القسم) ، الامر الذي يفتقر لأي سند من القانون ويتداخل مع عمل الوزارات والجهات القطاعية المختصة ، ويؤشر توسعاً في اختصاصات الامانة لتحل محل مجلس الوزراء أو ربما تتجاوز اختصاصاته ، وهو المجلس الذي يتمحور وجودها القانوني المُفترض بتنفيذ ما يقرره ، وإذا كان الامين العام لمجلس الوزراء يعدُّ الوزير المختص بإدارة الامانة العامة لمجلس الوزراء لمجلس الوزراء كما وصفته المادة (31) من نظام مجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 فسيكون له من الاختصاصات ما يتعدى وصف المادة (11) من قانون مجلس الوزراء رقم (20) لسنة 1991 بأنه ( مقرر المجلس ) . وعلى وفق مـا أشار إليه فقهاء القانون بأن العمل الذي تقوم به أي جهة من داخل حدود سلطاتها لتصل إلى غاية أخرى غير الغاية المُحددة قانوناً يعدُّ تعسفاً ، أمـا إذا ما حادت تلك الجهة عن الاختصاص المُقيّدة به بالقانون دستورياً أم تشريعياً فسيعد ذلك إنحرافاً ، ذلك إن الغاية التي يُمنح الاختصاص من أجلها تمثل حدوده ، والخروج عليه إلى غيره يعدُّ عملاً غير مشروع ، فنجد في اصدار تعليمات تشكيلات دوائر الامانة العامة لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2022 من رئيس مجلس الوزراء السابق وبالتوقيت المذكور ما يجعله متردداً في الاوصاف ما بين التعسف والانحراف، وحريٌ بمجلس الوزراء ورئيسه التصدي لالغاءها ومعالجة الآثار المترتبة على تنفيذها .
د. مرتضى علي حسين