تغيير العراق!

I'm an image! ٢١ / مارس / ٢٠٢٥

بموازاة الاهتمام العالمي بالوضع السوري القلق وتداعياته الامنية والسياسية، ينصب الاهتمام على العراق كون تجربته السياسية وطريقة ادارة الدولة مازال يكتنفها الكثير من التحديات، ومازال الخطاب السياسي والاعلامي -سيما في موسم رمضان الدعائي -يثير حالة طوارئ وطنية لكثرة التحذيرات والمشاريع والشائعات التي تفرض ظلا ثقيلا على يوميات الناس ووعيهم المأزوم اساسا.

كانت التوقعات تشير الى ان الزلزال الذي اصاب المنطقة لن يمر دون ارتدادات على الصعيد العراقي، الضغوطات الخارجية والاستحقاقات المحلية كانت تفترض ارتفاع وعي القوى السياسية، وقادة التشكيلات العسكرية والفصائلية وارباب التسويات، وبالإجمال، الطبقة السياسية واتباعها الماسكين بالسلطات، للتحرك سريعا لاستيعاب التحديات بوعي جديد ومراجعة جريئة وحسابات رجال دولة، وتخطيطات خبراء ومفكرين وصناع رؤى ومهندسي رأي عام.

اجتماعات عديدة تحصل، وحراكات متعددة يخالها المراقب الخارجي استجابة واعية للظروف الداخلية والخارجية، بما يؤدي الى حكمة عملية تفرض استقرارا سياسيا وامنيا وتثبيتا لمعادلة الحكم والقرار، تقوم على المعرفة المعمقة والموضوعية، والحس المستقبلي المتسلح بمعطيات احصائية ومعرفة علمية.

لم يحدث شيء من وراء كل هذه الحراكات، سوى الدخول المتسرع الى حلبة الانتخابات مبكرا، وسعي متواصل للاستفادة من مواقع الدولة واموالها ومؤسساتها، وتنافس حزبي غير حميد للهيمنة على السياسات عبر تحويل المحافظات وحكوماتها المحلية، والوزارات والمؤسسات الاتحادية، الى مركز نفوذ واسترزاق مالي، وتصيير الدولة مقاطعات حزبية يمسك كل حزب برقبة مفصل من مفاصلها، لضمان حصة سياسية ومالية، وترسيخ مبدأ تقاسم (الحصص) في كل شيء، ثم الدخول الى الانتخابات لإضفاء الشرعية على هذا الواقع الهزيل.

البلاد تواجه مشكلات بنيوية ، اقتصادية ومالية وسياسية ومؤسساتية ، تحول دون تعافيها ونهوضها  واستعادة سيادتها الداخلية والخارجية، ابتداء من مشكلات السلاح وتعدد مراكز القوى الى تحويل الدولة الى غنيمة يتداولها الاقوياء المكيافيليون، وحيث تشتد  ضغوطات  الخارج (امريكا) داعية الى توحيد قرار الدولة السيادي واستقلال سياسات الطاقة ،تلوذ الطبقة السياسية بالحيل المعتادة، ترحيل الازمات وتبريد الساخن من المشكلات، واللجوء الى انصاف الحلول ومعالجة كل ازمة بالترضيات ،لذا تبدو الحياة السياسية في العراق مثل السيرك الصاخب ،في كل يوم  مفاجئة ،وفي  كل ساعة احتمال سيء ،مع سيطرة مزاج سوداوي على الناس، واجواء قلق تغذيها وسائل الاعلام وتحفزها الاحداث المتتالية في الداخل والخارج .

في تحليل حالة الدولة الهشة، يتبدى لنا ان العراق يسير في طريق لا ينتهي الى دولة مؤسسات وقانون وعدالة وشفافية، بسبب انحراف بنية الدولة وتراكم الاخطاء، لذلك صار انخفاض اسعار النفط في السوق العالمي يثير مخاوف اقتصادية وامنية في العراق، وصار حدوث اضطرابات امنية وازمات لدى جيران العراق محفزا للغرائز الطائفية والمذهبية والقومية عند المكونات العراقية، كما صار العراق متوثبا ومستجيبا لكل الدعوات الخارجية دونما وعي بالمصالح العليا والستراتيجية للدولة العراقية.

سبب كل ذلك هو فشل عقل الدولة في التفكير خارج النسق  الذي اعتاده، هذا النسق مازال مهيمنا على افق التفكير والتخطيط والمشاعر والاستجابات العاطفية ،الدولة في العراق تسيرها طبقة اوليغارشية هم (الرعاة)من زعامات وكبار الساسة الذين يخططون ويفرضون على الحكومة برنامجها ،يلي هذه الطبقة ، رجال الاقتصاد الطفيلي من مكاتب اقتصادية ومافيات المقاولات ورجال الاعمال والمليارديرية الجدد الذين يهيمون على قطاع التجهيز والمشاريع والذين يتحالفون مع نواب وزعامات سياسية وقوى مسلحة تفرض الابتزاز على الحكومة وتستحصل الاستثناءات وتتربح من الاستثمار عبر شبكة علاقات ممسكة بالقرار، تأتي بعد هذه الطبقة، طبقة الزبائن من جمهور الاحزاب المؤدلج والمنتفع من هذه القوى التي يتخادم معها ويسكت على تجاوزاتها، ويدافع عنها، هذه البنية المثلثة اخرجت القطاع الاكبر من الشعب من حساباتها (حدود 80 بالمائة كما تدل على ذلك نسبة المشاركة الحقيقية في الانتخابات)، وبغياب الثقة السياسية وعزوف الناس عن المشاركة الانتخابية، لا يتوقع حصول تغيير حقيقي في بنية السلطة ولا في اداء السياسيين، ما يعني ان السلطة ستعيد انتاج نفسها في كل مرة، وتعيد بناء توافقاتها وتقاسماتها للسلطة والثروة ومواقع النفوذ، وكل فئة او مكون يعيد استخدام ذات الاوراق التفاوضية وبنفس الاسلحة والخطاب، لذلك من غير المتوقع ان يغادر العراق حالة الضعف والهشاشة رغم التحديات المتزايدة، ومن غير المتوقع ان يستفيد العراق من المعطيات الراهنة في البيئة الاقليمية والدولية ليقدم للعالم تجربة نجاح، اذ ستبقى هذه التجربة متواضعة رغم التحسن النسبي لحال الدولة والمجتمع ،لكنه تحسن معتمد على قاعدة ضيقة تهتز باهتزاز العوامل الاقتصادية والامنية والسياسية .