لماذا تصاعد توظيف المقاتلين الأجانب في الأزمة الأوكرانية؟
كرم سعيد
باحث في الشئون الإقليمية- نائب رئيس تحرير مجلة الديمقراطية
أعلنت أوكرانيا بعد الهجوم الروسي عليهاعن تشكيل “ فيلق دولي” للمتطوعين الأجانب الراغبين بالقتال ضد روسيا، واستجاب الآلاف للدعوة الأوكرانية، رغم المخاطر الهائلة التي قد يتعرضون لها بسبب تصاعد حدة القتال، وقطعت كييف شوطاً معتبراً على صعيد تسهيل دخول المقاتلين الأجانب، حيث ألغت إجراءات الحصول على التأشيرة للمتطوعين الأجانب الذين يرغبون في دخول البلاد والانضمام إلى القتال ضد القوات الروسية. كما أسست حكومة كييف موقعاص الكترونيا مختص بالمواطنين الأجانب الذين يرغبون في الانضمام إلى فيلق الدفاع الدولي لأوكرانيا.
وتمثل الدعوة الأوكرانية إلى انخراط مقاتلين أجانب في الحرب ضد روسيا، أمراً خطيراً، ولا تقتصر مخاطره على أوكرانيا، بل قد تمتد ارتداداتها السلبية على الإقليم، وعلى القارة الأوروبية، خاصةً في ظل التوظيف الروسي كذلك للمقاتلين الأجانب، حيث سحبت روسيا في 7 مارس 2022 عددًا من مقاتلي مجموعتي "فاغنر" و"صائدو داعش" (روسية)، من سورية للقتال إلى جانب قواتها في أوكرانيا. وأمر الرئيس فلاديمير بوتين في 11 مارس2022 بنقل "المقاتلين المتطوعين" من الشرق الأوسط للقتال بجانب الجيش الروسي في أوكرانيا. وبحسب وزير الدفاع الروسي فأن 16 ألف متطوع غالبيتهم من الشرق الأوسط تقدموا بطلب "التطوع" للقتال مع روسيا في أوكرانيا.
وجندت موسكو روسيا مرتزقة سوريين لهم خبرة في حرب العصابات بالمدن للمشاركة في الحرب التي تشنها منذ 24 فبراير ناهيك عن نشر رجل الشيشان القوي رمضان قديروف، حليف الرئيس الروسي، لمقاتلين شيشانيين في أوكرانيا للقتال إلى جانب روسيا.
والواقع أن التوظيف والتوظيف المضاد للمقاتلين الأجانب في الأزمة الأوكرانية، قد يفتح الباب واسعاً أمام تنامي أنشطة التطرف الراديكالي، ويسمح بإعادة تموضع الجماعات المسلحة في بيئة مغايرة في محاولة لاستعادة عافيتها بعدما تعرضت لهزائم في مناطق تركزها في إقليم الشرق الأوسط. كما أن استدعاء المقاتلين الأجانب على الساحة الأوكرانية، قد يحول أوكرانيا إلى ساحة لنقل الأيديولوجيات المتطرفة والأكثر تطرفاً، جنباً إلى جنب توفير بيئة خصبة لصعود اليمين المتطرف في أوروبا.
دلالات كاشفة
ثمة العديد من المؤشرات الكاشفة عن توجه روسيا وأوكرانيا نحو تكثيف جهودها لـتجنيد المقاتلين الأجانب في الصراع الدائر بينهما ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:
تقنين دعوة المقاتلين الأجانب: حرصت أوكرانيا على توفير الصفة الرسمية لحضور المقاتلين الأجانب، وكشف عن ذلك بيانالرئيس الأوكراني الذى قال أن القيادة ترحب بالأجانب الراغبين في الانضمام للمقاومة وحماية الأمن العالمي، وما عليهم سوى القدوم للبلاد والانضمام إلى صفوف المدافعين عنها، وأضاف "أنه يجري حالياً تشكيل وحدة منفصلة من الأجانب المقاتلين". كما وقَّع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرسوماً رئاسياً يسمح للمقاتلين الأجانب المتطوعين الراغبين في دعم أوكرانيا ضد التدخل العسكري الروسي، بدخول البلاد من دون تأشيرة. وقد تمّ تطبيق القرار اعتباراً من الأول من مارس 2022.
في المقابل، فتحت أوكرانيا باب التبرعات العينية والمالية لمصلحة الجيش النظامي الأوكراني وتشكيلات المتطوعين كما يشار إلى أن قانون المقاومة الوطنية الجديد صدر في أول يناير 2022 وجعل من كيان اسمه "قوات الدفاع الإقليمية عن أوكرانيا" كياناً قانونياً، وهذا الكيان يستقبل الأوكرانيين من المدنيين الراغبين في الانضمام للدفاع عن البلاد بنظام "نصف الوقت"، أي الدوام الجزئي ومن دون أن يخسروا وظائفهم المدنية أو يتركوا أسرهم.
رفع مستوى الدعم للقوات الروسية عن طريق فاغنر: رفعت روسيا مستوى دعمها لقواتها العسكرية الموجود على الأراضي الأوكرانية، وظهر ذلك في سحب عناصر فاغنر من مناطق الصراعات في سوريا وليبيا وأفريقيا وإرسالهم إلى أوكرانيا.وقد نُشرت تقارير عديدة عن تسجيلات مرئية تظهر وجود مقاتلين تابعين لروسيا نقلوا من سوريا إلى أوكرانيا.
بالتوازي مع ذلك، كشفت تقارير صحفية أن روسيا نقلت نحو 400 مقاتل من دولة مالي إلى أوكرانيا، وأن من مهام هؤلاء المرتزقة اغتيال الرئيس الأوكراني الحالي، كذلك فلم تكتفِ روسيا بتوظيف المقاتلين الأجانب غير النظاميين، وإنما سعت إلى توظيف مقاتلين أجانب نظاميين على غرار الحديث عن إمكانية نقل جنود من بيلاروسيا وروسيا إلى أوكرانيا لدعم القوات الروسية، وكذلك الحديث عن رفض كازاخستان في الثاني من مارس 2022 إرسال جنود إلى أوكرانيا ضمن معاهدة الأمن الجماعي مع روسيا.
وفي السياق الـتأكيد على الاستعانة الروسية بمقاتلين أجانب، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، في 7 مارس 2022 أن روسيا تجند مرتزقة سوريين وأجانب آخرين للقتال في أوكرانيا حيث يواجه غزو الجيش الروسي لهذا البلد مقاومة شرسة. وأضاف المتحدّث باسم البنتاجون، جون كيربي، "نعتقد أنّ المعلومات التي تفيد بأنّهم (الروس) يجنّدون مقاتلين سوريين لتعزيز قواتهم في أوكرانيا صحيحة". وتابع "من المثير للاهتمام أن يكون بوتين مضطراً لاستخدام مقاتلين أجانب".
الصمت الغربي عن انخراط المقاتلين الأجانب في أوكرانيا: حرصت الدول الغربية على دعم محاولات أوكرانيا لجلب مقاتلين أجانب، وظهر ذلك في الترويج الإعلامي لأهمية الدفاع عن أوكرانيا، واعتبار الهجوم الروسي على كييف تهديداً وجوديا للعالم الغربي.
على صعيد ذي شأن، أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية "ليز تراس"، عن دعمها توجه الراغبين في القتال إلى أوكرانيا، وكانت "تراس" قد أعادت تغريدة لنظيرها الأوكراني حول ضرورة اتصال المقاتلين المتطوعين بالبعثات الدبلوماسية الأوكرانية من أجل تسهيل نقلهم إلى كييف من أجل مواجهة روسيا.
مكاتب تسجيل: اتجهت أوكرانيا إلى تأسيس منصات الكترونية لتسهيل عمليات تجنيد المقاتلين الأجانب، وفي الصدارة منها موقعfightforua.org. ، وهو الموقع أعلنت كييف عن أن ملايين الأشخاص قاموا بزيارته. وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية في تغريدة لها في 6 مارس الحالي "إنه خلال الـ 24 ساعة الأولى، زار نحو 13 مليون شخص موقع fightforua.org. كما أكدت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، "حنا ماليار" في 7 مارس 2022، أن الجيش الأوكراني "تلقى بالفعل عدة آلاف من الطلبات من الأجانب الذين يريدون الانضمام إلى المقاومة ضد المحتلين الروس، وحماية الأمن العالمي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
على الجانب الآخر من الجبهة، كشف تقارير نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن روسيا فتحت باب التسجيل في مناطق سورية لـ "السفر إلى أوكرانيا والعمل كحراس" برواتب تتراوح بين 200 و300 دولار.
إعلان روسيا عن إجراءات منشددة تجاه المقاتلين الأجانب في أوكرانيا : كشفت التصريحات التي أعلنتها وزارة الدفاع الروسية في 3 مارس 2022 اعترافاً صريحاً بكثافة انخراط المقاتلين الأجانب في مشهد الصراع الراهن بين موسكو وكييف، حيث أكدت وزارة الدفاع الروسية أن المرتزقة الذين يقاتلون بجانب الجيش الأوكراني سوف يحرمون من معاملة أسرى الحرب، كما زعمت أن هجمات المرتزقة الأجانب على القوات الروسية في أوكرانيا تتم باستخدام أسلحة تم تقديمها من جانب الغرب. ويعني الموقف الروسي أنه بمجرد وقف إطلاق النار سوف يتم محاكمة المقبوض عليهم وفق القانون الروسي.
أهداف متنوعة
تعود جذور ظاهرة المقاتلين الأجانب بحسب الكاتب “دانيال بايمان” في كتابه “محاربو الطريق: المقاتلون الجانب في جيوش الجهاد” بشكل أساسي لتنظيم القاعدة الذي نجح في جذب العديد من المقاتلين الأجانب لصفوفه إبان مقاومة الغزو السوفيتي لأفغانستان في الثمانينيات. وفي أعقاب اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، تحولت سوريا إلى مقر وممر للمقاتلين الأجانب، حيث سافر عدد كبير من المقاتلين إلى هناك، وتصاعد نفوذ هؤلاء المقاتلين عشية سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق عام 2014. وترسخت ظاهرة المقاتلين الأجانب مع اتجاه بعض الدول لتأسيس الشركات الأمنية أو ما يعرف بالجيوش الموازية، وفي الصدارة منها "بلاك ووتر" الأمريكية، ومجموعة "فاغنر الروسية" و "صادات" التركية، وغيرها.
والأرجح أن استدعاء روسيا وأوكرانيا للمقاتلين الأجانب يأتي في سياق عدد من الأهداف، يمكن بيانها على النحو التالي:
موازنة القدرات العسكرية الروسية: لا تنفصل دعوة أوكرانيا للمقاتلين الأجانب عن رغبتها في توظيفهم في مواجهة الآلة العسكرية الروسية، وتعويض ضعف القدرات العسكرية الأوكرانية. وتعى أوكرانيا قدرة هؤلاء المقاتلين على ممارسة أدوار بارزة في مناطق الصراعات على المستويات العسكرية، خاصة في ضوء حرصهم على الالتزام بتوجهات الدول التي يعملون لصالحها، وقدرتهم على القيام بعمليات إرهابية غير تقليدية ضد الخصوم. في هذا السياق، يمكن فهم كثافة اعتماد أوكرانيا على المقاتلين الأجانب، باعتبار أنهم يملكون قدرات نوعية وخبرات قتالية واسعة، يمكن لها لجم القدرات العسكرية الروسية التي تمكنت من السيطرة على عدد من المدن الأوكرانية، وتقف على أعتاب العاصمة كييف وعدد من المدن المركيو، في الصدارة منها خاركييف ثاني أكبر المدن الأوكرانية.
كما عززت كييف من دعوتها لاستقبال المقاتلين الأجانب بفعل القلق من التطورات الجارية على أرض المعركة، وفي الصدارة منها رفض القوى الأوروبية والولايات المتحدة الاستجابة لمطالب الرئيس الأاوكراني بضرورة إرسال قوات عسكرية للقتال بجانب قواته ضد روسيا ناهيك عن حدود المساعدات العسكرية الأوروبية المقدمة لأوكرانيا على تغيير سير المعركة ضد القوات الروسية.
على صعيد ذي شأن، عجلت الخسائر في صفوف العسكريين الأوكرانيين من نهج الاعتماد على المرتزقة الأجانب، حيث شهدت الأيام الماضية مقتل عدد كبير من الجنود الأوكرانيين، وفى سياق التحايل على هذه الخسائر، اتجهت أوكرانيا إلى كثافة الاعتماد على استيراد مقاتلين من الخارج.
تقليص الخسائر الروسية: تعتمد روسيا بصورة كبيرة على مقاتلي مجموعة فاغنر الروسية، لتقليص الخسائر في صفوف القوات النظامية، خاصة أن أوكرانيا أبدت مقاومة شرسة في مواجهة القوات الروسية, ويشار إلى أن ثمة أدلة على علاقة عضوية بينها وبين روسيا من حيث الدعم اللوجستي أو الفني العسكري. وقامت موسكو خلال الأيام الماضية بسحب نحو 500 عنصر من مليشيا "فاغنر" الذين كانوا يتمركزون في الحقول النفطية عند المحطة الثالثة في بادية مدينة تدمر، شرق محافظة حمص، وحقل "شاعر" للغاز بريف حمص الشرقي، والآبار النفطية التي تُسيطر عليها القوات الروسية في بادية محافظة دير الزور، شرق سورية، للقتال إلى جانب قواتها في حربها ضد أوكرانيا، كما سحبت أيضاً نحو 300 عنصر من مليشيا "صائدو داعش" من الحقول النفطية التي تُسيطر عليها في البادية السورية، وزجتهم إلى جانب قواتها ومليشيا "فاغنر" في الحرب ضد أوكرانيا. والأرجح أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تعيد فيها مجموعة فاغنر نشر جنود القوات الخاصة الخاصة من مناطق القتال في سوريا وليبيا وافريقيا بما يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية المتطورة لبوتين.
حماية النفوذ: اعتمدت أوكرانيا وروسيا على توظيف ظاهرة المقاتلين الأجانب في الصراع الراهن بينهما، تحت دعوى الحفاظ على ما اسموه "المصالح الوطنية، وحماية الأمني القومي"، من دونأى اعتبار لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بتوظيف الميلشيات الإرهابية في النزاعات الدولية ناهيك عن غض الطرف عن ميثاق الأمم المتحدة الذي يلزم دولها بالامتناع عن تنظيم وتشجيع الأعمال الإرهابية على أراضي دولة أخرى.
ممارسة الضغوط على الدول الداعمة لحكومة أوكرانيا: كشفت بعض الأدبيات أن أحد أسباب استعانة روسيا بمجموعة فاغنر المسلحة، وبعض المرتزقة السوريين في مواجهة الجيش الأوكراني، يكمن في استخدام هذه العناصر للضغط على الدول الداعمة لكييف، ودفعها لتغيير سلوكها. كما تعتمد روسيا على هؤلاء المقاتلين لتغيير مسار المعارك وإطالة أمدها، وتفكيك قدرات الجيش الأوكراني. في المقابل تحاول روسيا عبر "فاغنر" وآخرين التأثير على مقاربات الدول الخصوم لتشكيل رؤية مضادة للرؤي الغربية الخاصة بضرورة دعم أوكرانيا في مواجهة العمليات العسكرية الروسية.
مخاطر محتملة
تحولت الساحة الأوكرانية إلى بؤرة للمقاتلين الأجانب، وبحسب تصريحات وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في 5 مارس 2022، توافد على بلاده متطوعين من 52 دولة للقتال جنبا إلى جنب مع الأوكرانيين. ويرتبط بتنامي ظاهرة المقاتلين الأجانب في الصراع الروسي الأوكراني العديد من التداعيات والمخاطر السلبية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
إنعاش التيارات الجهادية: ثمة مخاوف متصاعدة من أن توفر الأزمة الأوكرانيةـ وانشغال موسكو بعملياته العسكرية في أوكرانيا مساحة للتنفس للتيارات الجهادية في إقليم الشرق الأوسط، وإعادة تنظيم صفوفها بعد تعرضها لضربات موجعة في مناطق نفوذها، وبخاصة في سوريا والعراق وليبيا. وترسخت الشكوك بعدما تكثيف تنظيم داعش عملياته الإرهابية ضد الجيش السوري، وكان بارزاً،هنا، إعلان وزارة الدفاع السورية في 7 مارس 2022 أن هجوماً إرهابيا استهدف حافلة مبيت عسكرية في بادية تدمر بريف حمص الشرقي. ويستغل تنظيم داعش الإرهابي غياب الضربات الجوية الروسية في سماء سوريا لانشغال موسكو بأزمة أوكرانيا، وكان سلاح الجو الروسي يكثف ضرباته ضد داعش قبل الأزمة الأوكرانية، حيث وصلت أعداد الغارات الروسية على معاقل التنظيم والجماعات المسلحة في سوريا خلال الفترة من يناير إلى فبراير 2022 لأكثر من 674 غارة جوية.
بالتوازي مع ذلك، فإنه من المحتمل زيادة نفوذ التيارات المسلحة في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، فبالإضافة إلى انشغال موسكو بالصراع في أوكرانيا، فإن القوى الغربية على الساحة السورية قد تتجه إلى فتح باب للتنسيق مع التيارات الجهادية في إقليم الشرق الأوسط لتوظيفهم في دعم أوكرانيا، وفي هذا السياق كشفت الاستخبارات الروسية في 4 مارس 2022 عن أن قاعدة "التنف" التي تسيطر عليها القوات الأمريكية في سوريا، باتت معسكرا لتدريب إرهابيي "داعش" قبل إرسالهم إلى دونباس شرق أوكرانيا لمؤازرة الجيش الأوكراني.
وراء ما سبق، فإن الأزمة الأوكرانية، واتجاه أطراف الصراع نحو كثافة الاعتماد على المقاتلين الأجانب، قد تسمح بزيادة زخم الإرهاب العابر للحدود، الأمر الذى قد يسمح لعناصر التيارات الجهادية في إقليم الشرق الأوسط، وبخاصة "داعش" خلق أوطان بديلة أو ملآذات آمنة، خاصة بعد الانتكاسات التي تعرض لها في مناطق نفوذه.
تعقيد حل النزاع: قد تؤدى التحركات الروسية والأوكرانية نحو الاستعانة بالمقاتلين الأجانب، والمتشددين في مناطق الصراعات بالشرق الأوسط وأفريقيا إلى تعقيد حل الأزمة الأوكرانية، حيث أن الاستعانة بـ"المرتزقة" ستساهم في توسيع مجال الصراع وأمده، والانتقال من حرب نظامية إلى الانزلاق لحرب مفتوحة من شأنها تهديد الأمن الإقليمي والدولي، علاوة على تداعياتها الوخيمة على أوكرانيا.
كما أن دخول مجموعات المقاتلين الأجانب قد يعرقل مساعي إنهاء الصراع في أوكرانيا؛ كونها ستستهدف إشعال المواجهات واستدامة الحرب لحصد أكبر مكاسب ممكنة. ومع صعوبة ضبط تحركات وأنشطة تلك المجموعات، ستظهر انتهاكات جسيمة تعرقل الوصول لصيغة تنهي الحرب. كما يُعتقد أن تتحرك تلك المجموعات القتالية لإسقاط التفاهمات المُبرمة بين موسكو وكييف، إذا اشتملت على بنود تخفض من مزاياها أو تقيدها، وهو ما حدث بالسابق حينما جرى توقيع صيغة "مينسك-2" ورفضت بعض الكتائب الترتيبات المتعلقة بفصل خطوط الاشتباك بين الطرفين.
هنا، يمكن القول أن الاعتماد على الشركات الأمنية، وعناصر المقاتلين الأجانب قد يزيد من تعقيد الصراع أكثر من تفكيكه، خاصة أن "طبيعة المقاتل المتطوع والتابع لشركات أمنية ودفاعية أنه لا يلتزم بقوانين الحرب، وبالتالي تصبح إطالة الأمد العمليات العسكرية وزيادة جرائم الحرب عي الأرجح.
التأثير على الأمن الأوروبي: تنطوي عملية استقدام مسلحين أجانب إلى الساحة الأوكرانية على العديد من المخاطر على الأمن الأوروبي، خاصة أن الهجوم الروسي على أوكرانيا أدى إلى دفع قادة الميليشيات الأوروبية اليمينية المتطرفة إلى جمع الأموال عبر الإنترنت ومحاولة تجنيد المقاتلين والتخطيط للسفر إلى أوكرانيا من أجل مواجهة التدخل العسكري الروسي، وهو ما تجلى بوضوح في ضم قوائم المتطوعين مقاتلين من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والدنمرك والمجر واليابان، وسط تقارير تلمح إلى أن كتيبة “آزوف” التابعة للحرس الوطني الأوكراني تتعاون بصورة مكثفة مع شركات غربية أمنية لاستقطاب مقاتلين أجانب من اليمين المتطرف من جميع أنحاء العالم، وهي ظاهرة من المرجح أن يكون لها تداعيات سلبية على الأمن الأوروبي في المدى القصير والمتوسط.
تحوُّل أوكرانيا إلى ساحة للحرب غير التقليدية: أكد الرئيس الأوكراني، في 3 مارس 2022، أن 16 ألف مقاتل أجنبي قد وصلوا بلاده للمساعدة في القتال ضد روسيا، كما أشارت تقديرات أوكرانية إلى تطوع ما يقرب من 3 ألاف أمريكي للقتال في صفوف القوات الأوكرانية ناهيك عن وصول مقاتلين من جورجيا وبولندا وكندا وغيرها لدعم أوكرانيا. على الجانب الآخر، عززت روسيا من وجود المقاتلين التابعين لشركة "فاغنر" فضلاً عن فتح الباب للتعاقد مع مرتزقة سوريين وأفارقة.
والأرجح أن كثافة اعتماد أطراف الصراع على المقاتلين الأجانب، تعكس إمكانية تحوُّل أوكرانيا بوجه خاص والقارة الأوروبية بوجه عام إلى نقطة تموضع للحرب الهجينة التي تتماهى فيها مظاهر التهديدات للقوات النظامية، والفاعلين من غير الدول، وهو الأمر الذى يحمل في طياته ارتدادات سلبية على الوضع الأمني ليس في أوكرانيا فقط، وإنما على مناطق مختلفة في العالم
تعزيز الإيديولوجيات المتطرفة: تساهم دعوة الرئيس الأوكراني للمتطوعين من كل مكان في العالم للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني في مواجهة روسيا، وفتح السفارات الأوكرانية حول العالم لتسهيل دخول المقاتلين إلى الأراضي الأوكرانية،وكذلك جلب الروس مرتزقة من مناطق الصراعات حول العالم، يمكن أن تساهم في توفير بيئة حاضنة لتحول أوكرانيا، ومنطقة شرق أوروبا إلى بيئة حاضنة للإيديولوجيات المتطرفة، وتمثل في ذات الوقت فرصة لانتعاش الإيديولوجيات الأكثر تطرفاً حول العالم.
وفي ظل كون أغلب المتطوعين حتى اللحظة من الولايات المتحدة ودول أوروبية ومتطوعين من دول شرق أوسطية، فإن عودة هؤلاء المقاتلين مرةً أخرى إلى بلدانهم من المرجح أن تشكل تهديداً حقيقياً على الأمن والاستقرار فيها، لا سيما أن أغلب هؤلاء المقاتلين العائدين سيكون لديهم علاقات شبكية مع مقاتلين من دول أخرى حول العالم.
ارتفاع كلفة الأزمة الأوكرانية: يتوقع أن يؤدى انخراط المقاتلين الأجانب في الصراع الروسي الأوكراني، ومحاولة توظيفهم في العمليات العسكرية من قبل أطراف الصراع، إلى رفع تكلفة الصراع بقدر أكبر؛ إذ من المتوقع أن يتزايد أعداد النازحين في الداخل الأوكراني مع تزايد أعداد اللاجئين الفارين من أوكرانيا؛ حيث كشفت التقديرات أعلنتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في 22 مارس 2022 عن أن عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين فروا خارج بلادهم تجاوز 3.5 ملايين لاجئ" منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأشارت تقارير إعلامية وحقوقية إلى أن "غالبة اللاجئين الأوكرانيين توجهوا إلى الجارة بولندا".
ختاماً، فإن اعتماد الروس على مقاتلي فاغنر، واستدعاء المسئولين الأوكرانيين المقاتلين الأجانب من أجل الانخراط في المعارك الميدانية ضد الجنود الروس، برغم أنه قد يحقق مكاسب آنية مؤقتة على الأرض، فإنه على المديين المتوسط والطويل قد يُمثِّل معضلة حقيقية أمام صانع القرار الأوكراني، وبما يعكسه ذلك من خطورة محتملة على أي استقرار في الداخل الأوكراني، وعلى الأمن العالمي، وبخاصة الأمن الأوروبي إذا تم التوصل إلى تسويات سياسية في المستقبل القريب.
كاتب وباحث متخصص في الشؤون الإقليمية