العلاقات الإيرانية السعودية تقاربٌ وشيك أم استمرار المقاطعة؟

I'm an image! ٠٦ / مايو / ٢٠٢٢

العلاقات الإيرانية السعودية

تقاربٌ وشيك أم استمرار المقاطعة؟

حسن الصرّاف

انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية منذ عام 2016 على أعقاب هجوم المحتجين الغاضبين على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، بسبب قيام السلطات السعودية بتنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصاً، من ضمنهم رجل الدين الشيعي السعودي الشيخ نمر النمر.

لا تقتصر أسباب التوتر في العلاقات الإيرانية السعودية على أحداث عام 2016، فمنذ قيام المملكة العربية السعودية في عام 1932 (وحتّى قبل ذلك) وإلى الآن تحصل بين الفينة والأخرى أحداثٌ تخلق حالةً مِن التوتر والصراع بين البلدَين، وإلى جانب ذلك هنالك فترات زمنية أخرى يُلاحَظ فيها تقارب لافت بين إيران والسعودية.

السؤال الذي قد يُعرَض بهذا الصدد يستفهم عن ماهية أسباب التوتر؟ وماهية أسباب التقارب؟ وأيُّ الأسباب أقوى وأرجح على الأخرى ومِن شأنها أن تكون مستدامة بنحوٍ أكثر؟

مِن الملاحظ أن معظم أسباب التوتر تعود إلى قضايا تمس المشاعر الدينية، وبعضها تعود إلى أحداث دامية وقعت في مواسم الحج، فقبل تأسيس المملكة العربية السعودية رسمياً كان النظام الملكي الإيراني شديد الاستياء والقلق مِن توسع الحركة الوهابية في الحجاز، وإنَّ التعمد في تهديم قبور أئمة أهل البيت في البقيع في عام 1925 زاد من هذا الاستياء في الأوساط الدينية والسياسية والشعبية في إيران. رغم ذلك بدأت العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية رسمياً في صيف 1929 بالاستناد إلى معاهدة صداقة جرى توقيعها بين البلدَين. وبعد ذلك وقعت جملةٌ مِن الأحداث في العقود التالية تركت أثراً كبيراً على طبيعة العلاقات السعودية الإيرانية، لعلَّ أهمها إعدام الحاج الإيراني (أبو طالب اليزدي) في عام 1943، إذ أعقب ذلك موجة كبيرة مِن بيانات الاستنكار والشجب في الأوساط الدينية والسياسية الإيرانية، مما أسفرت عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وعدم مشاركة المسلمين الإيرانيين في مناسك الحج لأربعة مواسم متتالية، إلى أن عادت العلاقات الدبلوماسية مرّة أخرى في عام 1948.

وفي أواخر فترة حكم محمَّد رضا بهلوي كانت العلاقات الإيرانية السعودية في أفضل حال، ففي كانون الثاني/يناير 1978 قام شاه إيران بزيارة تاريخية إلى السعودية، واستُقبِل بحفاوة مِن قبل العاهل السعودي آنذاك الملك فيصل.

وبعد الثورة الإيرانية في عام 1979 وقعت جملة من الأحداث والمواقف التي كانت بمثابة أسباب جديدة للتوتر بين إيران والسعودية، لعلّ أبرزها الدعم السعودي لِنظام صدّام في حربه ضدّ إيران، وتبادل الاتهام بين البلدين في التدخل وتنفيذ الأعمال الإرهابية، وحادثة مقتل جموع الحجاج في مكة، معظمهم مِن الإيرانيين، في صيف 1987، وكذلك حادثة التدافع في منى في عام 2015 التي أسفرت عن مقتل نحو 796 فرداً من الحجاج، 465 منهم من الإيرانيين.

بيد أنَّ حالة التوتر بين إيران والسعودية لم تستمر طوال فترة الجمهورية الإسلامية، فقد شهدت العلاقات بين البلدَين حالةً من التقارب والصداقة في فترة هاشمي رفسنجاني (الذي زار السعودية أكثر من مرة)، ومحمَّد خاتمي. ويُعبَّر عن فترة خاتمي بالفترة الذهبية في العلاقة بين إيران والسعودية، حتّى كان الحجاج الإيرانيون في هذه الفترات يقيمون بعض المراسيم الدينية وقراءة الدعاء مِن دون ضغوطات من قبل السلطات السعودية.

لقد كان الغزو الأمريكي لِلعراق في 2003 وتغيير النظام السياسي فيه عاملاً رئيسياً في تغيير طبيعة العلاقات الإيرانية السعودية، إذ بدأ كلٌّ بلد يتهم الآخر بالتدخل في العراق وتأزيم الوضع الأمني في المنطقة. وقد كانت الرياض قلقة مِن النفوذ الإيراني في الحكومة العراقية، لا سيما في فترة ولاية المالكي، وهنالك أسباب أخرى فاقمت حالة التوتر، مثل الدعم السعودي لمجموعة جند الله الإرهابية في إيران، وأحداث اليمن في عامَي 2009 و2010، واتهام إيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي، واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، والاحتجاجات السعودية في عامَي 2011 و2012 واتهام إيران بدعمها، ومن ثمَّ الحربَين الطاحنتَين في سوريا واليمن، كلّ ذلك يمثّل أهم الأسباب في استدامة حالة التوتر بين إيران والسعودية.

ولكن بحسب بعض التصريحات، منها تصريح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأخير، فإن هناك محادثات إيرانية سعودية جارية، وثمة احتمال لحدوث انفراجة قريبة وتقارب وشيك في العلاقات بين هذين البلدَين. السؤال الذي قد يُعرَض بهذا الصدد يستفهم عن ما يمنع التقارب السعودي الإيراني؟ وعن طبيعة هذا التقارب الوشيك.

إذا كان البلدان ينظران في محادثاتهما إلى الخلافات الجذرية ذات الجانب الديني والمذهبي والإيديولوجي ولا سيما ما يرتبط بقيادة العالَم الإسلامي والسيطرة على المنطقة فمِن المؤكد أن معالجة هذه الخلافات ليست بالأمر الهيّن، وإنَّ إعادة افتتاح السفارات والقنصليات في البلدَين لا تعني بالضرورة معالجة هذه المشاكل الجذرية. ولكن على صعيد القضايا والأحداث الراهنة في المنطقة -مثل ما يجري في اليمن ولبنان- فهي القضايا التي قد تُعالَج بعد التقارب الإيراني السعودي المتوقَّع.

الأمر المهم الذي يجب الانتباه إليه هو أنَّ كل الوساطات الدولية بعد 2016 التي عملت على إيجاد التصالح بين إيران والسعودية لم تنجح، فباكستان التي كانت أهم دولة وسيطة للتصالح بين إيران والسعودية لم تنجح في مهمتها، والعراق أيضاً، رغم مساعيه منذ عام 2019 ولغاية 2021 فلم يحقق شيئاً.

ولكن بوادر التقارب قد بدأت منذ أن خابت ظنون محمَّد بن سلمان مِن الدعم الغربي في مواجهة إيران، مما دفعه إلى أن يصرّح في آذار الماضي لصحيفة أتلانتيك الأمريكية بأنَّ «إيران ستبقى جارة للسعودية ولا يمكنهما "التخلص" من بعضهما بعضا، ودعا لـ "حل الأمور" بينهما، مؤكداً نية الرياض مواصلة المحادثات مع طهران». الأمر الذي يؤكّد ذلك هو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن – بحسب وسائل إعلام أمريكية- بدأ بالضغط الحقيقي على ولي العهد محمد بن سلمان لإعادة ترويضه في ظل التوتر غير المسبوق في علاقات واشنطن والرياض.

 

المحادثات الإيرانية السعودية مؤخّراً

انعقدت حتّى الآن خمس جولات من المحادثات بين البلدَين، وكان الطرفان متحفظَين جداً من إبراز تفاصيل هذه المحادثات؛ ويبدو أنَّ هذه المحادثات متأثرة –بصورةٍ أو بأخرى - من مراحل الاتفاق النووي ومآلات الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على العلاقات الجيوستراتيجية في المنطقة. ويرى مراقبون أنَّ هذه المحادثات باتت في الآونة الأخيرة قريبة مِن مرحلة النجاح، فالوكالات الخبرية الإيرانية نشرت صوراً عن الجولة الخامسة من المحادثات يظهر فيها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد الحميدان، ونائب الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد إيرواني، ونشر مثل هذه الصورة في الاعلام الإيراني يُعَد مؤشراً إيجابياً نحو نجاح هذه المحادثات. وبحسب بعض الأنباء المتداولة وغير الرسمية فإن إيران باتت تعوّل على مسألة العلاقات مع السعودية في ظلّ احتمال فشل المحادثات مع الغرب حول الملف النووي. وفي الجانب الآخر تسعى السعودية إلى أن تحصل على بعض المكتسبات مِن عودة العلاقات مع إيران، لعلَّ أهمها حسم الحرب في اليمن التي طالت نحو سبع سنوات، والتي تُعَد من أهم الأزمات التي يواجهها محمَّد بن سلمان.

أزمة الطاقة والحرب الدائرة في شرق أوروبا

ثمّة مقال صدر في جريدة "واشنطن بوست" في 21 نيسان/ أبريل الماضي، نوَّه إلى قضية مهمّة حول أثر أزمة الطاقة المرتقبة على طبيعة الموقف السعودي مِن الغرب. بحسب هذا المقال الذي كتبه المحلل السياسي الأمريكي ذو الأصول الهندية "فريد زكريا" فإنَّ الغرب لكي يحافظ على شدّة ضغوطاته على روسيا، ولكي يضمن نجاح عقوباته المفروضة على موسكو ليس أمامه سوى أن يعيد العلاقات الجيدة مع محمد بن سلمان أو يحيي الاتفاق النووي مع إيران ويرفع العقوبات عن فنزويلا، وبهذا يضمن الغرب عدم ارتفاع أسعار النفط، وذلك مِن خلال حثّ السعودية وسائر الدول المنتجة على رفع انتاجهم للنفط. وإذا تمت السيطرة على أسعار النفط ستؤتي العقوبات الغربيةُ على روسيا أكلَها، ويتم عزل موسكو وتهميشها. ولكن اللافت لِلنظر هو أن السعودية لم تستجب حتّى الآن لِلمطالب الغربية لزيادة الانتاج، وظلت ملتزمةً بمستوى الانتاج المتفَق عليه في "أوبك بلاس"، ولعلَّ السبب يعود إلى فتور العلاقة السعودية الأمريكية في عهد بايدن. وقد بلغ الأمرُ مرحلةً جعل بن سلمان -بحسب مقال واشنطن بوست- يعمل على تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، وإن التزام الرياض بمستوى الانتاج المتفق عليه في أوبك بلاس يؤكّد –بحسب بعض المراقبين- وجودَ نوع من التقارب بين روسيا والسعودية.

إذن إذا جرى تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، وعززت الرياض علاقاتها مع بيجين وموسكو فقد يمكن أن نشهد سبباً جديداً مِن فتور العلاقة بين رياض وواشنطن، وهذا بطبيعة الحال ليس في صالح الولايات المتحدة والغرب عموماً، لأنَّ نجاح الضغوطات الاقتصادية على روسيا ورَدعها عن ممارسة العدوان ضد الغرب مرهون أوّلاً بالسيطرة على الطاقة وأسعار النفط.

أمّا إذا لم تلمس السعودية ضمانات من الولايات المتحدة وإذا ظلّت العلاقات مع واشنطن على ما هي عليه فمن المرجَّح أن لا تستجيب الرياض لِلمطالب الغربية بنحو تام. وإنْ كانت لدى الولايات المتحدة خيارات أخرى في رفد سوق النفط المتأزّم، وذلك من خلال الانفتاح الجديد على النفط الإيراني والفنزويلي.