عندما تلعب السياسة الداخلية بالنفط (السيطرة على حقل باي حسن)

I'm an image! ٢٧ / مايو / ٢٠٢٢

عندما تلعب السياسة الداخلية بالنفط

(السيطرة على حقل باي حسن)

حارث رسمي الهيتي

تمهيد:

يقع حقل باي حسن غرب كركوك (ناحية سركلان) في قضاء الدبس، وبدأ  الانتاج فيه منذ حزيران من العام 1959 وهو من أقدم حقول العراق النفطية، وتعد آبار حقل باي حسن أكثر عمقاً من آبار حقل كركوك ويقدر عمقها بين ألف وخمسمائة متر الى ثلاثة آلاف متر. ومجموع القدرة الانتاجية لهذا الحقل هي 80 الف برميل يومياً، ويمتد الحقل على مساحة كبيرة  تقع بين كركوك و نينوى من جهة وكركوك وأربيل من الجهة الأخرى.

أحكمت قوات البيشمركة عام 2014 سيطرتها على حقل باي حسن وداوود بعد انسحاب القوات الاتحادية منها، واستعادت الأخيرة سيطرتها على هذه المناطق في تشرين الأول من العام 2017 بعد اجراءات اتخذتها الحكومة المركزية عقب اعلان اقليم كوردستان  استفتاءه حول الاستقلال/ الانفصال في 25 أيلول من العام ذاته.

أقدمت حكومة اقليم كردستان في آب 2007 على اقرار قانون رقم 22 لسنة 2007 خاص بالإقليم،  وجاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون "بغية تطوير الثروة النفطية في اقليم كردستان بحيث تحقق أعلى منفعة لشعب كردستان وللشعب العراقي عموماً باستخدام تقنيات مبادئ السوق الأكثر تقدماً وتشجيع الاستثمار منسجماً مع أحكام المواد (111، 112،115) من الدستور الاتحادي...... ودعماً لمستقبل الأجيال القادمة واولئك الذين عانوا في ظل السياسات القمعية للنظام البائد في العراق...... وترسيخ التعاون مع الحكومة الاتحادية حول ادارة النفط والغاز بما يخص التوزيع العادل للعائدات النفطية حسبما ورد في الدستور الاتحادي ولكل ما تقدم شرع هذا القانون". ورغم كل تلك السنوات الطوال الا ان هذا القانون لم يدخل حيز التنفيذ من جانب الحكومة المركزية.

 في الخامس عشر من شباط العام الحالي أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة اقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 والغائه لمخالفته احكام المواد (110، 111، 112، 115، 121، 130) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، والزم قرار المحكمة اقليم كردستان "بتسليم كامل انتاج النفط من الحقول النفطية في اقليم كردستان والمناطق الأخرى التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الاقليم باستخراج النفط منها وتسليمها الى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره". هذا القرار الذي رفضته كردستان وعدته غير عادل وغير دستوري.

بعد صدور قرار المحكمة آنف الذكر بشهرين تقريباً، وفي كلمته أمام هيئة الرأي في وزارة النفط بتاريخ 28 نيسان 2022 تحدث وزير النفط احسان عبد الجبار  عن مأخذ الوزارة على بيع النفط الخام في الاقليم، مشيراً الى ان كلفة انتاج البرميل تمثل 50% من سعره الذي هو أقل بكثير عن سعر "سومو"، وان نسبة الايرادات في الاقليم لا تتجاوز 50% من قيمة النفط المباع. وأشار الى ضرورة أن تكون هناك سياسة واحدة لإنتاج النفط والغاز في العراق. وأكد وزير النفط الاتحادي ان وزارته لا تريد ادارة مركزية لملف النفط بل ادارة فدرالية وترغب في تنظيم ذلك النشاط بشفافية بما يضمن حقوق جميع الاطراف.

جاء هذا بعد فشل اللقاءات والحوارات بين وزارة النفط الاتحادية ووفد من اقليم كردستان التي انطلقت في نيسان الماضي.

 الجديد الآن:

أعلنت شركة نفط الشمال في بيان لها يوم السبت عن ما أسمته بالتجاوز على أبار حقل باي حسن/داوود من قبل قوة مسلحة تابعة لحكومة الإقليم يرافقها فريق عمل فني، وأشارت الشركة الى ان الهدف من هذا التجاوز هو استغلال الطاقات الانتاجية لهذه الآبار لصالح حكومة الاقليم. وأوضحت ان التجاوزات والانتهاكات من هذا القبيل لم تكن الأولى فقد سبقتها في (خورمالة، آفانا، صفية، كورمور) وهناك دعاوى قضائية أمام المحاكم العراقية المختصة.  

أمام هذا فقد نفى د. جوتيار عادل المتحدث باسم حكومة اقليم كردستان ما أسماه بــــــــ "الادعاءات والشائعات" التي تزعم احتلال قوة مسلحة تابعة للإقليم حقل باي حسن وداوود كوري. مبيناً "إن الثروة العامة وبموجب الدستور العراقي هي ملك لجميع العراقيين وليست ملكاً لشركة. وإن شركة نفط الشمال تعمل منذ سنوات في ظل غياب قانون النفط والغاز، منتهكة بذلك الدستور، وإذا كانت حريصة على حل المشاكل، فلا بد من تشريع قانون النفط والغاز على أساس الدستور". الغريب إنه ولغاية اعداد هذه الورقة لم نجد تصريحاً لوزارة النفط الاتحادية حول حقيقة ما جرى ويجري هناك. ولم يصدر شيئاً عن اجتماع مجلس الوزراء العراقي في اجتماعه الأخير.

ما المتوقع:

تبقى قضية الخلاف الدائم بين الاقليم والمركز سببها الرئيس هو غياب التشريعات التي من شأنها أن تنظم علاقة الحكومة المركزية بحكومات الاقاليم، أو إن اردنا توخي الدقة ففي غالب الأحيان هو رَكن القوانين والتشريعات جانباً والتعامل بمنطق التفاهمات والتسويات حتى وإن تطلب الأمر أن تكون هذه  التفاهمات غير دستورية وغير قانونية بالمرة. فمثلاً واحدة من المشاكل التي تثار بين الحين والآخر هو موضوع النفط، وبالأخص  النفط في المناطق المتنازع عليها – كركوك مثلاً- اضافة الى عائدات النفط من الحقول التي تقع ضمن الحدود الجغرافية لإقليم كردستان، وما ساعد على ذلك هو غياب قانون  النفط والغاز الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ منذ أكثر من خمسة عشر سنة، هذا القانون الذي من شأنه أن ينظم العلاقة أكثر بين المركز واقليم كردستان.

بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي قضى ببطلان قانون النفط والغاز في كردستان في شباط من العام الحالي لا أحد يستبعد أن تكون قنبلة جديدة قد تنفجر في أي لحظة من جديد بين المركز والإقليم خاصة وإن هناك جهات تدعم وتحرض وتتمنى حتى مثل هذه اللحظة، ومن المهم هنا التأكيد على إن السياسة وتجاذباتها قد لعبت دوراً في اخراج هذا القرار الآن، والا الشكوى كانت قد قدمت مرتين أمام انظار المحكمة الاتحادية العليا، الاولى في 2012 والثانية 2019، وهنا لا يمكن ان ننظر الى القانون وتداعياته بعيداً عن التفاهمات السياسية الجديدة ولعبة تشكيل الحكومة القادمة، هذه التفاهمات التي ربما ستعيد شكل التحالفات من جديد.

من المتوقع إن لهذا القرار تداعيات على شكل التحالف الذي يقوده السيد الصدر مع الحزب الوطني الكردستاني وتحالف السيادة برئاسة (محمد الحلبوسي)  وعلى الرغم من وجود بعض الآراء التي تعتبر إن قرار المحكمة الاتحادية كان المراد منه هو احراج الصدر ووضع الكرد أمام واقع جديد بعد تحالفهم مع الصدر والحلبوسي، الا إن  الصدر فعلاً  أمام خيارين كلاهما مر، اما أن يتعامل بجدية مع قرار المحكمة الاتحادية العليا وهنا لا ضامن لبقاء البارتي معه في حال قدم الاطار ضمانات من شأنها أن تجعل من هذا القرار حبر على ورق، أو أن يترك القرار هذا ويتعامل من جديد بتفاهمات سياسية جديدة من الممكن أن تعطل قرار المحكمة الاتحادية العليا وتماطل بتنفيذ القرار.

تحرك هذه القوة القادمة من اقليم كردستان وسيطرتها على حقل باي حسن – ان صحت- ستمكّن القيادة الكردية من امتلاك ورقة ضغط أخرى تخدمها في مفاوضاتها وتحالفاتها من أجل تشكيل الحكومة و انتخاب رئيس الجمهورية. ومستقبلاً من الممكن أن تكون هناك تسوية قائمة بالشكل التالي: أن تنسحب هذه القوة من باي حسن مقابل أن تكون هناك اتفاقات جديدة مع المركز لحل مشكلة النفط وعائداته.

 

ملاحظة أخيرة لا بد منها:

 يقول المفكر الايرلندي إدموند بيرك "إذا تحكمنا في ثرواتنا فسنكون أغنياء وأحراراً، اما إذا تحكمت فينا ثرواتنا فإننا فقراء حقاً".