التحيزات المعرفية وسبل تجاوزها

I'm an image! ١٦ / يناير / ٢٠٢٥

كثيرا ما نطلب من الآخرين أن يفهمونا أثناء حوارنا معهم، كثيرا ما يحدث سوء فهم بيننا وبين من ندخل في حديث معهم عن موضوع معين، وغالبا ما ندعي أننا عقلانيون ونجد أن الآخرين ليسوا عقلانيين بالدرجة المطلوبة فينشأ عن ذلك عقم في حوارنا، كثيرا ما نقول إن آفة مجتمعاتنا هي عدم قبولنا للآخر المختلف عنا في فكره، في معتقداته، في طريقة تعاطيه مع العالم الخارجي ومعطياته ووقائعه وأحداثه. ولكن قليلا ما نفهم أنفسنا، قليلا ما نعترف بأننا لسنا عقلانيين بالدرجة المطلوبة حينما نتحاور مع الآخر، ذلك الآخر المختلف عنا. ونادرا ما نعمل النظر في أنفسنا وطريقة تفكيرنا ونفهم عالمنا الداخلي ...قليلا ما نعترف أننا متحيزون معرفيا....

فما هو التحيز المعرفي؟ ما هي أهم أنواعه؟ ما هي خطورته؟ وما هي سبل تجاوزه؟

التحيز هو انحراف، وحينما نقول تحيز معرفي يكون التحيز المعرفي انحراف في طرق إعمال العقل للوصول إلى المفاهيم والأحكام والأفكار المترابطة حول الظواهر المختلفة المحيطة بعالمنا ومجتمعنا. إذا كان بناء المعرفة هو أول خطوات بناء الإنسان، فإن من الضروري بمكان ومن الملح أيضا أن نسعى إلى تقصي آفات متعلقة بعملية بناء المعرفة. إنها التحيزات المعرفية.

التحيزات المعرفية هي تشوهات في طريقة التفكير، تمنع أي إنسان من أن تكون أفكاره وسلوكياته وخياراته عقلانية. هو آلية للتكيف تسمح للدماغ بمعالجة المعلومات بطريقة متجزأة لتكوين حكم يتسم بالسرعة أكثر منه بالدقة.

يدعي كل منا العقلانية وحينما نناقش أحدا غالبا ما نطلب منه استخدام عقله.  هل فعلا نحن عقلانيون وغيرنا غير عقلاني؟ لماذا نتحيز لطائفتنا، لديننا لقبيلتنا؟ هل نظن أنهم معصومون عن الخطأ وأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة بينما غيرنا لا يمتلكها؟ لماذا نتجنب الصحف التي لا تدعم أفكارنا ما لأسباب التي تدفعنا للتعلق بالماضي والخوف من المستقبل؟

كيف يكون العقل الذي خلقه الله حرا كيف له أن يكون متحيزا؟

الدماغ كالسيارة وهي موجودة عند كل إنسان حتى المريض العقلي، العقل هو ذلك السائق الذي يجيد قيادة السيارة. فالمشكلة هي فيمن يقود السيارة. هناك من يقود باحتراف وهناك من يقودها إلى حتفه. "العقل يعقل الدماغ"

منذ الصغر يولد الإنسان في بيئة اجتماعية ما، ويتأثر بمؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، يتكلم لغة ما، يعتنق دينا ما، ويجد نفسه في أطر انتماء معينة ومختلفة تشكل شخصيته وتؤثر على نمط تفكيره وطريقة تعاطيه مع العالم الخارجي ومعطياته وأحداثه ووقائعه. أن تشكل المعاني التي تضفي على الأشياء والأشخاص والأفكار عنصر قداسة يعني باللا وعي لدى الفرد أنها معصومة عن الخطأ، الصحيحة صحة مطلقة، لا نسبية فيها. وعنصر القداسة الذي يخيم على تلك المعاني في ذهن الفرد تؤثر على طريقة تفكيره بحيث لا يكون قادرا عند التعامل مع بقية أفراد المجتمع، مع القضايا، مع الأحداث، أن يدرك محدوديتها ونسبيتها.

إن غرس القداسة منذ الصغر تجاه مفاهيم ومعتقدات معينة دون النظر في حقيقتها ودون الاطلاع على مفاهيم ومعتقدات مختلفة أمر خطير. بمعنى آخر، يصبح بموجب ذلك كل ما لا يتفق مع معتقداتي يخضع لمعايير ذاتيه تصب في إطار "الآخر المخطئ لأنه لا يشبهني أو ليس مثلي" أو "الرأي أو المعلومة الخاطئة التي لا تمثلني". وقد يميل الشخص إلى معاملة الأفراد الذين ينتمون لمجموعتهم المعرفية والحياتية معاملة أفضل من أولئك الذين ليسوا بإطار هذه المجموعة.

قد يشكل ما تربينا عليه، أو ما اعتدنا على قراءته أو سماعه مجال راحة نفسي بحيث أي شيء غريب أو مختلف يدخل دائرة الراحة الذهنية والنفسية يكون مرفوضا بشكل لا واع.

يميل الإنسان بكلتا الحالتين إلى عملية انتقاء ذهني للمعلومات وتفسيرها بطريقة تنسجم مع الأفكار المسبقة مع حالة من الإنكار اللا واعي لضرورة إخضاع هذا الانتقاء لتمحيص وتدقيق وتفكير معمق، ما يشكل انحرافا منهجيا عن الحكم العقلاني حيث يتم رسم استنتاجات حول الأشخاص والوقائع والمواقف والأحداث بشكل غير منطقي.

إننا بدون وعي منا وبغالبيتنا واقعين تحت تأثير التحيز المعرفي. حيث نميل بطبيعتنا السيكولوجية إلى الأشخاص الذين يشبهونا، والأفكار المطابقة لتلك الموجودة في رأسنا، وعند مواجهة مشكلة ما نميل إلى الحصول على الحلول التي تلاءم آراءنا وعواطفنا وانطباعاتنا التي ترسخت بشكل معتقدات، فنقول مثلا: "أنا أعتقد"، بحيث ما نعتقده راسخ بشكل يدفعنا لانحراف أو خطأ في التفكير دون وعي منا أو دون الاعتراف بذلك.

أن التحيز المعرفي والذي سبق أكثر أشكاله شيوعا وخطورة هو ظاهرة نفسية اجتماعية لا يسلم منها حتى الباحثين المحنكين وليس فقط البشر العاديين، فعلى سبيل المثال قد يضع الباحث فرضية ويجمع كل المعلومات التي تميل إلى إثباتها دون وعي منه أو إدراك لمخاطر هذا الانحراف المنهجي ما ينتج عنه ما نسميه بالتصلب المعرفي.

التحيز المعرفي لا يقتصر على تلك الوجوه هناك وجوه متعددة وكثيرة حددها علم النفس، كلها تصب في مجال انحراف في التفكير ينجم عنه سلوكيات مبنية على أحكام غير عقلانية نتيجة اختصارات عقلية يلجأ إليها الإنسان كميل لا واع يؤمن له أولا حماية الذات والبقاء في دائرة الراحة.

فبالإضافة إلى حالة صعوبة نزع القداسة عن معتقد غرس في ذات الفرد، وبالإضافة إلى ميله إلى المجموعات التي تشبهه، وإلى سعيه غالبا إلى جمع معلومات وتفسيرها وفقا لمصفاة ذهنه. قد نجد دافعا نفسيا لإلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم مسؤولية الأخطاء في العمل أو الإدارة أو ما شابه ذلك نتيجة الثقة المفرطة بالأنا، هذا أيضا تحيز معرفي. وقد نميل كبشر إلى تضخيم الحوادث السلبية التي تمر معنا خلال اليوم وننسى أن معظم الأشياء التي حدثت معنا إيجابية.

أنواع التحيز المعرفي

أولا: تحيز خطأ الإسناد: يعني عزو سلوك الشخص إلى التأثيرات التصرفية بدلا من التأثيرات الظرفية. إنه يقوم على ما نسميه ازدواجية المعايير في التعامل مع الآخرين. فبينما يفسر الفرد سلوكه في ظرف ما على أنه ضرورة اقتضتها الظروف الخارجية، يفسر سلوك الآخرين في الظرف ذاته الذي لم يتعرض له شخصيا في تلك اللحظة انطلاقا من الخصائص الفردية لذلك الآخر دون إيلاء العامل الخارجي دورا في دفع ذلك الشخص للتصرف وفق نمط سلوك معين.

مثال على ذلك، عندما تقود سيارتك في ظرف عادي متجها إلى عملك وترى سائقا يقود مسرعا متجاوزا أنظمة المرور، قد تبدأ بالشتم وتفكر أن تأخذ رقم السيارة. في هذه الحالة أنت لم تعر التأثيرات الظرفية أي أهمية، فقد يكون هذا الشخص واقع تحت ظرف قاهر أجبره على ذلك. والسبب لا واعي أنت تريد حماية ذاتك من الأذى فتتجه باللاوعي إلى هذا النوع من الحكم. لكن تخيل لو كنت تقود سيارتك مسرعا لتسعف أحدا من أقاربك قد تتجاوز كل أنظمة المرور المعمول بها في إطار الدولة القانوني، فيتعرض لك في طريقك سائق ملتزم بأنظمة المرور كما كنت أنت ملتزما بها في إطار ظرفك الآمن، لكنك مع ذلك تبدأ بتفسير سلوكك على أنه اضطراري نتيجة تأثيرات خارجية.

تلعب الثقافة دورا كبيرا في وجود هذا النوع من التحيز في مجتمع أكثر من آخر، وجدت دراسة أجريت عام 1991 أن المجتمعات التي يندرج أفرادها ضمن الثقافات الفردية أكثر عرضة للوقوع في خطر هذا النوع من التحيز مقارنة بالمجتمعات التي ينتمي أفرادها إلى ثقافة جماعية. فالآسيويون الذين ينتمون إلى ثقافة الجماعة يتجهون إلى عزو المواقف إلى الظروف الخارجية أكثر من المجتمعات الغربية التي ينسب فيها الأفراد الأحداث إلى مسؤولية الفرد عنها.

ثانيا: تحيز أثر الهالة: وهو الحكم على الأشياء أو الأشخاص بالسلب أو الإيجاب متحيزا إلى صفة واحدة متجاهلا بقية الصفات. خدعة نفسية من أكثر التحيزات أو الانحرافات الذهنية التي تحدث في أدمغتنا بشكل لا واعي، هي شكل من أشكال التحيز الحسي. والمثال الأبرز عليه هو عندما نتأثر بالانطباع الأول في تكوين فكرة عن الشخص وسلوكنا المستقبلي معه بناء على مظهره الخارجي مثلا. هذا الأمر نجده في مقابلات العمل أو في التعيينات بالمؤسسات نجد أن مدير المؤسسة مثلا يحب شخصا لسمة معينة فيه وبالرغم من كفاءة البعض الآخر، نجد أن رئيسه في العمل يمنحه امتيازات لا يمنحها لأحد سواه. فقد يتمتع هذا الشخص بالكاريزما أو سمات خارجية ملفتة أو مشابهة كلون البشرة أو الانتماء للمجموعة ذاتها. قد يكون هذا النوع من التحيز المعرفي سببا في فشل عمل المؤسسات وعدم إيلاء كل الكفاءات العناية الكافية. إذ نسمع أحدهم يقول عن آخر: "أنا معجب بهالته" هذا هو تحيز الهالة.

ثالثا: التحيز التأكيدي: الميل إلى البحث عن معلومات تؤكد تصورات الفرد المسبقة، قد يكون ذلك بقصد الحفاظ على الاستقرار العقائدي أو تأكيد الصورة الذاتية، إنه نتاج سعي الإنسان اللا واعي إلى البقاء في منطقة الراحة الذهنية والأمان النفسي والعقائدي والخوف من التغيير أو القلق إزاء أي معلومة تحرك ساكنا فيما رسخ من أفكار مسبقة عن موضوع ما، عن قضية ما أو عن موقف ما.

حتى الباحث المتمرس قد يقع في خطر التحيز التأكيدي وليس فقط الإنسان العادي، فنجد مثلا طالب دكتوراة يسعى بشكل مسبق إلى جمع كل المعلومات التي تدعم فرضية معينة.

من جهة ثانية، يندرج التحيز الديني والسياسي والثقافي ضمن إطار التحيز التأكيدي، تتطلب مواجهة أو التخفيف من حدة هذا النوع من التحيز المعرفي توعية الشخص ليكون قادرا على تحليل المعلومات بشكل موضوعي، وذلك بهدف تعزيز التفاعل الإيجابي مع الآخرين وتحقيق تواصل فعال.

ومن مخاطر التحيزات الدينية والسياسية أنها نابعة عن التمسك بقداسة المعتقد، ذلك المعتقد الذي يريح الإنسان من عناء الشك كما يرى غوستاف لوبون، ويتابع ما يذكره عن شرحه للمعتقد هو أن العقل لا يبدأ بتبرير المعتقد إلا بعد أن يتم تكوينه. فمن هنا تنبع خطورة انغراس المعتقد باعتباره مقدسا.

رابعا: تحيز النقطة العمياء: وهو ميل الأشخاص إلى الاعتقاد بأن آراءهم وتصوراتهم وأفكارهم عقلانية وبعيدة عن أي تحيز. الميل إلى رؤية الذات على أنها أقل تحيزًا من الآخرين، أو أن تكون قادرًا على تحديد المزيد من التحيزات المعرفية لدى الآخرين أكثر من الذات. كذلك يميل الناس إلى الاعتقاد بأنهم على دراية بـ "كيف؟" و"لماذا؟" يتخذون قراراتهم التي يرون أنهم اتخذوها بلا تحيز، وهو ما يترتب عليه أنهم من المرجح أن ينظروا لأنفسهم على أنهم صنَّاع قرار أفضل من غيرهم.

نسمع عند تعلم قيادة السيارة أن النقطة العمياء هي المكان الذي تنحجب فيه رؤية السائق ولا يكون باستطاعته رصد أي جسم يريد تجاوزه ما قد يعرضه لحادث خطير إذا لم يستطع أن يدير رأسه نحو كتفه ليتأكد من خلو تلك البقعة تماما من أي سيارة قادمة بجانبه. النقطة العمياء لدى علماء النفس هي الفجوة بين نظرتك عن نفسك ونظرة الآخرين عنك.

أي أنه بموجب علم النفس يتمثل تحيز النقطة العمياء بثقتك الزّائدة بأنّ ما تراه هو الحقيقة وبأنّ على النّاس أن ترى فقط ما تريدهم أن يرونه فيك. وعادة ما يكون تقييمك لنفسك أعلى من تقييم النّاس لك أو عمّا هو بالحقيقة.

خامسا: التحيز المتأخر: انحياز معرفي يميل إلى رؤية الأحداث التي وقعت على أنها كانت قابلة للتنبؤ "كنت أعرف أن ذلك سيحدث". يمكن أن يكون للتحيز المتأخر تأثيرا كبيرا على عمليات صنع القرار الخاصة بالأفراد، حيث يمكن أن يؤدي إلى الثقة المفرطة في قدرتهم على التنبؤ بالأحداث المستقبلية. يمكن أن يؤدي التحيز أيضاً إلى تحيز التأكيد، حيث يبحث الأشخاص بشكل انتقائي عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم الموجودة مسبقاً، ما يعني الوصول إلى مرحلة يرفض فيها الأشخاص أي نوع من الرأي المختلف عنهم. من جهة أخرى، عندما تترسخ لدي قناعة أني قادر بشكل مفرط ودون الاحتكام إلى تفكير منهجي أن أتنبأ بالمستقبل من خلال أحداث وقعت فسأكون أقل قدرة على التعلم من الأخطاء والتجارب السابقة.

ومن الأمثلة على ذلك في مجال السياسة. بعد الانتخابات، يقول الناس في كثير من الأحيان أنهم يعرفون من سيفوز طوال الوقت. ومع ذلك، قد لا يكون هذا هو الحال، وقد يكون الناس قد تأثروا بتحيز التأكيد طوال موسم الانتخابات.

لكن ما هو الدافع النفسي العميق اللا واعي وراء تعرضي للانحياز بعد الإدراك، هناك عدة تفسيرات للانحياز المتأخر وأهمها منظور التنافر المعرفي، فعندما أتلقى معلومات جديدة غير متطابقة مع ما رسخ في ذهني من أفكار ومعتقدات قد أشعر أو سأشعر بالانزعاج بمجرد التفكير أني سأغير طريقة تفكيري ، فيأتي هذا النوع من الانحياز المعرفي للحد من التنافر المعرفي ولأظل أشعر بالراحة النفسية والذهنية بأني كان بإمكاني التنبؤ بأن الأمور ستجري على ما جرت عليه بالفعل طول الوقت. وثانيا، مدى راحتي في أن ألقي باللوم على الآخرين وأحملهم مسؤولية أي خطأ وأني أتمتع بثقة مفرطة بذاتي وقدرة استشرافية كبيرة. فنجد مثلا محللا سياسيا يقول: كنت أعرف أن ذلك سيحدث لكن لم يسمعني أحد. وفي مجال الطب، نجد أطباء يبالغون بتوقع نتيجة حالة مرضية معينة نتيجة الثقة المفرطة بقدراتهم.

سادسا: تحيز السلبية: هل سبق لأحد منكم أن خرج من منزله وكان نهاره سعيدا وناجحا بامتياز إلا أنه تعرض لموقف بسيط عكر مزاجه فحكم على اليوم بأكمله أنه سيء؟ نميل كبشر إلى الركون والاستسلام للمشاعر السلبية في كثير من الأحيان هذا ما نسميه بتحيز السلبية. حيث يميل الإنسان إلى التعمق بتجربة الحزن أكثر من لحظات السعادة، يغرق في التفكير في أحداث سلبية ويفقد متعة اللحظات السعيدة. . فإن التحيز السلبي يُفسر لنا سبب قيامنا ببعض السلوكيات، وسبب شعورنا بمشاعر معينة أكثر من غيرها، وسبب تذكرنا للإهانات والتفكير فيها أكثر من المجاملات، وسبب إسهابنا في الحديث عن الأحداث غير السارة أو المؤلمة أكثر من تلك الممتعة أو الإيجابية. إلى جانب ذلك، يفسر التحيز السلبي كون الأحداث والأخبار السلبية هي التي تلفت انتباهنا وتحظى بتركيزنا أكثر من الأحداث والأخبار الإيجابية.

سابعا: تحيز التفاؤل: وهو المبالغة في تقييم احتمالية المخرجات الإيجابية، لا شك أنه من المهم أن نكون متفائلين ولكن على ألا يؤثر ذلك على الأحكام العقلانية

ثامنا: تحيز التأثير الانحطاطي: النكوص إلى الماضي، هو خدعة العقل، أنت تتذكر الماضي على أنه أفضل مما كان وتتوقع أن يكون المستقبل أسوأ مما يحتمل أن يكون حقيقة هذا هو الانحطاط، إنه خدعة عقلية ونموذج يريح الإنسان من الماضي مادام الحاضر ليس مريحا أي الإيمان بالأمس على أنه أكثر ازدهارا وسلاما بما أن الأمور في الحاضر كما تشير إلى ذلك مثلا نشرا الأخبار نحو الأسوأ، ما يعني أن هذا التحيز ا0لمعرفي مخالف لفكرة التطور.

ثامنا: تحيز خدمة الذات: يميل الإنسان في كثير من الأحيان إلى أن يعزو سبب فشله إلى الظروف الخارجية بينما عندما ينجح يعتبر نفسه هو المسؤول شخصيا عن نجاحاته.

تاسعا: تحيز الإرساء: ما أسست عليه يحدد ما هو آت بالنسبة إليك. إذا أسست على الخوف، فأنت لن تتعلم إلا بالخوف ولن تعلم إلا بالتخويف. إذا أرسيت على أساس ديني، مرساتك ستكون على أساس ديني. وإذا أسست على ما هو علمي، الأمور اللاحقة ستتحدد على أساس علمي.

عاشرا: تأثير دونينغ وكروكر: كلما زادت معرفتك قلت ثقتك بنفسك، وزاد تشكيكك بما لديك من معرفة وما لدى الآخرين من معرفة. وهو انحياز معرفي يقوم على ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم وهو ما يدعى بوهم التفوق وهو وهم داخلي. وهو ما يجعل هذا النوع من الناس أن يقلل من قيمة المتفوق الحق.

الحادي عشر: تأثير عربة السيرك: وهو تحيز معرفي وميل نفسي يدفع الفرد لألا يختلف عن مجموعة كبيرة من الناس، كانتمائه لحزب الأغلبية كي لا يخالف غيره ويكون منبوذا.

الثاني عشر: انحياز إعماء النور الباهر: وهو تمرير أخطاء العظماء والمشاهير والذين نحبهم نتيجة لرفعنا إياهم لمرتبة المقدس.

كيف السبيل لمواجهة التحيز المعرفي؟؟

بما أن التحيز المعرفي هو خطأ غير واع في التفكير فأول خطوة هي الاعتراف بأننا في أغلبنا واقعين تحت تأثيره أي تجاوز حالة الإنكار أو النقطة العمياء التي تحدثنا عنها.

هل تبحث عن المعرفة التي ترغب في معرفتها؟

إذا كان الجواب لا، اقرأ واسمع للآراء المختلفة. هذا ليس سهلا وخصوصا بالنسبة لمن انغرست فيه مشاعر الخوف من الخروج عن المقدسات والمألوفات.

التحيز التأكيدي برأيي أخطر أنواع التحيزات التي قد تكون خطرة وينجم عنها التعصب الفكري والطائفي والديني. تحتاج مواجهته شجاعة غير قليلة للقراءة غير المتحيزة لكل ما يخالف ما تم غرسه في أذهاننا بالرغم أنه غير موضوعي. فعدم الجزم أن معتقدنا على حق والجميع غيرنا خاطئ هو ليس بكلمة سهلة.

يحتاج الأمر أيضا عدم التسرع في الأحكام ما يجعلنا أكثر قدرة على التفكير المنهجي الذي يبتعد عن الخطأ وإعمال النقد في الأفكار والآراء والأخبار التي نسمعها حتى يكون تحليلها في دماغنا سليما. أيضا يلعب الانفتاح على الآخر والسماع لرأيه دون تعصب للأنا والثقة المفرطة بالذات أو التحيز لمجموعاتنا دورا كبيرا في التعامل مع التحيز المتعلق بالمعتقدات والتحيز التأكيدي.

تدريب النفس على الإيجابية وأن المستقبل ليس أسوأ من الماضي وأن الحاضر هو نقطة البدء للعمل على تجاوز عيوب الماضي هو شيء مقترح للتعامل مع تحيز السلبية.

كما أننا نحتاج إلى التفكير النقدي. لكن ماذا نعني بالتفكير النقدي؟ قلنا إن التحيز المعرفي يودي بنا إلى اتخاذ أحكام غير منطقية بناء على اختصارات عقلية وميل انفعالي. فيكون التفكير النقدي هو القدرة على التفكير بوضوح وعقلانية وفهم العلاقات المنطقية بين الأفكار أو هو القدرة على تحليل المعلومات وتقييمها واستخلاص النتائج. 

العقل لا يحتاج إلا تدليل، فالسكون الفكري ليس فضيلة، والاستسلام للآراء الجاهلة كاملة التصنيع ليس ميزة، وغياب القدرة على تمحيص الأفكار وفهمها وإدراك العلاقات بين الأشياء دليل على كسل العقل وترهله.

هناك حاجة ماسة إلى رؤيا ووعي عند تقييم الذات وعدم رفض الحقيقة مهما كانت مؤلمة. بالإضافة إلى الوعي الفردي أنّك لست الوحيد في هذا العالم ومحور تحرّكاته. والتخلّي عن الاعتقاد بأنّ الجميع يفهم ما تقصده كما تريده أنت. مدح الآخرين وإظهار تقديرهم لا ينتقص من شأنك. كما أن حسن الإصغاء للآخر وتفهّمك لحقيقة مشاعره ورغباته.

لا يمكننا أن نعيش دون الآخرين، وقبل أن نطلب من الآخرين أن يفهموننا علينا فهم أنفسنا بالدرجة الأولى. علينا أن ندرك أن بناء المعرفة عملية جهد متواصل ومحاولة متكررة لتكوين صورة منطقية في أذهاننا عن العالم المحيط بنا، ولكن قبل أي شيء علينا أن نعرف أنفسنا. تنبع أهمية دراسة التحيزات المعرفية برأيي من الناحية العلمية للتعرف على جانب مهم شغل اهتمام باحثي علم النفس الاجتماعي، ومن جهة ثانية لتجاوز عيوب الحوار وتدريب العقل على طرق اكتساب المعرفة بصورة منهجية ومنطقية.