الوضع الاقتصادي الإيراني وتأثيراته على العراق
مصطفى الساعدي
التضخم في إيران
تحول التضخم في الاقتصاد الايراني الى امر شبه طبيعي، وهو ما عانت منه جميع الحكومات، ولكن الفرق هو في نسبة ذلك التضخم التي تختلف من حكومة الى أخرى وعليه فلا توجد حقبه زمنية خالية من التضخم في الاقتصاد الايراني ومن أكثر الحقب تضخماً التي مرت على الاقتصاد الإيراني بالتسلسل هي اثناء الحرب الإيرانية العراقية والعامين الأخيرين من حكومة احمدي نجاد والفترة الثانية لحكومة الشيخ حسن روحاني حيث ارتفع سعر صرف العملات الصعبة الى ما يقارب السبعة أضعاف وعلى أثره ارتفعت جميع الأسعار وأهمها العقارات فقد ارتفعت الى ما يقارب الستة أضعاف ايضاً وبالتالي كان لذلك التأثير الكبير على الوضع الاقتصادي للمواطن الإيراني خصوصاً بعد فرض العقوبات من قبل الحكومة الأميركية على جميع جوانب الاقتصاد الإيراني وعليه فقد عانى الاقتصاد الإيراني العديد من المشاكل أهمها عدم تصدير النفط الإيراني وبما أن الاقتصاد الإيراني يعتمد بصورة كبيرة في مداخيله المالية على تصدير النفط الخام فبالتالي فقد هذا الاقتصاد المصدر الأساسي لتمويل ميزانيته العامة ولمعالجة الأمر كان ينبغي على من يتولون إدارة الاقتصاد أن يجدوا حلولاً بديلة لتوفير ما تحتاجه ايران من العملة الصعبة لاستيراد ما يحتاجونه من البضائع الأساسية او غير الأساسية. ولذلك فقد عملوا على زيادة تصدير المنتجات غير النفطية لباقي دول العالم وتصدير بعض مشتقات النفط كالبنزين والغاز لبعض الدول كفنزويلا والعراق .
الوجهات الأساسية للبضائع الإيرانية
في عام 2020 كانت تمثل الصين والدول المحيطة بإيران أكثر المستوردين للبضائع الإيرانية غير النفطية: -
1- الصين 25%.
2 2- العراق 22%.
3 3- تركيا 14%.
4 4- الامارات 9.4%.
5 5- أفغانستان 5%.
اهم البضائع التي تم تصديرها للصين تمثلت في المفروشات ومنتجات الصناعات اليدوية وكذلك عدد من المواد الأساسية اللازمة لبعض الصناعات وايضاً كانت من أبرز المنتجات الإيرانية المصدرة للصين هي الزعفران الإيراني المعروف بجودته, أما الصادرات الإيرانية لتركيا فقد كانت البتروكيمياويات والغاز الطبيعي السائل والمعادن وبعض الخضار والمفروشات، والامارات التي تعتبر ايضاً من أهم الدول المستوردة للبضائع الإيرانية فهي تستورد المشتقات النفطية عدا البنزين وكذلك المفروشات ومنتجات الصناعات اليدوية والزعفران والمكسرات كالفستق .
جدير بالذكر أن الكثير من البضائع يتم تصديرها كمواد أولية تستخدم في الإنتاج او تصديرها من دون تعبئة كالزعفران الذي يتم تصديره الى الامارات بنسب كبيرة والى عدد من الدول الأخرى ايضاً كإسبانيا وكندا حيث تتم تعبئته في تلك الدول وبيعه بأسعار باهظة جداً، وهذا ما دفع الكثير من الخبراء الاقتصاديين في إيران للمطالبة بإيقاف تصدير هكذا بضائع لان ذلك يؤدي الى حصول إيران على إيرادات كبيرة جداً إذا ما تمت تعبئتها في إيران ومن ثم تصديرها للبلدان المختلفة وإضافة الى ذلك يتم توفير فرص عمل كثيرة للعاطلين عن العمل الذين بدأت تزداد اعدادهم يوماً بعد يوم في إيران.
اضافةً الى العقوبات الأميركية فأن هناك حرباً اقتصادية شنت ضد ايران وذلك من خلال العمل قدر الإمكان على اخراج العملات الصعبة والذهب من ايران عن طريق شبكات واسعة يتم الإمساك ببعض افرادها بين الحين والأخر وبالتالي وجد الإيرانيون أن عليهم مواجهة تلك الحرب الاقتصادية فكانت تلك المواجهة بعدة طرق منها العمل على تفكيك تلك الشبكات وتسهيل السياحة للأجانب وكذلك تسهيل الدراسة الجامعية للطلبة الأجانب وكل ذلك أدى لحصول ايران على الكثير من العملة الصعبة التي تحتاجها وتعويض جزء كبير من الخسائر التي تعرضت لها في هذه الحرب الاقتصادية.
ففي عام 2019 ارتفعت أعداد السياح الأجانب الذين يزورون إيران بنسبة تصل الى 30% وأكثر السياح زيارة لإيران هم من العراق ثم من أذربيجان، أفغانستان، تركيا، باكستان وأرمينيا. أما فيما يتعلق بالطلبة الأجانب الذين يدرسون في الجامعات الإيرانية فقد كان عددهم ما يقارب الاربعون الفاً عام 2019 وهذا العدد قد ازداد كثيراً في بداية عام 2021 حيث ازدادت نسبة الطلبة الأجانب في جامعة آزاد وحدها ما يقارب 450% حسب احصائيات الجامعة نفسها .
العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق
يعتبر العراق من أهم وجهات التصدير بالنسبة للبضائع الإيرانية وقد إزداد تصدير البضائع الإيرانية للعراق بعد عام 2003 ووصل في عام 2008 الى ما يقارب 2.7 مليار دولار وكانت الصادرات للعراق تشكل ما نسبته 15% من جميع الصادرات الإيرانية وفي عام 2019 وصل التصدير للبضائع الإيرانية ما يقارب 9 مليار دولار وأما في عام 2020 فقد زاد الاستيراد من البضائع الإيرانية بنسبة ليست بقليلة واذا احتسبنا الخدمات الفنية والهندسية وكذلك الغاز المصدر من قبل ايران لتشغيل محطات الكهرباء، والكهرباء التي يتم تصديرها للعراق عندها سيصل حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين الى ما يقارب ثلاثة عشر ملياراً وهذا ما يشكل 22% من جميع الصادرات الإيرانية في العام الماضي، وفي هذه السنة قد بلغت الصادرات الإيرانية للعراق ما نسبتها 27% من جميع الصادرات الإيرانية وبالتالي أصبح العراق أكثر الدول استيراداً للبضائع الإيرانية واحتلت الصين المركز الثاني بعد العراق.
كما ذكر سابقاً فأن للعراق استيراد في مجال الطاقة من إيران وينقسم ذلك الى قسمين هما الغاز والكهرباء وقد أبرمت وزارة الكهرباء العراقية عقدين كل منهما لمدة ست أعوام مع الشركة الوطنية الإيرانية للغاز في عامي 2013 و2015 لتوفير ما تحتاجه المحطات الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية وتلك المحطات هي المنصورية والقدس والصدر في بغداد ومحطة شط البصرة في محافظة البصرة جنوبي العراق، وقد بدأت إيران بتصدير 7 مليون متر مكعب من الغاز يومياً الى العراق في عام 2017 وقد وصل حجم الغاز المصدر في بداية عام 2018 الى ما يقارب 14 مليون متر مكعب من الغاز اللازم لتوليد 2800 ميغا واط من الطاقة الكهربائية أما في مجال الطاقة الكهربائية تقوم إيران بتصدير ما يقارب 1200 ميغا واط للعراق وعليه فأن إيران تؤمن ما مجموعه 4 الاف الى 4200 ميغا واط عن طريق الغاز المصدر لتشغيل المحطات الغازية وكذلك تصدير الطاقة الكهربائية بصورة مباشرة.
أما الصادرات الإيرانية للعراق في المجالات الأخرى غير الطاقة فتتوزع على عدة بضائع أبرزها المواد الانشائية والمواد الغذائية والخضار وغيرها من المنتجات والتي بلغت 17 مليون و600 ألف طن خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة 21 اذار – 22 أكتوبر من العام 2020.
أما فيما يخص السياحة وعلى أساس ما أعلنه المختصون في هذا المجال أن السياح العراقيين يقصدون ايران إما لزيارة المراقد المقدسة في قم ومشهد او من أجل العلاج في ايران وأن من يقصدون ايران بهدف العلاج تكون تكاليفهم الاف الدولارات وأكثر بكثير ممن يذهبون لزيارة المراقد المقدسة وبالتالي كمعدل فان كل عراقي يذهب الى ايران تكون تكاليفه الف دولار ونظراً الى عدد السياح الذي بلغ أكثر من مليون و700 الف سائح في الأشهر الست الأولى من عام 21 اذار – 23 أيلول من العام 2019 وهذا العدد يزيد عن تعداد السياح العراقيين الى ايران في نفس الأشهر من العام 2018 بحوالي 426 الف سائح والذي يدل على التسهيلات التي اوجدتها ايران لجذب اكبر عدد ممكن من السياح لزيارة بلدهم، واضافة لذلك فان المناطق الحرة قرب المدن الحدودية التي اوجدتها إيران من خلال سماحها للعراقيين الدخول اليها من دون تأشيرة في مدينتي خرمشهر وآبادان أدى الى أن الكثير من البصريين بدأوا يتوجهون لتلك المدينتين لتسوق ما يحتاجونه من احتياجاتهم اليومية وذلك ما أدى لارتفاع الأسعار في تلك المدن والذي كان له التأثير السلبي على المواطن الإيراني من سكنة تلك المدينتين وكذلك على بعض أصحاب المحال التجارية في الأسواق الشعبية في مدينة البصرة.
اما فيما يخص الطلبة فأكثر الطلبة الأجانب الذين يدرسون في إيران هم من العراقيين وقد تم الإعلان عن أن 70% من الطلبة الأجانب في الاختصاصات الطبية هم من العراقيين وهناك زيادة ملحوظة في أعداد الطلبة العراقيين الذين يدرسون في إيران عام بعد عام وهذا له دور كبير في جلب العملة الصعبة الى إيران.
جدير بالذكر ان التبادل الاقتصادي بين العراق وإيران هو احادي الجانب الى حدٍ كبير حيث تعادل الصادرات العراقية الى إيران خلال كل عام من الأعوام العشر الماضية ما لا يزيد عن 100 مليون دولار وهو مبلغ لا يمكن مقارنته بما يستورده العراق من البضائع الإيرانية، ويخطط الإيرانيون الى أن تصل الصادرات الايرانية للعراق في أواسط عام 2021 الى عشرين مليار دولار.
ويعتقد بعض الخبراء الايرانيين بالشأن الاقتصادي أن على إيران ومن أجل أن تحفظ مكانتها في السوق العراقية وتزيد من مساهمتها في هذا السوق، يجب ان تلتزم بعدة أمور منها:
11- زيادة أنواع البضائع المصدرة
عدم الاقتصار على ما يتم تصديره من بضائع الأن بل زيادة أنواع البضائع المصدرة خصوصاً بعد أن آتخذ العراق سياسات لحماية المنتج الوطني من الخضار وغيره من المواد الغذائية وبالتالي يجب زيادة أنواع الصادرات للعراق لتشمل الخدمات الفنية والهندسية والتكنولوجية وإن حدث ذلك فأن حجم الصادرات الإيرانية لن يتعرض لمشاكل كبيرة إذا ما فرض العراق في المستقبل سياسات اخرى لحماية بعض منتوجاته الوطنية.
22- تنفيذ جزء من مشاريع الاعمار
أحد اهم الأمور التي يجب القيام بها في السوق العراقي وللمحافظة عليه هو تنفيذ المشاريع العمرانية حيث يوجد ما يقارب 9 الاف مشروع غير مكتمل في العراق وهذا ما يمكن أن يكون فرصة لإيران لتزيد حصتها في السوق العراقي والمساهمة في تنفيذ مشاريع الاعمار في العراق، واذا ما تم هذا الامر سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني من خلال إنقاذ الكثير من شركات البناء الإيرانية التي هي على أبواب الإفلاس والانهيار وكذلك من نتائجه جلب العملة الصعبة للداخل الإيراني ويمكن ان تتم المساهمة في تنفيذ هذه المشاريع عن طريق استخدام يد عاملة من العراق وهذا الامر يؤدي لتشجيع وتحفيز الطرف العراقي لاستمرار العمل مع الشركات الإيرانية.
33- إضفاء نوع من التوازن على العلاقة الاقتصادية بين البلدين
كما ذكر سابقاً فأن العلاقة الاقتصادية بين ايران والعراق أحادية الجانب وهي عبارة عن البضائع الإيرانية التي يستوردها العراق والتي قد تصل مبالغ تلك الاستيرادات في هذا العام ما يقارب 20 مليار دولار مقابل اقل من 100 مليون دولار من البضائع المصدرة من العراق الى ايران خلال العام الواحد وبالتالي يجب إضفاء شيء من التوازن على هذه العلاقة الاقتصادية بين البلدين عن طريق الترانزيت الخاص بالبضائع التي تحتاج ايران لاستيرادها ويكون ذلك عن طريق العراق ومن ثم انتقالها الى ايران وكذلك عن طريق العمل في مشاريع مشتركة لإنتاج المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الصناعية من خلال الاستثمار المشترك بين البلدين واستخدام الايدي العاملة من البلدين في تلك المشاريع وهذا ما يمكنه ان يضفي نوع من التوازن والثبات في العلاقة الاقتصادية بين البلدين.
44- زيادة العلاقات الاقتصادية ذات الطبع الخدمي
أحد الأمور التي يمكن من خلالها زيادة الإيرادات هي الفعاليات الاقتصادية ذات الطابع الخدمي والتي أهمها هي السياحة الدينية والسياحة العلاجية ففي ايران توجد أماكن دينية في قم ومشهد واضافة لذلك وجود الشمال الإيراني المخضر والذي يمكن ان يشكل احد وجهات السياح القادمين لإيران خصوصا من العراق اما في مجال السياحة العلاجية فان ايران ونتيجة تطورها في المجال الطبي ايضاً أصبحت كذلك وجهة مهمة للسياحة العلاجية القادمة من العراق ويمكن ان يتم العمل على زيادة نسبة السياح في الامرين الذين تم ذكرهما من خلال التسهيلات وتوفير البنى التحتية اللازمة لذلك ولا يتوقف الامر عند هذا الحد بل يمكن زيادة الخدمات المقدمة للعراق كالكهرباء وغيرها خصوصاً وقد بدأ اخيراً العمل على ربط شبكتي الكهرباء للبلدين ببعضهما البعض.
وفي طبيعة الحال فان هناك احتمال كبير بأن يزداد حجم العلاقة الاقتصادية بين إيران والعراق يوماً بعد يوم خصوصاً إذا ما استمعنا للمرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية الذين يقدمون اكثرهم برامج اقتصادية تشمل زيادة الصادرات للدول المحيطة بإيران على حساب الدول الأخرى في اوروبا او غيرها، وفي مقدمة هذه الزيادة هي الصادرات الإيرانية المتجهة للعراق ومنافسة المساهمين الاخرين في السوق العراقي كالصين وتركيا والمملكة العربية السعودية بصورة أكبر.
مصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديرمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعديمصطفى الساعدي