أزمة القيادة الدينية السُنية في العراق

I'm an image! ٢٤ / يونيو / ٢٠٢٢

 

تمهيد
يحظى الزعماء الدينيون السُنة في العراق باهتمام أقل من قبل المراقبين السياسيين مقارنة بنظرائهم الشيعة، برغم مآذارتهم أدواراً في المسار الصعب للبلاد على مدار العشرين عاماً الماضية، عاصروا فيها الحكم الشمولي والنزاع الطائفي الأهلي ومن ثم حقبة تنظيم "داعش" الارهابي. انعكس التشرذم السياسي للقيادة الدينية السُنية - وفي بعض الحالات ساعد على تغذية - الصراعات والخلافات الداخلية السُنية ومنعت المجتمع السُني من التصالح مع مكانته المنشودة في "عراق ما بعد صدام". حاول رجال الدين السُنة العراقيون مراراً، لكنهم فشلوا في تطوير نوع من القيادة الدينية (المركزية) التي تُمكنهم من العمل كقوة متماسكة في الساحة السياسية العامة، بالتوازي مع القيادة الدينية للمجتمع الشيعي المتمثلة بـ"حوزة النجف".

يحتل الزعماء الدينيون السُنة في العراق "مكانة غريبة" ومختلفة، ولطالما كان الإسلام السُني مذهباً ترعاه الدولة الرسمية في العراق الحديث، بمعنى إن مؤسساته يتم تمويلها وإدارتها من قبل هيئة حكومية. لكن، على عكس "نموذج الرعاية الإسلامية" في مصر أو بعض الدول العربية الأخرى، لا يوجد لدى القيادة السُنية العراقية زعيم واحد أو هيئة (مركزية)تقليدية لصنع القرار[1]

 

ولضرورة تعويض نقص القيادة الدينية الموحدة، يتشارك طيف واسع من القادة الدينيين السُنة تحت هوية مهنية أو فقهية[2]، وينحدرون في الغالب من خلفيات تعليمية مشتركة ومعتقدات معينة حول طبيعة المجتمع والسياسة في العراق. رغم ذلك لم يتمكنوا أبداً من التوصل إلى إجماع حول علاقة الجماعة السُنية بـ"نظام ما بعد صدام"، ما افضى الى فشل وانقسام، انعكس أحياناً كعواقب وخيمة على المجتمع السُني العراقي عموماً.

 

صعود وسقوط تنظيم "الدولة الاسلامية - داعش" لم يغير قاعدة الانقسام أو ينهي حالة التشرذم السياسي للقيادة الدينية السُنية. ورغم طرد "داعش" من جميع المدن السُنية الرئيسة، لا توجد رؤية واضحة لتشاركية المجتمع السُني في عراق ما بعد البعث بقيادة الشيعة.  إن دراسة جهود القيادة الدينية السُنية الفاشلة للتصالح مع الحقائق السياسية في "عراق ما بعد صدام" يمكن أن تكشف عن ملامح التحديات المستقبلية. فتجربة العراق تشير إلى أن المؤسسات الدينية الرسمية التي ترعاها الدولة، لا يمكن اعتبارها حليفاً مفيداً يُساند مكافحة التشدد الإسلامي الراديكالي.

 

اولاً: ما قبل "داعش": المذهب السني في العراق

 

هيكلية المؤسسات الدينية السُنية في العراق تجعلها عرضة للمؤثرات السياسية، لكنها غير مصممة على لعب أدوار سياسية على نحو فعال ومؤثر. فالموظفون الدينيون السُنة، من خطباء الجمعة إلى المؤذنين وحتى عمال المساجد، هم موظفون حكوميون، يتقاضون رواتب ويخضعون لقوانين الخدمة المدنية. تاريخياً، ومنذ الحكم العثماني، تمتع السُنة دائماً برعاية الدولة الرسمية في العراق.

 

بعد تأسيس العراق الحديث في العام 1921، أصبحت الرعاية الرسمية تأخذ طابعاً محوكماً وبيروقراطياً على نحو متزايد، حيث تبنت الحكومات الملكية لوائح وقوانين أكثر صرامة لإدارة الأوقاف والصناديق الخيرية، بما في ذلك إجراء مناقصات شفافة لعقود بناء أو إصلاح المساجد[3]. ومع أواخر الخمسينيات الفائتة، اعتبرت الحكومة الجمهورية لعبد الكريم قاسم، خطباء المساجد وغيرهم من العمال الدينيين، موظفين حكوميين ومنحتهم حقوقاً تقاعدية رسمياً[4]. بينما الزعماء الدينيون الشيعة الذين عملوا خارج المظلة المؤسساتية الحكومية عبر الاعتماد على "التبرعات [الخُمس والحقوق الشرعية]" لتمويل أنشطتهم، تجنبوا الإجراءات البيروقراطية التي خضع لها الدينيون السُنة، لذا لم يتأثروا كثيراً بالتشريعات الحكومية، التي باتت تنطبق فعلياً على المساجد السُنية فقط.

 

خلال حقبة البعث، تم إحكام سيطرة الدولة الرسمية على رجال الدين السُنة على نحو أكبر، حيث سعت السلطة إلى اعتبار الزعماء الدينيين كداعمين للنظام الحاكم. حيث فُرض قانون الخدمة في المؤسسات الدينية والخيرية لعام 1976 على الدعاة، التبشير بالمنجزات البعثية في الخطب الشعائرية، بما في ذلك "إنجازات ثورة 17 تموز"، وكمثال؛ المدارس الثانوية الإسلامية، التي تؤهل الدعاة السُنة الشباب الطموحين، وُجهت على منح طلبتها "تعليماً وطنياً وقومياً وروحياً وثورياً"[5]. الدولة المركزية وضعت التعليم الديني العالي ايضاً تحت سيطرتها، فكلية الامام الاعظم في بغداد، التي أعيد تسميتها في العام 1985 الى "المعهد الاسلامي العالي لإعداد الائمة والخطباء"، استبدلت العلاقات التلقينية التقليدية بمنهج أكاديمي جامعي على نحو أكثر علمية[6]

 

قبول الزعماء الدينيين السُنة بسيطرة الدولة، أحدث مقارنة وتناقضاً حاداً مع المكانة التي يحظى بها نظراؤهم الشيعة وعلاقتهم بالسلطة. ويمكن تفسير ذلك على نحو جزئي بحقيقة، إن قادة البعث كانوا يُعتبرون شكلاً على أنهم مسلمون سُنة. لكن ثمة فروق أكثر جوهرية ما يخص المكانة الاجتماعية لرجال الدين، فالمجتهدين الشيعة كانوا موضع إجلال وتوقير من قبل الجمهور العام، بينما القادة الدينيون السُنة يفتقرون إلى هذا النوع من الشعبية والجماهيرية[7].

 

الدينيون السُنيون يفتقرون إلى نظام التمويل الشيعي المقدس [الخُمس]، والعموم السُني لا يمتلك فعاليات دينية مشابهة للطقوس الاحتفالية الشيعية التي تعتمد على حشد المشاعر الشعبية، سيما عند الفئات الفقيرة وغير المتعلمة في الارياف الجنوبية. بينما في المناطق السُنية، أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه، كانت الغالبية الاجتماعية غير متعلمة، وفي المجتمعات الريفية غير مبالية إلى حد كبير بالمشاركة الدينية، حتى إن الحضور الى المساجد كان منعدماً[8] [9]. لذلك، ربما دعم الدولة لبناء المساجد وتدريب الدعاة في العراق الجمهوري، وخاصة في ظل حكم البعث، ينظر إليه من قبل معظم الزعماء الدينيين السُنة على أنه رعاية مرحب بها، أكثر من كونها محاولة استيلاء على المجتمع[10]

 

عززت "الحملة الايمانية" التي أطلقها صدام حسين في العام 1993، مفهوم جديد للعلاقة بين "المتعهد" و"الزبون" [patron-client relationship]، بمعنى العلاقة بين الدولة والزعماء الدينيين السُنة، حيث خصصت السلطة موارداً إضافية واهتماماً بالمساجد والتعليم الديني؛ ورغم ذلك، كانت الحملة تمثيلاً لأهواء صدام حسين العقائدية الشخصية [Saddam’s idiosyncratic]، بينما ظل النظام السياسي علمانياً، حيث تناول الكحول ظل قانونياً، نظام المحاكم قائم على التشريعات المدنية الغربية وغير مستلهم من الشريعة الإسلامية. فيما واجه النشطاء الدينيون المشتبه بهم في تقويض النظام الحاكم أو تنظيم جماعات إسلامية سياسية قمعاً مستمراً من قبل الأجهزة الأمنية[11].

 

انقسمت ردود أفعال النخبة الدينية السُنية على "الحملة الايمانية" إلى معسكرين رئيسيين:

 

·        المعسكر الأول، رحب العديد من الدعاة، بل وانخرطوا في تمرير المشروع البعثي المتمثل بإحياء القيم الإسلامية الممزوجة بالقومية العربية، عبر مجازات وسرديات خطابية كان يمليها المناخ السياسي للبلاد في التسعينيات، حيث معاداة "الإمبريالية" و"الصهيونية" كانت موضوعات رئيسة في الخطب الدينية؛ بذات الوقت الذي بدأت فيه وسائل الإعلام الحكومية باستخدام الحجج الفقهية لتشويه سمعة الإسلام الشيعي كطريقة لتبرير المآذارات القمعية لنظام صدام بعد الانتفاضة الجنوبية للشيعة في العام 1991 [12].

 

·       المعسكر الثاني، ركن إليه عدد من القادة السُنة والنشطاء المتأثرين بعقيدة "الإخوان المسلمين"، معتبرين اجراء إصلاحات اجتماعية قائمة على "أسلمة المجتمع" غاية أكثر أهمية مما يُمكن أن يجنيه النظام الحاكم من توجهه الجيوسياسي الجديد. وبما أنهم غير قادرين على تنظيم أنفسهم سياسياً؛ استغلوا الحملة الدينية لتشكيل جمعياتهم الخيرية والدعوية الاسلامية. ركزوا على فرض "الحجاب" وتغطية شعور النساء، وحصلوا على اذونات خاصة لاستيراد "الملابس الإسلامية النسائية" بمساعدة المتعاطفين معهم في الشتات العراقي السُني، الذين جمعوا بدورهم اموالاً لهذا الغرض ولغيره من الأغراض الدعوية الإسلامية الأخرى[13].   

 

هذان المعسكران لم يتصادما في صراع مباشر في التسعينيات؛ لكن الانقسام بينهما بات أكثر وضوحاً بعد العام 2003، لاسيما بين مؤيدي ومعارضي العملية السياسية المُشكلة تحت رعاية الاحتلال الامريكي.

 

ثانياً: الغزو والتمرد: معضلة الزعماء الدينيون السُنة

 

أنشأ غزو الولايات المتحدة للعراق العام 2003، معضلة شبه مستعصية بين الزعماء الدينيين السُنة والدولة العراقية التي تدفع رواتبهم، والتي أصبحت الآن تحت الوصاية الأميركية، كما ان العديد من السُنة لا يثقون بعملية سياسية جديدة يسيطر عليها الإسلاميون الشيعة والقوميون الأكراد. لطالما دأب القادة الدينيون السُنة العرب على التبشير بـ"الوطنية العراقية"، لكنهم كانوا مشوشين بين "الوطنية" التي تعني دعم الحكومة أو تلك التي تتبنى مناهضة الغزو الاميركي. وثمة عامل مضاف؛ حيث إن إيديولوجية "المقاومة" التي كان رجال الدين السُنة ينادون بها باتت تتماشى بشكل وثيق مع المشاعر الدينية السُنية في جميع أنحاء المنطقة. 

 

ظهرت مقاربتان لهذه المعضلة في اوساط الزعماء الدينيين السُنة الأبرز إعلامياً، وبدت نهجاً ناجحاً لبعض الوقت، كانت مقاربة الخط المتشدد المناهض للاحتلال الاميركي، بقيادة رجل الدين الأزهري حارث الضاري، الذي كان يُدرس الدعاة في المعهد العالي لإعداد الدعاة والخطباء أيام "الحملة الايمانية".

 

بدأ الضاري بتنظيم رجال الدين بعد فترة وجيزة من الغزو، مع التركيز بداية على الشؤون الإنسانية[14]. لكن سرعان ما تبنت مجموعة الضاري التي عُرفت بـ"هيئة علماء المسلمين في العراق" خطاباً سياسياً، وافترضت إن المسلحين السُنة سوف يطردون الولايات المتحدة في نهاية المطاف وسيتم الاحتفال بهم كأبطال. وبينما كانت الهيئة تشيد بالمتمردين، تجنبت بعناية أي دعوات صريحة تحرض على العنف قد تؤدي إلى اعتقال أعضائها أو محاكمتهم. كما دعت إلى مقاطعة الانتخابات العامة، بحجة أن الولايات المتحدة ستهيمن على نتائجها[15]. تصور الضاري إن "هيئة علماء المسلمين في العراق" ستكون المعادل والمكافئ للمرجعية الشيعية التي يقودها آية اللَه السيد علي السيستاني الذي برز كقائد ديني وروحي حاسم فيما يخص القضايا الهيكلية في العراق ما بعد 2003. 

 

مقارنة الضاري لـ"هيئة علماء المسلمين" مع المرجعية الدينية الشيعية بدت غير واقعية، فالهيئة كيان سياسي مستحدث، لا أساس تاريخي أو لاهوتي لسلطتها. كانت في جوهرها لجنة خاصة من رجال الدين توحدهم رؤية مرحلية بأن العراق كان في خضم مقاومة لتحرير نفسه من احتلال أجنبي. وفي غضون أشهر قليلة من تأسيسها، اصدرت الهيئة صحيفة ناطقة باسمها تسمى (البصائر). يبدو إن العنوان كان إشارة مقصودة إلى صحيفة تحمل الاسم نفسه، صدرت في الجزائر في ثلاثينيات القرن الماضي من قبل جمعية لرجال دين معارضين للاحتلال الفرنسي.

 

كان لدى "هيئة علماء المسلمين" اسمياً قيادة جماعية، ولكن عملياً، هيمن الضاري على القيادة وصنع القرار. تأثرت وجهة نظره جزئياً بخلفيته الاجتماعية: كان جده، ضاري المحمود، شيخاً من قبيلة شمر، وشخصية مشهورة في ثورة 1920 ضد الاحتلال البريطاني للعراق. 

 

وبينما ادعت "هيئة علماء المسلمين" أنها تتحدث نيابة عن رجال الدين السُنة في القضايا السياسية، لم يكن لديها سلطة إدارية فعلية على طبقة رجال الدين. فالمرجعية البيروقراطية كسلطة الادارية يتبع لها رجال الدين السُنة تنفرد بها مؤسسة الوقف السُني. في صيف عام 2003، ادى الانقسام الطائفي الى هيكلة (وزارة الأوقاف) العراقية الى ثلاثة اوقاف منفصلة للشيعة والسُنة والأقليات[16]. ونظراً لأن معظم المساجد والاوقاف الشيعية لم تكن أبداً تحت سيطرة الدولة العراقية، احتفظ الوقف السني الجديد بمعظم المساجد والموارد التي كانت بعهدة وزارة الاوقاف المنحلة، مع الحفاظ على ذات المهام بتمويل المساجد وإدارتها والإشراف عليها بطريقة تتفق مع سياسة الدولة الجديدة.

 

لم يتبنَّ الوقف السني المُستحدث موقف الضاري الرافض للعملية السياسية. وبما إن الوقف مؤسسة حكومية، فإن تسميه رئيسه تندرج ضمن صلاحيات "مجلس الحكم العراقي" الذي منح بدوره حق إدارة الوقف الى الحزب الإسلامي العراقي، الذي كان بمثابة ممثلاً للشبكة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين، واستطاع تطوير ادواته الحزبية في العراق خلال فترة التسعينيات. قادة الحزب الرئيسيون كانوا من الرجال الأكبر سناً، ممن نشطوا في حركة الإخوان المسلمين في عراق ما قبل البعث. ورغم تبني افكار جماعة الاخوان، لكن الحزب الإسلامي العراقي، يعرّف نفسه بوعي على أنه مستقل عن قيادة الإخوان المسلمين في مصر[17]. كما ان قادة الحزب كانوا مقتنعين بأن الانخراط بالعملية السياسية التي تقودها الولايات المتحدة - أو كما سموّها بـ"المقاومة السلمية" - كانت طريقاً أفضل للسُنة كبديل عن التمرد العنيف[18]. نَصّب الحزب الاسلامي، عدنان الدليمي، الاستاذ الجامعي، رئيساً للوقف السُني، بوصفه اسلامياً ومتعاطفاً مع نهج الحزب[19]

 

نشط الدليمي منذ الخمسينيات ضمن حركة الاخوان المسلمين. وعلى الرغم من كونه لا يعتبر رجل دين او عالماً فقهياً، إلا انه كان معروفاً في الأوساط الدينية السُنية. في التسعينيات فرّ من العراق الى الاردن بعدما بات مطلوباً لأجهزة الأمن بوصفه عنصراً اخوانياً، وفي الفترة نفسها تجول في العالم العربي لجمع الأموال للشبكات الخيرية الإسلامية والوصول الى المتبرعين عبر خطاب (تزكية) من قبل الداعية الإخواني الشهير يوسف القرضاوي. تلك الاموال كانت توظف لأسلمة المجتمع العراقي بالتزامن مع الحملة الايمانية الحكومية. 

 

"هيئة علماء المسلمين" والوقف السُني، سرعان ما وجدا نفسيهما يتبنيان وجهات نظر وسياسات متعارضة. فالضاري والدليمي، اللذيّن كانا على علاقة ودية قبل العام 2003، باتا خصمين. وبينما دعت الهيئة إلى مقاطعة الانتخابات وأشادت بـ"المقاومة"، كان الدليمي يحشد تجمعات عامة لتشجيع المشاركة السُنية في الانتخابات النيابية[20]، وساعد على استصدار فتوى من علماء دين معارضين لخط الضاري، اعتبروا فيها الانضمام للجيش والشرطة "واجب ديني"[21]. لكن بنهاية المطاف، أُقيل الدليمي من منصبه كرئيس للوقف السُني، في تموز 2005، بعدما أثار نشاطه السياسي في تنظيم السُنة انتخابياً ومعارضة السلطة الشيعية، غضب حكومة الجعفري، فحلَّ محله نائبه أحمد عبد الغفور السامرائي في انتقال سلس نسبياً[22]. السامرائي تراجع عن دعم الدعاية الانتخابية المباشرة، لكنه واصل نهج الدليمي في التعامل مع الدولة العراقية على أنها "شرعية" على رغم اعتمادها على الدعم العسكري الأمريكي.

 

ومع تصاعد الصراع المسلح، أصبح خط "هيئة علماء المسلمين" أكثر تشدداً، حيث رفضت إدانة التجاوزات المتزايدة للمتمردين السلفيين الجهاديين، وألقت بلائمة التفجيرات التي أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين على "عملاء امريكا والصهاينة"[23]. بمرور الوقت، أدى ذلك إلى حدوث انشقاقات متزايدة في صفوف المجتمع السُني، حيث صدرت مذكرة توقيف بحق الضاري العام 2006، مما أجبره على الهروب الى الأردن[24]، كما استولى الوقف السُني على مقر "هيئة علماء المسلمين" في مسجد أم القرى في بغداد في العام 2007. رغم ذلك، واصلت الهيئة إصدار البيانات من الخارج، مع تضاؤل نفوذها داخل العراق، سيما بعد وفاة حارث الضاري في عمان في آذار 2015.

 

إن التاريخ الكامل لسياسات رجال الدين السُنة خلال فترة ما بعد صدام خارج نطاق هذه الدراسة، ولكن هناك ثلاث ملاحظات مهمة:

1) لم يطرد الائمة والخطباء الذين آذاروا عملهم في حقبة صدام من الخدمة [اجراءات اجتثاث البعث]، بل عمل الدليمي على تعيين المزيد من الموظفين ضمن ملاك الوقف السُني. 

2) الخلاف بين هيئة علماء المسلمين والوقف السُني، جرى بأكبر قدر ممكن من ضبط النفس الخطابي، دون اللجوء إلى التشهير. 

3) لم يكن القادة الدينيون السُنة قادرين في أي وقت الاتفاق على استراتيجية سياسية مشتركة.


ثالثاً: ما بعد الانسحاب الأمريكي: نحو مرجعية سنية؟

كان يُفترض أن يكون الانسحاب الاميركي من العراق في كانون الأول 2011، فرصة لبداية جديدة للقيادة الدينية السُنية. مع عدم وجود المزيد من القوات الأجنبية في البلاد، حظيت شرعية الدولة العراقية بقبول واسع من قبل السُنة، وحتى منتقدي رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي ، وقد أصرَّ عدد قليل فقط من البعثيين الأكثر تشدداً والسلفيين الجهاديين في دولة العراق الإسلامية (ISI)، على إن البلاد لا تزال تحت نوع من السيطرة السرية الأمريكية أو الإيرانية، على الرغم من التحفظات العديدة حول قيادة المالكي، كان معظم الزعماء الدينيون السُنة، يبحثون عن طرق للاندماج في النظام السياسي العراقي الجديد، لا تحديه.

 

كرست الدولة والقيادة الدينية السُنية رغبتهما المشتركة بالتعاون، أو على الأقل التعايش المحترم. في قانون الوقف السُني رقم 56 لعام 2012، الذي أقره مجلس النواب العراقي في تشرين الأول من ذلك العام، نص على استمرار دعم الدولة للمساجد السُنية عبر مرجعية الوقف السُني، كما أنشأ آلية لضمان استقلال الوقف نظرياً عن السلطة السياسية، وقُيدت سُلطة رئيس الوزراء في اختيار رئيس الوقف، ومنحت لصالح "المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء"[25].  

 

"المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء" أكثر محاولة سُنية جدية لتنفيذ فكرة دعا إليها حارث الضاري منذ العام 2003، لإيجاد كيان سُني يوازي المرجعية الشيعية. تحدث القادة الدينيون السُنة عن فكرة تأسيس مجلس علماء دين بارزين في العام 2007 [26]. في العام 2012 فقط أعلن عن تشكيله بعد التوافق على الاسماء. وبما إن تطلع المجمع الى أن يكون معادلاً سُنياً للقيادة الدينية الشيعية في النجف، عرّف نفسه في قانونه الداخلي، بأنه "مرجعية شرعية مستقلة للسُنة، شأنها شأن المرجعيات الدينية في العراق، ليست حكومية ولا من منظمات المجتمع المدني. وليست بحاجة إلى أي قانون أو تشريع لتأسيسها".

 

في الواقع، لا يملك المجمع الفقهي أساس تاريخي لسلطته، فيما الأساس المنطقي وراء إنشائه كانت حاجة سياسية لخلق مرجعية سُنية. يعكس إصدار هذا القانون درجة معينة من الثقة من قبل السياسيين العراقيين بأن الزعماء الدينيين السُنة لن يقوضوا الدولة الجديدة بعد الآن، وبالتالي يمكن الوثوق بهم لإدارة شؤونهم الخاصة. ولكن من المفارقات أنه قد يكون قد تم تصميمه جزئياً لتهدئة مخاوف القادة الدينيين الشيعة بشأن استقلالهم عن سيطرة الدولة. صدر قانون الوقف السُني رقم 56 لعام 2012 إلى جانب قانون الوقف الشيعي رقم 57 لعام 2012، والذي نصّ على إن رئيس الأوقاف الشيعية يُمكن تعيينه "من قبل مجلس الوزراء بعد الحصول على موافقة المرجع الديني الأعلى"، وهو العالم الشرعي من علماء النجف المقبولين عند غالبية الشيعة في العراق لأغراض التقليد[27]. الوقف الشيعي [من حيث الأملاك] - مؤسسة أصغر بكثير من نظيرتها السُنية.

 

معظم المساجد والمؤسسات التعليمية الشيعية في العراق كانت ولا تزال منظمة وتمول خارج قنوات الدولة. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى احترام استقلال المرجعية الشيعية عن سيطرة الدولة ربما استلزم اعترافاً تشريعياً بالاستقلال الموازي للسُنة، على الرغم من أن هذا كان يفتقر إلى سابقة تاريخية مقابلة. في الواقع، سُرعان ما أثبت "المجمع الفقهي" عدم قدرته على القيام بالدور القيادي الذي طالب به والذي من أجله نال اعتراف الدولة.

 

رابعاً : عودة العنف وفشل المرجعية السُنية

 

سرعان ما مُنيت محاولة تطبيع العلاقة الرخوة بين النظام السياسي الجديد والإسلام السُني بالفشل. والسبب الرئيس، اخفاق قادة الدين السُنة التوصل الى استراتيجية سياسية مشتركة، فضلاً عن ميلهم الى المبالغة في تقدير قوة المجتمع السُني؛ بمعنى موازٍ، إن أولئك القادة تبنوا خطاباً (ديماغوجياً) عبر طرح حلول ومقترحات غير واقعية.

 

تسببت مذكرة توقيف بحق وزير المالية الاسبق رافع العيساوي، باندلاع احتجاجات شعبية واسعة في جميع المحافظات السُنية ضد حكومة نوري المالكي [الثانية] في كانون الأول 2012. استمدت الاحتجاجات طاقتها من مزيج استجابة النخب السُنية الرافضة لاعتقالات باتت تطال سياسيين سُنة، إضافة الى الغضب السُني الشعبي العام على مآذارات قوات الأمن العراقية، التي اتصفت بشن اعتقالات جماعية، تعذيب رجال سُنة، وأحياناً تنفيذ أوامر القاء قبض كيدية في سياق عمليات مكافحة الإرهاب، لكنها ببساطة كانت نوعاً من الاختطاف والابتزاز مقابل حصول ضباط أمن فاسدين على "فدى" ورشاوى لقاء إطلاق سراح معتقلين أبرياء[28].

 

عملت حركة الاحتجاج، على الرغم من كونها سلمية، على زيادة التوترات بين المجتمع السني والحكومة العراقية إلى مستوى خطير، ومهدت الطريق لاحقاً الى سقوط الفلوجة بيد مقاتلي "داعش" في كانون الثاني 2014، والموصل في حزيران من العام نفسه. وثمة ملاحظات على مسار حركة الاحتجاج السُنية[29] ودور قادة الدين فيها:

 

منذ البداية تقريباً، قفز الزعماء الدينيون السُنة إلى طليعة الحركة الاحتجاجية، ووضعوا بصمتهم على تكتيكاتها ومطالبها. أصبح يوم الجمعة، التوقيت الذهبي للاحتجاج، وباتت صلاة الجمعة، التي تُقام كتجمعات على مستوى المدينة أو المحافظة في أماكن مفتوحة تتضمن خطباً دينية ذات موضوعات سياسية، هي المحرك القياسي للاحتجاج[30]. ربما تم استعارة فكرة استغلال صلاة الجمعة كشكل من أشكال المظاهرة السياسية، من "الثوار السُنة" في سوريا المجاورة. وعلاوة على توظيف شعيرة دينية كقوة مُحركة للاحتجاج، غالباً ما كان يُطلق على "الجُمع الاحتجاجية" تسميات تحفيزية سياسية، مثل، "جمعة المالكي أو العراق".. "جمعة العراق خيارنا"... الخ. ولدعم زخم الاحتجاجي، تعاون "المجمع الفقهي" والمؤسسة الدينية على إغلاق مساجد الأحياء في أيام "جُمع" معينة لتشجيع المصلين على أداء الصلاة في مواقع التجمع والاحتجاج المركزية[31].

 

يتحمل الزعماء الدينيون السُنة، بوصفهم أبرز الداعمين للاحتجاجات، معظم المسؤولية لجهة عدم قدرة الحركة على التوصل الى اتفاق يُلخص مجموعة المطالب المشتركة. جناح الاحتجاج الذي يقوده رجال دين سُنة شُبان متحالفين مع الحزب الإسلامي، كان يطالب بإقليم سُني يتمتع بالحكم الذاتي، شبيه بتجربة إقليم كُردستان[32]. لذا كان من غير المتوقع على نحو جازم، موافقة حكومة يقودها الشيعة على تأسيس حكم ذاتي سُني. رغم ذلك، لاقت الفكرة رواجاً لدى بعض فئات المجتمع السُني؛ وكدعوة بدت فعالة في حشد الدعم للحركة الاحتجاجية ووضع قادتها في مقدمة المشهد السياسي.

 

الجناح الثاني لحركة الاحتجاج السُنية الذي يقوده رجال الدين أكبر سناً، رفض رفضاً قاطعاً فكرة إقامة منطقة حُكم ذاتي، متمسكاً بخيار الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، مع الاعتقاد (وإن كان خاطئاً) بأن السُنة يُشكلون أغلبية البلاد السُكانية، التي يُمكن عبرها في نهاية المطاف استعادة السيطرة على الدولة من خلال الوسائل الديمقراطية. كان خطابهم أكثر إثارة للانقسام من خطاب دعاة الحكم الذاتي السُني.

 

المعارض الاساسي لحركة المطالبة بتشكيل الاقليم السُني، كان رجل الدين البارز عبد الملك السعدي، وهو عالم مولود في الأنبار وانتقل إلى الأردن قبل سنوات قليلة من سقوط نظام حزب البعث، وأصدر فتاوى تطالب العراقيين بعدم المشاركة في الانتخابات بدعوى تزوير نتائجها من قبل الاميركيين. عودة السعدي في كانون الأول 2012، إلى العراق لأول مرة منذ أواسط التسعينيات، لاقت ترحيباً واسعاً في أوساط المحتجين السُنة، الذين عدّوه زعيماً روحياً لحركتهم[33]. لذا ركز خطاب السعدي على رفض العملية السياسية المُتشكلة ما بعد العام 2003، وضرورة استعادة الجيش العراقي المُنحل[34]،

 

فضلاً عن المطالبة الاستفزازية بتنظيم إحصاء سُكاني عام على أساس طائفي لمعرفة عدد المواطنين السُنة والشيعة؛ السعدي كان على قناعة بأن السُنة هم المكون الأكبر في العراق[35]. وخلال العام 2013، أصدر السعدي و"المجمع الفقهي" فتاوى ودعوات تنافسية مع وضد "الفيدرالية"، معتبرين إن تشكيل أقاليم ومناطق حكم ذاتي جديدة "حرام شرعاً" لأنها "تضعف وتقسم" البلاد[36]. فيما مضى "المجمع الفقهي" قدماً في عقد مؤتمر لرجال الدين دعماً لتطبيق الفيدرالية، في إطار إن الإسلام يسمح بإنشاء مناطق حكم ذاتي فيدرالية، وإن النقاش السلمي يجب أن يستمر حول مدى ملاءمتها لحل مشكلات البلاد[37]. اعتبر أنصار الإقليم السُني تبني خيار دعم الفيدرالية انتصاراً لهم، وتوبيخاً للسعدي[38]، الذي ردّ بفتوى فقهية غاضبة، اعتبر فيها الدعوة الى تشكيل إقليم سُني "مُحرمة شرعاً" ولا تتفق مع الشريعة الإسلامية، مثيراً تساؤلات عن شرعية ادعاء "المجمع الفقهي" بأنه مرجعية سُنية: "الادعاء بأن البيان [بيان المجمع الفقهي] يأتي من كبار علماء العراق... غير دقيق، حيث إن العديد من كبار العلماء لم يشاركوا... علاوة على ذلك، فإن غالبية الحاضرين في مؤتمر الاقليم السُني، على الرغم من احترامي لهم جميعاً، لا يمكن وصفهم بشكل صحيح بهذا المصطلح [علماء][39].

 

أدى افتقار المجتمع السُني إلى رؤية سياسية مشتركة إلى فشل حركة الاحتجاج في النهاية. وبدلاً من أن يكون القادة الدينيون السُنة مصدراً للوحدة، ساهموا بفعالية على تعميق الانقسامات، وخانوا فكرة أن ولادة قيادة دينية سُنية موحدة يمكن أن تقود المجتمع. فبينما كان جناح ديني يدعو إلى اقليم ذاتي، كان جناح آخر يندد بالفكرة باعتبارها "بدعة". واقترح السعدي في مرحلة ما أن يقود هو أو ممثلوه المفاوضات مع الحكومة في ضريح الإمام العسكري في سامراء[40]، وقوبل مقترحه بالرفض من قبل الحكومة والقوى الشيعية. وربما كان افتقار رجال الدين السُنة الى قيادة موحدة عاملاً في الرفض الشيعي.

 

في النهاية، عملت حكومة المالكي [الثانية] مع أقلية من السياسيين السُنة الموالين له على قمع حركة الاحتجاج. وفي تشرين الثاني 2013، أمر مجلس الوزراء، بناء على طلب النائب السُني أحمد الجبوري، الموالي للمالكي، بـ "انهاء عمل" رئيس الوقف السُني أحمد عبد الغفور السامرائي واستبداله بنائبه محمود الصميدعي[41]. ابعاد السامرائي بُني على أساس مزاعم فساد، لكن الهدف كان قطع التمويل عن المساجد والأئمة الداعمين لحركة الاحتجاج[42]. لكن بحلول هذا الوقت، كانت الاحتجاجات قد حظيت بشعبية كبيرة داخل المجتمع السُني – وباتت تحظى بدعم أكبر في الأوساط الدينية - بحيث لا يمكن قمعها بسهولة.

 

لا شك أن "المجمع الفقهي" كان منزعجاً من تجاهل سلطته بموجب قانون الوقف السُني، لكن كان بلا جذور تاريخية حقيقية تضرب في اعماق المجتمع السُني، فضلاً عن افتقاره إلى النفوذ السياسي الكافي المؤثر. ففي اليوم الذي تمت فيه اقالة السامرائي، أمر المجمع بإغلاق جميع مساجد بغداد على مدى يومين[43]. صيغ القرار على أنه جزء من النضال الاحتجاجي السُني الأوسع.

 

على الأرجح، أدرك أعضاء المجّمع أن الغالبية السُنية بما فيهم نشطاء الحركة الاحتجاجية، لم يروا أن له حقاً في تعيين رئيس الوقف السُني، أو إنه الصخرة العتيدة التي يجب الموت في سبيلها. فبعد يومين، تبيّن للمجمع الفقهي إن الإغلاق المفتوح لمساجد السُنة في بغداد لم يكن استراتيجية قابلة للتطبيق، لذا غيّر الدّفة وعكس مساره وأمر بإعادة فتحها، "استجابة لدعوات" من سياسيين وشخصيات عامة[44].

 

حركة الاحتجاج السُنية وصلت إلى نهايتها الدموية في كانون الثاني 2014، عندما حاولت قوات الأمن العراقية إخلاء مواقع الاحتجاج في الأنبار، فيما سيطر مسلحون على مدينة الفلوجة. أيّدَ عبد الملك السعدي الانتفاضة، وأصدر بياناً دعا فيه سكان الأنبار إلى "الدفاع عن إيمانهم وشرفهم وأرضهم" بمواجهة من وصفهم بـ"المحتلين"، متهماً المالكي بمحاولة "إبادة" السنة[45]. بدوره المجمع الفقهي أصدر بياناً غامضاً ومربكاً إلى حد ما، دعا فيه إلى استمرار احتجاجات الجمعة، ومطالباً الانباريين بـ"الدفاع عن أنفسهم، باعتباره واجباً شرعياً ودينياً"[46]. وبالرغم من إن السعدي و"المجمع الفقهي" لم يُنحيا خلافاتهما حول الأهداف السياسية السُنية، لكنهم توافقوا على اصدار تبريرات دينية لمواجهة الجيش وقوات الأمن في الأنبار عنفياً، بما مثل عودة فعلية إلى التمرد.

 

لم يندفع جميع الانباريين السُنة نحو حمل السلاح استجابة لهذه الفتاوى، فالكثير منهم لاتزال ذاكرته مُشبعة بذكريات مريعة عن الكيفية التي انحدر فيها التمرد إلى عنف عدمي في سنوات 2004-2005، واعترتهم الخشية من الدخول الى جولة جديدة من العنف والاقتتال ستنتهي بذات القدر من السوء. وحتى الساسة السُنة المتعاطفين مع حركة الاحتجاج، أدركوا إن الزعماء الدينيين ممن يطلقون العنان للعنف لن يتمكنوا في الواقع من السيطرة عليه. محافظ الأنبار، أحمد الذيابي، عضو في الحزب الاسلامي، تحدث بلا شك للكثيرين عندما أعلن في خطاب تلفزيوني أنه سينحاز إلى الحكومة، لا جانب الزعماء الدينيين الذين يدعون إلى التمرد بعنوان "الدفاع عن النفس".

 

خامساً : القادة الدينيون السُنة بمواجهة "داعش"

 

أثبتت أعمال العنف التي اندلعت في عام 2014، والتي انطلقت بموافقة حماسية من العديد من القادة الدينيين السُنة، أنها كارثية على [مستقبل] المجتمع السُني. كان تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" فصيلاً من بين عدة فصائل تقود تمرداً سُنياً واسع النطاق في الأنبار، استخدم تكتيكات "تقطيع شرائح السلامي" على الطريقة الستالينية (Stalinist-style salami tactics)[47]،  لاستيعاب وتدمير الفصائل المسلحة النشطة في الفلوجة. وبحلول سقوط الموصل في حزيران 2014، لم يستغرق التنظيم سوى أسابيع قليلة لفرض سيطرته على تلك المدينة وغيرها من المناطق التي فرت منها القوات الحكومية في شمال وسط العراق.

 

كان الزعماء الدينيون السُنة بطيئين في التكيف. فبعد أسبوعين من سقوط الموصل، وقبل أيام فقط من إعلان "قيام الخلافة" في 30 حزيران 2014، كان السعدي [عبد الملك] لا زال يُصر علناً على إن ما يحدث "ثورة"، وأن "داعش" مجرد فصيل صغير وهامشي[48]، فيما كان أول ردّ فعل لـ"المجمع الفقهي" على سقوط الموصل هو الدعوة إلى "فصائل المقاومة المنضبطة وثوار العشائر" للسيطرة على الأمن في المحافظات السُنية[49].

 

سرعان ما ثبتت عدم صحة توقعات القوى السُنية، حين أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" قيام "الخلافة"، وباشر بتصفية أعضاء الفصائل السُنية المنافسة جسدياً، ما اضطر عبد الملك السعدي العودة إلى الأردن مرة أخرى مواصلاً إصدار البيانات والمواقف السياسية التي تضع "داعش" و"الحشد الشعبي الشيعي" في كفة واحدة[50]. فيما ظل "المجمع الفقهي" يآذار نشاطه من بغداد، مُصدراً ادانات علنية متكررة لمآذارات القوات الحكومية والميليشيات على ضد السُنة[51]، وعلى سبيل المجاملة، أدان الهجمات على مسيحيي الموصل في وقت لاحق من العام 2014، دون توجيه انتقاد واضح لتنظيم "داعش"[52]، رغم استهدافه على نحو واضح، رجال الدين السُنة وأئمة وخطباء الجوامع التابعين للوقف السُني[53].

 

ربما يُفسّر صمت "المجمع الفقهي" عن إدانة مآذارات "داعش"، بقناعته إن الحرب الدائرة في المناطق السُنية تسببت بها سياسات الحكومة الشيعية، بالتالي ليس بمقدوره معالجة الأوضاع في تلك المناطق، كما إن بعضاً من رجال الدين السُنة لديهم شكوك بأن "داعش" ليست بالجماعة الحقيقية، معتقدين انها جزء من "مؤامرة أجنبية"، حين ألمح "المجمع" الى ذلك في بيان إدانته للهجمات ضد المسيحيين: "مثل هذه المآذارات (...) ليست في مصلحتنا، لأن هناك من يتربصون بالإسلام والمسلمين، مستخدمين مزاعم العنف والتعصب لمهاجمة وتدمير العراق وتهجير أبنائه بحجة الإرهاب".

 

ولمواجهة التطرف الديني، لجأت الحكومة العراقية مرة أخرى إلى تعيين رئيس جديد للوقف السُني، معروف في الأوساط الدينية، ولكنه مطيع سياسياً، لذا اختير عبد اللطيف الهميم، أحد دعاة وأنصار الحملة الايمانية الحكومية في التسعينيات، ومن مادحي صدّام المليئين بالثناء والتبجيل لشخصية الرئيس الذي تتجسد فيه القيم العربية والإسلامية[54]، حتى بعد زوال النظام السابق. رغم ذلك؛ وفي حزيران 2015، عُيّن الهميم بالإنابة كرئيس للوقف السُني من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي، في انتهاك صارخ لقانون الوقف السُني، الذي ينص على ان يتولى "المجمع الفقهي" تسمية رئيس الوقف، لذا اعتبر "المجمع" التعيين "غير قانوني"، لكنه لم يدن هميم أو يدعو إلى أي نوع من الاحتجاج أو العصيان من قبل موظفي الوقف ضد القرار[55]. ورغم الخلاف مع رئاسة الوزراء، واصل المجمع علاقته ولقاءاته مع العبادي من حين الى آخر[56].

كشف تعيين الهميم ضعف "المجمع الفقهي"، وغياب الإجماع الحقيقي بين رجال الدين السُنة. الهميم رجل ماكر وطموح، لكنه أيضاً مُنشق عن الدائرة السُنية التقليدية، فهو ثري يملك اعمالاً تجارية، وظل يآذار ضغوطاً على الأوساط الدينية والسياسية العراقية للفوز بمنصب رئاسة الوقف السُني[57]، بظل قدرته على تحدي "المجمع الفقهي" والدعم القوي الذي لقيه من عشرات النواب السُنة[58]، الذين روجوا بأنه سيقدم نبرة أكثر اعتدالاً في خطب المساجد السُنية ويتراجع عن خطاب "الاحتجاج السُني" الغاضب الذي صاحب صعود تنظيم "داعش"[59]. وعلى الطرف الآخر، انتقد نواب سُنة تعيينه منحازين الى "المجمع الفقهي".

 

اعتبر الهميم، رئاسة الوقف السُني أكثر من مجرد منصب إداري، وتخطى ذلك الى لقاءات مع قادة عسكريين لتشجيعهم على القتال ضد "داعش"[60]،  ويُعيّن رئيساً للجنة إعادة اعمار مدينة الرمادي – مسقط رأسه -، بعد تحريرها من "داعش" أوائل العام [61]2016. كان يمكن لهيمنة الهميم على ملف أعادة الاعمار في الرمادي، أن يمنحه قاعدة سياسية قوية تُمكنه من تحدي الحكومة المحلية في الأنبار التي يُهيمن عليها الحزب الإسلامي [آنذاك]، لكن الهميم نفذ المهمة على نحو أسوء من السيء، وتعجّل بإعادة النازحين أوائل العام 2016، إلى مدينة لم يتم تطهيرها بالكامل من الألغام والعبوات الناسفة بعد[62]. تضررت حظوة الهميم ونفوذه على نحو كبير في العام 2017، بسبب الفساد وسوء الإدارة، لاسيما اتهامات بعض النواب السُنة، بأنه استخدم أموال الوقف لدفع رشىً ومكافآت لصحفيين مقابل بث تقارير منحازة وإيجابية عنه[63]، حيث أدين وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لسوء استخدام الأموال العامة[64]، فيما حصدت مبادرته النجاح بفرض سياسة "الخطبة الموحدة" على جوامع الموصل ما بعد "داعش"[65]. ورغم إن "المجمع الفقهي" لم يعترف رسمياً بشرعية وسلطة الهميم على الوقف، لكنه كان يتعامل معه كأمر واقع، ففي أوائل العام 2017 عقد المجلس والهميم اجتماعاً مشتركاً مع وفد أزهري زائر[66].

 

عَمِل الهميم على تسيس الوقف السُني، وجعله أكثر موالاة للحكومة، بناء على تجربته السابقة العتيدة في توطيد علاقته مع السلطة البعثية، وبدا من اللافت مدى استعداد رجال الدين السُنة - وأتباعهم - لقبول فكرة إن تكون سلطة ادارة المساجد السُنية في جميع أنحاء العراق، بيد رجل فاسد ذي مؤهلات دينية هزيلة أدين بالفساد كالهميم. فاعتراف الدولة العراقية بالهميم - حتى في ظل حكومة يقودها الشيعة – تجعل سلطته شرعية حتى بدون أي غطاء ديني، وهذه وجهة نظر لسياسي سُني، شدد في صيف العام 2016 على أن "مرجعيتنا كسُنة كانت دائماً هي الدولة نفسها"[67].

 

رغم ذلك، لا زال المشهد السُني مرتبكاً حول معنى "الولاء للعراق"، وهذا الارتباك يقف عائقاً أمام تكوين مرجعية موحدة للقيادة الدينية السُنية. فرجال الدين السُنة الذين فروا الى إقليم كردستان او الى دول مجاورة – أبرزهم مفتي الديار العراقية رافع الرفاعي - يواصلون الدعوة إلى إقامة منطقة حكم ذاتي سُنية[68]، رغم تراجع شعبية المطلب سياسياً.

 

فيما يقف على الطرف المقابل، مهدي الصميدعي، السلفي الذي سجنته القوات الأمريكية لدوره في التمرد، والمتحالف سياسياً الآن مع الجماعات الشيعية الموالية لإيران، الذي يُبرر انحيازه على انه تدعيم لخطاب الوحدة الإسلامية[69]. لكنه في الآن نفسه يمتلك ميليشياته الخاصة (احرار العراق) كجزء من قوات الحشد الشعبي، حيث يدعي إن لديه آلافاً من المقاتلين فيما العديد الحقيقي أقل بكثير. لذا من غير المرجح أن تجتذب فكرة السلفية السُنية الموالية لإيران الطيف الاوسع من السُنة العراقيين.

 

تجربة "داعش" جعلت من القادة الدينيين السُنة أكثر حذراً من الانجرار وراء مغامرات التمرد، لكنها ايضاً لم تكن عاملاً حاسماً لتوحيد صفوفهم خلف زعيم مشترك او مجموعة مبادئ، مما يجعلهم عاجزين امام أداء الدور الشبيه بالمرجعية الشيعية الذي طالما تطلعوا إليه من اجل تمثيل وقيادة المجتمع. ومستقبلاً؛ من المُرجح أن تلعب القيادة الدينية السُنية المُشتتة والمعتمدة على الدولة دوراً مثيراً للانقسام بدلاً عن التهدئة، نظراً للانتهازية السياسية التي أظهرها الزعماء الدينيون السُنة في الماضي، والتي تجعل من الصعب التكهن بخطاباتهم وردود افعالهم. مشاكل الدولة العراقية مع الزعماء الدينيين السُنة ربما لم تنته بعد. وخلاصة التجربة العراقية السُنية تفضي الى إن عملية خلق زعماء دينيين "معتدلين"، تبدو شاقة ومحكومة بالفشل السريع، إذا لم تتمتع بالظروف السياسية والاجتماعية الصحيحة بما في ذلك داخل القيادة الدينية نفسها.

 



[1]  Sarah Feuer, State Islam in the Battle against Extremism: Emerging Trends in Morocco and Tunisia, Washington Institute for Near East Policy, June 2016. 

 

 

[2] يقصد مؤلف الدراسة بذلك، التجمعات والمنتديات الدينية ذات البعد الديني - الفقهي المشتبك مع الحدث السياسي، مثل "هيئة علماء المسلمين" او "المجمع الفقهي العراقي"، على سبيل المثال.

 

[3]  قانون ادارة الاوقاف رقم 27 لسنة 1929[هامش المؤلف]. الغي هذا القانون بموجب قانون ادارة الاوقاف رقم (107) لسنة 1964 وخضع فيما بعد لتعديلات عديدة [المترجم].

 

[4]  كتاب الثورة العراقية في عامها الثاني (بغداد: اللجنة العليا للاحتفال بيوم 14 تموز 1960)، ص 367. تعليمات الخدمة في المؤسسات الدينية والخيرية والإدارية لسنة 1976، الوقائع العراقية، العدد 2563، 20 كانون الأول 1976، ص 18.

[5]  قانون المدارس الثانوية للدراسات الإسلامية، رقم (7) لسنة 1980"، الوقائع العراقية، رقم 2771، 5 مايو 1980: ص 659.

 

[6]  قانون كلية الإمام الأعظم، الوقائع العراقية، العدد 1820، 25 كانون الأول 1969. ص 296. قانون المعهد الإسلامي الأعلى لإعداد الأئمة والخطباء رقم (98) لسنة 1985، الوقائع العراقية. العدد 3080، 13 كانون الثاني 1986. ص 10.

 

[7] On the Shia popular religious networks in Iraq, see: Yitzhak Nakash, The Shi’is of Iraq, Princeton: Princeton University Press, 1994.

 

[8] تم توثيق تدني مستوى التعليم الديني والمشاركة بين السنة العراقيين في أوائل القرن العشرين من خلال مذكرات عدنان الدليمي، الذي أصبح أول رئيس للأوقاف السُنية في عراق ما بعد صدام. حين كان يصف طفولته في الأنبار في ثلاثينيات القرن الماضي، بقوله إن المساجد لم يسمع بها من قبل في المناطق الريفية، وأن صلاة الجمعة في المدن الكبرى كان يحضرها فقط كبار السن. عدنان محمد سلمان الدليمي، آخر المطاف: سيرة وذكريات (عمان: دار المأمون، 2012)، ص 16.

 

[9] For details on state support for mosque building and the activities of religious preachers, see Muhammad Sharif Ahmad, “Mu’assisat al-Awqaf fi al-‘Iraq,” Da’wat al-Haq 230 (July–August 1983), Moroccan.

 

[10] Amatzia Baram, Saddam Husayn and Islam (Washington D.C.: Woodrow Wilson Center Press, 2014), 268–269.

 

[11]  Kanan Makiya, Cruelty and Silence: War, Tyranny, Uprising and the Arab World (London: W.W. Norton & Company, 1993), 101–102.

 

[12] عدنان الدليمي، صفحات من تاريخ الإخوان المسلمين في العراق (عمان: دار المأمون، 2013). ص 264.

 

[13]   برنامج بلا حدود، قناة الجزيرة، حارث الضاري مع أحمد منصور: مستقبل السُنة في العراق وحاضرهم تحت الاحتلال الأمريكي. بثت في 10 شباط 2004.

 

[14] وبحسب ضاري، فإن "موقفنا من المقاومة في العراق هو موقف كل مسلم وكل وطني... نحن لا نحث الناس على الانضمام إلى المقاومة، لكننا ندعم المقاومة". برنامج بلا حدود، قناة الجزيرة، 10 فبراير 2004.

 

[15]  بيان رقم (14) حول موضوع الانتخابات، هيئة علماء المسلمين في العراق، كانون الثاني 2004.

 

[16]  قرار مجلس الحكم رقم 29، مجلس الحكم الانتقالي، 30 أغسطس 2003.

 

[17]  محسن عبدالحميد.. إسلاميو العراق وعلاقتهم بالإخوان، برنامج لقاء اليوم، قناة الجزيرة، 12/09/2003.

 

[18] المصدر نفسه.

 

[19]  يقول الدليمي في مذكراته إن قرار تعيينه رئيساً للأوقاف السنية قد سلمه إليه الأمين العام للحزب محسن عبد الحميد في 22 تشرين الثاني 2003. انظر الدليمي، آخر المطاف، ص 159.

 

[21] علماء السنة العراقيين يجيزون التطوع في الخدمة في الجيش والشرطة، الشرق الأوسط، 2 أبريل 2005.

 

[22] رئيس جديد لديوان الوقف السني في العراق، الشرق الأوسط، 28 تموز 2005.

 

[23]  الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق: أميركا تآذار لعبة الطائفية، الشرق الأوسط، 11 فبراير 2004.

 

[25]  قانون ديوان الوقف السني المرقم (56) لسنة 2012، الوقائع العراقية، رقم 4254، 15 تشرين الأول 2012.

 

[26] مؤتمر ديوان الوقف السني يعلن تأسيس مجلس علماء العراق، الرياض، 6 أبريل 2007.

 

[27] قانون ديوان الوقف الشيعي المرقّم (57) لسنة 2012، الوقائع العراقية، رقم 4254، 15 تشرين الأول 2012، ص 10.

 

[28] غيث عبد الأحد، "الفساد في العراق: ابنك يتعرض للتعذيب.. سوف يموت إذا لم تدفع"، الغارديان، 16 كانون الثاني 2012.

[29]  راجع ورقة: كيرك سويل، التمرد السني الثاني في العراق، معهد هدسون، أغسطس 2014.

 

[30] مظاهرات حاشدة بجمعة "بغداد صبرا"، الجزيرة، 15 شباط 2013.

 

[31] إغلاق مساجد وجوامع العاصمة بغداد بعد غد الجمعة، العباسية نيوز، 13 آذار 2013.

 

[32] "الخطباء الثائرون" يطالبون بـ"اقليم سني" وجملة "نحكم أنفسنا بأنفسنا" توحدهم وتقسم ست محافظات، قناة عشتار، 5 آذار 2013.

 

[35] الشيخ عبد الملك السعدي: لا أعترف بشرعية الانتخابات المقبلة.. ولا أحث على انتخاب أحد، الشرق الأوسط، 14 كانون الأول 2013.

 

[38] متحدون يؤكد أهمية قرارات المجمع الفقهي العراقي لإقراره مشروع تنظيم الأقاليم، الغد برس، 4 تموز 2013.

 

[39] عبد الملك السعدي، تعقيب على بيان المجمع الفقهي العراقي بخصوص الاقاليم، 4 تموز 2013.

 

[40] عبد الملك السعدي، تصريح رقم (4) حول مقترح إجراء الحوار في الروضة العسكرية، 15 مايو 2013.

 

[42] احمد عبد الغفور السامرائي: المالكي لم يعد يتحملني على رأس الوقف السني، العباسية نيوز، 23 تشرين الثاني 2013.

[43] بيان مجمع الفقهي العراقي حول إغلاق المساجد في بغداد، الحراك، 21 تشرين الثاني 2013.

 

[44] المجمع الفقهي العراقي يقرّر تعليق إغلاق المساجد بشروط، المجمع الفقهي العراقي، 23 تشرين الثاني 2013.

 

[45] عبد الملك السعدي، بيان رقم (39)، موقع عبد الملك السعدي، 30 كانون الأول 2013.

 

[46] بيان رقم (22) حول استهداف محافظة الأنبار، المجمع الفقهي العراقي، 30 كانون الأول 2013.

 

[47] تكتيكات تقطيع السلامي على الطريقة الستالينية (Stalinist-style salami tactics)، تعني الأساليب والتكتيكات العنفية وغير العنفية المستخدمة في تفكيك القوى المعارضة "شريحة شريحة" من الداخل حتى يتم تحييدها بالكامل وتصفيتها عليها نهائياً، وهي تشبه الى حد ما سياسة "فرق تسد" البريطانية [المترجم].

 

[48] عبد الملك السعدي، "بيان رقم 47"، 22 حزيران 2014.

 

[49] المجمع الفقهي، "رسالة تذكير إلى النواب السُنة"، 20 حزيران 2014.

 

[50] عبد الملك السعدي، "بيان رقم 73"، عن تفجير الوقف في قضاء بلد، 8 تموز 2016.

 

[51] المثال النموذجي لخطاب المجمع الفقهي، بيان رقم 42 بشأن مجازر ديالى، 28 كانون الثاني 2015.

 

[52] المجمع الفقهي، "شهادة حق تضامناً مع مسيحي العراق عموماً والموصل بشكل خاص"، 21 تموز 2014.

 

[53] مدير الوقف السني: داعش قتل 66 رجل دين في الموصل، ارفع صوتك، 24 تموز 2017.

 

[54] عبد اللطيف الهميم: من الدعوة لكتابة القرآن بدم صدام ومقاومة الاحتلال إلى هاوية العملية السياسية، العربية نيوز، 25 آذار 2016.

 

[55] المجمع الفقهي، بيان (48) بشأن تعيين رئيس ديوان الوقف السني، 24 حزيران 2015.

 

[56] العبادي للمجمع الفقهي: سوف نحاسب المسؤولين عن جريمة الاعتداء على الاعظمية، المجمع الفقهي، 14 مايو 2015. ايضاً: العبادي للمجمع الفقهي: العلماء لهم الدور الكبير في إصلاح المجتمع، المجمع الفقهي، 2 كانون الثاني 2015.

 

[57] عبد اللطيف الهميم: المالكي لم يرفع الحجز عن أموالي ومشايخ كبار رشّحوني لرئاسة الوقف السني، جريدة القدس العربي، 27 تشرين الثاني 2014.

 

[58] الأوقاف النيابية: 38 نائباً من اتحاد القوى وافقوا على تسنم الهميم رئاسة الوقف السني، الغد برس، 29 حزيران 2015.

 

[59] النائب بدر الفحل في برنامج "الخط الأحمر"، تلفزيون سامراء، 27 تشرين الثاني 2017.

 

[63] "عبد القهار السامرائي: الوقف السني تعاقد مع فضائيات بقيمة 4 مليارات دينار والمجمع الفقهي لم يوافق على شريعة الهميم، الغد برس، 30 أبريل 2017.

 

[64] محكمة النزاهة: الحكم على الهميم بالسجن لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ، شبكة اخبار العراق، 16 ابريل 2017 [هامش الباحث]. ورغم مقاضاة الهميم وادانته بالفساد، إلا انه ظل محتفظاً بإدارة الوقف السُني حتى اقيل في أغسطس 2018، إثر تفشي الفساد في ديوان الوقف على نحو واسع [هامش المترجم].

 

[66] المجمع الفقهي، رئيس جماعة الأزهر وشيخ المقارئ المصرية ورئيس ديوان الوقف السني في ضيافة المجمع الفقهي العراقي، 16 كانون الثاني 2017.

 

[67] مقابلة اجراها الباحث مع نائب سُني [لم يذكر اسمه] في العام 2016 في العاصمة الاردنية عمان. وثمة تصريح مشابه آخر، عبد القهار السامرائي: الوقف السني تعاقد مع فضائيات بقيمة 4 مليارات دينار والمجمع الفقهي لم يوافق على شريعة الهميم، الغد برس، 30 أبريل 2017.

 

[68] سُنة العراق يُحيون مطلب الإقليم، الشرق الاوسط، 2 تشرين الأول 2017.

 

[69] مقابلة مع مهدي الصميدعي، قناة السومرية، 23 أبريل 2017.