تقرير لحلف شمال الأطلسي

I'm an image! ٢٧ / أغسطس / ٢٠٢٢

 

تقرير لحلف شمال الأطلسي

مستقبل العراق: أمن واستقرار ودور إقليمي

 

إعداد: موسى أشرشور

       جاء في تقرير أعده فريق من الخبراء، يشرف عليه التركي أحمد بيرات جونكر، طلبته الجمعية البرلمانية لحلف الشمال الأطلسي (الناتو)، ونشر ت مسودته باللغة الفرنسية في الموقع الرسمي لهذه المؤسسة بتاريخ 4 يونيو 2021، حول مستقبل العراق، أنه "على مدى العقدين الماضيين، شهد العراق حربًا أهلية واحتلالًا وتصاعداً للتطرف وكذلك أزمة ثقة عميقة في الدولة ومؤسساتها. يعتبر بعض المراقبين بأن العراق هو بناء مصطنع، وخليط من مجموعات سكانية متنافرة عرقياً ودينيًا، بحيث يتعذر توحيدها تحت نفس الراية. ومع ذلك، فإن تاريخ البلاد الطويل وعامل الاستقطاب القوي الذي تتمتع به الهوية العراقية منذ الأزل يدحض هذا الادعّاء."

جاء في مقدّمة التقرير: "إن العراق بلد معقّد للغاية، وله تاريخ يمتد لآلاف السنين، لا تزال شواهده ماثلة في كل مكان. تعتبر بلاد ما بين النهرين مهداً للحضارات، وتمتاز براثها الفني والمعماري الرائع والآثار التي لا تزال مهيمنة على المناظر التي دمرتها الحرب، والتي تمثل أحد أهم كنوز البشرية قاطبة. وعلى مدى قرون من الزمن، كانت هذه الأرض موطنًا لأتباع الديانات الإبراهيمية الثلاثة، وازدهر سكانها وتعايشوا في سلام واحترام متبادل".

ومن هذا المنطلق أيضاً يرى كاتب التقرير "أن سلامة أراضي العراق وأمنه ضروريان للاستقرار الدائم لكل دول المنطقة. وإن ما يحدث في العراق له تأثيرات مباشرة على الجناح الجنوبي الشرقي للتحالف وعلى تماسك وتكامل حلف الناتو، الذي يقوم حاليًا بتوسيع مهمته في العراق."

العراق بين المصلحة القومية ومصالح القوى الدولية والإقليمية : -

        يضيف التقرير أنه "منذ عام 2019، تحسن الوضع الأمني ​​في العراق، لكن الدولة تواجه تهديدات داخلية كبيرة وتدخلات خارجية." ويرى أن الانقسامات الداخلية "تتجسد في الميليشيات المتنافسة التي تدعمها أطراف غير عراقية، وكلهّا تسعى لتحقيق طموحاتها الخاصة على الأرض العراقية." على رأس هذه الأطراف الإقليمية التي لها مصالح في العراق وتلعب دوراً رئيسياً فيه، نجد إيران ودول الخليج وتركيا، بالإضافة طبعاً إلى الولايات المتحدة الأميركية والدول الأعضاء في حلف الناتو، وبدرجة أقل، حلف الناتو نفسه. كما يعتبر التقرير أن المنافسات الإقليمية والمنافسة المتزايدة بين الحلفاء من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، تؤثر أيضًا على نحو ما وبدرجة ما على أمن البلاد.

تناول فريق الخبراء بإسهاب مكانة الولايات المتحدة التي لا يختلف اثنان على كونها أقوى لاعب خارجي في المنطقة وفي العراق بوجه أخص. وجاء في هذا الموضوع: "يخشى الخبراء الاستراتيجيون الأمريكان بشكل متزايد من أن الشرق الأوسط سيشغل الولايات المتحدة ويركز اهتمامها ومواردها على حساب التحديات الأساسية الناشئة في بقاع أخرى من العالم." يحدث ذلك في الوقت الذي قررت فيه الإدارة الأميركية تقليص حجم قواتها العسكرية المتواجدة في العراق منذ الاحتلال، بالرغم من أنه لم ينقطع تماماً عن تنظيم عمليات ضد الجماعات الإرهابية هناك. توجد أيضا تركيا العضو الدائم في حلف الناتو، والتي لديها مصالح حيوية في المنطقة وتحارب بلا هوادة حزب العمال الكردستاني الذي ينادي باستقلال كردستان تركيا. وإلى جانب تركيا، يشارك حلف الناتو نفسه في مهمة تدريبية كبيرة تم تعزيزها مؤخرا.

وعن دور دول الخليج العربي وعلاقاتها مع العراق، يقول التقرير أنها أصبحت أكثر تعقيدًا في السنوات الأخيرة، ووصلت إلى أدنى مستوياتها خلال انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011، "بسبب دعم النخب السياسية والدينية العراقية للمتظاهرين الشيعة في تلك البلدان"، حسبما جاء في التقرير. ونوّه الكاتب بما قام به رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من مبادرات من أجل تحسين العلاقات مع دول الخليج وجذب استثمارات جديدة من هذه المنطقة الثرية. ومن جهتها، تسعى دول الخليج، ولا سيما منها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتوطيد العلاقات مع العراق "أملاً في منع انضمامها بشكل كامل إلى المعسكر الإيراني". 

حلف الناتو مشغول بإشكالية إيران : -

     وفي تحليله لدور إيران، يركز التقرير على مساعي طهران إلى "ضمان عدم عودة العراق إلى الظهور كتهديد عسكري أو سياسي أو أيديولوجي"، في إشارة إلى حقبة الثمانينيات في عهد صدام حسين، حيث أدى الاحتقان بين البلدين الجارين إلى نشوب حرب مدمّرة استمرت ثماني سنوات. "وفي نفس الوقت، تحرص الجمهورية الإسلامية في إيران على ألاّ يغرق العراق في حرب أهلية، ولا أن يقيم نموذجًا ديمقراطيًا أو دينيًا مختلفًا يمكن أن يستهوي الإيرانيين الناقمين على النظام القائم، وقد يشجعهم على الانقلاب على ولاية الفقيه كمرجعية أيديلوجية لنظام حكم يستمد شرعيته منها منذ أربعين سنة. لذلك تسعى طهران إلى الحفاظ على وحدة أراضي العراق، مع تشجيع حكومة صديقة يهيمن عليها الشيعة".

ومحص التقرير آثار التدهور السريع للوضع الاقتصادي في العراق منذ بداية جائحة كوفيد -19 على استقرار البلد.  وهنا يشير الكاتب إلى أن "ما زاد من تعقيد الوضع اعتماد الاقتصاد العراقي على صادرات الطاقة وعلى قطاع عام متضخم، بالإضافة إلى تقلّص الإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط، في حين أن انعدام الأمن والفساد المستشري وضعف قدرة الدولة كلها تعيق قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل جديدة." وتوضح الوثيقة في هذا الشأن أن سوء الأحوال الاجتماعية لفئات عريضة من العراقيين أدى إلى اندلاع انتفاضات سياسية خطيرة في البلاد في خريف 2019. وخلص التقرير أن "رفض النخبة للتغيير وعدم استجابة الحكومة وقمع الاحتجاجات، كل ذلك أدى إلى تراجع ثقة العراقيين في نظامهم السياسي بشكل حاد."

ومن توصيات التي تضمنها تقرير فريق الخبراء المختصين في شئون الشروق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط عن الوضع الأمني في العراق، أن قطاع الأمن في هذا البلد يعاني من نقائص جمّة، فلهذا ينبغي تعزيزه "بطريقة شاملة." ويسجل أن العديد من قوات الدفاع تعمل حاليا تحت رعاية الدولة العراقية، منها الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي وقوات الأمن الكردية، وأن الكثير من الأجهزة تعمل، نظريًا، باسم الدولة أو بأمر منها، لكن فيما يتعلق بجهاز مكافحة الإرهاب ووحدات التعبئة الشعبية، فهي في الواقع تتبع رئيس الوزراء مباشرة. ويشدّد التقرير في هذ الجانب على تباين حجم وقدرة هذه الأجهزة، بحيث أن "بعضها محترف نسبيًا بينما يعاني البعض الآخر من مشاكل الفساد والمحسوبية وضعف في التحفيز."

دواعي التفاؤل : - 

       وتناول التقرير مسألة الأمن القومي في العراق بالأرقام. يذكر أن الجيش العراقي الذي يبلغ تعداد قواته 300 ألف جندي، يشكّل أكبر قوة أمنية في هذا البلد. لكن، إذا كانت هذه القوة تحظى بأكبر ميزانية (17.3 مليار دولار أمريكي في عام 2019)، إلا أنها تعدّ بلا شك الأقل فاعلية من قوات الأمن العراقية بسبب "افتقارها إلى المهنية وعلاقاتها السيئة مع حكومة بغداد، وكذلك بسبب التسييّس الذي تتعرض له"، على حد تعبير فريق الخبراء الذين أعدوا التقرير. ونتج عن هذا الوضع إثارة التوترات في المناطق السنية والكردية في البلاد. كما يعاب على سلك الضباط في الجيش النظامي "كثرة ولاءاتهم وانتماءاتهم السياسية والدينية"، إلى جانب انتشار المحسوبية والفساد في صفوفهم، وفق ما جاء في التقرير.

يمضي كاتب التقرير في تحليله للوضع الأمني وحالة الاستقرار في العراق والمنطقة، موضحاً أنّه "يتعين علينا أن نفهم الوضع العراقي من زاوية إقليمية بالطبع ولكن أيضّا من وجهة نظر عالمية. "لأن في كل مرة، تقدّر أهمية السياسات المطبقة فيما يتعلق بالعراق وفقًا للإمكانيات التي توفرها إمّا لتعزيز الاستقرار الإقليمي أو لتقويضه."

وعن دواعي التفاؤل في حدوث تطور إيجابي في المستقبل القريب في العراق والمنطقة، جاء في الوثيقة: "من التطورات الإيجابية التي ظهرت في المنطقة في السنوات الأخيرة نذكر: القضاء شبه التام على تنظيم الدولة (داعش) في العراق وسوريا، الجهود التي تقودها الكويت للتنسيق بين قطر واللجنة الرباعية للشرق الأوسط (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، الحاجة التي أعربت عنها دول الخليج لتطوير نهج جديد للصراع في اليمن، وأخيرًا، استئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران حول كيفية إعادة النظر في جميع المسائل المتعلقة باتفاقية فيينا بشأن الملف النووي الإيراني..."

وفي سياق متصل، يرى فريق الخبراء أن استئناف العملية الدبلوماسية مع إيران "قد يكون مفيدًا للعراق، بالرغم من المخاطر المقترنة بمثل هذه المبادرة"، موضحاً أن العودة إلى حوار أكثر عقلانية مع طهران "يمكن أن يساعد على إحياء اتفاقية فيينا وإدراج بروتوكولات إضافية لتوفير الضمانات اللازمة فيها، وتقليل التوترات في منطقة لا تزال مهددة بالنزاعات الداخلية والصراعات العابرة للحدود." وتبقى حظوظ نجاح الخطة مرهونة، وفق رأي الخبراء، بمدى استعداد إيران "لوقف مغامراتها خارج حدودها." أو بمعنى أدق، وقف تدخلاتها في العراق.

وفي نفس السياق، يوصي فريق الخبراء التابع لجمعية البرلمانية لحلف الناتو بلدان التحالف الدولي بتشجيع ودعم الحكومة العراقية في جهودها للقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية في العراق. "في هذه الفترة الدقيقة والحرجة التي تمر بها المنطقة، لا مناص لحلف الناتو من أن يتمسك بالتزامه في هذا البلد ويستمر في دعم الحكومة العراقية. لأن بذلك سيساهم في تعزيز قدرة الحكومة على القيام بعمليات عسكرية، وزيادة ثقة العراقيين في دولتهم، وضمان الاستقرار وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحسين مناخ الاستثمار. كما سيسمح لبغداد بسد الثغرات التي تزعزع استقرار البلاد والمنطقة ككل".

ويختم التقرير توصياته: "يجب علينا أن نحارب نزوع إيران للتدخل في الشؤون الداخلية لجارتها، وهي ممارسة أجبرت جزء معتبر من المنطقة على السير على حبل مشدود. إن التزام الدول الأعضاء في حلف الناتو بدعم الإصلاح الأمني ​​العراقي وعمليات بغداد ضد كل الذين يسعون لتقويض سيادة البلاد يحمل رسالة دبلوماسية مهمة. وعليه، ستواصل الجهات الفاعلة الرئيسية على الساحة الدولية اعتبار استقلال العراق وتنميته أمرين أساسيين. وهذا يعني أنها سوف لن تدعم تطوير استراتيجية ردع شاملة ضد الدول التي قد تسعى إلى مهاجمة سيادة الدولة العراقية فحسب، وإنما يعني أيضًا أنها ستساعد بغداد على متابعة جهود الإصلاح وإعادة الإعمار."

 

م. أ.

 

المصدر:

"مستقبل العراق: أمن واستقرار ودور إقليمي" (بالفرنسية)، فريق مختص في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، تحت إشراف أحمد بيرات جونكر (الجمعية البرلمانية لحلف الناتو)، 4 يونيو 2021.