فنلندا والسويد الانضمام الاحترازي

I'm an image! ١٨ / مايو / ٢٠٢٢

فنلندا والسويد الانضمام الاحترازي

ا.م.د أثير ناظم الجاسور.

تمر اليوم القارة الاوربية بمرحلة صعبة للغاية حيث تعيش اجواء تداعيات الحرب الاوكرانية التي اثرت على مختلف المستويات اهمها الاقتصادية التي باتت الهم الاكبر لها، فتسارع الاحداث الناتجة عن مخرجات الصراع في اوكرانيا ومستويات الخطر التي باتت تشعر بها كل الدول الاوروبية تحديداً القريبة من الحدود الروسية التي صارت حدوداً تحمل في طياتها مخاطر جمة، إلى جانب ان الروس اصبحوا جار غير آمن خصوصاً وام توجهاتهم لا تعكس ما يتداوله خطاب الدولة لا بل ابعد من ذلك، بالنتيجة فان الدول الاوروبية التي تخشى من ان تكون قارتهم ساحة حرب حتى انهم قد يعودون بالذاكرة للحربين العالميتين وليس الباردة من شدة الصراع، ومع العنف الشديد في الضربات التي توجهها روسيا لاوكرانيا التي يسميها البعض سياسة الارض المحروقة وما وصلت اليه اوكرانيا بعد ان اصبحت ضحية التنافس بين الشرق الغرب راحت دولاً اوروبية تبحث عن ضمان الامن والحماية في سبيل ان تبعد عنها خطر الدمار على اقل تقدير.

إن الحكومات الاوروبية اليوم تبحث عن ضمان امن دولها من الخطر الروسي بهذه الصيغة سيكون التعامل مع الروس من عاملين الاول الشك في النوايا والثاني التخطيط المسبق لاي تقدم او توجه قادم، بالتالي هناك دول اوروبية منضوية تحت مظلة الناتو واخرى تحاول الانضمام بعد التفكير والتقرير والاستعداد وفق المواصفات التي يتطلبها الحلف من المنضمين اليه، فكرة الانضمام عند البعض من الدول لم تكن من اولوياتها بقدر ترتيب الاوضاع الداخلية وتعديل مسارات سياستها الخارجية والسيطرة على اقتصادها الى آخره من التدابير، اما مع بداية الحرب الاوكرانية ولغاية اليوم هناك مخاطر لا ترتبط بمدى الجديه بتوسع الحلف لمناطق شمال وشرق اوروبا بقدر ما توجهات ترتبط بالطاقة والملاحة والسياسات الاقتصادية والمصرفية على اعتبار ان الاقتصاد بات اهم عوامل السياسة الخارجية للدول من خلال قراءة التبدلات التي شهدها النظام العالمي، لكن هذا لا يعني ان الدول لا تبدي استعدادها السياسي والعسكري في التعامل مع متغيرات الاحداث او التغييرات السريعة في هذه النقطة او تلك.

اليوم نقطة الصراع اوروبا وقد تعد هي واحدة من التحولات الجديدة للنظام الدولي من خلال بروز مشاكل جديدة تعمل على بلورة سياسة جديدة تتبعها الدول فيما بينها التي قد تتضمن عودة الاحلاف او عودة حروب الانابة التي توجهها القوى الكبرى، وهذا ما تتخوف منه القوى جميعاً لكون الاحلاف تعني عودة التخندقات مما تجعل العالم يعيش حالة الاقطاب التي ستحدد التوجهات في مناطق مختلفة من العالم، وإذا تحدثنا عن حروب انابة معناه سيكون العالم في مواجهة مخاطر مختلفة اهمها كبر حجم الجماعات الخارجة عن سيطرة الدول والتي ستتوجه وفق متبنيات القوى المسيطرة والموجهة، وبوجود هذا السيناريو او غيره فالعالم بالضرورة سيشهد تغير سريع في عملية التعامل مع الازمات مهما اختلفت الادوات والوسائل المتبعة فيها.

بعد كل ما حدث وما سوف يحدث فان الدول القريبة من روسيا بالتأكيد اليوم تشعر بخطر كبير من كونها تجاور هذه القوة التي باتت غير منضبطة تتعامل مع الاحداث من منطلق القدرات العسكرية التي تمتلكها، خصوصاً والحرب في اوكرانيا بينت ان الروس غير جادين بخوض هذه المعركة في جوانبها السياسية والدبلوماسية وماضون بتحقيق اهدافهم من خلال القوة والاعتداء العسكري، هذا اعطى اشارات واضحة لدول اوروبية اخرى قريبة جداً من الحدث ان الخطر الحالي لا يُستبعد ان يكون على اراضيها في اية لحظة يقررها الروس وفق مبدأ المصلحة وامنهم القومي، فلم يعد الروس يحترام الخصم ولا حتى سيادة الدول طالما لا يتوافق مع مصالحهم في العالم وفي سبيل اعادة سيطرتهم على مناطق نفوذهم السابقة بحجة توسع الحلف وانتشار الدرع الصاروخي وتهديد روسيا داخلياً وخارجياً والعمل على تحييدها وتهميش دورها بالنظام.

بالتالي فإن فنلندا والسويد اليوم يمتلكهما شعور هو ذات الشعور لا بل اخطر منه الذي اعترى الطبقة السياسية وعامة الناس في اوكرانيا  قبل بداية الحرب لما شاهدته ولمسته من هذا الغزو هذا جانب ومن  الجانب الاخر فأن فنلندا ترى انها ترتبط مع روسيا بحدود 1300 كم وهي تقع في شمال القارة التي تتميز روسيا فيها عن غيرها من امتلاك القوات والتمركز فضلاً عن الخشية من التوجهات الروسية التي إذا ما نجحت في تقدمها في اوكرانيا قد يغريها هذا النصر للتوجه لدول اخرى، او قد يكون تعثرها سبب للبحث عن نقاط اخرى لتكون ساحة مواجهة تشتت من خلالها الولايات المتحدة وحلفائها، بالمحصلة فان فنلندا بالدرجة الاولى ومن ثم السويد يرغبان بالانضمام لحلف شمال الاطلسي للبحث عن الضمان الامني الاوروبي والعالمي الذي فقدته اوكرانيا، وهي على بينة انها حتى لو اعلنت الحياد فلا هروب من خطر ان تكون جزء من هذا الصراع، عليه فان لا حل لها إلا ان تكون تحت مظلة حلف شمال الاطلسي ويُحكم بالتدخل غذا ما تعرضت كل فنلندا والسويد لاعتداء من قبل اي قوة في العالم نزولاُ لنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف، وهذا يساعد على اقل تقدير ضما امن الدولتين من الاعتداءات من جانب واعادة التفكير من قبل الخصوم قبل البدء باي تحرك تجاه دول الحلف، فهذه الدول غير مستعدة ان تعيش سياسة الارض المحروقة وان يكونوا مواطنيهم نازحين في دول مختلفة هاربين من خطر الحرب الخ.....

ان مؤشر الطموح للروس واضح من خلال الاصرار على الاستمرار بغزوهم لاوكرانيا التي باتت قاب قوسين مدمرة وعدد القتلى مرتفع والبنية التحتية مدمرة، ومع كل هذا لا تكتفي روسيا بل راحت لابعد من ذلك بتجنيد المرتزقة للمحاربة إلى جانب قواتها النظامية البرية، هذه وغيرها من الاجراءات بالتأكيد تجعل دول مثل فنلندا والسويد تحاول الدخول للحلف وتعمل على تعزيز قدراتها في المنطقة في سبيل الحد من الخطر الروسي عليها، ايضاً تعمل كل ما هاتين الدولتين على تحقيق التكامل الامني – العسكري مع دول الحلف وبالاخص الولايات المتحدة التي من المفترض ان تكون هي الضامن القوي لها من اي اعتداءات روسية، فقياس درجات الخطورة بالنسبة للسويد وفلندا لا تقتصر على خسارة اقتصادية او الذهاب لطاولة حوار قد لا تكون لهم القدرة على مجاراتها لا بل هي قضية وجود لا أكثر، بالتالي فان الانضمضام لحلف الشمال الاطلسي هو ضمان لامنها الداخلي واستقراره وحمايتها من الاعتداءات الخارجية وتحت اي مسميات مختلفة.

اما من جانب اخر فان انضمام كل من فنلند والسويد لحلف شمال الاطلسي سيعطي زخم او دفعة قوية لقواته الدفاعية في الشمال الاوروبي خصوصاً وان روسيا تتفوق على الناتو من حيث حجم القوات في هذه النقطة، بالاضافة إلى القوة الجوية المقاتلة بالنسبة لفنلندا وبحرية بالنسبة للسويد، ويساهم في تعزيز التواجد الذي يعمل على تحقيق هدف محاصرة روسيا بالرغم من المخاطر التي تحيط بهذا الاجراء، لكن بالمقابل هذا الطلب يثير اهتمام كل من الدول الاوروبية والولايات المتحدة تحديداً لما يحمله من تبعات تخدم مصالحهم وتساعدهم على التغلب على الاخطاء التي ارتكبت مع اوكرانيا، ويسمح للولايات المتحدة ان تعمل على بسط نفوذها في منطقة الشمال الاوربي وتفتح من خلال فلندا على اقل تقدير خط مواجهة وتهديد لروسيا وحتى حلفائها هناك.

الجانب الاخر من الصراع هي روسيا التي بالتأكيد ترى انها لابد من التخلص من فكرة انها ستحاصر ولا تستطيع ان تحقق حلمها الاقليمي والعالمي، لان هذه المناطق هي حيوية واخذت حيز كبير من استراتيجية روسيا ومدركها فيها وقضية محاصرتها باتت جدية إذا لم تتخذ الموقف والخطوات التي تساعد على ابقاء الاحوال على ما هي عليه، وان الحد من التقدم الروسي في مختلف المجالات بات استراتيجية اوروبية – امريكية حقيقية، بالتالي فان الصراع بات بوتيرته المتسارعة هذه يحمل في طياته بوادر توسع رقعة الحرب التي بدورها لن تخدم التوجهات الروسية الحالية وبهذا الوقت بالذات، بالمحصلة فان روسيا مرغمة على مواجهة هكذا مطالب والسعي للحد منها ومحاربتها لانها باتت تشعر اكثر من اي وقت ان امنها واستقرارها مهدد  وان القضاء على استراتيجيتها وشيكة، وبما انها لا تزال منشغلة بالحرب الاوكرانية التي تعد من المآزق الكبيرة التي تورطت بها روسيا إلى ان مطالبة دول حدودية لها بالانضمام لحلف شمال الاطلسي هذا بحد ذاته تهديداً لها وبالصميم لانها بالضرورة ستعمل على تشتيت قدراتها السياسية بالدرجة الاولى والعسكرية ايضاً، بالتالي ستعمل هذه القضايا على ارهاقها فعلياً لذلك موسكو هددت بانها تتخذ خطوات انتقامية ذات طبيعة عسكرية – تقنية للحد من الخطر المُهدد لامنها القومي، لكن السؤال هنا هل روسيا قادرة على فتح اكثر من جبهة في آن واحد؟، وهل لها القدرة على مهاجمة فنلندا والسويد في حال انضمامهما لحلف شمال الاطلسي؟، الحقيقة ان روسيا لا تستطيع ان تدخل حرباً طويلة جداً وعلى اكثر من جبهة وهذا ما تراهن عليه القوى الغربية، لكن الروس سيلعبون على ورقة الحلفاء في مناطق اخرى بعيدة عن منطقة الصراع الحقيقية كالشرق الاوسط على سبيل المثال، او يحاول الروس ان يقسموا ساحات الحرب بين جيش نظامي ومرتزقة فضلاً عن الاعتماد على مؤيديهم في تلك الدول هذا في حل ذهبت روسيا للحل العسكري، اما اذا افترضنا ان روسيا تكتفي بالتهديد والتحشيد على الحدود والخوف من خوض حروب مفتوحة مع القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة فانها ستلجأ للحرب السيبرانية بالبداية مما يجعلها تحاول السيطرة على هذا الفضاء بالدرجة الاولى ومن ثم تتجه صوب عملية التوغل البطيء الذي من خلاله تحاول تقليم اظافر الولايات المتحدة والدول الاوروبية من حيث الضغط على توريد الطاقة هي وحلفائها، وضرب مصالح القوى الغربية في الخليج العربي بعد الاعتماد على حلفائها هناك وقوى اخرى تساعد على تعزيز مكانتها في هذه المنطقة، وتعمل على تامين جانب الصين التي تشاركها هم تحويل النظام الدولي وتبدل الادوار فيه.

كل ما يحدث من تبعات الانضمام هو لا شيء في حال تم الانضمام لاعتبارات كبر رقعة حلف شمال الاطلسي الجغرافية وزيادة في مهامه الامنية – العسكرية التي تتيح له حرية الحركة والتمركز، بالتالي نحن امام ازمة جديدة تختلف من حيث الشك والمضمون عن اوكرانية والاطراف المشاركة والمتنافسة والمتصارعة ستعمل على اللجوء إلى خيارات التهديد اكثر.    

 

 

              



أ.م.د أثير ناظم الجاسور

أ.م.د أثير ناظم الجاسور

   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور   اثير الجاسور