قراءة في أبعاد وإنعكاسات الزيارة المُرتقبة للرئيس الأمريكي "جو بايدن" للشرق الأوسط

I'm an image! ١٧ / يونيو / ٢٠٢٢

قراءة في أبعاد وإنعكاسات الزيارة المُرتقبة للرئيس الأمريكي "جو بايدن" للشرق الأوسط

د. حيدر عبد كاظم

أعلنت مصادر أميركية رسمية وفي مقدمتها "البيت الأبيض" أن الرئيس الأمريكي  "جو بايدن" سيبدأ جولة في منطقة الشرق الأوسط، للمدة من 13-16 يوليو/ تموز2022، المقبل، لكل من (إسرائيل)، والضفة الغربية، والمملكة العربية السعودية، والاجتماع بملوك وأمراء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فضلاً عن قادة دول مصر والأردن والعراق، إذ ستكون السعودية المحطة الأهم بالزيارة بعد "إسرائيل"، على الرغم من وصفها بأنها دولة "منبوذة" أبان حملته الانتخابية الرئاسية، بسبب حادثة اغتيال المعارض السعودي "جمال خاشقجي" إلا إنها تبقى حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، وتلعب دورًا كبيرًا في أسواق الطاقة العالمية.

  إذ سيتضمن جدول الزيارة في يومها الثاني حضور الرئيس الأميركي قمة مشتركة دعا إليها العاهل السعودي "سلمان بن عبد العزيز" لقادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وملك المملكة الأردنية الهاشمية، ورئيس جمهورية مصر العربية، ورئيس مجلس وزراء جمهورية العراق.

  و تسعى السياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة الراهنة، من إعادة ضبط العلاقات مع المملكة العربية السعودية كونها شريك استراتيجي للولايات المتحدة منذ نحو 80 عاماً، والرئيس "جو بايدن" كسابقيه من الرؤساء يعد السعودية شريك مهم وحاضنة مهمة لأولوياته في الشرق الأوسط" فضلاً عن الدور المهم الذي تلعبه السعودية في اتفاق "أوبك بلس" الذي يضم 23 دولة مصدرة للنفط، إذ تعد السعودية من المصدرين الرئيسيين، وأعلنت عزمها رفع الانتاج بنحو (50%)، هذا الصيف للحيلولة دون تفاقم أزمة الوقود بسبب الصراع الدائر بين اوكرانيا و روسيا الاتحادية فضلاً عن زيادة الطلب العالمي على الوقود بعد التعافي من آثار جائحة كورونا.

وسيشارك الرئيس بايدن في بداية زيارته للمنطقة و أثناء وجوده في "إسرائيل"  باجتماع افتراضي لقادة المنتدى الأمني الاقتصادي I2U2""، الذي تم إنشاؤه في أواخر العام الماضي 2021، ويضم (إسرائيل)، والهند، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية.

 وقد أكد المسؤولون "الإسرائيليون" في تواصلهم مع إدارة "جو بايدن" بأن العلاقات الأمريكية مع الدول العربية، بما في ذلك السعودية، ضرورية لأمن "إسرائيل" والاستقرار العام في المنطقة. إذ في الإمكان أن توفر الزيارة المرتقبة، فرصة لبدء المحادثات بشأن ما تعده الإدارة الأمريكية مشروعًا طويل الأمد لتطبيع العلاقات (الإسرائيلية)- السعودية.

إذ صرح رئيس الوزراء (الإسرائيلي) "نفتالي بينيت" أن الزيارة "ستكشف عن الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية لدمج "إسرائيل" في الشرق الأوسط وزيادة ازدهار المنطقة بأسرها". تزامناً مع التوقيع على مذكرة الاتفاق الثلاثي بين ( الاتحاد الأوربي – مصر – "إسرائيل") الموسوم بمنتدى غاز شرق المتوسط، في العاصمة المصرية القاهرة بتاريخ 16-6-2022، والذي يتيح "لإسرائيل" بتصدير الغاز لأوربا عبر مصر لمدة 3 سنوات قابلة للتمديد.

 وفي غضون ذلك، سيبحث الفلسطينيون عن تقدم في إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس.

   إذ قال حسين الشيخ، أحد كبار مساعدي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية، إن الفلسطينيين يرحبون بزيارة بايدن ويأملون في أن تحقق لهم "نتائج إيجابية" لكنهم يشعرون بالعجز في سعيهم المستمر منذ عقود لإقامة دولة مستقلة إلى جانب (إسرائيل).

 ويأمل الفلسطينيون أيضًا أن تبذل إدارة "بايدن" جهودًا أكبر لكبح جماح بناء المستوطنات (الإسرائيلية) وغيرها، من الإجراءات أحادية الجانب التي يقولون إنها تعيق الإحياء النهائي لعملية السلام التي تعثرت منذ فترة طويلة.  

-      تعقيبنا على المحور الأول للزيارة الى (إسرائيل) والضفة الغربية:

·        محاولة المضي عبر الدبلوماسية لإنهاء الصراع بين حماس و (إسرائيل) والعودة لتفعيل مفاوضات السلام بين الطرفين.

·         كما سيركز الرئيس الأميركي أيضا على اندماج (إسرائيل) في المنطقة عبر اتفاقات "أبراهام" 13 أغسطس/ شباط 2020، التي تضم الإمارات والمغرب والبحرين، و"ستعمل أمريكا على جعل شركائها يعملون معا لتحقيق شرق أوسط أكثر ازدهارا".

·        التركيز على موضوع المساعدات الأمنية ودعم الأنظمة الدفاعية الصاروخية إذ عملت الإدارة الأميركية مع الكونغرس لتوفير مليار دولار لتجديد القبة الحديدة في (إسرائيل)، بعد الصراع الأخير والهجمات التي تعرضت لها المستوطنات (الاسرائيلية) ولتقويض التهديد الإيراني وحلفائه في المنطقة.

·        اقتصادياً, العمل على توظيف حقول الغاز الضخمة المكتشفة مؤخراً في شرق المتوسط، ونقله عبر خط أنابيب إلى مصر من خلال شمال شبه

جزيرة سيناء، والعمل على إنشاء خط انابيب آخر عبر البلدين بفترة وجيزة لرفع زيادة الامداد بين البلدين ما بين 3-5 مليار متر مكعب, من ثم يصدر الفائض عن الحاجة المصرية إلى أوربا و آسيا، وذلك يعزز من وضع (اسرائيل) لجعلها مركز رئيسي للطاقة في شرق البحر المتوسط. 

 

-       اما فيما يتعلق بالمحور الثاني من الزيارة

 المتعلق بالمملكة العربية السعودية واللقاء بالملك السعودي وولي العهد "محمد بن سلمان" وبعد تراجع العلاقة بين الإدارة الامريكية الجديدة المتمثلة بالرئيس "بايدن"، كان للحدث الأكثر أهمية مطلع العام 2022، (الغزو الروسي- لأوكرانيا)، والأثار المترتبة عليه بالارتفاع العالمي في أسعار الطاقة، والتهديد في الملف النووي المتنامي من إيران، الذي لم يصل إلى الحل المنشود من قبل إدارة "بايدن"، كل ذلك زعزع حسابات التفاضل والتكامل العالمية.

والآن قرر "بايدن" أنه من الضروري العودة لتعزيز العلاقات مع الحليف الأبرز لأمريكا في الشرق الأوسط والمتمثل بالمملكة العربية السعودية.

 وتعمل إدارة "بايدن" ، بقيادة منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط "بريت ماكغورك"، مع (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية للتوسط في بلورة جملة من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية المشتركة، إذ تسعى أمريكا على إلغاء تجميد العلاقات بين البلدين التي بموجبها لا تعترف المملكة العربية السعودية رسمياً (بإسرائيل)، وليس للدولتين علاقات دبلوماسية رسمية معلنة. وستسمح الاتفاقيات المفترضة للرحلات الجوية التجارية القادمة من "إسرائيل" بالتحليق فوق الأجواء السعودية، ويمكن لاتفاقية أخرى مُنفصلة أن تحل مشكلة مستمرة بشأن جزيرتين (تيران و صنافير) في موقع استراتيجي في البحر الأحمر، وتحويلهما إلى السيطرة السعودية.

 وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا مع المملكة العربية السعودية لتمديد وقف إطلاق النار في اليمن، إذ اندلعت حرب بقيادة السعودية منذ سنوات ضد اليمن. وأشاد "بايدن" في بيان صدر بعد تمديد الهدنة بـ "القيادة الشجاعة" للسعودية.

واخيراً ومن المتوقع مناقشة الطرفين المخاوف المترتبة على مضي إيران بالتقدم في ملفها النووي وتخصيب اليورانيوم، فضلاً عن العمل على تحجيم نفوذها وتقليص مجالها الحيوي في المنطقة  و الدول المجاورة.

-      المعوقات التي ممكن أن تواجه الزيارة إلى المملكة العربية السعودية:

·        الرفض من قبل فريق الديمقراطيين مؤيدي الحرية والعدالة و حقوق الإنسان لاسيما حول موضوع مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" وعدم حسم الموضوع بين أطراف القضية، وكيفية التغاضي عن هذا السلوك المتمثل في اقصاء المعارضين للسلطة داخل وخارج السعودية.

·        دور المملكة العربية السعودية في صعود القاعدة وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية. إذ تشير التقارير إلى أن من الضروري أن تعطي الأولوية للمحاسبة عن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، في أي محادثات بين أعضاء إدارة الرئيس "بايدن" والمسؤولين السعوديين، بما في ذلك المحادثات مع ولي العهد الحالي، أو أي أعضاء آخرين من العائلة الملكية السعودية. و تندد منظمة أسر ضحايا 11 سبتمبر/ أيلول، بالزيارة، وتشيد في الوقت نفسه بالأمر التنفيذي التاريخي الذي وقعته وبطلب منها لوكالات الاستخبارات الأمريكية بإجراء مراجعة رفع السرية عن آلاف من وثائق التحقيق المتعلقة بالدعم السعودي للقاعدة وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وقد أدى ذلك إلى ظهور وثائق للرأي العام لأول مرة تكشف أن مسؤولين سعوديين وعملاء المخابرات السعودية كانوا على اتصال مع الخاطفين وقدموا الدعم المادي لهم، وان الشعب الأمريكي يعرف أن المملكة تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية عن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وأن المذنبين السعوديين لم تتم محاسبتهم أبدا.

-       أما فيما يتعلق بالقسم الثاني من المحور الثاني من الزيارة والمتمثل باجتماع الرئيس "بايدن" مع قادة مجلس التعاون الخليجي، و الدول الثلاثة الأخرى خارج التجمع المذكور (العراق، مصر، الأردن).

·        فمن الممكن أن يؤكد "بايدن" خلال هذا اللقاء التزام الولايات المتحدة بأمن الشركاء والدفاع عنهم في وجه التهديدات القادمة من بعض الأطراف الإقليمية الفاعلة في المنطقة، وفقاً للدائرة المقربة للرئيس الأمريكي و المسؤولة عن الزيارة، فضلاً عن التباحث في الشأن الاقتصادي و دور العراق في بسوق الطاقة العالمي، كونه فاعل مهم و من الممكن أن يكون له تأثير واضح على موازين عرض الطاقة العالمي، من خلال توفير الظروف السياسية و الأمنية المناسبة.

·        وتتداول بعض الأوساط المقربة من الدائرة الإعلامية لإدارة الرئيس "بايدن" امكانية انشاء تجمع أو حلف عسكري (ناتو عربي)، يضم مجموعة من الدول العربية الخليجية والعراق و الأردن ومصر، مبتغاه التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب المتمثل بـ(داعش) في المنطقة، فضلاً عن تقويض السياسة الخارجية الإيرانية وتحجيم نفوذها، وتدخلاتها، التي تمكنها من المناورة والضغط بشأن الملف النووي باستخدام تلك الملفات المتعلقة بتوسيع مجالها الحيوي، وهو نفسه المشروع الذي اقترح في الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس "دونالد ترامب" 2017-2021، وتخفيف الثقل لتلك التبعات عن الإدارة الأمريكية وتسليمها للحلفاء في المنطقة.

·       ومن المحتمل سنشهد بعد الزيارة تأسيس نواة منظومة إقليمية اقتصادية أمنية تكون بوابة لتشكيل الشرق الأوسط الكبير حسب الرؤية الأمريكية .