الارتقاء بمراكز التفكير العراقية رؤية في تطوير الأداء مع مدونة سلوك

I'm an image! ١٦ / فبراير / ٢٠٢٥

في ظل التحديات التي تواجه مراكز التفكير والأبحاث العراقية، أصبحت الحاجة ملحّة وآنية إلى إطار تنظيمي يسهم في تعزيز استقلاليتها، وضمان شفافيتها، وزيادة تأثيرها في صناعة القرار. تهدف هذه الورقة إلى تقديم رؤية شاملة حول كيفية تطوير هذا القطاع من خلال مدونة سلوك طوعية تعمل على وضع معايير مهنية وأخلاقية تحكم عمل هذه المراكز، مع الحفاظ على استقلاليتها العلمية والإدارية. 

تتناول الورقة التحديات التي تواجه مراكز التفكير العراقية، حيث تعاني هذه المؤسسات من ضعف التمويل، غياب الإطار القانوني الواضح، محدودية او ضعف التأثير على السياسات العامة، والتدخلات السياسية. كما أن ثقافة البحث العلمي وصناعة القرار الرشيد القائم على الأدلة والفعالية لا تزال محدودة، مما يجعل دور هذه المراكز أقل فاعلية مقارنة بمثيلاتها في دول أخرى (ديموقراطية او غير ديموقراطية)

تطرح هذه الورقة مقارنة بين النماذج الدولية في تنظيم مراكز التفكير، من خلال استعراض تجارب في بلدان عملت فيها مثل المملكة المتحدة وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، حيث تختلف طبيعة العلاقة بين مراكز التفكير والحكومات. ففي المملكة المتحدة، يتم تسجيل مراكز التفكير كمؤسسات خيرية تخضع لإشراف Charity Commission لضمان شفافيتها، بينما في ألمانيا، تُمول بعض المراكز من قبل الأحزاب السياسية وتخضع لمراجعة مالية صارمة من قبل الجهات الرقابية. أما في اليابان، فتُدار معظم مراكز التفكير بتمويل خاص أو بالشراكة مع الجامعات، في حين تعتمد المراكز الأمريكية على مزيج من التمويل الخاص والعقود البحثية مع الحكومة الفدرالية او الولايات.

بناءً على هذه التجارب والتي تفاعلت معها مباشرةً، نقترح في هذه الورقة، والتي كتبت من عيون ممارس، في طرح إطاراً مرناً لمأسسة مراكز التفكير العراقية الأهلية، بحيث يتم تنظيمها ضمن مدونة سلوك اختيارية تتيح لهذه المراكز العمل ضمن معايير واضحة للشفافية والاستقلالية والتعاون، دون فرض قيود قانونية تعيق حرية البحث العلمي. كما تدعو إلى إطلاق صندوق وطني لدعم البحث العلمي لضمان استدامة التمويل، إلى جانب تعزيز الشراكات بين مراكز التفكير والقطاعين العام والخاص.

تضع الورقة أيضاً تصوراً لآليات تنفيذ مدونة السلوك، حيث تبدأ المرحلة الأولى بمراجعة واعتماد النسخة النهائية للمدونة، وتنظيم ورش عمل تعريفية لضمان فهم المؤسسات البحثية لمعاييرها، ثم الانتقال إلى مرحلة التوقيع عليها من قبل المراكز المهتمة. بعد ذلك، يتم إنشاء لجنة إشراف مستقلة تتابع تنفيذ المدونة، وتضع نظاماً لتقييم مدى التزام المراكز بها، بحيث تقدم تقارير دورية تستعرض النجاحات والتحديات التي تواجه تنفيذها. وفي المراحل اللاحقة، يتم العمل على توسيع نطاق تبني المدونة، والتأكد من توفير مصادر تمويل مستدامة، بما يسمح لمراكز التفكير بالعمل بحرية وكفاءة دون ضغوط مالية أو سياسية.

تخلص الورقة إلى أن تبني مدونة السلوك ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو خطوة أساسية وضرورية نحو ترسيخ ثقافة البحث العلمي وتعزيز ثقة الجمهور وصناع القرار في مراكز التفكير العراقية، ونفس الشي اتجاه علاقة المراكز البحثية مع السياسيين، ومن خلال هذه المبادرة، يمكن لهذه المراكز أن تتحول إلى شريك رئيسي في صياغة السياسات العامة، والمساهمة في إنتاج أبحاث وتحليلات رصينة تساعد العراق في مواجهة تحدياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

بناءً على ذلك، تدعو الورقة مراكز التفكير العراقية، إضافة إلى الجهات الأكاديمية والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، إلى النقاش المشترك حول تبني هذه المدونة وتطويرها، بحيث تعكس احتياجات الواقع العراقي، وتضمن مستقبلاً أكثر استدامة لمؤسسات البحث الفكري. 


يمكنكم تحميل البحث كاملا.