تقرير المصير بين العالم الأول والعالم الثالث (دراسة مقارنة)

I'm an image! ١٢ / يناير / ٢٠٢٢

تقرير المصير بين العالم الأول والعالم الثالث (دراسة مقارنة)

اعداد د. علي رحيم طعيمه

المقدمة:

ان مصطلح تقرير المصير في القانون الدولي يعني منح الشعب أو السكان المحليين إمكانية أن يقرروا شكل السلطة التي يريدونها وطريقة تحقيقها بشكل حر وبدون تدخل خارجي.

حيث ان تقرير المصير هو حق منحته المواثيق الدولية والدساتير العالمية من خلال منح حرية تقرير مجموعة او فئة تتمتع بديانة او معتقد او قومية او لغة او جنس او لون بشره معين ...... الخ في تأسيس نظام حكم لتنظيم حياتهم الاجتماعية وفق ما يخدم تطلعاتهم وميولهم دون التبعية الى دولة أخرى تملي عليهم القوانين والضوابط الخاصة بها وتعارض ارادتهم وحرياتهم.

شهد العالم منذُ زمن ليس بالقريب مجموعة من المحاولات تقرير المصير ولاسيما ما يحدث في الآونة الأخيرة من محاولات عديدة للانفصال بعضها كتب عليها النجاح كمحاولة تقرير المصير لجنوب السودان والبعض الاخر كتب عليها عدم النجاح لعدم تهيئة الظروف المناسبة والمقدمات التي تخدم عملية تقرير المصير لاسيما موافقة المجتمع الدولي (الدول العظمى والفاعلة في العالم) كمحاولة انفصال ايرلندا الشمالية عن مملكة البريطانية المتحدة ومحاولة أخرى كمحاولة الانفصاليين في الصومال ومجموعة البوليساريو في المغرب العربي .... الخ.

ان عملية تقرير المصير هي عملية صعبة المخاض من اجل ولادة نظام حكم جديد ينسلخ من دولة الام لكون دولة الام لا تضحي بسهوله بوليدها كونه جزء لا يتجزأ منها علما ان اغلب هذه المجاميع التي تنوي الانفصال او تقرير مصيرها قد عانت الكثير من الدول التي كانت تنظم تحت سيادتها لكون هذه المجاميع لا تشعر بانتمائها لتلك الدول وان هذه الدول بالمقابل لم تعطيها الحرية الكاملة في تنظيم شؤونها إضافة الى الاستغلال الاقتصادي ان صحة التوصيف.

من بين المحاولات التي سعت الى تقرير المصير في العالم الأول كان محاولة انفصال إقليم كتالونيا عن مملكة اسبانيا , وفي العالم الثالث محاولة انفصال إقليم كردستان عن جمهورية العراق الا ان هذه المحاولات لم تكتب لها النجاح لكن طريقة تعامل حكومة المركزية للعالمين مع المحاولتين كانتا مختلفين بحسب وعي سياسي كلا البلدين.

 

 

 

أولا / العالم الأول (إقليم كتالونيا)

 

1.    موقع إقليم كتالونيا الجغرافي والاقتصادي:

كتالونيا إقليم يقع في شمال شرق شبه الجزيرة الإيبيرية) إسبانيا (وهي تمثل بوابة شبة الجزيرة الايبرية نحو القارة الاوربية (صورة 1). وتتمتع بحكم ذاتي وعاصمتها هي مدينة برشلونة.

تنقسم كتالونيا أربع مقاطعات: برشلونة، جرندة ، لاردة وطراغونة. السلطة التشريعية ممثلة في برلمان كتالونيا ولها علم ونشيد وطني خاص بالإقليم ويتحدث أبناؤه لغة مختلفة عن باقي إسبانيا. وله كذلك شرطة خاصة به، ويسيطر على غالبية الخدمات العامة فيه.

يتمتع الإقليم بمصادر ثروة عدة حيث تعد كاتالونيا أكثر المناطق الاقتصادية والسياحية والصناعية، فهي تقدم نحو ثلث الناتج الصناعي الإسباني، وتعد مدينة برشلونة أحد أهم الموانئ البحرية على البحر المتوسط ولها ساحل يعج بالسواح من مختلف مناطق العالم, كما انها مركز ثالث أكبر بنك إسباني (لاكايشا بنك) ، إضافة إلى المقر الرئيسي لشركة الغاز الطبيعي العملاقة .وفيها  المقرات الرسمية لأكثر من 800 شركة ويعتبر إقليم كتالونيا أغنى إقليم في إسبانيا ويسهم بنحو ربع إجمالي صادرات البلاد.

طبيعة نظام الحكم في الإقليم:

تتكون حكومة الحكم الذاتي في إقليم كتلونيا من مجلس كتالونيا التنفيذي (الجنيراليتات دي كتلونيا)

وهي الهيئة التي تنظم نظام الحكم السياسي الشامل في كتالونيا (صورة 2) بما فيها البلديات الفرعية والمحاكم وليس فقط الأجهزة التنفيذية للحكومة. وتتألف تلك الهيئة من برلمان كاتالونيا (135 نائبا، ينتخبون عن طريق الاقتراع العام من قبل مواطني كاتالونيا)، ورئيس حكومة كتالونيا

 تتمتع الحكومة المحلية في كتلونيا بسلطات وصلاحيات واسعة وحصرية في أمور مختلفة مثل الثقافة والبيئة والاتصالات والنقل والتجارة والسلامة العامة وتتولى أغلب مهام الشرطة والأمن والتي كان يقوم بها الحرس المدني وهيئة الشرطة الوطنية الإسبانية في الماضي.  بينما تشارك صلاحياتها مع الحكومة المركزية في مدريد في التعليم والصحة والعدالة.

 

التهيئة لعملية الانفصال (لوجستياً سياسياً ودولياً)

بداءة عملية التهيئة للانفصال عن طريق النشطاء المدنيين والسياسيين الداعين للانفصال وبعض من أبناء الشعب الكتالاني وذك عن طريق توزيع الملصقات ولصق البوسترات الداعية للاستفتاء بالاستقلال على محطات الباصات والمترو والكتابة على بعض الجدران وعقد ندوات وحوارات في مراكز الشباب والنوادي لغرض الترويج للاستفتاء.

هنا بدأت الاخبار تصل الى الحكومة المركزية التي حذرت حكومة كتلونيا من مغبة المضي في طريق الاستفتاء والعواقب الوخيمة التي ستحل على إقليم كتلونيا، ومن ضمنها بدأت تفرض غرامات مالية عالية تصل الي 50 الف يورو على المطابع التي تطبع أي ملصق او بوستر يدعو للانفصال وبدأت هنا اول مراحل الغليان بين الإقليم وحكومة المركز وهنا بدأت أولى شرارات الغضب حيث بداء النشطاء والداعمين للانفصال بوضع الملصات والبوسترات ليلا خوفا من الغرامات المالية، حيث كان يلاحظ صاحب المقال عند الذهاب الى الجامعة (حتى في المصعد الكهربائي).

ومن ضمن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها مدريد هو تخويل رئيس الحكومة الاسبانية بتقديم طعن باسمها بصورة عاجلة أمام المحكمة الدستورية؛ ضد قرار برلمان كتالونيا ومرسوم حكومتها، بدعوى مخالفتهما للدستور. ويمنح الدستور الحكومة المركزية في مدريد الحق بحمل الحكومة المحلية في كتالونيا على سحب قرار الاستفتاء.

وهنا جاء رد المحكمة الدستورية في إسبانيا في 12 سبتمبر 2017 مؤكداً على أن الاقتراع غير قانوني لأنها اعتبرت أن هذا الاستفتاء يتعارض مع دستور إسبانيا 1978.

 لكن رئيس إقليم كتالونيا كارلس بوجيمون أكد على عزمه إجراء الاقتراع في وقته المخطط له (صورة 3)، وأصدر بيان اوضح فيه (اننا لن نجري الانتخابات في المراكز الانتخابية كالمدارس والمعاهد التي بنيت بأموال مدريد بل سنجري استفتائنا في مدارسنا التي بنيناها بأموال كتلونيا).

بعدها قام المدعي العام في المحكمة العليا بكتالونيا بأمر الشرطة الكتالونية والحرس المدني والهيئة الوطنية للشرطة باقتحام مكاتب الاقتراع الانتخابية للحيلولة دون إجراء الانتخابات.

وكأجراء احترازي تم أرسل الالاف من افراد الشرطة الإسبانية من مدريد للإقليم بهدف منع اي تحرك بأجراء الاستفتاء والاستيلاء على مراكز الاقتراع. وعند وصول أفواج الشرطة الاسبانية الى مدينة برشلونة، وجه كارلس بوجيمون رئيس الحكومة الكتلانية كلمة للشرطة الاسبانية قال فيها: لا اعتقد ان احدا يستخدم العنف او سيحرض على العنف كما دعاها الى التصرف بصفه مهنية لا بصة سياسية.

كما أكد بوجيمون خلال اجتماعه مع ممثلي المراكز التعليمية التي ستقام فيها مكاتب الاقتراع وقال سنذهب حتى النهاية مشيرا الى انه يتحمل مع حكومته كامل المسؤولية لتنظيم التصويت على الرغم من كل التحذيرات التي ابدتها الحكومة المركزية في حال المضيء في التصويت (صورة 4)

4.يوم الاستفتاء وما بعده: انفصال كتلونيا وإعلان الاستقلال

بعد وصول الالاف من الشرطة الاسبانية الى إقليم كتلونيا وتغيير مدير شرطة مدينة برشلونة (حسب امر صادر من رئيس الوزراء الاسباني) بدأت دوريات كثيرة للشرطة الاسبانية وقوات مكافحة الشغب تجوب مناطق المدينة وبصورة خاصة قرب مراكز الاقتراع، عند ذلك أرسلت حكومة كتلونيا إخطارات للسكان تطلب منهم فيها حماية مراكز الاقتراع فقام الكتلانيين المؤيدين للانفصال باحتلال المدارس تجنبا لغلقها من طرف سلطات إسبانيا وقد واصلوا احتلالها حتى صباح يوم الاستفتاء.

وهنا اخذت الأمور منحى اخر (أكثر صرامة) حيث أصدر مكتب الادعاء العام أمر لجمع أسماء كل من يشارك في التصويت، وستصادر الوثائق المتعلقة بذلك، وأن أي شخص يملك مفاتيح لدخول مركز الاقتراع سيعتبر متواطئا في جرائم عصيان ومخالفات وسرقة أموال

وفي 1 أكتوبر 2017 تم تنظيم استفتاء استقلال كتالونيا داخل إقليم كتالونيا الذي رفضت السلطات الإسبانية الاعتراف بنتائجه وبدأت المواجهة بين قوات الشرطة التي تحاول منع المواطنين من الادلاء بأصواتهم سواء بغلق أبواب المدارس او الاستيلاء على صناديق الاقتراع وسجلات أسماء الناخبين وأخيرا استخدام القوة (الهروات ) لضرب وتفريق الناخبين المشاركين في الاستفتاء(صورة 6) مما أدى الى إصابات العشرات بجروح  .  

انصدم الكتلانيين من هذه المشاهد التي نقلتها وسائل الاعلام والتي أظهرت قسوة افراد الشرطة تجاه أبناء إقليم كتلونيا وكانت لهذه الحوادث نتائج سلبية على المواطنين الرافضين للاستقلال من أبناء كتلونيا وكانت الصدمة ان المواطنين بداوا بالتعبير عن رفضهم لهذه الإجراءات بان يخرجون على شرفات منازلهم ويطرقون على الدرابزون كل يوم الساعة الثامنة مساءاً لمدة 10 دقائق تعبيرا عن رفضهم لهذه الوحشية تجاه المشاركين في التصويت على الانفصال.

 بعد أسبوع من اجراء الاستفتاء وبالتحديد في يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلن برلمان كتالونيا انفصال الإقليم عن إسبانيا بأغلبية 70 صوتا ضد 10 أصوات والذي تتمكن به كاتالونيا من إعادة استثمار أموال الضرائب التي ترسلها لحكومة مدريد، وهو ما يعادل 9 % من إجمالي الناتج المحلي مما يسبب أثارًا سلبية جدًا على الاقتصاد الإسباني وعدم استقراره، حتى أن العاصمة مدريد، راجعت توقعاتها للنمو فى العام 2018 من 2.6 إلى 2.3% من الناتج الإجمالي.

حيث ساهمت كتلونيا بنسبة 19% من إجمالي الناتج الداخلى الإسبانى، متقدمة بشكل طفيف جدًا عن مدريد المساهمة بنسبة 18.9%، ليصبح الإقليم الساعى للانفصال أثرى منطقة إسبانية، كما يحل فى المرتبة الرابعة بالنسبة لقياس الناتج الإجمالى للفرد بواقع 28600 يورو، مقابل معدل 24 ألف يورو فى إسبانيا، خلف مدريد، وبلاد الباسك، ولانافارى.

وبنفس الوقت فان اعلان الانفصال كان له إثر اقتصادي سلبي على كتلونيا حيث اوضح وزير الاقتصاد الإسبانى، فإن كتالونيا في حالة استقلالها ستكون خارج الاتحاد الأوروبى، وستشهد تراجعا فى ناتجها الإجمالى بما بين 25 و30% وانخفاض العائدات الضريبية التي تدفعها شركات تغادر عاصمة الإقليم برشلونة إلى مدريد والأقاليم الأسبانية الأخرى, لأن أكثر ما يخشاه عالم المال والأعمال هو عدم الاستقرار.

كما أن الاستثمار في الاقليم لن يعود مجديا في حال انفصاله بسبب صغر سوقه الذي لا يزيد عدد مستهلكيه عن 7.5 مليون نسمة مقابل سوق إسبانية وأوروبية بعدد مستهلكين يزيد عن 500 مليون مستهلك. ومما يعنيه ذلك أن انفصال الاقليم المتطور صناعيا سيحرم الشركات المحلية والأوروبية العاملة فيه ميزة الإنتاج والبيع في السوق الكبيرة وهذا ما سيدفعها إلى الهجرة. وفي حال حصل ذلك فإن عشرات، لا بل مئات الآلاف من الكاتالونيين سيفقدون عملهم ومصدر رزقهم.

بالإضافة الى تراجع السياحة مما يسبب ازدياد نسبة البطالة بسبب عدم استقرار الاوضاع التى تنجم عن اعلان الاستقلال صورة 7.كما وأن بروكسل ستمتنع عن قبول كاتالونيا في عضوية الاتحاد الاوروبي بسبب الرفض الأسباني القاطع الذي تؤيده فرنسا وإيطاليا  وألمانيا ومعظم دول القارة الاوربية.

كما شككت الحكومة المركزية في مدريد في نسبة المؤيدين للانفصال وان اكثر صناديق الاقتراع تمت مصادرتها من قبل الشرطة فكيف يمكن لرئيس الإقليم ان يثبت صدق ادعائه ... بوجيمون قام وطلب من مؤيدي الانفصال ان يخرجوا في مظاهرات  في الساعة 8 ليلا  تنطلق من احد الشوارع  القديمة والشهيرة في مدينة برشلونة ( شارع جراند كراسيا ) باتجاه ساحة كتلونيا الشهيرة مع حمل شمعة وهنا عندما صورت وسائل الاعلام هذه المظاهرات ذات الحشود الكثيرة جدا قال عنها بوجيمون ان 90 بالمئة من الشعب الكتلاني يؤيد الانفصال وهذه المظاهرات تثبت ذلك وحسب وسائل الاعلام المختلفة وانهم يرفضون قرارات الحكومة المركزية.

وكرد على اعلان الانفصال فقد صوّت مجلس الشيوخ الإسباني في خطوة غير مسبوقة على تفعيل المادة 155 من الدستور التي تسمح للحكومة المركزية بتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا وفرض الحكم المباشر عليها وجاء التصويت بموافقة 214 عضوا مقابل رفض 47 عضوا وامتناع عضو واحد عن التصويت. وفي وقت لاحق، عقد رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، اجتماعا طارئا للحكومة الإسبانية صورة 8 , أعلن في أعقابه عن إن الحكومة بدأت اتخاذ إجراءات ردا على إعلان كتالونيا الانفصال:

1-  حل حكومة  إقليم كاتالونيا, في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اعتماد الدستور عام 1978 كإجراء لإحباط حملة الاستقلال وتهدئة المخاوف من حدوث اضطرابات ومشكلات اقتصادية في قلب منطقة اليورو.

2-  بسط سيطرت الحكومة المركزية في مدريد الكاملة على مقار الحكومة والشرطة والإعلام الرسمي بالإقليم وتعليق سلطات البرلمان الإقليمي لمدة ستة أشهر حتى إجراء انتخابات مبكرة في إقليم كتلونيا.

3-  أوقفت السلطات الإسبانية رئيسي أبرز منظمتين انفصاليتين في كاتالونيا بتهمة العصيان، وهما جوردي سانشيز الذي يقود "رابطة الجمعية الوطنية الكاتالونية" وجوردي كوشارت الذي يقود حركة ثقافية مؤيدة للاستقلال.

4-  من جهة أخرى، امتثال قائد شرطة كاتالونيا جوزيب لويس ترابيرو أمام القضاء الإسباني في مدريد لاستجوابه بتهمة العصيان وعدم منعه إجراء الاستفتاء المحظور. ورغم مطالبة النيابة باحتجازه على ذمة المحاكمة، سمحت المحكمة له بالمغادرة دون أن تحتجزه.

 

وقال رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، لأعضاء المجلس إن هناك حاجة إلى حكم مباشر لإعادة "القانون والديمقراطية والاستقرار" إلى كتالونيا وانه ليس هناك احتمالات كبيرة بتصعيد الأزمة إلى نزاع مسلح، لكنها ستلحق الأضرار بالاقتصاد الإسباني وربما تسبب أزمات في منطقة اليورو.

كما قال رئيس الوزراء الإسباني إنه لم يجرد اقليم كتالونيا من الحكم الذاتي ولكنه يعيد "الاقليم إلى سلطة القانون لإن تصرفات الحكومة المحلية "تتعارض مع القانون وتسعى للمواجهة"..

من جهته، رفض الزعيم الكتالوني كارلس بوجيمون إجراءات الحكومة الإسبانية، وقال في كلمة عبر التلفزيون إنها "لا تتلاءم مع السلوك الديمقراطي ولا تحترم دولة القانون". كما وصف برلمان الإقليم تلك الإجراءات بأنها "انقلاب"، وقالت رئيسة برلمان كتالونيا في كلمة أمام زملائها إن رئيس الوزراء الإسباني "نفذ انقلابا لإنهاء صلاحيات البرلمانيين".

 وفي 14 أكتوبر 2019، قضت المحكمة العليا الإسبانية عدد من القرارات منها :

1-  سجن تسعة من زعماء إقليم كتالونيا الانفصاليين، ما بين تسع و13 سنة بتهمة التحريض على التمرد، بسبب دورهم في محاولة الإقليم الفاشلة للاستقلال صورة 9.

2-  حكمت المحكمة على نائب رئيس الإقليم السابق، أوريول جونكويراس، بالسجن لمدة 13 عاما بسبب التحريض وإساءة استخدام الأموال العامة .

3-  كما تمت محاكمة 12 شخصا على أعمالهم، في محاولة إقليم كتالونيا الانفصال عن إسبانيا بعد استفتاء غير قانوني على الاستقلال.

وغابت عن المحاكمات الشخصية الرئيسية في محاولة الانفصال، وهو الرئيس الكتالوني السابق كارلوس بوجديمون الذي فرّ إلى بلجيكا، وسيكون الغائب الأكبر عن هذه المحاكمة، إذ إن إسبانيا لا تحاكم غيابيا المتهمين بجنح خطر.

وفي 23/06/2021 أطلقت السلطات الإسبانية سراح تسعة من قادة الانفصاليين الكاتالونيين الذين صدرت بحقهم قرارات حكومية بالعفو، في خطوة قال رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إنها تمثل بادرة مصالحة، تتيح بدء مرحلة جديدة من الحوار وتنهي حالة الانقسام والصدام بين السلطتين المركزية والإقليمية.

 

استفتاء استقلال إقليم كردستان ونتائجه

كلمة كردستان مؤلفة من جزئين، الأول منها هو "كرد" نسبة إلى الشعب الكردي، والجزء الثاني منها هو "ستان" وتعني موطن أو مكان. الكرد هم أقلية عرقية موجودة في ثلاثة بلدان العراق وإيران وتركيا.

وتسمية "كردستان" والتي تُترجم إلى "بلاد الكرد"، تم توثيقها لأول مرة في السجلات السلجوقية في القرن الحادي عشر واستخدمت فيها الدولة العثمانية مصطلح "كردستان" للإشارة إلى وحدة إدارية بدلاً من منطقة جغرافية. وكردستان منطقة جبلية ذات حدود طبيعية   صورة 11.

 يغطي مصطلح كردستان جزءًا كبيرًا من الشرق الأدنى: المناطق الشمالية من العراق وسوريا و إيران الغربية بأكملها من الشمال إلى الجنوب حتى الخليج الفارسي والأجزاء الشرقية والوسطى بأكملها من جمهورية تركيا وفي بعض الأحيان يتم تضمين المناطق الغربية من جمهورية أرمينيا وجورجيا أيضًا في هذه الأرض الجغرافية.

يتركز اكراد العراق في كل من محافظة السليمانية ومحافظة أربيل ومحافظة كركوك ومحافظة دهوك ومناطق سنجار وعقرة من محافظة نينوى. وكذلك في منطقتَي (خانقين ومندلي) من محافظة ديالى حيث يجاورون أكراد إيران إلى الغرب من جبال زاكروس، وكذلك في منطقتي (بدرة وجصان) من محافظة واسط. ويقدر عدد اكراد العراق بنحو خمسة ملايين ومئتي الف نسمة.

نظام الحكم في إقليم كردستان

حكومة إقليم كردستان هي السلطة التنفيذية للقرارات التي يسنها المجلس الوطني الكردستاني لإقليم كردستان في العراق (البرلمان). تشكلت حكومة إقليم كردستان عام 1992م من قبل المجلس الوطني الكردستاني (البرلمان)، وهو أول برلمان منتخب بشكل ديمقراطي في إقليم كردستان والعراق بعد إقامة منطقة الحظر الجوي لحماية الكرد من الغارات الجوية للنظام العراقي السابق عام 1991م. ويتألف المجلس الوطني الكردستاني من: الحزب الديمقراطي الكردستانى والاتحاد الوطني الكردستاني وحزب كادحي كردستان والحزب الاشتراكي الكردستاني والاتحاد الإسلامي الكردستاني والحزب الشيوعي الكردستاني والجماعة الإسلامية وحزب الإخاء التركماني. رئاسة الاقليم تكون للحزب الديمقراطي الكردستاني بينما رئاسة العراق الى الاتحاد الوطني الكردستاني. تتألف حكومة اقليم كردستان الحالية من 27 وزارة وهناك 9 وزراء بدون حقيبة، ومركزها مدينة أربيل "هولير"  واللغات الرئيسية في الإقليم هي  الكردية والعربية، أما العملة الرسمية فهي الدينار العراقي.

اقتصاد كردستان العراق

يتسم الاقتصاد الكردستاني بالاعتماد الشديد، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على قطاع النفط بالإضافة الى الزراعة والسياحة.  ونظرًا للأمن النسبي والسلام في المنطقة وسياسات أكثر ليبرالية وسوقًا اقتصادية، فإن اقتصادها أكثر تطورًا مقارنة بأجزاء أخرى من العراق.

سمح الأمن والاستقرار النسبيان في المنطقة لحكومة أقليم كردستان بالتوقيع على عدد من العقود الاستثمارية مع الشركات الأجنبية ففي عام 2006، تم حفر أول بئر نفطية في منطقة كردستان من قبل شركة الطاقة النرويجية DNO. كما تمتلك حكومة إقليم كردستان حاليا أربع مناطق اقتصادية خاصة، في دهوك، وباتيفة، وشقلاوة، وجمجمال هي أساسا لتصنيع المواد الهيدروكربونية والأدوية والأغذية المعبأة والأغذية المصنعة. وتشمل هذه أكبر مصنع لتعبئة الكوكا كولا في الشرق الأوسط خارج مصر وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي. وأكبر مركز لإنتاج الآيس كريم في العراق وسوريا مجتمعتين. لكن بالرغم من كل الامتيازات الاقتصادية ما زالت المشكلات الرئيسية التي يواجهها الاقليم قائمة، فهو منطقة مغلقة تحيط بها دول غير متعاطفة مع تطلعات الأكراد مثل تركيا وإيران وأخرى تعيش صراعات مثل سوريا وباقي العراق. وهناك مناطق متنازع عليها بين حكومة الإقليم وحكومة العراق المركزية من بينها كركوك الغنية بالنفط والتي يقطنها مزيج من القوميات أهمها الأكراد والتركمان والعرب.

حلم الاستقلال ودولة كردستان

في مطلع القرن العشرين، بدأت النخب الكردية التفكير في إقامة دولة مستقلة، باسم "كردستان". وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920. حيث نصت على تحقيق حل المشكلة الكردية بمراحل، وإذا اجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكرد لذلك يصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك… ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية، وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة. إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية لان معاهدة لوزان نصت على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر، وعدّ الكرد هذه المعاهدة ضربةٌ قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم… وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي ولا سيما الحكومة البريطانية التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل  بالعراق.

وعلى مدار السنوات الثمانين التالية، سحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي.

 

اضرار ومنافع الانفصال

بعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك ولادة الجمهورية التركية عام 1923 بدأت مرحلة الضغط على أكراد تركيا، فمنع تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد، ومنع التحدث بها في الدوائر الحكومية وحتى الشوارع. بعدها بأربعة أعوام، أُعلن الأكراد عن جمهورية آرارات الكردية المستقلة، وأرسل أكراد تركيا رسائل إلى أكراد سورية والعراق من أجل التعاون معهم، لكن سرعان ما تم القضاء على هذه الجمهورية الضعيفة في العام 1930 على يد الجيش التركي. وفي عام 1946، أفلح أكراد إيران في الإعلان عن ولادة جمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية، بواسطة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، لكنها سرعان ما انهارت بعد نحو 10 أشهر نتيجة ضعف الدعم السوفياتي وعدم وجود موافقة دولية على هذه الجمهورية، وبعد هذه الخيبة، عاد الأكراد ليشعروا بالغبن. اما بالنسبة للأكراد في العراق فقد تمتعوا بامتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة: حيث ثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفي عام 1946 أسس الملا مصطفى البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بهدف الحصول على الحكم الذاتي في إقليم كردستان. وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور المؤقت بالقومية الكردية قومية رئيسية واعتبر الأكراد شركاء في الوطن مع العرب والأقليات الأخرى، لكن الزعيم الكردي مصطفى البارزاني أعلن القتال المسلح عام 1961.

وفي عام 1970، عرضت الحكومة التي كان يقودها حزب البعث على الأكراد إنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي. لكن الاتفاق انهار واستؤنف القتال عام 1974وفي نهايات سبعينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة في توطين عرب في بعض المناطق لتغيير التركيبية السكانية، خاصة حول مدينة كركوك الغنية بالنفط. كما قامت بإعادة توطين الأكراد في بعض المناطق قسرا.

وبعد خسارة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق جنوب العراق وإقليم كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوي على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي. حيث يمتلك اقليم كردستان قوات مسلحة تسمى "البيشمركة" (صورة 12) التي تقابل بالعربية "الفدائيون" هم مقاتلون أكراد في شمال العراق وتنامت قوات البيشمركة مع اتساع الحركة القومية الكردية وإعلان الثورة في بداية الستينيات، وأصبحت جزءا من الهوية الكردية العامة، للدفاع عن الحقوق القومية والمطالبة بتوسيعها. ودخلت في البيشمركة في حروب مع القوات الحكومية العراقية في مراحل متعددة، كما انخرطت فصائلها في اقتتال داخلي بين الفصائل الكردية في مراحل أخرى. ورسمياً هو جزء من وحدات الدفاع العراقية.

بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، توفرت للإقليم فرصة لنزع الاعتراف بإقليمه من البرلمان العراقي، وهو ما حصل في الدستور العراقي الذي اعتُمِد شعبيًا عام 2005، وخصّص نسبة 17% من ميزانية الدولة للإقليم. وانتهى الأمر بوضع خاص لإقليم كردستان العراق، أقل قليلًا من الاستقلال، وأكثر قليلًا من الحكم الذاتي، وحمل الاسم الحالي: إقليم كردستان العراق، الذي أصبح له علمٌ ودستور ونشيد قومي وحكومة وجيش (بشمركة) وبرلمان ومكاتب تمثيل دبلوماسية في السفارات العراقية

وعندما انتخب جلال طالباني رئيسا للعراق، وانتخب مسعود برزاني رئيسا لإقليم كردستان العراق، تنامى الأمل الكردي من أجل تقرير المصير.

ظهر خلاف بين اقليم كردستان وحكومة بغداد المركزية حول عائديه الأراضي المتنازع عليها، ومنها كركوك الغنية بالنفط، فقد وُضعت المادة 140 (التي تنتهي بنودها في 2007) من الدستور العراقي الدائم فيه آلية لحل الأمر، إلا أنه لم يتم تفعيل هذه المادة على الرغم من مرور اثني عشر عامًا. في هذه الأثناء، شهدت المناطق الكردية في العراق استفتاءً سابقًا في كانون الثاني/ يناير 2005، وتجاوزت نسبة المصوتين على الاستقلال 98.19%، لكن لم يقم الأكراد بأي خطوة نحو الاستقلال بانتظار الظرف الملائم، وجاءت الفرصة المناسبة لرئيس إقليم كردستان مسعود برزاني لأجراء استفتاء جديد بنيّة الانفصال والاستقلال هذه المرة الا وهي الحرب على تنظيم داعش كفرصة ملائمة لقوات (البشمركة) الكردية لتتوسع وتفرض أمرًا واقعًا على الأرض في المناطق المتنازع عليها بما فيها كركوك على الرغم من اعتراض المكوِّنين التركماني والعربي، ومكوّنات أخرى أصغر حجمًا في سهل نينوى. قال المتحدث الرسمي باسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، محمود محمد : ان سلطات الإقليم قررت اجراء استفتاء الاستقلال  ليس فقط ضمن حدود الإقليم الكردستاني الرسمية، وإنما في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة أيضا(  كركوك ونينوى) وسيكون على الناخبين الإجابة على سؤال:

 

 

هل تريدون أن يصبح إقليم كوردستان والمناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة الإقليم دولةً مستقلة؟

وستتم طباعة بطاقات التصويت باللغات الكوردية والعربية والتركمانية والسريانية. وهذا أدى الى تباين ردود أفعال الدول حول هذه الخطوة مغامرة غير محسوبة النتائج فالاستفتاء ينطوي على مجازفة سياسية مفعمة بالمحاذير والمخاطر. فاتصل وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون هاتفيا برئيس الإقليم مسعود بارزاني معربا عن رغبة واشنطن في تأجيل الاستفتاء وتأييدها لاستمرار المباحثات والمفاوضات بين الإقليم وبغداد. حينها قالت رئاسة أقليم كردستان العراق إن الشعب الكردي سيمضي قدما في الاستفتاء بشأن استقلال الإقليم. كما أن الولايات المتحدة الأميركية لا تكتم تعاطفها مع الحلم الكردي، وتعتبر الأكراد في العراق وسورية أفضل الحلفاء، إلا أن إدارة الرئيس ترامب أكدت ما سبق والتزمت به الإدارات التي سبقتها من تمسكها بوحدة العراق. وكان من اللافت مسارعة وزارة الخارجية الأميركية، فور إغلاق صناديق الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، إلى إصدار بيان أعربت فيه عن “خيبتها العميقة” من إصرار أربيل على إجراء الاستفتاء، وبأنها تخشى أن يصرف الاستفتاء الانتباه عن "أولويات أخرى أكثر إلحاحا" مثل هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. تخوّفًا من احتمالات ملء الفراغ من قبل روسيا وتركيا وإيران، بعد طرد (داعش) من العراق وسورية. كما وتعارض تركيا وإيران وسوريا، وجميعها تقطنها أعداد كبيرة من الأكراد، استقلال كردستان عن العراق. كما قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إن إجراء استفتاء الآن لن يكون لا في صالح الأكراد ولا العراق لان إجراء استفتاء في هذا الوقت ليس أمرا صائبا، لأن الحرب لا تزال دائرة، والوضع في المنطقة ليس مستقرا، وبعض الدول المجاورة تعتقد أن هذه الخطوة تمثل تهديدا لأمنها القومي". وقال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري خلال كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: "إن الحكومة العراقية طالبت بحكم مسؤوليتها المحكمة الاتحادية العليا بإصدار أمر ولائي يرفض عملية الاستفتاء المزمع عقده في اقليم كردستان العراق والذي يشكل مخالفة كبيرة وخرقا للدستور العراقي لاسيما فيما يتعلق بوضع المناطق المتنازع عليها". الجدير بالذكر، أن مجلس الأمن الدولي أبدى معارضته للاستفتاء على الاستقلال الذي يعتزم إقليم كردستان العراق تنظيمه ، محذراً من أن هذه الخطوة الأحادية من شأنها أن تزعزع الاستقرار، مجدداً تمسكه بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه.

 

 

إجراءات الحكومة المركزية في بغداد والدول الإقليمية

واجهت حكومة إقليم كردستان معارضة دولية وإقليمية واسعة، منذ إعلانها إجراء استفتاء للانفصال عن العراق حيث أن انعكاسات على دول الجوار فيؤجج النزعات الانفصالية للأكراد في دول أخرى بالشرق الأوسط، وهو ما قد يتسبب في تصاعد وتيرة التوترات الأمنية بالمنطقة كلها. ويتزامن ذلك مع ظهور بعض الاتجاهات التي ترجح تنافس الحكومة المركزية في بغداد وكردستان للسيطرة على كركوك، المنطقة الغنية بالنفط، مما يجعلها نقطة انطلاق محتملة للنزاع. وبالمثل فان الحكومة المركزية في بغداد دعت المجتمع الدولي إلى عدم التعامل مع حكومة الإقليم بشكل منفرد فيما يتعلق ببيع النفط بالأسواق الدولية بشكل يمكن أن يؤدي إلى تجميد الصادرات الرئيسية للإقليم من النفط للعالم وهو ما قد يلقى قبولاً لدى مختلف القوى الدولية التي تؤيد حتى الآن سياسة العراق الموحد إزاء قضية استقلال كردستان، كما طلبت الحكومة المركزية من الجارة إيران وتركيا غلق مجالها الجوي أمام اقليم كردستان للحد من تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي للإقليم حال تمرير الاستفتاء، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن «هذا الاستفتاء نار ستحرق من أشعلها»، وشدد على أن من أصر على إجرائه في سبيل مصالحه لن يستطيع مواجهة دول المنطقة في المستقبل، قرر البارزاني إجراء استفتاء جديد في الغالب بنيّة الانفصال والاستقلال هذه المرة. كما توعد الرئيس التركي بدفع ثمن باهظ للقادة الأكراد، وقال إن «بلاده قدمت جميع أنواع الدعم لسلطات إقليم كردستان العراق إلا أنها أصرت على تنظيم الاستفتاء الذي وصفه بالخطوة الباطلة.»  وفي 2 أكتوبر، 2017 أعلنت صحيفة تركية أن أنقرة سترسل 12 ألف جندي شمال العراق. أما روسيا، فلم تندِّد بالاستفتاء حول استقلال كردستان العراق، مكتفية بالدعوة على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى “تحقيق التطلعات المشروعة للأكراد، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الشعوب، في إطار أحكام القانون الدولي”. وبالتزامن مع إجراء الاستفتاء، اتجهت شركة (روس نفط)، أكبر شركة نفط في روسيا، لتمويل بناء خط لنقل الغاز من الإقليم إلى تركيا بطاقة تزيد على 30 مليار متر مكعب سنويًا. وينطوي هذا التوجه الروسي على عدة أهداف، يتعلق أحدها بمنافسة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، من خلال محاولة الاستحواذ على أحد أهم حلفاء واشنطن في العراق. كما أن روسيا تعتبر أن نمو العلاقة مع الأكراد سيمنحها ملعبًا جديدًا للمناورة مع تركيا، خصوصًا إذا عرفنا كيف استثمرت موسكو علاقتها الوطيدة مع أكراد تركيا وسورية، كورقة مساومة مع أنقرة في الملف السوري. اما رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب، بنيامين نتنياهو، كان واضحًا، ليس في تأييده الاستفتاء فحسب، بل كذلك في أن “يكون للشعب الكردي دولة”، وهو موقف نقله إلى الكونغرس الأميركي قائلًا “من الضروري أن تكون للكرد في العراق دولة مستقلة، فهم شعب شجاع وبطل، كما أنهم أصدقاء للغرب وللقيم الغربية… وأصدقاء لنا”.

بينما أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية أن موقف الكويت المبدئي الداعم لعراق موحد باستقلاله وسيادته وأمنه واستقراره. وأخيرا مجلس الأمن حين أبدى في 21 أيلول/ سبتمبر، وبإجماع أعضائه الخمسة عشر، معارضته الاستفتاء على الاستقلال محذّرًا “من أن هذه الخطوة الأحادية من شأنها زعزعة الاستقرار، مع تجديد المجلس تمسكه بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه”.

قبل موعد الاستفتاء بِأربع وعشرين ساعة، طالبت الحكومة العراقية إقليم كردستان بتسليم المعابر الحدودية والمطارات، كما طالبت الدولَ الأجنبية بعدم التعامل مع الإقليم، حيث بادرت إيران ومصر وشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية إلى حظر جميع الرحلات مع كردستان العراق بناء على طلب حكومة بغداد، عندها جاء الرد برفض إقليم كردستان متمثلاً بنيجيرفان برزاني، تسليم المنافذ الحدودية إلى حكومة بغداد المركزية. في 29 سبتمبر، 2017، حظرت إيران نقل المنتجات النفطية من إقليم كردستان وإليه، وذلك بسبب تعهد طهران مساعدة بغداد في مواجهة استفتاء الأكراد.كما صوت البرلمان العراقي على عدة قرارات من ضمنها تعليق عضوية النواب الأكراد، وأخطر البنك المركزي العراقي حكومة إقليم كردستان بأنه «سيتوقف عن بيع الدولارات إلى البنوك الكردية الأربعة الرئيسية وسيوقف جميع التحويلات بالعملة الأجنبية إلى المنطقة المتمتعة بحكم ذاتي. كما اجرت القوات العراقية والإيرانية من جهة ومع الجيش التركي من جهة اخرى مناورات عسكرية مشتركة بالقرب من الحدود، وذلك لدعم بغداد ضد استفتاء انفصال كردستان العراق

في النهاية

كان للاستفتاء الذي أصرّ البارزاني على إجرائه على الرغم من الاعتراضات والتحذيرات المحلية والإقليمية والدولية العديدة، الكثير من النتائج على الأصعدة كافة، لكنّه بالعموم لم يُحقق أهدافه المتوخاة، يهدِّد الانفصال بانهيار اقتصاد الإقليم الذي ترتبط شرايينه بدول معارضة لهذه الخطوة مثل تركيا والعراق وإيران التي تعتبرها تهديدًا لأمنها القومي، الأمر الذي يضع مسؤولي الإقليم أمام تداعيات صعبة، تتمثل في خنق النفط الذي ما يزال المورد الرئيس لكردستان، فضلًا عن حركة التجارة مع دول الجوار واستثماراتها في العديد من المجالات، خاصة أن ديون الإقليم وصلت إلى نحو (20) مليار دولار، في الوقت الذي تتأثر فيه موازنته بصورة كبيرة بأسعار النفط الذي تشكّل عوائده نحو 90% منها.ان العراق لن يخسر شيئا اقتصاديا من انفصال اقليم كردستان لأنه لا توجد فروع لشركات صناعات السيارات او الآلات الثقيلة او صناعة الاجهزة الكهربائية او حتى انتاج محصول الحنطة والشعير الذي لا تكفي حاجة حتى سكانه. بل على العكس لان جزء الموازنة البالغ ١٧% الذي يذهب كحصة للإقليم سيتم استثماره في باقي المحافظات الاخرى وبعد أن وقعت حكومة الاقليم بين فكي كماشة، إذ تعرضت لضغوطات كبيرة من جانب الحكومة العراقية أبرزها تقليص الموازنة، فقد قررت ابرم اتفاق بين حكومة كردستان مع الحكومة المركزية مفاده أن تصدر المحكمة الاتحادية العليا قرارها النهائي حول إلغاء نتائج الاستفتاء الذي أجري في إقليم كردستان العراق والمناطق المتنازع عليها، وكل ما يترتب عن ذلك الاستفتاء، وأن تمتثل السلطة في إقليم كردستان لقرار المحكمة وتعلن التزامها بقرار الإلغاء، وفي يوم 20 نوفمبر 2017، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قراراً بعدم دستورية استفتاء انفصال إقليم كردستان والمناطق الخارجة عِنه، وأكدت المحكمة على إلغاء الآثار وكذلك كافة النتائج المُترتبة عليه.