فكرة "نهاية التاريخ" كما طرحها فرانسيس فوكوياما ليست فقط نظرة تأملية في مسيرة التطور السياسي والاقتصادي للمجتمعات، بل هي تمثل أطروحة كبرى حول مسار الحضارة واتجاهاتها النهائية. هذه الرؤية، التي انبثقت في خضم انهيار الاتحاد السوفيتي وصعود الهيمنة الغربية، تشير إلى نهاية الصراعات الأيديولوجية الكبرى؛ حيث يرى فوكوياما أن "الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية" تمثلان ذروة التقدم السياسي والاجتماعي، وأنهما النظامان اللذان ينسجمان مع الطبيعة البشرية في سعيها نحو الحرية وتحقيق الذات.
لكن هذه الفكرة لم تكن وليدة التسعينيات، بل تعود إلى جذور فلسفية عميقة، تتلمس ملامحها في أعمال هيغل، الذي اعتبر أن التاريخ يتبع "عقلًا" يحكمه نحو غاية معينة. في هيغلية فوكوياما، نجد صدى لفكرة الهيغلية التي ترى في التطور التاريخي صراعًا بين الأضداد ينتهي عند مرحلة "وعي الروح" التي تتجسد في دولة عقلانية شمولية تُمثل قمة الإنجاز الإنساني.
غير أن هذه النظرة، والتي تبدو منجذبة إلى نهاية سعيدة للتاريخ، تتجاهل صراعات القوى والجغرافيا السياسية المعقدة التي تهيمن على النظام العالمي. لقد تنبأ بعض المفكرين، أمثال صامويل هنتنغتون، بأن صدام الحضارات سيكون هو النمط الجديد للصراع، حيث سيصبح الدين، الهوية، والانتماء الثقافي قوى محورية تعيد رسم خرائط العالم بشكل أكثر تعقيدًا مما كان يتصوره فوكوياما.
من جهة أخرى، تظهر النظريات الجيوسياسية الراهنة أن النظام الدولي الحالي ليس سوى صورة مؤقتة في إطار صراعات أعمق لا يمكن اختزالها في مفهوم "نهاية التاريخ". إن القوى الصاعدة من آسيا، وتحولات القوة في الشرق الأوسط، والمنافسة الاقتصادية والتكنولوجيا، تشير جميعها إلى ديناميكية تاريخية مستمرة، يتجادل فيها الفاعلون على مسرح الجغرافيا السياسية العالمية، حيث تظل الممارسات السلطوية والاستراتيجيات القومية تنافس وتزاحم النظم الليبرالية.
للمزيد يمكنكم تحميل المقالة كاملة.
باحث واكاديمي