المساعي السياسية لحل مشكلة حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا

I'm an image! ٠٢ / فبراير / ٢٠٢٥

الملخص التنفيذي

تشهد السياسة الداخلية التركية تطورات ملحوظة نحو حل قضية حزب العمال الكردستاني (PKK المحظور عراقيا ومصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركي والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي). بدأت هذه التطورات بمصافحة غير مسبوقة بين زعيم حزب الحركة القومية (MHP) دولت بهجلي ونواب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) الكردي في أكتوبر 2024 حيث دعا بهجلي، عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، إلى دعوة أنصاره لإلقاء السلاح وبدء عملية سلام في تركيا.

على إثر هذه التطورات قام وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي بزيارة اوجلان في سجنه، ونقل رسالة اوجلان الذي أكد على انه "إذا كانت الظروف مناسبة، فإن لدي القدرة النظرية والعملية لنقل هذه العملية من مستوى الصراع والعنف إلى مستوى سياسي وقانوني".

العراق حظر نشاطات حزب العمال الكردستاني، اذ يعد الأخير مصدر قلق في العلاقات العراقية التركية، وسببا للتدخلات التركية في شمال العراق، لذلك فأن حل قضية حزب العمال الكردستاني داخليا يمكن أن يعزز العلاقات العراقية ــ التركية بشكل أكثر خاصة إذا ما علمنا ان وجود حزب العمال الكردستاني يمكن ان يشكل تهديد أمني كبير على مشروع "طريق التنمية" الذي يعمل العراق إنجازه.

يمكن للحكومة العراقية ان تدعم سياسيا المبادرة التركية الجديدة لحل حزب العمال الكردستاني، كما يمكن لحكومة إقليم كردستان العراق والأحزاب الكردية: الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني ان يعلبوا دورا مهما وذلك بتسهيل عملية التوصل الى تسوية لحل المعضلة الكردية في تركيا، سيما موضوع حل قضية حزب العمال الكردستاني داخل تركيا يجب ان لا يكون على حساب العراق وذلك بانسحاب عناصر هذه الجماعة من تركيا او من سوريا الى الأراضي العراقية لأنها سوف تشكل تهديد للمصالح العراقية والتركية المشتركة خاصة مشروع طريق التنمية فضلا عن نقل الطاقة.

 

 

المقدمة

شهدت السياسة الداخلية التركية تطوراً لافتاً في سياق السعي نحو حل قضية حزب العمال الكردستاني (المحظور عراقيا ومصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي). هذه القضية كانت سبباً رئيسياً في توترات داخلية وهجمات مستمرة في تركيا سواء على الحدود أو في المدن الرئيسية مثل العاصمة انقرا وغيرها من المدن، وقدر عدد ضحايا حزب العمال الكردستاني في تركيا خلال ٤٠ سنة بــ٤٠ ألف شخص، منذ تأسيسه يعمل حزب العمال الكردستاني على انشاء دولة كردية او حصول على حكم ذاتي في تركيا.[1]

في ١ أكتوبر ٢٠٢٤، خلال افتتاح العام التشريعي الجديد للبرلمان التركي، حدثت مصافحة لافتة بين زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، ونواب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي. في ذلك اليوم، دعا بهجلي بشكل علني عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، لإلقاء السلاح وبدء عملية سلام جديدة في تركيا.[2]

استجابةً لدعوات بهجلي، سمحت وزارة العدالة التركية بزيارة عبد الله أوجلان لأول مرة منذ عام ٢٠٢٠. قام وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب بنقل رسالة من أوجلان، الذي أعرب في رسالته عن استعداده لدعم هذا النهج الجديد. حيث ذكر أوجلان في رسالته "أمتلك القدرة والالتزام اللازمين لتقديم إسهامات إيجابية للنهج الجديد الذي يدعمه كل من السيدين بهجلي وأردوغان". كما أعلن استعداده لاتخاذ خطوات إيجابية وإجراء الدعوة المطلوبة. وبدوره، يذكر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الذي نقل وفده رسالة اوجلان من سجن إمرالي في اسطنبول أن تصريحات أوجلان يمكن أن تغير مصير تركيا والمنطقة.[3]

مصير عملية السلام الحالية ما زال غير واضح المعالم وذلك على الرغم من الدعوات ورغبة الحكومة التركية، على الرغم من انه من المبكر تنبأ بمصير عملية السلام التي لم تبدأ لحد الان بشكل رسمي، لكن التجارب السابقة اثبتت فشلها نتيجة عدم جدية الأطراف والتطورات السياسية الداخلية والاقليمية. لكن هذه العملية في حال نجاحها وفشلها سوف يكون لها أثر كبير على مستوى المحلي التركي وعلى دول الجوار (العراق وسوريا)، حيث ينشط حزب العمال الكردستاني في البلدين. ليس هناك ارقام دقيقة عن أعداد عناصر حزب العمال الكردستاني لكن بعض التقديرات تشير الى ان عدد أعضاء الحزب مع مناصريه وداعميه يقدر بـ ٦٠ ألف فرد.[4]

 توقيت الدعوة الى حل سياسي لمعضلة حزب العمال الكردستاني

هذا الحدث الذي بدا غير مألوف في المشهد السياسي التركي، تبعه دعوات اخرى صريحة من زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي إلى زعيم حزب العمال الكردستاني لتفكيك المنظمة بشكل نهائي. بل إنه اقترح أن يلقي زعيم المنظمة خطاباً أمام البرلمان ضمن اجتماع مجموعة حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية التركية. أهمية هذه الدعوة تتضاعف بالنظر إلى أن بهجلي يقود حزباً قومياً معروفاً بتشدده في القضايا القومية وتمسكه بتركية هوية الدولة.

تزامنت هذه التحركات مع تصريحات لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تحدث عن رؤيته لـ “شرق أوسط جديد"، وفي ظل هذا المشهد الإقليمي المتغير، جاءت تصريحات بهجلي كخطوة لتعزيز الجبهة الداخلية التركية، وإظهار موقف موحد في مواجهة التحديات الإقليمية، خاصة تلك المتعلقة بالقضية الكردية.

يمكن النظر إلى تصريحات بهجلي أيضاً على أنها محاولة لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي قد تستغل قضية الأكراد، سواء داخل تركيا أو في المنطقة عموماً، تحت ذريعة الدفاع عن الحقوق الكردية. هذه المبادرة، رغم كونها غير متوقعة، تعكس إدراكاً سياسياً لحساسية المرحلة وأهمية الحفاظ على استقرار الداخل التركي في وجه التطورات الإقليمية. مع انهيار نظام الأسد في سوريا واستيلاء جماعات موالية ومدعومة تركيا على السلطة فيه، تركيا تعمل على حل القضية الكردية، لكن لازال الامر غير واضح كيف يمكن ان يؤثر التطورات في سوريا على عملية التسوية التي تحاول حكومة التركية إنجازها.

على الرغم من أن الدعوات إلى عملية التسوية وحثّ منظمة حزب العمال الكردستاني على إلقاء السلاح كانت في البداية مبررة بالتطورات الإقليمية والظروف المحيطة، إلا أن دولت بهجلي حليف الرئيس رجب طيب أردوغان، ربط هذه التطورات بضرورة استمرار أردوغان في السلطة. برر بهجلي موقفه بأن أردوغان يمتلك الخبرة والقدرة على إدارة البلاد وتجاوز المرحلة الحساسة التي تمر بها تركيا والمنطقة.

في هذا الإطار، دعا بهجلي إلى أهمية تأمين دعم الأكراد لتمرير تعديل دستوري بما يتيح لأردوغان البقاء في منصب رئيس الجمهورية لفترة إضافية، أو كرئيس للوزراء في حال العودة إلى النظام البرلماني. هذا الاقتراح يعكس توجهاً سياسياً لتعزيز استقرار القيادة في ظل المتغيرات الإقليمية والداخلية، مع محاولة تحقيق توازن بين الحاجة إلى السلام الداخلي وضمان استمرار الحكم في يد قيادة ذات خبرة. يمكن القول ان عملية السلام الجديدة مرتبطة بالدرجة الاولى بعملية التغيير الدستوري الذي يسعى له حزب العدالة والتنمية (AKP) مع حليفه حزب الحركة القومية، وذلك لضمان فترة رئاسية جديدة لأردوغان في السلطة.[5]

 ردود الأفعال على دعوات بهجلي لعملية التسوية

موقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان

قدّم الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، دعمه الكامل لزعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الذي دعا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، لإلقاء خطاب في البرلمان ضمن مجموعة حزب المساواة وديمقراطية الشعوب. وأشاد أردوغان ببهجلي، واصفاً إياه بأنه قائد ترك بصمة في التاريخ من خلال مواقفه الجريئة وكلماته المفعمة بالحكمة، ووصفه بأنه زعيم يرسم الاتجاه ويحدد المسار. وقال أردوغان: "نتوقع أن يدرك الجميع أنه لا مكان للإرهاب في مستقبل تركيا. نريد ألا تُضَحَّى هذه الفرصة التاريخية بالحسابات والمصالح. نرغب جميعًا في بناء تركيا خالية من الإرهاب معًا".[6]

 

موقف حزب العمال الكردستاني

أصدرت الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، وهي الهيكل التنظيمي الرئيسي لحزب العمال الكردستاني، بياناً حول "عملية التسوية الجديدة" التي طُرحت في تصريحات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، ودور زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في هذه العملية. وأكد البيان أن "أوجلان هو إرادة حركتنا وشعبنا، وهو الطرف المعني والمفاوض لحل القضية الكردية بشكل ديمقراطي"، مشدداً على أن عبد الله أوجلان سيكون صاحب القرار في هذه العملية".[7]

حزب الشعب الجمهوري (CHP)

أكبر أحزاب المعارضة التركية والتي تمتلك في البرلمان التركي ١٣٠ نائب من أصل ٥٩٣ نائب،[8] وفائز في الانتخابات البلدية في ٢٠٢٤ بأغلب المدن التركية،[9] أكد على انه مع حل المسال الكردية عن طريق البرلمان ولكنه في نفس الوقت أكد اوزغور أزال رئيس الحزب، انهم لن يكون جزء من خطة الأحزاب الأخرى التي تعمل تحت مشروع بناء وتأسيس السلام ولكنه يريد ان يبقي شخصا في السلطة.[10] هذا يعني ان الحزب الشعب الجمهوري غير داعم لخطة حزب الحركة القومية الذي يعمل على تمديد فترة رئاسة اردوغان بدورة أخرى. حزب الشعب الجمهوري الذي استطاع في الفترة الأخيرة خاصة مع الانتخابات البلدية ان يثبت انه يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة يعمل على الفوز بانتخابات الرئاسية القادمة، لا يمكن له ان يدعم عملية سياسية تهدف الى إبقاء اردوغان في السلطة الذي لا يستطيع في ظل دستور الحالي ان يرشح للانتخابات الرئاسية القادمة وذلك بسبب توليه رئاسة الجمهورية مرتين، والذي لا يسمح الدستور بتوليه الرئاسة أكثر من مرتين.

حزب المساواة وديمقراطية الشعوب

بعد ان سمحت وزارة العدالة التركية بزيارة عبد الله اوجلان لأول مرة منذ مارس ٢٠٢٠، قام وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب بزيارة الى سجن ايمرالي في إسطنبول للقاء مع عبد الله اوجلان. بعد اللقاء مع اوجلان، أدلى الرئيسان المشتركان لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، تولاي حاتيم أوغوللاري وتونجر باقرهان، بتصريحات عبر حسابهم على منصة "X" للتواصل الاجتماعي. وجاء في تعليق تولاي حاتيم أوغوللاري: "إن التقييمات التي قدمها السيد عبد الله أوجلان من سجنه في إمرالي تشكل نداءً تاريخياً قادراً على تغيير مصير تركيا والمنطقة بأسرها. لقد أصبح تعزيز التحالف التركي-الكردي والشروع في عملية سلام ديمقراطية، مسؤولية لا يمكن تأجيلها بعد الآن".[11] حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من المتوقع ان يلعب دورا كبير في العملية السياسية القادمة لانه يملك ٥٧ نائب في البرلمان التركي. حزبي العدالة والتنمية وحزب الشعب القومي، يملكان ٣١٥ نائب في البرلمان،[12] بهذا العدد لا يستطيع الحزبان تغيير الدستور ولذلك هم بحاجة صوت الكرد في البرلمان التركي من اجل تمرير التعديل الدستوري.

الاثار الداخلية لعملية اعادة بناء السلام في الداخلي التركي

سبق هذه الدعوات عمليات مصالحة التي استمرت من عام ٢٠١٣ الى عام ٢٠١٥ التي انهارت نتيجة مجموعة من التطورات الداخلية التركية والإقليمية خاصة الازمة السورية. في يوم 21 مارس 2013، الذي يُصادف يوم نوروز، تم اعتباره اليوم غير الرسمي لبدء "عملية السلام" أو ما يُعرف بـ “عملية الحل" او التسوية. تم قراءة رسالة عبد الله أوجلان، التي أشادت بالحل السلمي والديمقراطي للمسألة الكردية، خلال احتفالات نوروز في دياربكر من قبل النائب في البرلمان التركي صِرّي سُريّا أوندر، وقد جاء في رسالة أوجلان: "لقد وصلنا اليوم إلى نقطة يجب أن تسكت فيها الأسلحة وتبدأ الأفكار بالتحدث. لقد انهار النموذج الحداثي الذي يتجاهل ويتنكر ويستبعد الآخرين سواء كنت تركيًا أو كرديًا أو لازيًا أو شركسيًا. نحن ندخل حقبة جديدة تبرز فيها السياسة بدلًا من الأسلحة. الآن حان الوقت لخروج عناصرنا المسلحة من حدود تركيا".[13]

حزب العمال الكردستاني يعتبر أكبر مصدر تهديد أمنى على تركيا، وذلك بسبب تموضعه في المناطق الجغرافية الصعبة، حيث تتمركز في جبال قنديل على التي تقع في المثلث الحدودي العراقي، التركي والإيراني، وتنطلق من هذه الأراضي بعمليات عسكرية ضد القوات التركية المرابطة على الحدود مع العراق، وفي المناطق التي دخلتها القوات التركية في عمق الأراضي العراقية، من جانب اخر بدأ حزب العمال بشن هجمات عسكرية في المدن التركية اخرها كان الاعتداء على مركز الصناعات العسكرية الجوية والفضائية التركية في أنقرة، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص وجرح أكثر من 20 مدني. لذا فأن مسألة حل معضلة حزب العمال الكردستاني سياسيا سوف يساهم بشكل كبير في حل المعضلة الأمنية التي تعاني منها تركيا منذ أكثر من ٤٠ سنة.

ان عمليات السلام التي تطلقها الحكومات التركية عادة ما تكون مرتبطة بتوازنات القوى داخل تركيا، واليوم فأن حزب العدالة والتنمية التركية بحاجة الى تغيير الدستور من اجل ضمان بقاء اردوغان في السلطة، ولذلك يحتاج الدعم السياسي لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي في البرلمان من اجل تمرير التعديل الدستوري.

توقف الصراع العسكري لا يعني ان عملية السلام او التسوية قد تمت ولذلك الحلول المرحلية او الغير الدائمة عادة ما تكون عرضية وتنهار وهذا ما حصل في عملية السلام التي بدتها الحكومة التركية، في ٢٠١٣ والتي انتهت ب٢٠١٥. حيث لم يتم معالجة الأسباب السياسية، الاجتماعية والاقتصادية للمسالة في تركيا. لذلك أي محاولة من تركية جديدة لحل معضلة حزب العمال سوف لن تكون مجدية إذا لم يكون هناك رغبة صادقة من الأطراف كافة في حل المشكلة من جذورها السياسية، الاجتماعية والاقتصادية.

محاولة تجميد الصراع لفترة معينة لأسباب سياسية، وذلك بكسب دعم الأحزاب الكردية في مرحلة معينة، دون المعالجة الحقيقية للمشكلة لن تسهم في حل تهديد التي تشكلها هذه الجماعة على الامن التركي. حيث تنهار العملية بمجرد ان تختفي السبب الذي اوجد الحاجة الى هذه المصالحة، ومن جانب اخر ان التطورات السياسية الداخلية والإقليمية ممكن ان تسبب في انهيار العملية، وهذا ما حصل عندما حصل حزب العمال الكردستاني على إمكانيات كبيرة في داخل سوريا بعد عملية المصالحة التي تمت بين ٢٠١٣ و٢٠١٥.

أي توافق بين حزب مساواة وديمقراطية العشوب من جهة وحزب العدالة والتنمية وحزب الشعب القومي لن يكون في صالح حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي استطاع ان يرفع من شعبيته في انتخابات البلدية ٢٠٢٤، ولذلك من المتوقع ان تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية على إرضاء الكرد في هذه المرحلة من اجل حصول على دعمهم السياسي في ظل انحسار دعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية بين الشعب نتيجة التدهور الاقتصادي بعد جائحة كورونا.

 اثار الاقليمية لحل مشكلة حزب العمال الكردستاني – العراق وسوريا

من المتوقع ان يكون لحل ازمة حزب العمال الكردستاني اثار كبيرة على جيران تركيا خاصة في العراق وسوريا لان حزب العمال الكردستاني ينشط في البلدين في مناطق ذات غالبية من القومية الكردية، فالحزب الذي يتخذ من الجبال العراقية منطلق لعملياتها العسكرية على الشريط الحدودي بين العراق وتركيا، بالإضافة الى عملياتها داخل العمق التركي، والتي خلفت خسائر كبيرة في صفوف القوات التركية فضلا عن المدنيين الاتراك، حيث شن التنظيم (١٠٨٤) عملية عسكرية بحسب بيان وزارة الخارجية التركية.[14]

العراق يعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة ويرى ان هذه المنظمة تشمل مصدر قلق في العلاقات العراقية ــ التركية، لذا فأن حل هذه الازمة سوف يساهم بشكل كبير في تطوير العلاقات الثنائية مع تركيا، منزعجة من تواجد حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية وتطالب من العراق بمحاربته على غرار محاربته لتنظيم داعش وحله لمنظمة مجاهدي الخلق وابعادهم من العراق.

في ظل تصاعد خطر حزب العمال الكردستاني على الامن القومي العراقي وتشكيله تهديد للمصالح العراقية، اتخذ القضاء العراقي قراراً بحل ثلاثة أحزاب سياسية، قال إنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، المحظور في العراق. وصدر القرار عن الهيئة القضائية للانتخابات، بعد تلقيها طلباً موجهاً من دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية بحل الحرية والديمقراطية الايزيدية، وجبهة النضال الديمقراطي، ومجتمع كردستان، بناء على شكوى تقدّم بها جهاز الأمن الوطني.[15]

في وقت يعمل العراق على انشاء طريق التنمية التي تربط الخليج بتركيا وبالتالي بأوروبا عبر طرق برية وسكك حديد، وإذ يتطلب ان يكون مناطق مرور هذا المشروع الاستراتيجي، مناطق امنة وغير مهددة، وحزب العمال الكردستاني يشكل تهديد مباشر على هذا المشروع.

بعد انهيار عملية الهدنة التي كانت قائمة بين القوات التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني في حزيران عام ٢٠١٥، والتي استمرت لمدة عامين ونصف، زادت عمليات العنف في شمال العراق بشكل ملحوظ وهذا يدل على ان أي عملية سلام داخلي تركي سوف ينعكس على الداخلي العراقي.[16] يلاحظ من خلال المخطط ادناه بعد انهيار الهدنة عدد الحوادث الأمنية بين القوات التركية وحزب العمال قد تصاعد في العراق بشكل اكبر بكثير مما كانت عليه سابقا، مع تزايد اعتداءات حزب العمال الكردستاني قلت عملياتها داخل الأراضي التركية وذلك بسبب الضغط العسكري التركي وتضييق الخناق عليه في داخل الأراضي التركية مما اضطر عناصر حزب العمال الى الانسحاب الى الأراضي العراقية التي تتمتع بتضاريس جغرافية صعبة.

على الرغم من قدرة والامكانيات العسكرية المهمة والتجربة التي يمتلكها العراق في محاربة الإرهاب، لكن قدرة القوات الامنية العراقية في محاربة الجماعات المسلحة في المناطق الجبلية خاصة في شمال العراق ليست مهمة سهلة، خاصة اذا ما علمنا ان العراق يمتلك تجربة مريرة في الصراع في المناطق الجبلية التي كلفت الكثير من الخسائر البشرية خلال حقبة الحرب بين النظام العراقي السابق والجماعات الكردية في شمال العراق 1961 ــ 1970، لذلك أي عملية سلام داخلية بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني سوف يصب في مصلحة امن العراق شريطة ان لا تكون هذه العملية في مقابل انسحاب عناصر هذه المجموعة من داخل المدن الأراضي التركية الى الأراضي العراقية، وانما يجب ان يكون هناك تسليم للسلاح، وخروج عناصره من الأراضي العراقية ايضا.

المصدر: مجموعة الازمات الدولية/ https://www.crisisgroup.org/content/turkiyes-pkk-conflict-visual-explainer

 

في سوريا هناك كثير من عناصر حزب العمال الكردستاني يعمل ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وإذ تعدها تركيا ــ قسد ــ على انها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. أي محاولة لحل حزب العمال الكردستاني في تركيا سوف يكون لها إثر مباشر على الداخل السوري، حيث تقاتل الجماعات المسلحة السورية المدعومة من تركيا مثل (الجيش الحر) قسد في غرب الفرات وتحديدا في منطقة منبج، وهناك أكثر من تصريح على لسان الساسة الاتراك على انه لا مكان لقسد في سوريا الجديدة، لكن التطلعات التركية تصطدم بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لقوات قسد التي تسيطر على الحقول النفطية في سوريا، والجدير بالذكر ان قسد تسيطر على سجون تحتوي على عناصر تنظيم داعش، وتسيطر على مخيم الهول الذي يحتوي على عوائل عناصر داعش.

ان عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني تعد خطوة استراتيجية لتحقيق استقرار سياسي وأمني تركي وتحسين العلاقات الإقليمية خاصة مع العراق وسوريا، لكنها تواجه تحديات تتطلب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة جذور المشكلة، نجاح هذه العملية سيكون له انعكاسات إيجابية على الأمن الداخلي التركي وعلى علاقاتها مع العراق وسوريا، لكنه يتطلب توافقًا أوسع بين الأطراف كافة في داخل تركيا.

العراق اليوم يمتلك علاقات جيدة مع تركيا وبالتالي فأن ازمة حزب العمال الكردستاني، التي تأخذ من حدود البلدين مصدر لفعالياته، يشكل مصدر قلق في العلاقات الثنائية، من مصلحة العراق ان يدعم عملية السلام الذي بدأته تركيا داخليا لان حل المشكلة الكردية في تركيا سوف يكون دافع لتطوير العلاقات بين البلدين بشكل أكثر ويمكن هنا لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالدرجة الأولى والديمقراطي الكردستاني ان يعلبا دورا في دعم عملية التسوية الجديدة التي تعمل عليها الحكومة التركية سواء بشكل مباشر بتواصل مع الجهات الكردية في تركيا او عن طريق الحكومة المركزية في بغداد او من خلال حكومة إقليم كردستان العراق.

التوصيات

ماذا يمكن للعراق ان يقوم به:

·       يمكن للحكومة العراقية ان تدعم سياسيا مبادرة جديدة لحل حزب العمال الكردستاني، اذ ان بقاء مشكلة حزب العمال الكردستاني سوف تشكل تهديد على مشروع طريق التنمية يعمل البلدان على إنجازه بالإضافة الى ان حزب العمال الكردستاني يمكن ان يشكل تهديد كبير لمشاريع نقل النفط والغاز من العراق وإقليم كردستان العراق الى تركيا.

·       يمكن لحكومة إقليم كردستان العراق والأحزاب الكردية تحديدا: الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني ان يعلبوا دورا مهما وذلك بتسهيل عملية التوصل الى تسوية لحل المعضلة الكردية في تركيا، من خلال حث عناصر حزب العمال الكردستاني على تسليم السلاح والانخراط في العمل السياسي السلمي في تركيا.

·       على الحكومة العراقية ان تعمل على ان لا تكون الأراضي العراقية ملجأ للجماعة المسلحة والمعارضة العسكرية لدول الجوار، حيث ان العراق ملزم بحسب دستوره، ان لا يكون منطلقا لنشاطات تضر دول الجوار، ولذلك في مقابل هذا الالتزام يجب مطالبة دول الجوار بعدم تصدير مشاكلها الى العراق، سيما ان حزب العمال الكردستاني أصبح يشكل خطر على الامن القومي العراقي بالإضافة انه يعتبر حاليا أكبر تهديد للعلاقات العراقية ــ التركية، وان انتقال عناصر حزب العمال الكردستاني من تركيا او من سوريا الى العراق سوف لن يخدم امن البلدين

الخلاصة

تشهد السياسة الداخلية التركية تطورات ملحوظة نحو حل قضية حزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوربي. العراق يعتبر حزب العمال الكردستاني حزب محظور، ويعتبره مصدر قلق في العلاقات العراقية التركية، وسبب للتدخلات التركية في شمال العراق، لذلك حل قضية حزب العمال الكردستاني داخليا يمكن أن يعزز العلاقات العراقية- التركية بشكل أكثر خاصة إذا ما علمنا ان وجود حزب العمال يمكن ان يشكل تهديد أمني على مشروع "طريق التنمية" الذي يعمل العراق إنجازه.

حل قضية حزب العمال الكردستاني سلميا سوف يساهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار داخل سوريا ايضا، وهذا بدوره له انعكاس كبير على العراق، ان الصراعات داخل سوريا سوف يساهم في استمرار بقاء اللاجئين السوريين في العراق وسوف يساهم في هجرات جديدة خاصة على إقليم كردستان العراق.



[1] 722 PKK terrorists eliminated in first 10 months of 2024, Daily Sabah, https://www.dailysabah.com/politics/war-on-terror/722-pkk-terrorists-eliminated-in-first-10-months-of-2024, (20.12.2024).

[2] Ayşe Sayın, Bahçeli Öcalan’a çağrısını yineledi, Erdoğan’ın adaylığı için anayasa değişikliği istedi, 5 Kasım 2024, BBC, https://www.bbc.com/turkce/articles/c1wj32r9dzvo, (15.01.2025).

[4] Burak Ünveren, Turkey, the Kurds and the PKK, DW, 10,5,2024, https://www.dw.com/en/turkey-the-kurds-and-the-pkk/a-70604433, (25.12.2024).

[5] Ayşe Sayın, Bahçeli Öcalan’a çağrısını yineledi, Erdoğan’ın adaylığı için anayasa değişikliği istedi, BBC, 5.11.2024, https://www.bbc.com/turkce/articles/c1wj32r9dzvo, (15.01.2025).

[6] Ayşe Sayın, Bahçeli Öcalan’a çağrısını yineledi, Erdoğan’ın adaylığı için anayasa değişikliği istedi, BBC, 5.11.2024,  https://www.bbc.com/turkce/articles/cwy1wn9pyz3o, (20.12.2024).

[7] PKK'dan çözüm süreci açıklaması: Muhatap Öcalan, DW, 25.10.2024, https://www.dw.com/tr/pkkdan-%C3%A7%C3%B6z%C3%BCm-s%C3%BCreci-a%C3%A7%C4%B1klamas%C4%B1-muhatap-%C3%B6calan/a-70596198, (25.12.2024).

[8] 28. Dönem Milletvekilleri Sandalye Dağılımı, Türkiye Büyük Millet Meclisi, https://www.tbmm.gov.tr/sandalyedagilimi  (17.01.2025).

[9] 31 Mart 2024 Yerel Seçimleri / Belediye Başkanlıkları Türkiye Geneli, Hürriyet, https://secim.hurriyet.com.tr/31-mart-2024-yerel-secimleri/secim-sonuclari/, (17.2025).

[10] Cumhuriyet Halk Partisi Genel Başkanı Özgür Özel: “Sandık Gelecek, Halkın İktidarı Kurulacak, CHP, https://chp.org.tr/haberler/cumhuriyet-halk-partisi-genel-baskani-ozgur-ozel-sandik-gelecek-halkin-ktidari-kurulacak, (20.01.2025).

[11] DEM Parti'den Öcalan'ın mesajına değerlendirme: Tarihi bir fırsatın eşiğindeyiz, Tele1, 29.12.2024, https://www.tele1.com.tr/dem-partiden-ocalanin-mesajina-degerlendirme-tarihi-bir-firsatin-esigindeyiz, (29.12.2024).

[12] 28. Dönem Milletvekilleri Sandalye Dağılımı, TBMM, https://www.tbmm.gov.tr/sandalyedagilimi, (21.01.2025).

[13] Öcalan calls on Kurdish militants to bid farewell to arms for a ‘new’ Turkey, Hürriyet Daily News, https://www.hurriyetdailynews.com/ocalan-calls-on-kurdish-militants-to-bid-farewell-to-arms-for-a-new-turkey-43373, 23.03.2013, (19.01.2025).

[14] Türkiye - Irak Siyasi İlişkileri, Türkiye Cumhuriyeti Dışişleri Bakanlığı, https://www.mfa.gov.tr/turkiye-irak-siyasi-iliskileri.tr.mfa, (21.01.2025).

[15] فاضل النشمي، القضاء العراقي يحل أحزاباً مرتبطة بـ«العمال الكردستاني»، الشرق الأوسط، https://aawsat.com/العالم-العربي/المشرق-العربي/5047940-القضاء-العراقي-يحل-أحزاباً-مرتبطة-بـالعمال-الكردستاني، (٣/١٢/٢٠٢٤)

[16] Türkiye’s PKK Conflict: A Visual Explainer,  International Crisis Group, https://www.crisisgroup.org/content/turkiyes-pkk-conflict-visual-explainer , (20.01.2025).