أوضاع التركمان في سوريا الجديدة

I'm an image! ٢٦ / يناير / ٢٠٢٥

 

استقر التركمان السوريون تاريخيًا في جغرافيا واسعة تمتد من حلب إلى الجولان ضمن حدود سوريا الحالية. وقد استوطنوا هذه الأراضي ووُجدوا في كل منطقة من سوريا تقريبًا، لا سيما في اللاذقية ودمشق والجولان وحلب وحماة وحمص والرقة.  هذه الخلفية التاريخية تجعل التركمان سوريين مثلهم مثل جميع القوميات الأخرى التي تعيش في سوريا.

في هذا السياق، شارك التركمان السوريون بفاعلية في المظاهرات ضد نظام البعث منذ الأيام الأولى للاحتجاجات التي بدأت في جميع أنحاء البلاد عام 2011. وبهذا، أصبح التركمان عنصرًا مهمًا في المعارضة الاجتماعية في سوريا. وبعد 61 عامًا من حكم نظام البعث، تحولت المظاهرات السلمية في سوريا بسرعة إلى ثورة مسلحة، وانتهت هذه العملية بانهيار نظام البعث في 8 ديسمبر 2024. وكانت الجماعات التي شكلها التركمان السوريون من بين الثوار الذين ساهموا في انهيار النظام السابق، وقد أدت دورًا مؤثرًا في ذلك. ومع ذلك، فإن إعادة إعمار سوريا ما بعد البعث تثير قضايا جدلية تتعلق بالحقوق الدستورية للتركمان والاعتراف بهذه الحقوق.

في عام 2016، نفذت تركيا عملية "درع الفرات" لإزالة جناح منظمة PKK  ــــ تعدها تركيا من المنظمات الإرهابية ـــ  في سوريا، المتمثل في وحدات حماية الشعب (YPG)، من المنطقة الحدودية. ومن خلال هذه العملية، تمكنت المعارضة السورية ومن ضمنها التركمان من تعزيز منطقة موحدة. ويرجع ذلك إلى أن منطقة عملية "درع الفرات" تُعد من المناطق التي يعيش فيها التركمان السوريون بكثافة. وقد أدت العملية التي أطلقتها تركيا في المنطقة إلى توحيد التركمان، الذين لم يحققوا الوحدة السياسية من قبل. وبالتالي، يمكن القول إن هذا التوحيد يُعد أحد العوامل المهمة التي مهدت الطريق للسياسة التركمانية بعد نظام البعث.

 

الحقوق الدستورية

لم تضعف الثورة السورية سلطة النظام السابق فحسب، بل أضرت أيضًا بالنظام الاجتماعي نتيجة الهجرة والنزوح. وتعتمد إعادة إعمار سوريا، المعروفة بتنوعها العرقي، ووظائف مؤسساتها الحكومية، على سن دستور جديد. وستكتسب الرؤية المستقبلية لسوريا في إطار هذا الدستور الجديد أهمية كبيرة في الأيام المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، يبقى السؤال الرئيس هو كيفية تعريف المجموعات القومية والدينية التي تعيش في سوريا، وما الحقوق التي ستُمنح لها، وعلى أي أساس ستُبنى الحقوق الأساسية.

في هذا السياق، يمكننا القول بضرورة إشراك ممثلين عن المجموعات القومية والدينية في لجنة كتابة الدستور الجديد. ومن المهم أن يكون للتركمان، الذين يُعدون أحد العناصر الرئيسية في سوريا، وفي الثورة السورية التي أطاحت بالنظام السابق، ممثلون أيضًا في هذه اللجنة. وفي الدستور الجديد من الضروري أن يتم ضمان التعليم باللغة الأم، والهوية الوطنية والثقافة التركمانية، بالإضافة إلى التمثيل السياسي للتركمان داخل النظام، بموجب ضمانات دستورية.

من الملفت أن أحمد الشرع، القائد الفعلي لسوريا في الوقت الحالي، الذي قاد حملة الإطاحة بنظام البعث، ومن ثم تولى إدارة هذا البلد، لم يقوم باختيار شخصية من تركمان سوريا في الحكومة الانتقالية التي شكلها. إذا لم يتم ضم التركمان في لجنة كتابة الدستور الجديد في المرحلة التالية، قد لا تُحفظ حقوقهم وقد يُهدد وجودهم في سوريا. في هذه الحالة، سيكون من المناسب أن تمارس المنظمات السياسية وغير الحكومية للتركمان السوريين، التي تم تأسيسها خلال فترة المعارضة، ضغوطًا للمشاركة في الإدارة المؤقتة. وفي هذا السياق، يمكن لتركيا التي تدعم التركمان أن تلعب دورًا بنّاءً في حماية حقوق التركمان.

الجيش الوطني السوري

خلال زيارات رئيس جهاز المخابرات الوطني التركي (MIT)، إبراهيم كالين، ولاحقًا وزير الخارجية هاكان فيدان إلى سوريا، تم مناقشة الخطوات نحو دمج الجماعات المسلحة ضمن وزارة الدفاع السورية في الاجتماعات مع الشرع. وبعد ذلك، في 24 ديسمبر 2024، عقد الشرع اجتماعًا مع ممثلين عن الجماعات المسلحة القريبة من هيئة تحرير الشام (HTŞ) التي حاربت ضد نظام البعث. في الاجتماع، تم الإعلان رسميًا عن ضرورة حل الجماعات المسلحة ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع للجيش الوطني السوري الذي سيتم تأسيسه.

ومع ذلك، لا يزال مصير الجيش الوطني السوري (SNA)، الذي يضم الجماعات التركمانية ويُدعم من قبل تركيا، غير مؤكد. إذا قامت الجماعات التركمانية، مثلها مثل الجماعات المسلحة الأخرى، بحل نفسها وانضمت إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة، قد يكون من الممكن أن تتولى مناصب مهمة في الجيش بفضل الدعم التركي.

ليس من الواضح ما هو نوع النظام السياسي الذي ستتبناه الدولة السورية الجديدة. من الممكن أن تنتقل سوريا إلى نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب بعد سقوط النظام الديكتاتوري. في هذه الحالة، يمكن للتركمان توحيد مجتمعهم وإنشاء مجتمع تركماني فاعل في الحراك السياسي الجديد قبل الانتخابات.

في السابق، كان التركمان في سوريا يعيشون متفرقين في مناطق مختلفة من البلاد، مما وضعهم في موقف ضعيف من حيث التمثيل السياسي. وقد تعيق توزيعهم المتناثر في سوريا نجاحهم في الانتخابات البرلمانية ضمن النظام السوري الجديد أيضًا. يحتاج قادة الرأي التركمان إلى تقييم هذه الوضعية والتركيز على ضمان تمثيلهم في البرلمان. ويمكن القول إن هذا الهدف قد يتحقق مع عودة التركمان الذين تم إجبارهم على الهجرة إلى تركيا في السنوات السابقة. وبالتالي، سيكون دعم جيران سوريا، وخاصة تركيا، والمجتمع الدولي عاملًا حاسمًا في تسهيل عودتهم إلى سوريا.

في سوريا، نفذ نظام البعث سياسة التعريب منذ عام 1963 حتى فقدان السلطة. وتم إجبار جميع المجموعات العرقية، بما في ذلك التركمان، على تعلم اللغة العربية. وبالنسبة للتركمان، كانت الطريقة للتكيف مع المؤسسات التعليمية، والمناصب العامة، وحتى الحياة بشكل عام، هي التحدث بالعربية. وقد أثرت هذه الوضعية سلبًا أيضًا على الهوية الثقافية والتراثية للتركمان. في عملية إعادة بناء هوية وثقافة التركمان في سوريا الجديدة، يمكن للمنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية التركمانية دعم القبائل التركمانية، التي تم استيعابها تحت نظام البعث، في تبني هويتهم الخاصة.

في الختام، تم حرمان التركمان السوريين من الحقوق السياسية والاجتماعية مثل باقي المجموعات القومية والدينية في سوريا، إبان فترة النظام السابق، خاصة خلال سنوات الثورة السورية، حيث تعرضت المناطق التركمانية لقصف شديد واضطُر السكان للهجرة. قدمت تركيا دعمًا للتركمان السوريين نظرًا للروابط التاريخية والثقافية بين الطرفين، وأنشأت آليات للمساعدات الإنسانية والدعم السياسي. إن حقيقة أن التركمان تم إجبارهم على مغادرة مناطقهم بسبب هجمات نظام البعث السابق تجعل مستقبلهم في سوريا الجديدة غير مؤكد. وبشكل خاص، قد تكون قضايا مثل الاعتراف بحقوق التركمان والتمثيل السياسي في الدستور من القضايا المثيرة للجدل. سيعتمد موقف التركمان في المستقبل على مواقف الفاعلين الدوليين والقوى المحلية في عملية إعادة إعمار سوريا. في هذه العملية، يعد من الضروري للتركمان الدفاع عن حقوقهم والحصول على دعم المجتمع الدولي.